بيان في تجريم مشاركة المسلم في عيد الديمقراطية الوثنية
أحمدك ربي وأستعينك، وأُصلي وأُُسلم على نبيك الهادي، وبعد:
فبسبب قيام سوق للطواف حول وثن "الديمقراطية" في كثير من بلاد اللَّه هذه الأيام، وقد انصبغ المجتمع الذي يريد اللَّه له أن يكون مسلماً مسلماً! بزخم هذا المنهج ذي الطابع الجاهلي؛ فإن عبادة الوقت -إذن- هي الحركة المضادة لتحذير الناس من تسويق الديمقراطية باعتبارها نظاماً كفرياً؛ لعدم جواز تأخير البيان حينئذ، )وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّه ُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ(، وإلاَّ فبالعدم يعتبر السكوت -فضلاً عن المشاركة- خيانة للتوحيد، وتغريراً بالأُمة، وبالمرشح "المسكين" الذي يجب تحذيره ليكفر بهذا الوثن!.
والذي ينبغي أن يعلم أن الديمقراطية مبدأ خيالي، ولا حقيقة لمسماها، أعني "حكم الشعب"، وإنما هي في مثاليتها وأحسن حالاتها لا تخرج -عند التأمل- من كونها دكتاتورية بعض الشعب لبعض آخر، أو قل: قهر (51%) لـ (49%) من الشعب، بمعنى أن يشرع بعضهم لبعض، ويَنفذ حكم بعضٍ ما في بعضٍ آخر، وقد قال تعالى: )قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ(، فلا تطابق بينها وبين "الحرية" حسب وضع اللفظ لغة وشرعاً؛ وإنما هي دعوة للإباحية والتحلل من قيود الدين، وما هي -حينئذ- إلاَّ الوجه الآخر للعلمانية "العالمية"، إذ يقول منطق العلمانية: $إن الاجتماع والحياة والدولة ليست في حاجة إلى مدبر من خارج هذا العالم، ومن وراء هذه الطبيعة. والإنسان مكتف بذاته، يدبر شئونه، ويبدع قيمه، ونظمه بواسطة العقل والتجربة، وليس في حاجة إلى شريعة سماوية تحكم هذا التدبير#[1]، كما تجدها تفخر بانتصار "رجال الدولة" على "رجال الدين"، داعية للتحلل من قيوده، وهو ما ينطبق في جو الديمقراطية التى تنادي بالحرية وعدم التقيد بدين أو أيدلوجية معينة؛ فكلاهما وجهان لعملة واحدة، ولا فرق سوى أن العلمانية هي الفكرة، والديمقراطية هي الآلية المنفذة لهذه الفكرة، ولا علاقة لهما بالعبدية للَّه.
وإذا ثبت أن هذه البدعة الكفرية ترادف العلمانية من وجه خفي، وقد سفرنا عنه الحجاب؛ فلا يمكن أن ترادف بعد ذلك عبادة الشورى المسلمة كما يقول بعضهم، فلا واللَََّه حتى يجتمع النون والضب، أو تشيب مفارق القربان، وبيان ذلك:
1- أن الديمقراطية تقوم على وجود المعارضة ولا بد، فتشجع التشرذم، أما الشُّورَى فاسم من المصدر "شاور". قيل: مشتقة من الإشارة، أو من قولهم: شار العسل، إذا استخرجه واجتناه[2]. فكيف يلتقي من همه يقوم على المنافسة في "مَن يحكم"، بمن همه "بم نحكم" ليجني العسل؟. ومن أجل الوصول لحكم اللََّه فيما يجوز فيه الشورى شرعت هذه العبادة العظيمة.
2- الشورى في الإسلام لا تشابه الديمقراطية إلاَّ في وجود أصل الآلية التي يتوصل بها إلى حكمٍ ما، دون:
أولاً- جنس الآلية التي هي في الديمقراطية خاضعة لجمهور الأكثرية من الشعب -ولو كانوا من كانوا- وفي الشورى خاضعة لأهل العلم، وليس شرطأً أن يكون رأي الأكثرية صواباً ولا بد، كما ليس من الحكمة النزول -دوماً- على رأيهم دون بينة حفاظاً على مصالح متوهمة، وليس ثم حجة ثالثة تسوِّغ الأخذ برأي الأغلبية.
وثانياً- دون المرجعية، والتي الحكم فيها هوى الأكثرية في الديمقراطية، فليشرعوا وينشئوا جديداً، وفي الشورى الحكم فيها شرع واحد، هو شرع الحكيم الخبير كما قال تعالى: )إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ(، وقال تعالي: )أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّه(، فيجتمع أهلها ليستخرجوا ما يوافق حكم اللََّه الموجود مسبقاً فحسب.
