السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأخوة الكرام جزاكم الله على جهودكم ولي فترة وأنا أستفيد من هذا الموقع فحبيت أشارك معكم ولو بشيء بسيط.
فيما يلي نص خطبة سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ مفتي المملكة العربية السعودية في فضل صلاة الجماعة والصلاة في المسجد والرد على من أنكرها وما تم تداوله في الإعلام حول تلكم الفتنة.
----------------------
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كبيراً إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى حق التقوى، عباد الله المساجد بيوت الله؛ فيها يعبد الله ويذكر اسمه، فيها يعبد الله ويذكر اسمه، وزوارها هم عُمّارُها، فيها منار الهدى وشعيرة الإسلام الظاهرة (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً).
(وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً) وهي خير بقاع الأرض وأحبها إلى الله، فيها يُتلقّى العلم وينتشر، وما اجتمع... وفي الحديث (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده).
إن بناء المساجد فضل عظيم، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم؛ قال: (من بنى لله مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة)، وقاصدوها هم المؤمنون، يقول الله جل وعلا: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ). وفي الحديث يروى عنه صلى الله عليه وسلم؛ قال: (إذا رأيتم المرء يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان).
وبناء المساجد عهدها الله إلى صفوة الخلق من أنبياءه ورسله، قال الله عن إبراهيم عليه السلام: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل)، وقال: (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ).
وأولياء الله هم عُمّار المساجد (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ).
والماشي لها بالظلمات موعود بالنور التام يوم القيامة، يقول صلى الله عليه وسلم: (بشّر المشاءين بالظُلَم إلى المسجد بالنور التام يوم القيامة)، والساعي إلى المسجد ذهاباً وإياباً يتخذ نُزُلاً بالجنة؛ ففي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم قال: (من غدى إلى المسجد أو راح أعد الله له نُزلاً في الجنة كلما غدى أو راح).
والملازم له ومن تعلق قلبه بها يظله الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، فلما أخبر صلى الله عليه وسلم عن السبعة الذين يظلهم الله يوم القيامة تحت ظله؛ ذكر منهم رجلاً قلبه معلقٌ بالمساجد.
والمحافظة عليها؛ والمحافظة على أداء الصلوات بالمساجد علامة الخير والتخلف عنها علامة النفاق والشقاق، يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (من سرّه أن يلقى الله مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حين ينادى بهم فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى؛ وإنهن من سنن الهدى، ولو صليتم في بيوتكم كما يصلى المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم. ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها -أي عن الصلاة في المسجد- إلا منافقٌ معلوم النفاق، وإنه ليؤتى بالرجل يهادى بين الرجلين حتى يُقام في الصف).
ومن عِظًم شأنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة واستقر قراره فيها، فأول عمل عمله؛ أن بنى مسجده صلى الله عليه وسلم، وهكذا المسلمون في أقطار الدنيا لما فتحوا البلاد جعلوا المساجد من أول مهماتهم فشيدوها وأقاموها، لعلمهم بعظيم شأنها وأنها إظهار لشعائر الإسلام لتلكم الشعيرة العظيمة في الإسلام.
أيها المسلم.. أيها المسلم، وإن صلاة الجماعة؛ وإن أداء الصلوات الخمس جماعة في المسجد هي سنة محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام والسائرين على نهجهم إلى يوم لقاء الله.
والله جل وعلا أمر نبيه أن يقيم الصلاة جماعة في حالة مواجهة العدو؛ (وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ...) الآية، فلو كان الأمر سهلاً لصلى كل واحد منهم في مكانه، ولكن لعظم شأنها وعظم قدرها وما لها في النفوس من أثر عظيم أمر الله نبيه أن يقيمها في تلك الحالة الحرجة والضيقة ذلك دليل على أهميتها.
واسمع الله يقول لنبيه والمؤمنين: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ)؛ قال بعضهم: صلوا مع المصلين.
أيها المسلم؛ يروي مالك بن الحويرث رضي الله عنه؛ قال وفدنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأقمنا عنده عشرين يوما، فرأى شوقنا إلى أهلينا؛ وكان رفيقاً صلى الله عليه وسلم؛ وقال: (انصرفوا وأقيموا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ الصلاة، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُم). فليؤذن أحدكم وَلْيَؤُمَّكُمْ أكبركم؛ فأمرهم بأداءها جماعة.
وهو صلى الله عليه وسلم توعد المتخلفين عن المسجد لأداء الصلاة؛ توعدهم بالوعيد الشديد؛ فقال: (أثقل الصلاة على المنافقين، صلاة العشاء والفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوآ، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا فيؤم الناس، ثم أنطلق بحزم حطب، إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار، ولولا ما فيها من النساء والذرية لحرقتها عليهم).
