وتتوالى الردود على المدعو بابكر فيصل بابكر واليوم نعرض لما كتبه الأخ فضيلة الشيخ عمر عبد اللطيف محمد نور " شقيق الدكتور العلامة خالد عبد اللطيف " فقد تفاعل من على البعد من " فنلندا شمال القارة الأوربية، تشترك في حدودها الشرقية والشرقية الجنوبية مع روسيا، وفي حدودها الشمالية الغربية مع السويد، ويفصل خليج بوثنيا بين كل من فنلندا والسويد، ويفصل خليج فنلندا من الجنوب بينها وبين استونيا ولله الحكمة ....كيف وفق للرد من في فنلندا وعجز من سكن الخرطوم والصحافة وأم بده ؟!
فنرجو من الأخوة الذين لهم اشتراكات في المنتديات نشره وكذلك عبر البريد الشخصي واحتساب الأجر في ذلك وفق الله الجميع لما يرضى .
بسم الله الرحمن الرحيم
أبو أنس عمر عبد اللطيف محمد نور
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتب المدعو بابكر فيصل بابكر مقالاً* شن فيه هجوماً لاذعاً على مفاهيم إسلامية ثابتة وراسخة، دون استدلال عقلي مستقيم ولا نقلي صحيح بفهم سليم، وذلك من خلال تناوله لبعض المدارس الإسلامية الشهيرة، من ذلك قوله عن التيار السلفي: (يعلي من شأن النقل ويضعه في تضاد مع العقل). فأما قوله يعلي من شأن النقل فلا أدري ما الخطأ أو العيب في هذا إذا كان الكاتب يؤمن بأن النقل معصوم حيث إنه من عند الله عز وجل، وأما قوله يجعله في تضاد مع العقل فغير صحيح حيث صرح أعلام الدعوة السلفية أنَّ العقل الصريح لا يتعارض مع النقل الصحيح، وعليه بالرجوع إلى المقالات والكتب السلفية الأصيلة كمثل كتاب (درء تعارض العقل والنقل) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
وذكر عن التيار المشار إليه سابقاً قوله: (ينصب جل همه في ترحيل واجترار النصوص وحفظها وترديدها)، وهذا مخالف للواقع حيث إن التيار السلفي يهتم بحفظ النصوص ونقلها مع اهتمامه بفهمها وليس مجرد الحفظ، ومما يؤكد ذلك هو أن هذا التيار له فهم معين لهذه النصوص يخالفهم الكاتب فيه، ومثل هذا الكلام هو إطلاق الكلام على عواهنه للتأثير النفسي على القارئ دون أدنى دليل وحجة وبرهان على خطأ هذا الفهم أو ذاك للنصوص، حيث لم يتعرَّض الكاتب لبيان الخطأ في الفهم السلفي للنصوص، ولم يتعرض لأصولهم وقواعدهم في فهم نصوص الكتاب والسنة.
ويجب أن نعلم أن الحفظ هو وسيلة الفهم، ولابد في أي تحليل سليم في أي نوع من العلوم من وجود المعلومات التي من خلالها يتم التحليل السليم، ولا يكفي أن يكون الشخص لديه ملكة فطرية في الفهم ليكون تحليله وفهمه أقوى، والتيار السلفي يسلم بتفاوت الناس في الفهم والإدراك، وأن البعض يغلب عليهم جانب الحفظ وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فرب مبلغ أوعى من سامع) وقوله: (رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه)، ولكن وبما أن التيار السلفي يعلي من شأن النصوص كما ذكر الكاتب فقد اعتنى بالحفظ والنقل ومعرفة الصحيح من الضعيف عناية تميز بها عن غيره من التيارات، وهذا مما يستحق عليه الشكر لا الذم، لأن النصوص معصومة، وبها يهتدي المسلم، وبمخالفتها يضل عن سواء السبيل.
