تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 12 من 12

الموضوع: تنبيه على فتوى للشيخ ابن بية في مسألة الأعياد الوطنية

  1. #1

    افتراضي تنبيه على فتوى للشيخ ابن بية في مسألة الأعياد الوطنية

    في موقع الشيخ عبدالله بن بية فتوى له عن اليوم الوطني ، يجيز فيها الاحتفال باليوم الوطني ، وقد قرأتها قبل فترة ، ومع أني أراها زلّة للشيخ فلم أعرها أي اهتمام ، لكني رأيت بعض النّاس تطاول على العلماء الذين حرموا الاحتفال بالعيد الوطني بهذه الفتوى ، مع أنّ الذين أفتوا بالتحريم أفقه وأعلم بالسنة ، وقولهم هو الصواب .

    ومن العجب أنّ الشيخ خرج في الفتوى عن مجرد الجواب للتلميح بتشدد القائلين بالتحريم ، حيث قال : (يجب أن نزيل هذا الوهم، وهذه الشبهة التي يتعلق بها كثير من الناس، فيدخلون على الناس حرجاً وشغباً في دينهم) والشيخ يعلم أن القائلين بالتحريم هم أعلم أهل زمانهم بالله وبدينه .

    وأنهم ليسوا من عامة الناس ، وأن قولهم ليس مبنياً على شبهة بل على النصوص الشرعية والقواعد السلفية المنضبطة .

    وأن قول هؤلاء العلماء ليس تشغيباً ولا قولاً من عند أنفسهم أدخلوا به الحرج على الناس في دينهم .
    لهذا أحببت أن أعلق على هذه الفتوى فأقول وبالله التوفيق :

    قال الشيخ : (اليوم الوطني ليس عيداً)

    أقول : اللغة والعرف والواقع تصدم بهذا القول ، فإن الناس في كل أصقاع الأرض يسمون الاحتفال باليوم الوطني (عيداً) ، ومن أحدثه من أمم الكفر يسمونه كذلك .

    واللغة التي نتكلم بها وبها نزل القرآن وجاءت السنة تسميه عيداً ، وفي المعجم الوسيط : (العيد : كل يوم يُحتفل فيه بذكرى) ، وكل ما يعود مرة بعد مرة فهو عيد ، ولهذا سمي العيدان بالعيد لأنها تعود كل عام ، ولهذا سميت الجمعة عيداً لأنها عيد أسبوعي تعود مرة بعد مرة .

    كما أن المكان الذي يعتاده الناس باستمرار يُسمى أيضاً عيداً ، كما قال صلّى الله عليه وسلّم : (لا تتخذوا قبري عيداً) .

    فقول الشيخ بعد هذا إن الاحتفال باليوم الوطني الذي يتكرر كل عام في نفس اليوم ليس عيداً غير صحيح .

    قال الشيخ : (والأعياد التي لا يجوز إحداثها هي الأعياد الدينية وليست التجمعات التي يتجمع الناس بها لسبب أو لآخر، قد يحتفلون بالزواج وقد يحتفلون بالولادة، وقد يحتفلون بأي شيء فهذا ليس من الأعياد الدينية )

    أقول : ليت الشيخ فسر لنا متى يكون العيد غير ديني ؟

    وهذا الوهم هو الذي يقع فيه البعض ، يحسب أن المحرم هو العيد الديني مع أن هذا تقسيم غير متصور ، لأن مجرد الاحتفال المتكرر الدوري هو إما تعبد محض ، وإما فيه شبهة تعبد ومضاهاة للشريعة ، ولهذا حرم الله تعالى البدع ، لأن فيها مضاهاة للشرع ، حتى لو لم ينو الفاعل لها التعبد بها.

    وما ذكره الشيخ من حفلات الزواج والولادة إن قصد نفس الزواج والولادة فهذا لا كلام فيه لأن مرة واحدة قام لسبب حادث .

    وأما إن قصد الاحتفال بأعياد الميلاد والزواج فهذه مصيبة ، لأن الكلام فيها مثله مثل العيد الوطني كله من باب الإحداث في دين الله .

