]

كتبه: ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
سبُّ الصحابة كبيرة من أعظم الكبائر، لأنه يسب من مدحهم الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.
واختلف أهل السنة في تكفير من يسب أبا بكر وعمر خصوصاً، فذهب إلى تكفير من سب أبا بكر وعمر بأي نوع من السب طائفة من علماء السنة، والجمهور على تعزير من سب الصحابة وعدم تكفيره، لأن علياً -رضي الله عنه- لم يكفر الخوارج الذين سبوه ورموه بالكفر بل وقاتلوه، وهذا في حق علي -رضي الله عنه-، ومثله في حق أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- لأن ثبوت الشهادة لعلي -رضي الله عنه- بالفضل وبالجنة وبالخلافة مثل ثبوتها لأبي بكر وعمر في ذلك.
فلذلك نقول: الصحيح أن سب الصحابة كبيرة من الكبائر، ولكن هناك اجتهادٌ في تكفير من سب أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما-، بل هناك اجتهاد في تكفير من كفَّر الصحابة من الخوارج، وكذلك الشيعة الذين يعتقدون كفر الصحابة -رضي الله عنهم-، والشيعة شر من الخوارج، لأن الخوارج لم يسبوا أبا بكر عمر ولم يكفروهما، وهما أفضل من علي -رضي الله عنه-، والشيعة الرافضة سبُّوا أبا بكر عمر -رضي الله عنهما- وكفروهما.
ما الواجب على كل مسلم تجاه الصحابة؟
الواجب على كل مسلم هو حب الصحابة -رضي الله عنهم-، وتوليهم ومعرفة فضلهم، خصوصاً أفضلهم أبا بكر وعمر ثم عثمان ثم علياً -رضي الله عنهم-، وهذا الترتيب لابد من معرفته، فترتيب هؤلاء في الفضل هو إجماع أهل السنة، ونص -عليُّ بن أبي طالب- -رضي الله عنه- على ترتيب أبي بكر ثم عمر -رضي الله عنهما-، حيث قال لابنه محمد بن الحنفية لما سأله: (أي الناس خير بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: أبو بكر. قال له: ثم من؟ قال: ثم عمر. قال محمد بن الحنفية: وخشيت أن يقول: عثمان، قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين)
وثبت عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: (كنا في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا نعدل بأبي بكر أحداً، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لا نفاضل بينهم)، ولا نزاع أن الأفضل بعد ذلك هو علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، فبإجماع أهل الإسلام أنه عندما كان علي -رضي الله عنه- في الخلافة كان أفضل أهل الأرض بلا نزاع.
فلا تجوز مخالفة هذا الترتيب، وهو تفضيل أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي -رضي الله عنهم-، كما كان الصحابة على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- يفعلون.
ثم باقي العشرة المبشرين بالجنة، وهم طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة بن الجراح -رضي الله عنهم-.
والستة أهل الشورى الذين كان عمر -رضي الله عنهم- قد اختارهم، وجعل الخلافة فيهم يختارون منهم واحداً، وهم عثمان، وعلي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنهم-، هؤلاء أفضل الصحابة بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهم الذين توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو عنهم راضٍ.
وأهل بدر الذين قال فيهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأحد غلمان حاطب بن أبي بلتعة -رضي الله عنه- لما قال عنه: (ليدخلن حاطب النار)؛ لأنه كان يجيعهم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كذبت لا يدخلها، فإنه شهد بدراً والحديبية)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يدخل النار أحد شهد بدراً والحديبية)؛ لأن الله -تعالى- عصمهم من الشرك وغفر لهم ما دون ذلك.
وأهل بيعة الرضوان الذين بايعوا تحت الشجرة في الحديبية، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة)، وقال -تعالى-: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) (الفتح:18)
ومن أنفق من قبل الفتح وقاتل أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا، قال -تعالى-: (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)(الحديد: من الآية10)
وذكرنا أن الراجح في الفتح أنه صلح الحديبية، والقول الثاني: أنه فتح مكة، ولا شك أن من أنفق قبل فتح مكة أفضل من الطلقاء الذين أسلموا في فتح مكة، وأفضل ممن أسلم عموماً بعد فتح مكة، ولكن من أسلم وأنفق وقاتل قبل الحديبية أفضل ممن أسلم وأنفق وقاتل بعد الحديبية(وَكُلاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى) وهي الجنة، وهذا دليل على الشهادة للجميع بالجنة.
وكذا أزواجه -صلى الله عليه وسلم- ورضي الله عنهن أجمعين، لابد أن نؤمن بأنهن أزواجه في الجنة، كما قال عمار -رضي الله عنه- منصفاً في حق عائشة -رضي الله عنها- عندما سمع رجلاً يسبها، فقال له: (اسكت مقبوحاً منبوحاً، والله إنها لزوجة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلاكم بها ليعلم أتطيعونه أو إياها)، أي: تطيعون أمر أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- أم تطيعون أمرها، فهي زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجنة، لكن لابد من طاعة أمير المؤمنين، حتى قال له بعضهم: (فنحن مع من شهدت له بالجنة دون من لم تشهد)، مع أنه يشهد لعلي بالجنة أيضاً، ولا مانع من ذلك، لكن أزواجه -صلى الله عليه وسلم- اللاتي قال الله في حقهن: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنّ َ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً) (الأحزاب:28-29)، وكلهن اخترن الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- والدار الآخرة، وما طلق النبي -صلى الله عليه وسلم- واحدة منهن عندما نزلت الآية، وذلك دليل على أنهن -رضي الله عنهن- ممن اخترن الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- والدار الآخرة، ولو كن ممن اخترن الدنيا لطلقهن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولمتعهن وسرحهن السراح الجميل، فأزواجه -صلى الله عليه وسلم- هن أزواجه في الجنة.