وأما إذا وُجد في بعض من انتسب إلى هذا التيار من غلب حفظه على فهمه، فإن هذا لا يخلو منه أي تيار من التيارات الإسلامية، بل ولا يخلو منه أي تيار من التيارات سواء كان إسلامياً أو غير إسلامي، بل ولا حتى في المتخصصين في العلوم النظرية والتطبيقية، ولهذا نجد في القانونيين والإقتصاديين والسياسيين وغيرهم من يميل إلى الحرفية في تفسير النصوص، بل وحتى في المتخصصين في العلوم التطبيقية فيما يتعلق بالجانب النظري منها، ولا أريد التمثيل لهذا طلباً للاختصار، ولعلي لست بحاجة لضرب الأمثلة فإن هذا الأمر معلوم ومشاهد وهو في الأصل مبني على أصل الخلقة والفطرة، فلا يمكن أن يخلو منه مجتمع من المجتمعات.
وفي الواقع فإن من حفظ النصوص ونقص عنده جانب الفهم يُشكر على جهده في حفظ النصوص ونقلها، وعلى القدر الذي استطاعه من الفهم السليم لهذه النصوص، وأما ما خفي عليه من فهم فإنه لا يعاب عليه، وما جانب فيه الصواب في الفهم فإنه مردود عليه، ولا يذم مطلقاً، ولا يمكن بأي حال من الأحوال تشبيهه بالآلة التي لا تفهم ولا تعقل ولا بالكتب التي لا تنطق كما يفعل البعض، بل لابد أن تجد عنده الكثير من الفهم السليم الذي قد يتفوَّق فيه على الأكثر فهماً بالفطرة، وذلك لكثرة المعلومات التي عنده، خاصة النصوص، كما أن الطبيب لا يمكن أن يحكم على المرض دون معلومات وتحاليل معملية في بعض من الأحيان، ولهذا نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق الذي أخبر فيه أن المبلَّغ قد يكون أكثر وعياً للحديث من السامع قد دعا فيه للسامع، وذلك لحفظه الحديث وتبليغه ولوعيه للحديث بالقدر الذي استطاعه (نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع).
ومن مجازفات الكاتب التي لم يبرهن عليها ولم يثبتها بأي نوع من أنواع الإثبات ادِّعاؤه بأنَّ السلفيين لا ينظرون إلى الواقع ولا يعملون عقولهم في قوله عن التيار السلفي: (يبدأ من النص وينتهي إليه دون خضوع للواقع أو إعمال للعقل )، ولبيان هذه المجازفة أسوق للقارئ كلام أحد أعلام الدعوة السلفية وهو ابن القيم رحمه الله تعالى من كتابه إعلام الموقعين عن رب العالمين حيث قال: (ولا يتمكن المفتي، ولا الحاكم، من الفتوى، والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم: أحدهما: فهْم الواقع والفقه فيه، واستنباط علم حقيقة ما وقع، بالقرائن، والأمارات، والعلامات، حتى يحيط به علماً. والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع، وهو فهم حكم الله الذي حكم به، في كتابه، أو على لسان رسوله في هذا الواقع، ثم يطبق أحدهما على الآخر.) " إعلام الموقعين" (1/ 87).
ثم مدح الكاتب طريقة المعتزلة على طريقته دون أدنى دليل أو برهان وقال عنهم: ( أعلوا من شأن «العقل» ورجحوا أحكامه ولو تعارضت مع «النقل» )، وهذا بسبب أن الكاتب يفترض تعارضاً بين العقل والنقل، والواقع أنه لا تعارض إطلاقاً بين العقل والنقل. والواقع هو أن المعتزلة افترضوا تعارضاً بين المعقول والمنقول، وذلك إما لعدم إيمانهم، أو لضعف في إيمانهم مع ورود شبهات عليهم من مقالات الفلاسفة السابقين من غير المسلمين لم يستطيعوا ردها لعجزهم فعمدوا إلى تحريف معاني نصوص القرآن والسنة، وخرجوا على الأمة بعقائد ومقالات مخالفة للكتاب والسنة وفهم سلف الأمة، ولهذا سموا بالمبتدعة لإحداثهم في الدين ما ليس منه.
والمقالات التي خرجوا بها لا توافق العقل الصحيح، هذا مع مخالفتها الفهم السليم لنصوص القرآن والسنة، وقد بين أعلام الدعوة السلفية مثل شيخ الإسلام ابن تيمية مخالفة مذهبهم للكتاب والسنة، كما بينوا فساد قواعدهم واستنتاجاتهم المنطقية بأدلة منطقية وعقلية، ومن أراد المزيد فعليه بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية، ومنها مجلد في المنطق ضمن الفتاوى، وكتابه درء تعارض العقل والنقل.