    قال الشيخ : (فالأصل في الأشياء الإباحة، فلا حرج عليك أن تحضري فقد أجاز الحنابلة – رحمهم الله تعالى- العتيرة وهي ذبيحة كان أهل الجاهلية يعملونها في رجب كرهها المالكية باعتبار أنها كانت فعل الجاهلية ولكن الحنابلة أجازوها؛ لأنه لا يوجد نص يمنع من ذلك. أهل الجاهلية كانوا في رجب يذبحون ذبيحة اسمها الرجبية، واسمها العتيرة، فبعض العلماء يرى أن هذا باق على أصل الجواز، فإذا اجتمع الناس وذبحوا ذبيحة في رجب أو في شعبان أو في أي زمن فهذا لا مانع منه)

    أقول : الحجّة والدّليل الملزم هو قول الله ورسوله وما بُني على ذلك من قياس جلي أو منضبط ، أمّا قول فقيه من هذا المذهب أو ذاك فليس حجّة على المخالف ، فكون بعض فقهاء الحنابلة أجازوا الأكل من العتيرة فهذا قول يحتاجُ أن يُستدلّ له لا أن يُستدلّ به .

    ثمّ إنّ الاحتجاج بقولهم خطأ من الأساس لأنّ العتيرة نفسها في حكمها خلاف وفيها نصوص صحيحة متعارضة بعضها يجيز وبعضها يمنع ، فاختلفت مواقف الفقهاء تجاهها ، فقال بعضهم بالنسخ وقال بعضهم بالجواز وقال بعضهم باستحبابها ، فمن أجاز الأكل من العتيرة لعله من هذا الباب ، خصوصاً وأنّ كثيراً منهم أجازها بقيد أن لا تكون في زمن محدّد كما جاء ذلك منصوصاً في بعض النصوص ، وهذا يدل على نقيض ما يريد الشيخ أن يستدل له ، إذ الجواز يقيده البعض أن لا تكون عيداً كأعياد الجاهليّة .

    قال الشيخ : ( أن يحتفل الناس أو يفرحوا بحدث زوال الاستعمار في بلد مثلاً، هذا ما يسمى باليوم الوطني غالباً عندنا في أفريقيا، أو في البلاد التي كانت مستعمرة، فالأمر إن شاء الله لا حرج فيه )

    أقول : لو كان الدين بالرأي لكان لقول الشيخ وجه ، أما والدّين ليس بالرأي فلا يكفي فيه (لا حرج) بل يجب القول في الدين إباحة وتحريماً بدليل معتبر ، وما استدل به الشيخ إلى الآن في معارضة من قال بالتحريم مجرد رأي والراي ليس حجة على النص .

    قال الشيخ : ( أما أن نتشبث: بأن أبدلنا الله عيدين، هذه أعياد كانت للأنصار وكانت أعياد جاهلية وأصنام، فالنبي – صلى الله عليه وسلم- ذكر أن أعياد الإسلام الدينية عيدان عيد الفطر وعيد الأضحى، وهذا لا يفهم منه أنه يمنع أن يتجمع الناس في تجمع )

    أقول : ما قاله الشيخ ليس بصحيح ، بل أعياد الجاهلية ليست كلها من أجل الأصنام ، قال شيخ الإسلام رحمه الله : (فإذا كان صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يذبح في مكان كان الكفار يعملون فيه عيداً وإن كان أولئك الكفار قد أسلموا وتركوا ذلك العيد ، والسائل لا يتخذ المكان عيداً ، بل يذبح فيه فقط : فقد ظهر أن ذلك سد للذريعة إلى بقاء شيء من أعيادهم ، خشية أن يكون الذبح هناك سبباً لإحياء أمر تلك البقعة ، وذريعة إلى اتخاذها عيداً ، مع أن ذلك العيد إنما كان يكون - والله أعلم - سوقاً يتبايعون فيها ، ويلعبون ، كما قالت له الأنصار : يومان كنا نلعب فيهما في الجاهلية . لم تكن أعياد الجاهلية عبادة لهم ولهذا فرق صلى الله عليه وسلم بين كونها مكان وثن ، وكونها مكان عيد ) (1) ، وهذا استدلال بالنص من شيخ الإسلام لا يُعارض بمجرد ظن يظنّه المرء .

    والنص الذي ذكره الشيخ ليته ذكره كاملاً ليتبيّن أنّه يتعارض مع قوله تماماً ، فقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما ، فقال : ما هذان اليومان ؟ قالوا : كنا نلعب فيهما في الجاهلية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما : يوم الأضحى ويوم الفطر » .

