بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله
يشرفني الانضمام الى هذا المنتدى المبارك و ابدا بهذا الموضوع مستفسرا و طالبا التعليق و التوجيه ممن لديه العلم
و اود قبل ان ابدأ ان ابين اني كتبت الموضوع راجيا الله ان يتوقف المسلمون عن تبديع و تفسيق بعضهم في مسائل خلافية لو دققنا فيها لوجدنا انه خلافات لفظية و لوجدنا ان الخلاف اذا حرر جيدا فاننا سنجد انه لا خلاف .
أبدا فأقول
لقد أصبحت مسالة الأخذ بخبر الواحد في العقائد من الأشياء التي أثارت البلبة و الفرقة بين امة الاسلام خاصة في يومنا هذا لما قل العلم و كثر الجهل في دين الله
أنا في مقالي هذا سأثبت أن الخلاف المظنون هنا هو خلاف في المصطلحات و التعريفات لا غير بين الفريقين .
تحرير الخلاف هو السؤال الآتي :
هل يؤخذ بالحديث الصحيح غير المتواتر في العقائد ؟
هناك إجابتان لهذا السؤال و كلتا الإجابتين تنسب الى جمهور العلماء من اهل السنة
الاجابة الاولى تقول : خبر الواحد لا يفيد العلم و ليس بحجة في العقائد .
الاجابة الثانية تقول : خبر الواحد يفيد العلم و هو حجة في العقائد
و سأثبت ان هذين القولين صحيحين و لاتعارض بينهما
فخبر الواحدحجة في العقائد و هو ايضا ليس بحجة في العقائد
طبعا القارىء الكريم سيستعجل بالحكم على هذه النتيجة بأنها متناقضة , و لكني ادعوه للصبر حتى نهاية المقال .
اولا : خبر الواحد هل يفيد العلم ؟
إن اول ما يزيل اللبس في الموضع هو تعريف العلم
فالعلم يطلق و يرد به اليقين التام الذي لا لبس فيه , اي هو التصديق الجازم
و العلم يطلق و يراد به مطلق المعرفة , و المعرفة قد تكون يقينة و قد تكون بغلبة الظن
فإذا فهمنا هذا التفريق عرفنا ان الرأيين صحيح
فخبر الواحد يفيد العلم , اي يؤدي للمعرفة
و خبر الواحد لا يفيد العلم اي لا يفيد اليقين التام الذي لا لبس فيه
ثانيا : العقيدة
أيضا اذا تفحصنا تعريف العقيدة سنرى ان هذه الكلمة تطلق و يقصد بها عدة معاني
فالعقيدة تطلق و يراد بها تلك المسائل القطعية التي يكفر منكرها و التي تميز المسلم عن الكافر , كوحدانية الله و كون محمد عليه السلام نبي من عند الله و كون القرآن كلام الله .
و ايضا يتم اطلاق لفظ العقيدة و يراد به علم العقائد المتخصص بالغيبيات كالبحث في صفات الله سبحانه و اسمائه عز و جل .
و الآن فعندما يقول القائل , خبر الواحد ليس بحجة في العقائد فإن أول ما يجب فعله هو معرفة مالذي يقصده بالعقيدة في قوله هذا.
فإذا قلنا العقيدة بالمعنى الأول , اي المسائل القطعية التي يكفر منكرها , فإن قولنا بأن حديث الواحد ليس بحجة في العقائد صحيح تماما , لأن هذا المسائل الاعتقادية لا يجوز الخلاف فيها , فمن ادعى ان لله شريكا كفر اتفاقا او من ادعى ان القرآن ليس بكلام الله او ان النبي ليس بنبي حقا فقد كفر و خرج عن ملة الاسلام قولا واحدا .
و خبر الواحد مهما كان صادقا أو ضابطا فإن احتمال خطئه أو نسيانه او سوء فهمه , أو روايته للحديث بالمعنى كما فهمه هو , فإن احتمال كل هذه الأشياء وارد و إن كان بنسة ضعيفة جدا جدا .