وحال المعتزلة هو حال كاتب المقال، وحال كل من خرج على نصوص الوحي بفهمه القاصر وعقله الناقص، ثم زعمهم بأن مذاهبهم وأفكارهم هي مقتضى العقل الصحيح، فإن متقضى العقل الصحيح هو أننا في حاجة إلى الوحي، فلو كنا في غير حاجة إلى الوحي للاهتداء به لما أنزل الله عز وجل الوحي، وهو القرآن الكريم والسنة المطهرة، ومن ابتغى الهدى في غيرهما أضله الله، قال الله عز وجل في محكم كتابه:{ وكذلك أوحينا إليكم روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم }.
فإن كل من ترك الوحي واستعمل عقله القاصر وعارض به النصوص ضل عن الحق الذي يقتضيه العقل الصحيح، والوحي. فإن الوحي ليس في مقابلة العقل، بل الوحي هو في مقابلة الهوى { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا هو وحيٌ يوحى }، ولهذا يخطئ من يسمي بعض المبتدعة الذين أحدثوا مقالات في الدين بالعقلانيين أو أصحاب المدرسة العقلية، وإنما يجب تسميتهم أهل الأهواء أو أهل البدع كما كان يسميهم سلف الأمة الصالح.
ومواصلة من الكاتب في طريقته التي بدأ بها مقاله ذكر عن مدرسة يحلو للبعض ومنهم الكاتب أن يسميها بالوهابية قوله: (ومن أكثر المدارس السلفية تشدداً وحراسة لتلك النصوص المدرسة الوهابية). حيث رماها بالتشدد المذموم شرعاً وعقلاً دون ذكر الأدلة على كلامه، ثم وصفها بما هو في حقيقته مدح وليس ذماً، وهو وصفها بحراسة نصوص الكتاب والسنة، ولكن الكاتب ظن أن هذا الوصف ذم لعدم قدسية النصوص في نفسه، فأفصح عما في مكنون نفسه من التقليل من شأن النصوص، وعدم اعتبار لقدسيتها وعصمتها. ثم قال عن السلفية بنفس النهج السابق: (سلفية تستند الى النصوص (القرآن والسنة) دون إعمال العقل في أمور مثل السياق الذي نزلت فيه (بالنسبة للقرآن) أو الظرف التاريخي أو اشكاليات النقل (عصر التدوين للسنة))، وكل ما ذكره مخالف للواقع حيث إن السلفية التي تعتمد الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح تعتني بأسباب النزول والظرف التاريخي الذي نزلت فيه النصوص، بل هذا أحد أسباب تقديم فهم السلف الصالح وهو معرفتهم بأسباب النزول والوقائع التي تعين على فهم نصوص الكتاب والسنة، والمعلوم أيضاً أن السلفيين من أكثر الناس حرصاً على معرفة الصحيح من الضعيف من النصوص واهتماماً بإشكاليات النقل حيث تجد في علم الحديث ذكر ضبط الكتاب وضبط الصدر وذكر شروط ضبط الكتاب منعاً لإشكاليات النقل، وكل مصطلح الحديث قائم على أساس منع إشكاليات النقل.
ثم أصل الكاتب لمنهجه الفاسد الذي يقصر النصوص وأحكامها على مرحلة زمنية ماضية بقوله منتقداً المنهج السلفي: (تعميم أحكامها لتصبح عابرة للزمان)، والواقع أن أحكام الإسلام صالحة لكل زمان ومكان، وأنَّ النظر إلى الواقع يكون لمعرفة الظرف وما يتعلق به من شروط وموانع لتنزيل الحكم عليه، ولعلَّ الكاتب يؤمن بفرية التطور وأن كل نظرية سابقة لا تصلح لزماننا، وهي فرية عظيمة افتراها كثير من أهل النظريات من أهل الشرق والغرب حيث زعموا أن نظرياتهم حديثة مع علمهم بأنها كانت قبل الإسلام.