وكان صلى الله عليه وسلم يتفقد أصحابه في الفجر فيقول: (أشاهدٌ فلان... أشاهدٌ فلان)، قال ابن عمر رضي الله عنه: (كان الرجل إذا تخلف عن صلاة العشاء أو الفجر أسئنا به الظن أن يكون نافق)، لأن المؤمن حريص على الجماعة مهتم بها معتدٍ بها لعلمه بفضائلها ومزاياها.
أيها المسلم.. ولصلاة الجماعة فوائد عظيمة، فمنها أن المصلي لها في المسجد يحوز سبعاً وعشرين ضعفا أو خمساً وعشرين ضعفاً على صلاته في بيته، يقول صى الله عليه وسلم: (صلاة الرجل في المسجد تضاعف على صلاته في بيته وسوقه خمسة وعشرين ضعفا، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد ما يخرجه إلا الصلاة لم يخطو خطوة إلا كتب الله له بها حسنة وحطّ عنه بها خطيئة فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في المصلى؛ اللهم صلي عليه اللهم أغفر له اللهم أرحمه ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة).
فهل يعقل عاقل يحرم نفسه هذا الثواب العظيم، هل عاقل يفوت على نفسه هذا الثواب العظيم والعطاء الجزيل. قال بعد السلف لو أن سوقاً أقيم وقيل أن درهمه يأتي بخمس وعشرين درهما لرأيت من يأتيه ولو حبوا، مع أن الأخبار قد تكون صادقة وقد تكون كاذبة، فكيف بإخبار الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى وإنما هو وحي يوحى.
ومن فوائد الجماعة أن من صلى الفجر في جماعة كان كمن قام الليل كله، ومن صلى العشاء في جماعة كان كمن قام نصف الليل، ومن فوائدها أيضاً أن إقامتها عصمة للمسلم من الشيطان، ففي الحديث: (ما من ثلاثة في قرية ولا في بدو أو في بادية لا يقيمون الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان).
أيها المسلم.. أيها المؤمن.. إن أداء الصلاة جماعة فيها الخير العظيم، إنه.. إن النبي يقول: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، فيعرج الذين باتوا فيكم إلى ربهم فيسألهم: كيف عبادي؟ قالوا: أتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون).
أيها المسلم فضل الله عليك عظيم في هذه الدنيا، تأتي المسجد كل يوم خمس مرات؛ حسنات تكتب وسيئات تمحى عنك؛ تؤم هذا المسجد الذي أقيم لذكر الله؛ لأداء الطاعة والعبادة، فما شرع الأذان والإعلام وما بنيت المساجد إلا ليقام فيها ذكر الله؛ إلا لتؤدى فيها هذه الفريضة، فأعظم شيء يؤدى في المسجد تلكم الصلوات الخمس التي أداءها علامة الإيمان.
لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم وكان أميرها آنذاك (عتاب بن أسيد) فاختفى خوفاً من أهل مكة لأنهم حديثوا عهد بالاسلام، ولكن الصحابي سهيل بن عمرو جعله الله سبباً لثباتهم على الحق؛ فقال لهم: (يا أهل مكة لا تكونوا آخر الناس إسلاماً وأولهم خروجاً من الإسلام)، فثبتهم الله بهذه المقالة. ثم خطبهم عتاب بن أسيد فقال: (يا أهل مكة والله لا يبلغني أن أحد أنه عطل المسجد وتركه إلا ضربت عنقه)، لأنهم يعلمون أن أداء.. أن حضور المساجد دليل على التزام الإيمان.. دليلٌ على التزام الإيمان والثبات عليه.
أخي المسلم.. أخي المسلم.. إنك تعلم أن نبيك صلى الله عليه وسلم كان يؤم أصحابه في مسجده في كل أحواله ما لم يكن مريضاً أو يكون مسافراً. فكان ملازماً لأداء الجماعة وخلفاءه الراشدون وأئمة الإسلام وعلماء الأمة كلهم على هذا المنوال العظيم.
يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله: (ومن تأمل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حق التأمل رأى حقاً أن الصلوات الخمس في الجماعة فرض على الأعيان)، رأى أن الصلوات الخمس في المساجد فرض على الأعيان ولا يسقط إلا بعذر شرعي يبيح له ترك الجمعة والجماعة.
تقول عائشة رضي الله عنهما: (من سمع النداء فلم يجب لم يرد خيراً ولم يُرد به خيرا). الصحابي الذي قال: (يا رسول الله إني شاتع الدار عن المسجد وليس لي قائد يلائمني والمدينة كثيرة السباع والهوام، أوأجد رخصة، قال: " أتسمع النداء"، قال: نعم، قال: "أجب؛ لا أجد لك رخصة").