و لكن هذه النسبة مهما قلت فإنها تجعل المسألة لا يمكن أن تكوّن عقيدة جازمة و بالتالي لا يمكن التكفير على اساسها ( فالعقيدة هنا هي ما يكفر منكرها )
و عندما يقول احدهم بإن حديث الواحد حجة في العقائد فإننا يجب أن نعرف ايضا ماذا يقصد بالعقائد في كلامه
و عند التدقيق في المعاني نجد ان العلماء الذي قالوا بهذا القول هم يقصدون علم الغيبيات من صفات الله سبحانه و ما شابهها من مسائل , و هذه قطعا يؤخذ فيها بحديث الواحد , فإذا لم نأخذ بكلام النبي في هذه المسائل فبكلام من نأخذ إذا .
فما أثبته الحديث الصحيح لله من صفات نثبته له سبحانه حتى لو تعارض مع عقولنا لان النقل مقدم على العقل كما تقرر في اصول اهل السنة .
لماذا الخلاف إذا ؟
أظن أن مصدر الخلاف هو الفرق بين العلماء و تخصصاتهم
فعالم الاصول أو الفقيه ينظر بعين الفاحص الذي يعرف أن مسالة العقيدة هي مسألة خطيرة فيها حد من الله يوجب قتل من ينكرها , لذلك فإنه يتحوط في التعريف ( للعقائد ) لأن الحدود تدرأ بالشبهات , فمن ثبت انه كافر بنسبة 99% و ثبت اسلامه بنسة 1% فقط فأنه الحد يدرا عنه ( و ان كان يعذر و يحكم بضلاله )
بينما عالم العقيدة و عالم الحديث فإنه ينظر للناحية العلمية من الموضوع و لا يعرف هذه التقسيمات التي ارادها الفقيه او الاصولي و الغاية منها , بل ينكرها لانه يظن انها تحييد للحديث الشريف عن مسائل الاعتقاد ( بتعريفه هو )
و أخيرا نسأل من يقول بإن خبر الواحد حجة في العقائد بالتعريف الأول( المسائل القطعية التي يكفر منكرها ) , هل تستطيع أن تكفر من قال بأن االمؤمنيين لا يروا الله عيانا في الجنة ؟
بينما هل ستتوقف في تكفير من قال بأن القرآن ليس كلام الله سبحانه ؟
مثلا
يندرج تحت السؤال الأول المعتزلة الذين ينكرون بعض صفات الله الثابتة في السنة
انظروا ماذا يقول ابن عابدين : وإن وقع التصريح بكفر المعتزلة ونحوهم عند البحث معهم في رد مذهبهم بأنه كفر، أي يلزم من قولهم بكذا الكفر، ولا يقتضي ذلك كفرهم لأن لازم المذهب ليس بمذهبهم، وأيضاً فإنهم ما قالوا ذلك إلا لشبهة دليل شرعي على زعمهم، وإن أخطأوا فيه.
فهم ليسوا كفارا مع أنهم ينكرون مسائل اعتقادية ( بحسب تعريف الاعتقاد الثاني )
بينما هل يمكن ان نقول هذا عن النصارى الذين يدعون أن لله ولدا ؟
طبعا لا فهم كفار قطعا لانهم ينكرون مسائل اعتقادية بحسب تعريف العقيدة الأول
النتيجة : كلا القوليين صحيح تماما و لاغبار عليه فخبر الواحد يفيد العلم بمعنى المعرفة و هو حجة في العقائد اي علم العقائد
و خبر الواحد لا يفيد اليقين التام و هو ليس بحجة في العقائد الجازمة التي تفرق اهل الاسلام عن غيرهم و التي يكفر منكرها اتفاقا .
هذا ما ظهر لي في المسألة بعد طول بحث و قراءة لأدلة كلا الطرفين
و ارجو من الاخوة تقييم الموضوع و ابداء النصح
و الله تعالى اعلم .