وأفضلهن خديجة -رضي الله عنها- وكان جبريل -عليه السلام- يقرئها من ربها السلام، وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب -وهو اللؤلؤ المجوف- لا صخب فيه ولا نصب، كما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: أتى جبريل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (يا رسول الله هذه خديجة قد أتتك معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها -عز وجل- ومنّي، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب).
ثم عائشة -رضي الله عنها-؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)، ونزل الوحي على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو في لحاف عائشة، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأم سلمة: (لا تؤذيني في عائشة، فإنه لم ينزل عليَّ الوحي، وأنا في لحاف امرأة منكن إلا في لحاف عائشة)، وتُوفِّي النبي -صلى الله عليه وسلم- هو بين سحرها ونحرها -رضي الله تعالى عنها-، وكانت آخر من اجتمع ريقها بريقه -صلى الله عليه وسلم- قبل رحيله، وتوفي في بيتها ودفن في حجرتها، كما قالت عائشة -رضي الله عنها-: (توفي النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيتي، وفي نوبتي، وبين سحري ونحري، وجمع الله بين ريقي وريقه، دخل عبد الرحمن بسواك فضعف النبي -صلى الله عليه وسلم- عنه، فأخذته فمضغته ثم سننته به)، وكان -صلى الله عليه وسلم- يحبها -رضي الله عنها- أكثر من غيرها، كما في حديث عمرو بن العاص -رضي الله عنه- قال: بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على جيش ذات السُلاسِل، فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة. فقلت: من الرجال؟ فقال: أبوها. قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر ابن الخطاب، فعدَّ رجالاً. -رضي الله عنهم- وعن سائر أزواجه.
وقد قال ابن حزم -رحمه الله- بعد أن ذكر بعض فضائل زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وفي هذا كفاية بينة في أنهن أفضل من كل صاحب، ثم لاشك عند كل مسلم وبشهادة نص القرآن إذ خيَّرهن الله -عز وجل- بين الدنيا وبين الدار الآخرة والله ورسوله، فاخترن الله -تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- والدار الآخرة، فهن أزواجه في الآخرة بيقين، فإذ هن كذلك فهن معه -صلى الله عليه وسلم- بلا شك في درجة واحدة في الجنة في قصوره وعلى سرره، إذ لا يمكن البتة أن يحال بينه وبينهن في الجنة، ولا أن ينحط -صلى الله عليه وسلم- إلى درجة يسفل فيها عن أحد من الصحابة، هذا ما لا يظنه مسلم، فإذ لاشك في حصولهن على هذه المنزلة، فبالنص والإجماع علمنا أنهن لم يؤتين ذلك اختصاصاً مجرداً دون عمل، بل باستحقاقهن لذلك...) ا.هـ.
والصحيح أنه لا يلزم ذلك، فإن مجرد الصحبة ولاقتران لا تستلزم المساواة في الجنة في نفس الدرجة، فإن النبي -صلى لله عليه وسلم- له الوسيلة، ولا يقال إن أزواجه لهن الوسيلة مثله، فقول ابن حزم خطأ بلا شك، ومخالف لإجماع أهل السنة أن أفضل هذه الأمة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي -رضي الله عنهم-، كما ثبت ذلك عن عليّ في تفضيل أبي بكر وعمر، وإجماع الصحابة على فضل عثمان وعليّ -رضي الله عنهما- بعد ذلك وقد سأل غير واحد من الصحابة مرافقة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجنة، ولا يلزم من ذلك أنهم معه في الدرجة.
وإنما استنبط ابن حزم رأيه من قول أبي بكر -رضي الله عنه- قال: (إني وليت عليكم ولست بخيركم)، ولكن أبا بكر قاله تواضعاً منه -رضي الله عنه-.
وكذا حب آل البيت فرضٌ وواجب، كما أوصانا النبي –صلى الله عليه وسلم- فقال: (أُذَكِّركم الله في أهل بيتي)، وقال -تعالى-: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)(الشو رى: من الآية23)، وهي على أقوال منها: أنهم قربى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (وإن الأنساب يوم القيامة تنقطع غير نسبي وسببي وصهري)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وإني تارك فيكم الثَّقَلين كتاب الله -عز وجل- وعترتي، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي)، وهذا الحديث يدل على أن عترته وأهل بيته -صلى الله عليه وسلم- لا يجتمعون على ضلالة، وإن إجماعهم حجة، رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
وأهل السنة يجمعون بين حب الصحابة وحب أهل البيت، ولا يجعلون هناك تناقضاً بين حب الصحابة وحب أهل البيت كما يفعل الرافضة، ولا يسُبُّون علياً وأهل البيت بسبب الخلاف الذي نشأ في واقعة الجمل وصفين وما بعد ذلك، وقد انقرض هؤلاء النواصب -بحمد الله-، وكان فعلهم من المنكرات العظيمة التي أبطلها الله -تعالى-، وكان أول من أبطلها من الخلفاء عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه-، ومنع سب عليٍّ وأهل البيت على المنابر، فانقرضت هذه البدعة، ولكن بقيت بدعة سب الصحابة -رضي الله عنهم- والغلو في أهل البيت، وأما أهل السنة فيحبون الجميع، ويرون فضل الجميع -رضي الله عنهم أجمعين-.
www.salafvoice.com
موقع صوت السلف