    فالنص فيه أنّ اليومان مجرد لعب ولهو ، ومع هذا لم يقرهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عليهما قال شيخ الإسلام رحمه الله : (فوجه الدلالة : أن العيدين الجاهليين لم يقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة ، بل قال : إن الله قد أبدلكم بهما يومين آخرين ، والإبدال من الشيء ، يقتضي ترك المبدل منه ، إذ لا يجمع بين البدل والمبدل منه ، ولهذا لا تستعمل هذه العبارة إلا فيما ترك إجتماعهما ، كقوله سبحانه : { أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا } وقوله : { وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل } . وقوله : { فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم } . وقوله : { ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب } .

    ومنه الحديث في المقبور : فيقال له : انظر إلى مقعدك من النار أبدلك الله به خيراً منه مقعداً في الجنة ، ويقال للآخر : انظر إلى مقعدك من الجنة ، أبدلك الله به مقعداً من النار .

    وقول عمر رضي الله عنه للبيد : ما فعل شعرك ؟ قال : أبدلني الله به البقرة وآل عمران . وهذا كثير في الكلام .

    فقوله صلى الله عليه وسلم : إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يقتضي ترك الجمع بينهما لا سيما وقوله : خيراً منهما يقتضي الأعتياض بما شرع لنا ، عما كان في الجاهلية .

    وأيضاً - فقوله لهم : إن الله قد أبدلكم ، لما سألهم عن اليومين فأجابوه : بأنهما يومان كانوا يلعبون فيهما في الجاهلية ، دليل على أنه نهاهم عنهما اعتياضاً بيومي الإسلام ، إذ لو لم يقصد النهي لم يكن ذكر هذا الإبدال مناسباً ، إذ أصل شرع اليومين الإسلاميين كانوا يعلمونه ، ولم يكونوا ليتزكوه لأجل يومي الجاهلية .

    وفي قول أنس : ولهم يومان يلعبون فيهما وقول النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله قد أبدلكم بهما يومين خيراً منهما دليل على أن أنساً رضي الله عنه فهم من قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : أبدلكم بهما تعويضاً باليومين المبدلين .

    وأيضاً - فإن ذينك اليومين الجاهلين قد ماتا في الإسلام ، فلم يبق لهما أثر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا عهد خلفائه ولو لم يكن قد نهى الناس عن اللعب فيهما ، ونحوه مما كانوا يفعلونه لكانوا قد بقوا على العادة ، إذ العادات لا تغير إلا بمغير يزيلها ، ولا سيما وطباع النساء والصبيان ، وكثير من الناس متشوفة إلى اليوم الذي يتخذونه عيداً للبطالة واللعب ، ولهذا قد يعجز كثير من الملوك والرؤساء عن نقل الناس عن عاداتهم في أعيادهم ، لقوة مقتضيها من نفوسهم ، وتوفر همم الجماهير على اتخاذها ، فلولا قوة المانع من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكانت باقية ، ولو على وجه ضعيف ، فعلم أن المانع القوي منه كان ثابتاً ، وكل ما منع النبي منعاً قوياً كان محرماً إذ لا يعني بالمحرم إلا هذا .
    وهذا أمر بين لا شبهة فيه ، فإن مثل ذينك العيدين ، لو عاد الناس إليهما بنوع مما كان يفعل فيهما - إن رخص فيه - كان مراغمة بينه وبين ما نهى عنه ) (2)
    . وليس بعد هذا القول قول .


    قال الشيخ : (حتى ولو كان كرهه المرء ورأى أنه إذا لم يكن هناك منكر فلا داعي إلى التشويش على الناس، وإثارة بعض الفتن والخصومات في أمور ليست ممنوعة، نصاً من كتاب أوسنة، ولا إجماعاً للعلماء ولا اتفاقاً داخل المذاهب )


    أقول : أخطأ الشيخ غفر الله له ، لأنّ الاحتفال نفسه هو المنكر حتّى لو خلا من أيّ مخالفات شرعية أخرى ، أمّا إن كان فيه موسيقى أو غناء أو اختلاط وتبرج وسفور أو شراب محرم أو طعام محرم فإنّ التحريم هنا يتغلّظ .

    وقوله : ( أمور ليست ممنوعة في كتاب أو سنة) هذا غريب من الشيخ لأنّ العلماء الذين حرموا هذه الاحتفالات يستدلون عليها بنصوص في الكتاب والسنة ، والشيخ يوصف بالفقه فهل يرى الشيخ أنّ يجب على المحرمين أن يأتوا بنصوص على تحريم العيد الوطني لفظاً هكذا ؟ هذا أمر لا يقوله إلاّ بعض المجادلين من العامّة ولا يصدر من فقيه فضلاً عن مثل الشيخ غفر الله له .