$ويكفي أن نقول باختصار: إن الشورى هي نظام الحكم المعبر عن الإسلام، والديمقرطية نظام الحكم المعبر عن العلمانية. وكل من الإسلام والعلمانية لهما نظرة فلسفية للإنسان، والحياة، والكون#[3].
وعليه؛ فتوهم بعض الدعاة للمصلحة في الدعوة الإبليسية لترشيح الأقل ضرراً، مهدورة طالما تعيق من مصارحة المجتمع بكفر هذا الوثن، كما أنها دعوة لتقويض أركان دعوة الاسلام الخمسة، أعني: التوحيد، والتوحد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد، والأخلاق.
وههنا سؤالان نطلب إجابتهما من هذا الصنف من الدعاة:
الأول: هل يجوز للمسلم ارتكاب الكفر حاضراً، أو إقراره، أو تشجيعه، أو السكوت عليه؛ فداءً من انتشار كفر في المجتمع أزيد منه غداً، وخوفاً على مكاسب الدعوة؟ وأيهما الأولى -تنزلاً-: الخوف على مستقبل الدعوة الناعم؟ أم تحذير الأمة (مرشَّحين ومرشِّحين) من اتخاذ الديمقراطية ديناً، ودفعم إلى الكفر بها في حاضر الوقت؛ مسابقة للأجل؟، )مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ(.
الثاني: لماذا -أصلاً- تُحجَّم قضية الفتوى في حكم مشاركة أحاد المسلمين في عيد هذا الوثن في الدول الديمقراطية، والسؤال المغيبة إجابته هو: لماذا تتبني الدول ابتداءً، والتي تدعي الإسلام: الديمقراطية منهج حياة، ونظام حكم، وما هو وضعها الشرعي حينئذٍ، وما موقف المسلم منها؟.
وليعلم الذين يبتغون دولة الإسلام من خلال هيمنة الديمقراطية أنَّ أقل ما في المشاركة هو الرضا بالديمقراطية حَكَماً لتنصيب الأمير، وإن ما عند اللَّه لا ينال بالحرام، والغاية لاتبرِّر الوسيلة مطلقاً. وليعتبر المذبذبون بموقف النبي ج حينما أبى التملك بشرط المشركين في مكة، ورضي بأن يكون ولو ضعيف السطوة في بلده طيلة وجوده فيه، مقابل صدعه بالتوحيد، والتحذير مما يفسد عقائد العباد، متحملاً في ذلك ألوان العذاب!، والواجب العمل على قيام دولة الإسلام بالسبيل الذي يرضي اللَّه تعالى، وإلاَّ فإن من ترك شيئاً من الشرع حوجه اللَّه إليه، ومن أبي فإن اللَّه لن يذر المؤمنين على ما هم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب!!.
والذي حمل من أجاز خوض الترشيح في هذا النظام الجاهلي الكفري هو نظرته للعملية الديمقراطية بعين واحدة، هي أنها أُسلوب من أساليب تنصيب الحاكم، وتنصيب الحاكم في الإسلام ليس فيه نص وكيفية محددة. وقد عمي هذا "المجتهد" عن كونها لعبة مؤسسية متكاملة، آخذ بعضها بزمام بعض، صورتها الخارجية هي حرية اختيار الإمام، وباطنها الكفر والضلال، وهدم الدين كما تقدم، فإن أصرَّ المخالف علي مشاركة أهلها بعد إجابتة على السؤالين السابقين فنترجاه على البيان المحاذي في كفر هذا المنهج بغير كتمان، ولو بتبصير مرشحه وتحذيره –على الأقل- بعد مساهمتة في إيصاله لسدة الحكم، وعليه بعد ذلك انتظار العاقبة!.
اللهم هل بلغت، اللهم فاشهد.
ابو اليمان الربعي
جمادى الأول 1431هـ
أبريل 2010م

([1]) "مفاهيم إسلامية" لوزارة الأوقاف المصرية.

([2]) أُنظر: "غريب القرآن" للأصفهاني: (ص: 273)، و"النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير: (ص: 508).

([3]) محمد موسى البر في كتابه: "إعدام فارس في زمن الغفلة": (ص: 144).