أيها المسلم.. إن هذا خلق أهل الإسلام وسيرة المسلمين، يعظمون الصلوات الخمس ويعظمون شأن المسجد ويعلون قدره ويحمدون الله أن وفقهم وأعانهم لأداء هذه الجماعة، ففيها زكاة القلب وطهارة النفس، فيها اجتماع الحي والتقاء الأجسام؛ التقاء الأبدان، وتعارف الوجوه وتصافح الأيدي وحط السيئات والخطايا.
أيها المسلم.. إن من يُزهِدُكَ في هذا العمل الخيّر، إن من يدعوك إلى ترك الجماعة، إن من يقول لك صلاتك في بيتك كصلاتك في المسجد إنه يريد بك الشر وإنه لا يريد بك خيرا. إنه يريد قطع صلتك بالمسجد؛ إنه يريد قطع صلتك بالصلوات؛ إنه يريد منك أن يخف ميزان المسجد في نفسك وتخف الجماعة في نفسك.
لعلك قد قرأت ما قيل وما كتب وما نشر وما سطرته بعض الأقلام الجائرة والآراء الضالة ممن ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، لعلك قرأت ما قيل وسمعت ما قيل وما نشر وما بُثّ في.. في بعض القنوات الفضائية وما حول ذلك.
لعلك سمعت هذا كله؛ لكن أقول إعلم أن كل هذا خطأ وضلال واعلم أن هذا غش للإسلام والمسلمين واعلم أن هؤلاء دعاة ضلال؛ دعاة على أبواب جهنم من أطاعهم ألقوه فيها، إنهم يريدون قطع صلة المؤمن بهذا المسجد، بهذا المسجد المبارك الذي نشأ وتربى على حبه؛ يقولون له بيتك ومسجدك سواء ولا فرق بين الأمرين، يقولون لك صلي وحدك أو صلي مع الجماعة؛ الكل سواء، ويأبى الله ورسوله والمؤمنون ذلك.
فمحمد صلى الله عليه وسلم يخبرنا عن فضل صلاة الجماعة وما يترتب عليها من الفضل العظيم ويخبرنا بعقاب من تخلف عنها أفيساوي المسلم بين صلاته في بيته وصلاته في المسجد. إنها لفرية وكذبة على الله ورسوله، ولكن.. ولكن.. ولكن من استحوذ عليه الشيطان فصده عن سبيل الله؛ (ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا).
أخي المسلم.. لعلك سمعت وقرأت؛ فاتقي الله واعلم أن كل ما قيل فوالله إنه لخطأ منافي للشرع ومخالف لسنة محمد صلى الله عليه وسلم، إعلان للضلال والأخطاء، فإذا عطّل المسلمون مساجدهم وعطّلوا الجماعة فأين الإيمان وأين الإسلام؛ أين الإيمان وأين الإسلام.
إن محمداً صلى الله عليه وسلم حريص على المسجد وأداء الصلاة فيه؛ فهل كان محمد صلى الله عليه وسلم يجهل هذا الأمر؛ هل كان محمداً يساوي بين البيت وبين المسجد؛ حاشا وكلا إنها فرية على الإسلام وكذبةٌ وضلالة وأخطاء عظيمة، فإياك أن يوسوس إليك الموسوسون ويضلك عن الطريق المستقيم الضالون. إلزم الطريق المستقيم واحمد الله أن كنت سميعاً بصيراً قادراً تؤم المسجد وتحوز هذا الفضل العظيم، وترجوا من ربك الفضل والثواب العظيم.
في الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يصلي له أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى إلا كتب الله له براءتين؛ براءة من النفاق وبراءة من النار). إلا كتب الله له براءتين؛ براءة من النار وبراءة من النفاق، هذه خاصة لمن حافظ على المسجد ولازمه واستمر عليه، فثق بما أنت عليه من الخير ولا يقعدن بك هؤلاء الغاوون الضالون، ولا يصدنك عن سبيل الحق دعاة الفساد والضلال الذين عمت بصائرهم وانصرفت قلوبهم إلى الشر واستحوذ عليهم الشيطان فكانوا دعاة للضلال والأخطاء.