    وأمّا قوله قبل ذلك : (فلا داعي إلى التشويش على الناس، وإثارة بعض الفتن والخصومات) فهذا حق لكن الّذي يتحمّل وزر ما يحصل من تشويش فتنة هو من أحدث وابتدع وخالف السنة ، لا من أنكر عليه وبيّن خطأه .

    وإذا كان الشيخ يرى أن القول بالتحريم فيه تشويش وإثارة للفتنة فلماذا لم يتكلم بهذا من قديم ، يوم كان من يفتي بالتحريم أحياء يذكرون ذلك في رسائلهم وفتاويهم ودروسهم ؟ لماذا سكت الشيخ عن هذه الفتاوى التي تثير الفتنة والخصومة وتشوش على الناس طيلة هذه السنين ولم نر له رسالة أو كتاباً يبين للناس هذا الأمر ؟!

    قال الشيخ : (لأن التيسير في مثل هذه الأمور التي لا حرج فيها قطعاً، والأقوال التي تقول تحرج لا تستند إلى قاطع وهي أقوال ضعيفة )أقول : التيسير هو فيما صح به النص ، ودين الله يسر كلّه ، والتيسير ليس بتحليل الحرام والتوسعة على النّاس فيما ضيّق فيه الشرع ومنع منه .

    وهذا المنهج الذي ذكره الشيخ منهج باطل ، وهو التيسير للناس في كلّ ما تحريمه ليس بقطعي ، بمعنى أنّ كلّ مسألة اختلف فيه العلماء فالأصل فيها أيسر الأقوال ، وهذا ما لا يعرفه السلف ، ولو قيل بهذا لأصبح الدين لعبة بيد المفتين ، إذ لا تكاد تجد مسألة لم يخالف فيها فقيه من هنا أو هناك ، وكثير من هذه الأقوال شاذّة غير صحيحة ، فيصبح من أراد أن يبيح محرماً يخالف النص ويستند على هذه القاعدة وهي أنّ التحريم ليس قطعياً وأن التيسير هو الأولى .

    والذين حرموا الاحتفال بالعيد الوطني يستندون إلى النصوص الشرعية والقواعد المرعية ، ولإن كانت في نظر الشيخ ضعيفة فالعيب ليس فيها ولا فيمن قال بها وإنّما كما قال الشاعر :

    [align=center]كالنجم تستصغر الأبصار طلعته والعيب للطرف لا للنجم في الصغر[/align]


    وإذا اختلف العلماء في مسألة فالحق هو ما أيدته النصوص لا في رأي مرسل يتّكئ على التيسير لرفح الحرج عن الناس في أمور حرّج فيها الشّرع وشدّد .

    قال الشيخ : (فلا مانع من أن نفسح للناس المجال وأن نيسر لهم، فاليسر أصل من أصول هذا الدين)أقول : المطلوب من الفقيه أن يبيّن للنّاس يسر الدين ويرشدهم إلى السّمح من الاختيارات الّتي ورد بها النص الشّرعي لا أن يتولّى هو هذه المهمّة ، فييسّر فيما لم يأذن به الله ، موافقة لأهواء النّاس ، وقد رأيت عدداً من فتاوى الشيخ في الموقع ينحى بها هذا المنحى ، فإذا سُئل عن مسألة حكى الخلاف الواسع عن الفقهاء ثم اختار للسائل أسهل الأقوال وأكثرها موافقة لهواه بغض النظر عن النصوص الّتي لا يذكرها أصلاً في الفتوى ولا يعرج عليها ، كمثل هذه الفتوى :

    خطيبي يعمل بأوربا طباخاً عند أحد الإيطاليين، وطبعاً يطهو لحم الحنـزير ويستعمل الخمر كذلك في الطهي لكنه لا يأكل طعامهم.
    - هل كسبه حلال أم حرام؟
    - هو يريد تغيير عمله لكن ما باليد حيلة، فرص العمل هناك نادرة، فبماذا تنصحونه؟
    وجزاكم الله كل خير.