مثال تِلك النظريات النظرية الشيوعية التي طبقت قبل الإسلام وكانت تسمى بالمزدكية نسبة لرجل فارسي اسمه مزدك، ولد عام 487م، كان يؤمن بإلهي الشر والخير، ونصت نظريته التي ذكرها الإمام الطبري في تاريخ الأمم والملوك والإمام الشهرستاني في الملل والنحل على أن الناس ولدوا سواء فيجب أن يعيشوا سواء، وركز على حظي المال والنساء في قسمتهما بالتساوي ودون ضوابط أخلاقية، ولما طبق نظريته قباز إمبراطور الفرس فسدت الحياة الإجتماعية حتى أصبح الوالد لا يعرف ولده ولا الولد والده وفسدت الحياة الإقتصادية أيضاً كما ذكر ذلك الإمام الشهرستاني، وهذا ما حدث للشيوعية في العصر الحديث. وحتى الديمقراطية التي يؤمن بها الكاتب، والذي يبدو أنه يذم كل قديم، ويمدح كل حديث وجديد فإنها ليست بنظرية حديثة حيث عُلم أنها نظرية وجدت قبل الإسلام بل وقبل ميلاد المسيح عليه السلام، والمعلوم أنها كلمة لاتينية، وأنها طبقت في سابق الأزمان، ولكن ربما كان تطبيقها في نطاق ضيق، وأما اليوم فلوجود الإمبراطورية الأمريكية ومن خلفها الدول الغربية فقد أصبحت الأكثر تطبيقاً والأكثر شهرة.

ولأن الكاتب يظن أن كل قديم بالٍ ولا يصلح للحاضر بسبب سذاجته التي جعلته يصدق الإفتراءات الشرقية والغربية بحداثة نظرياتهم وطرق حياتهم استمر في طريقته السابقة في المجازفات قائلاً : (فالمنظِّر مبدع خلاّق يدرس الفكر الذي يرتبط بموضوعه ثم يخرج بأفكار أصيلة وغير مسبوقة، وهذا أمر يستحيل تحققه في إطار المدرسة السلفية النصوصية التي تستند إلى الإجترار والحفظ والترديد وتعادي كل جديد وتخاصم كل مبتكر بإعتباره بدعة وتعتقل الحاضر والمستقبل في سجن الماضي)، من أين له بهذا التعريف للفكر الذي يقصره على الإبتكار والخروج بأفكار غير مسبوقة؟ وإذا كان يقصد الابتكارات المادية فأين في المدرسة السلفية من يقول بأن الطائرات والمركبات الحديثة والآلات الحديثة مثل أجهزة الكمبيوتر وغيرها بدعة لا يجوز استخدامها؟ أم ماذا يقصد الكاتب من طعنه الغير ممنهج في المنهج السلفي؟ فالكاتب عودنا على طريقته في الاستعداء النفسي وليس الفكري للمنهج السلفي، ومثل هذا الكلام لا يؤثر ولا ينبغي أن يؤثر إلا فيمن نصَّب من نفسه عدواً للمنهج السلفي، وأما أصحاب الفكر الحر الذي يدرس الأفكار بحيادية وطلب للحق فلا ينبغي أن يؤثر فيهم هذا الصياح وهذه الضوضاء.
ثم أفصح الكاتب عما في مكنون نفسه من نفسية إنهزامية تجاه الحضارة الغربية التي لم تهتد في كثير من شؤونها بهدي الخالق سبحانه وتعالى وذلك بقوله عن الولايات المتحدة: (النظام الذي يرعى كرامة الإنسان ويؤكد إحترام القانون وإستقلال القضاء والتداول السلمي للسلطة)، فأين كرامة الإنسان عندما تقصف الولايات المتحدة شعوباً مغلوبة على أمرها بقنابل محرمة دولياً مثل الفسفورية وغيرها؟ وأين مراعاتها لحقوق الإنسان عندما تقصف هيروشيما بالنووي، ثم تلوح به قبل أيام قليلة فقط ضد إيران في العقيدة النووية الجديدة التي أعلنها أوباما، والتي لا تختلف كثيراً عن سابقاتها؟ ولماذا إن كانت صادقة في الوصول إلى عالم خالٍ من النووي، وأنها لا تريد استخدامه، لا تبدأ من نفسها بإزالته؟ وما يقول الكاتب في معتقلات جوانتانامو الشهيرة وفضيحة أبي غريب وغيرها الكثير من انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان وكرامته؟. وأين الديمقراطية التي تتشدق بها أمريكا عندما يكون القرار السياسي في الأمم المتحدة بحق الدول الدائمة العضوية بالرفض لقرار الأغلبية.