إنما نؤمن حقاً بأن المساجد بيوت الله أقيمت لأداء الفرائض ونعلم حقاً أن اجتماعنا فيها نعمة من الله علينا وخير من الله علينا، فإياك وإياك أن تزحزح ثقتك عن المسجد والجماعة، دعوة ضالة ورأي باطل وفرية على الإسلام أسأل الله أن يحفظنا وإياكم بالإسلام وأن يثبتنا وإياكم على قوله الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:
فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى حق التقوى. عباد الله.. شريعة الإسلام جاءت بما يصلح دين العبد ودنياه، وبما يحفظ له حقه في الدنيا وفي معاده، اسمع الله يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
فنهاهم عن البيع وقت الجمعة وأباح لهم بعد الصلاة الاكتساب والاتجار، وقال جلّ وعلا مُثنياً على عباده المؤمنين: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36) رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38)).
في بيوت هي المساجد، أمر الله بإقامتها يُسبح له فيها بالغدو والآصال أول النهار وأول الليل، رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله؛ انهم يبيعون ويتجرون ويأخذون ويعطون ولكن هذه الدنيا لا تصرفهم عن حق الله ولا تحول بينهم وبين أداء الفرائض، فإذا سمعوا حي على الصلاة حي على الفلاح أقبلوا على الطاعة وغطوا مبيعاتهم وانصرفوا عنها.
مرّ عبد الله ابن عمر بالسوق وقد غطّى أهل السوق مبيعاتهم؛ فقال: (ما ذاك)، قالوا: قد ذهبوا إلى المسجد، قال فيهم واله نزلت الآية: (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ)).
إن اجتماع المسلمين في المساجد فيه يتعلم الجاهل بالعالم ويقتدي الجاهل بالعالم ويستفيد بعضنا من بعض فنعلم جاهلنا ونثذكّر ناسينا. إنه الموقف الذي يذكر وحدة المسلمين فيما بينهم وأن الله جلّ وعلا جعل الطاعة سبباً للعز والكرامة، فيقف في الصف بين يدي الله المسلمون على اختلاف منازلهم في الدنيا ففيهم الغني والفقير والرئيس والمرؤوس وفيه العالم والجاهل؛ كلهم في صف واحد متقاربين متحاذين بالمناكب والعُقُب واقفين بين يدي ربهم لتظهر حقيقة الأخوة الإيمانية والرابطة الإسلامية الحقة.
إن.. إن إقامة الجماعة تذكر المسلم بأمر دينه، إن أناساً من الوافدين من الجاليات الإسلامية في هذا البلد المبارك؛ لما رأوا تلك المساجد عامرة وتلك المساجد عامرة مشرعةً أوقات الصلاة؛ أمُّوها فاستفادوا خيرا وتعلموا خيرا وحصلوا على الخير؛ كل ذلك بفضل إقامة الصلوات في المساجد.
فالمزهدون فيها والداعون إلى هجرانها والداعون إلى الإعراض عنها؛ إنهم وربي على طريق سيء ومنهج ضال؛ نسأل الله لنا ولهم الهداية إلى الطريق المستقيم. فيا أخي المسلم إحمد الله ما دمت صحيحاً قائماً تؤم المسجد كل يوم خمس مرات، إعلم أنها نعمة من أجلّ نعم الله عليك، فاشكر الله عليها وازدد تمسكاً بدينك وأعرض عمّا يقوله الجاهلون: (وَلا يَسْتَخِفَّنَّك َ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ).
أسأل الله أن يتقبل منا ومنكم سعينا، وأن يجعل حياتنا حياة خير نتزود فيها عملاً صالحاً نلقى الله به.
واعلموا رحمكم الله أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله على الجماعة؛ ومن شذ شذ في النار، وصلوا رحمكم الله على عبد الله ورسوله محمد كما أمركم بذلك ربكم قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا). اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين وعن التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين واجعل اللهم هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا، اللهم وفقهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين.
اللهم وفق إمامنا عبدالله بن... إمامنا إمام المسلمين عبد الله بن عبد العزيز، اللهم وفقه لما يرضيك، اللهم أره الحق حقاً وارزقه اتباعه وأره الباطل باطلاً وارزقه اجتنابه، اللهم دُلّه على كل عمل تحبه وترضاه، اللهم اجعله بركةً على نفسه ودينه وأمته؛ غنك على كل شيء قدير. اللهم شد عضُدِه بولي عهده سلطان بن عبد العزيز ووفقه للصواب فيما يقول ويعمل وألبسه بالصحة والسلامة والعافية، ووفق النائب الثاني وأعنه على مسؤوليته، واجعل الجميع دعاة خير وقادة هداية إنك على كل شيء قدير.
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رءوف رحيم، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلته قوة لنا على طاعتك وبلاغ إلى حين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثتنا، اللهم سقيا رحمة لا سقيا بلاء ولا هدم ولا غرق، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على عموم نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.