    الجواب : هذه مسألة يكثر السؤال عنها في أوروبا ، وهي مسألة اختلف العلماء فيها، اختلفوا في الاستئجار لحمل الخمر أو الخنـزير مثلاً، فهل له أجرة أو ليست له أجرة؟ وهل تطيب هذه الأجرة له أو لا تطيب له؟ فالصحيح من مذهب الإمام أحمد أن الأجرة لا تطيب له، ولكنهم حكوا القول الثاني عنه أيضاً، أي أن له الأجرة ولكنها تكره، وأطلق الوجهين في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والرعاتين والحاوي ، فعلى القول الثاني وهو أنه يجوز له الاستئجار أو يصح له الاستئجار على حمل الميت والخنـزير والخمر يكره أكل الأجرة ولا يحرم، وعلى هذه الرواية تصح الإجارة، وقد حكي في الإنصاف أن هذا هو الصحيح وعليه الأصحاب، وأطلق كثير من العلماء كصاحب الفائق وغيره روايتين، وأطلق بعضهم في المستوعب وجهين، وفي مذهب الإمام مالك يفرق بين أن يكون قد استأجر نفسه في الخمر ونحوه لمسلم فهذا لا يصح، أو يكون قد استأجره لكافر فإنه يصح على رواية زونان عن مالك، وأنه تطيب له الأجرة، ذكرها المواق في شرحه على خليل، وعلى هذه الرواية تبنى المسألة على مسألة الكافر هل هو مخاطب بالفروع أو ليس مخاطباً بالفروع، وهما وجهان صحيحان في مذهب مالك – رحمه الله تعالى - ، وقال أبو حنيفة إنه تجوز له الأجرة على حمل الخمر، فالمسألة فيها أقوال إن شاء الله – تعالى – فنحن نفتيه بالأخف والأسهل، وبالتالي نقول: إن هذا الرجل يجوز له أن يعمل حتى يجد عملاً آخر، ويجوز له أن يأخذ تلك الأجرة لأنه محتاج إليها، وإن شاء الله لا يجد في نفسه حرجاً؛ لأن المسألة فيها خلاف وفيها روايات وذكرها ثقات العلماء – رضي الله عنهم – والله أعلم.


    فانظر هل يتسق هذا مع قوله صلّى الله عليه وسلّم : (لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه)

    انظر إلى هذا النص الصحيح الصريح كيف يُضرب به عرض الحائط لأقوال وأوجه في المذاهب المختلفة ، فترك حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأقوال فقهاءٍ ليس تيسيراً بل هو تضليل للنّاس عن حقيقة الدّين الّذي جاء به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم .

    وليس على المؤمن مسؤولية البحث عن سبب قول عالم من هنا أو هناك ما يخالف الشرع ، لأنّ هذا مبني على افتراض وتصور عصمة هؤلاء العلماء ، وقد شرح شيخ الإسلام في (رفع الملام)كثيراً من أسباب أخطاء العلماء وقولهم خلاف الدليل .

    لكن المؤمن الحق لا يبحث في أخطائهم عن أسهل قول سواء كان هذا له أم لمن يفتيه ، فهذا خلاف السنة وخلاف دين الله تعالى .

    إنّ هذا المنهج يجرّ إلى الكثير من الخطر على الشريعة وأحكام الدين ، قال ابن القيّم في سبب تحريف شريعة النصارى : « وانضاف إلى هذا السبب ما في كتابهم المعروف عندهم بـ (افر كسيس) أن قوماً من النصارى خرجوا من بيت المقدس وأتو أنطاكية وغيرها من الشام ، فدعوا الناس إلى دين المسيح الصّحيح، فدعوهم إلى العمل بالتوراة ، وتحريم ذبائح من ليس من أهلها، وإلى الختان وإقامة السبت، وتحريم الخنزير وتحريم ما حرمته التوراة ، فشقّ ذلك على الأمم ، واستثقلوه، فاجتمع النصارى ببيت المقدس وتشاوروا فيما يحتالون به على الأمم ليحبّبوهم إلى دين المسيح ويدخلوا فيه، فاتفق رأيهم على مداخلة الأمم والترخيص لهم والاختلاط بهم، وأكل ذبائحهم، والانحطاط في أهوائهم ، والتخلّق بأخلاقهم وإنشاء شريعة تكون بين شريعة الإنجيل وما عليه الأمم »(3)


    قال الشيخ : (فالأصل في هذا الدين اليسر نكررها مرة أخرى، والاجتهادات الأخرى للعلماء اجتهادات محترمة، لكنها ليست نصوصاً من الشارع. والسلام عليكم)


    أقول : الأصل في الدين أنّه يسر ، واليسر فيه ليس ما تهواه أنفسنا أو تراه عقولنا ، فقتل الجاني وإن كان قمة القسوة في ذاته إلاّ أنّه موصوف باليسر ، لأنّ دين الله يسر ، وصوم شهرين متتابعين في الكفارة المغلظة يسر وإن كان في نفسه شاقاً .

