الصورة الواقعية التي سبق التحدث عنها، تُوضح أن الكفر والالحاد محلي المنشأ، فهذه المجتمعات الفاسدة هي مهد الكفر والالحاد. وأما الميتال ونحوه، فقد جاء ليظهره علنًا.
ويحضرني قول أحد القضاة الفرنسيين: (إن المجتمع يصنع المجرمين الذين يستحقهم هذا المجتمع).
فلكل مجتمع من المجتمعات السابقة أمراضه الخاصة به، وهناك آفات مشتركة بين هذه المجتمعات.
وعلى رأس هذه الآفات المشتركة، الفساد الأخلاقي، هذا الفساد الذي أصاب هذه المجتمعات على حد سواء، سواء أكان متسترًا أم كان علانية.
المشكلة في الحقيقة تكمن في أن الفساد الأخلاقي دائمًا ما يصاحبه البعد عن الدين، هذا إن كان له علاقة بالدين أصلا فيما قبل إنحرافه.
ثم فور ظهور شىء كشباب الميتال، والليبراليين، وغيرهم من الملاحدة... يبدء الناس في التنبه..!
تنبه بطيء، وغفلة...!
ومن أسخف الأشياء التي أراها، حين أرى من يحاور هؤلاء الملاحدة ويناظرهم على وجود الله...!
أغفل أحدهم عن قول الله تعالى:
فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ
أم ذهل عن قوله تعالى:
وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْ هَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا
يا أخوة، ويا أخوات... أعيروني الأسماع -بارك الله فيكم-.
هؤلاء القوم إتخذوا الله عدوًا لهم، وأما انكارهم إياه -سبحانه وتعالى- فما هو إلا انتقام منه..!
بمزيد توضيح مع المثال الذي تعج به أكثر حالات الالحاد:
الواحد منهم، يظن أنه كان على دين الحق قبل إلحاده، وأنه كان مؤمنًا بالله حق الإيمان، وكان يدعو الله -تعالى ذكره- فلا يستجيب له، فيظل يدعوه... ولا استجابة، ويلح في الدعاء... ولا استجابة.
فيبدء في إتخاذ رد فعل مضاد، ولا يخرج عن واحد من اثنين:
احدهما: أن يخيل الشيطان له بأنه كان يؤمن بنظرية لا يمكن إثباتها، وما كان يفعل شيئا إلا أنه كان يدعو عدما، وما هي إلا أشياء ظنها الناس بلا دليل. [وهذه الحالة أهون من التالية].
وثانيهما: أنه يؤمن بوجود صانع ورب لهذا الكون، ولكن هذا الرب لا يأبه به ولا بدعائه، فيتخذه عدوا، ويريد النيل منه والانتقام منه.
وهؤلاء عندهم خيال مريض، ويكون لسان حال أحدهم: (الله قادر على كل شىء، وقال: "ادعوني أستجب لكم"، فأدعوه فلا يستجيب لي؟!)
وإن أردت أن تطلع على دعائه هذا الذي كان يدعوه، فلا تدري أتضحك أم تبكي على هذا المسكين.
هذا المسكين إنما كان يدعو الله أن يجعله سوبر مان في قوته، أو أن يهبط عليه مال قارون من السماء...!!! ونحو ذلك من السخافات التي يرهص لها فكر الأحداث.
ويأتي فيما بعد هذه النقطة، ما يصيب الكبير لا الحدث، ألا وهو الظن بأن الله -سبحانه وتعالى عما يقولون- ظالم. فهو الذي يصيب بالأمراض، وهو يخلق الناس ويميتهم، وهو الذي جعل حظ الذكر مثل حظ الأنثيين.. إلى غير ذلك من أفكارهم.
فيتخذ الله -سبحانه تعالى شأنه- عدوًا له.
والخلاصة:
أن أكثر الناس إلا من رحم ربي، عنده خلل كبير في الركن السادس من أركان الإيمان، ألا وهو القضاء والقدر.
وأكثر المسائل التي يكثر فيها الخلل، مسألة دخول الشر في القدر الإلهي.
وإن كانت هذه المسألة لها الحظ الأكبر في هذا الخلل؛ إلا أن جميع مسائل القضاء والقدر فيها خلل كبير، بل إن شئت فقل إن جميع أبواب العقيدة فيها خلل.
ليس عند هؤلاء القوم فقط، بل عند الغالبية العظمى من المسلمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وانتشار الطوائف المنحرفة بين المسلمين لها عامل كبير في انتشار الفساد، وخاصة الإرجاء، والتصوف، والتشيع، والباطنية. فهذه البيئات بيئات خصبة للإنحراف عن فهم الدين، والتوحيد، والإيمان.
وانتشار السوء بين الناس، جعل الناس لا تميز الفرق بين صاحب السوء وصاحب الخير، فتركوا أبناءهم مع أصدقاء لا يعرفون عنهم شيئا.
والفتنة تنتقل من واحد إلى غيره، فتن متعدية، وإنحراف، ولا علم عند أب ولا أم لتوجيه الحدث.
وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً فمن اتقاها؟!