وأما ما في الولايات المتحدِّة من منافع وخير وتحقيق مصالح فهو إما من الإسلام وإما أن يكون من قبيل المنافع وطرق الإدارة والتنظيم التي أباحها الله عز وجل للناس لتنظيم شؤونهم. فقد صرَّح بعض المفكرين الغربيين بأنهم استفادوا في أنظمتهم من النصرانية والإسلام، وفي الواقع هم قد استفادوا من الإسلام فقط لأن الدين الذي جاء به عيسى عليه السلام هو الإسلام، وما عندهم من تعاليم صحيحة منقولة في كتابهم المقدس هي في حقيقتها من عند الله عز وجل.
ومثل ما قيل في الأنظمة الغربية يقال فيما ذكره الكاتب من ازدهار حدث في عهود بعض الحكام المبتدعة، فإن الازدهار المادي أكثره من قبيل المنافع التي أحلها الله عز وجل، فمن أين للكاتب أن يبرهن أنَّ عدم الازدهار سببه المنهج السلفي؟ فقد عودنا الكاتب على إطلاق العبارات والتهجم الغير مبيَّن وغير مفسر لا بأدلة عقلية ولا نقلية، فهل في المنهج السلفي تحريم مثلاً لمادة السيليكون التي تستخرج من التراب ويستفاد منها في صنع الشرائح الإلكترونية بما فيها المعالجات وأجهزة التحكم؟ بل الواقع أن العلماء السلفيين نصوا على أن الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نص بالتحريم، والأشياء تشمل الأعيان والعادات والمعاملات، والسلفيون إنما استفادوا هذه القاعدة من نصوص الوحي التي يقلِّل الكاتب من شأنها، وذلك في مثل قوله تعالى: { هُوَ الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً } واللام هنا للإباحة، فدلت الآية على أنَّ الأصل في الأعيان الإباحة.
فإنَّ كثيراً من أهل الحضارات كانوا على ضلال كمثل فرعون وفارس والروم والغرب اليوم، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية عن فيثاغورس وأرسطو وأفلاطون أنهم ضلَّال، لأنهم كانوا ملاحدة، والمعلوم أن هؤلاء لهم إسهامات في الفيزياء والرياضيات، ولذا ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية عن الفلاسفة اليونان عموماً ومنهم المذكورون سابقاً أنهم أحسنوا من جهة عمارة الأرض، ومن جهة إسهاماتهم في علم الهيئة (الفلك) والحساب (الرياضيات) والطبيعة (الفيزياء) والهندسة. وابن تيمية رحمه الله تعالى هو من أعلام الدعوة السلفية، وذكر هذا في المنطق من مجموع الفتاوى، وهو المجلد التاسع. وقد ذكر الله عن أمم قبل أمة البعثة المحمدية وأخبر عنهم بأنهم أثاروا الأرض وعمروها، ومنهم من كانوا يبنون من الجبال بيوتاً فارهين وهم ثمود قوم صالح، وغيرهم ممن كانت لهم حضارات وازدهار، ومع ذلك كانوا على ضلال. والشاهد هو في قول ابن تيمية عن الملاحدة أنهم أحسنوا في عمارة الأرض، وفي الإسهام في المعارف البشرية، فهل هذا قول من يمنع التطور والإزدهار؟ فإنَّ قائل هذا هو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أبرز أعلام الدعوة السلفية في القرون المتأخرة.
أبو أنس عمر عبد اللطيف محمد نور
الثلاثاء 28 ربيع الثاني 1431هـ الموافق 13 أبريل 2010م
هلسنكي جمهورية فنلندة
* جريدة الرأي العام العدد 42300 تاريخ السبت الموافق 10 أبريل 2010م