    فلو أطلقنا العنان لأهوائنا وعقولنا لوصل بنا الحال إلى إلغاء أحكام قطعية بسبب علّة التيسير هذه ، وقد بدت طلائع هذا الخطر في هذه الأيّان ببحوث وفتاوى تشكّك في أحكام لم يخالف فيها إلاّ الشّذّاذ !

    نحن بحمدالله ندرك تماماً أنّ أقوال العلماء ليست معصومة ، وأنّها ليست قطعيّة ، لكنّنا على مذهب السّلف في الاقتداء بهم والأخذ بالدّليل الشّرعي لا التمسّك بالآراء الشاذّة ومعارضة أقوال العلماء المدلّلة والمقعّدة بها .

    وأقوال العلماء المأخوذة من النصوص لها قدسيّة النص تماماً لأنّها المفاتيح الّتي تُفهم بها ، وأمّا القول والتكرار بأنّها اجتهادات فهذا ليس حجّة لمعارضتها بالرأي الفاسد ، وهذه حجّة العصرانيين والمنافقين في ترك أحكام الملّة ، فكلّما جوبهوا بنص شرعي وقول عالم قالوا النص مقدس لكن أقوال العلماء ليست مقدسة وليست معصومة ، وأنا أربأ بالشيخ أن يردّد أقوالهم ، ويدندن دندنتهم ، والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل .

    ===

    (1) اقتضاء الصراط المستقيم (1/498) .
    (2) اقتضاء الصراط(1/458ـ488) .
    (3) هداية الحيارى ص(266 ـ 267) .
    [/align]

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    2

    افتراضي

    جزاك الله خيرا ، والتوسع في هذا المنهج ــ منهج التيسير ــ أدى بكثير من المفتين إلى البحث عمن قال بقول يوافق مراد السائل ، لا عن البحث عن الدليل أو البحث عن حكم المسألة والاجتهاد فيها .. والله المستعان .

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    2,642

    افتراضي


    شكر الله لك يا شيخ أحمد هذه الوقفات


  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    24

    افتراضي

    بارك الله فيك وجزاك الله خيرا

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    59

    افتراضي

    [align=center]السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو عمر الكناني
    واللغة التي نتكلم بها وبها نزل القرآن وجاءت السنة تسميه عيداً ، وفي المعجم الوسيط : (العيد : كل يوم يُحتفل فيه بذكرى) ، وكل ما يعود مرة بعد مرة فهو عيد ، ولهذا سمي العيدان بالعيد لأنها تعود كل عام ، ولهذا سميت الجمعة عيداً لأنها عيد أسبوعي تعود مرة بعد مرة .
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو عمر الكناني
    وكل ما يعود مرة بعد مرة فهو عيد
    فالأيام التي يعتاد فيهاالحظور للدروس في الجامعة مثلا تعتبر على هذا : أيام عيد،
    و الأيام التي يعتاد فيها تكرار شرب القهوة أو الشاي مثلا تعتبر على هذا : أيام عيد،
    فليزم بالتالي من هذا الكلام أنّه : ينبغي أن لا يخص الإنسان تكرار الأشياء في أوقات معينة كي لا يقع في بدعة

    [align=center]فهل قال بهذا اللازم الرسول محمد صلى الله عليه و سلم و أصحابه الكرام ؟[/align][/align]

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    3,514

    افتراضي حفظكم اللهُ ورفع قدركم أبا عمر !

    [align=center]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

    الموقر الأخ الكريم / الشيخ أحمد بن صالح الزهراني - حفظه الله ورعاه - :

    سلام عليكم ورحمة الله وبركــاته ،،،

    جزاكم اللهُ خيرًا وباركَ في علمكم .

    حفظكم اللهُ ورفع قدركم أبا عمر !

    دمتم بخير .

    أخوكم المحب
    سلمان بن عبد القادر أبو زيد
    [/align]

  7. #7

    افتراضي

    جزى الله حبيبنا الشيخ أحمد خير الجزاء

  8. #8

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الناصح الصادق مشاهدة المشاركة
    [align=center]السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
    فالأيام التي يعتاد فيهاالحظور للدروس في الجامعة مثلا تعتبر على هذا : أيام عيد،
    و الأيام التي يعتاد فيها تكرار شرب القهوة أو الشاي مثلا تعتبر على هذا : أيام عيد،
    فليزم بالتالي من هذا الكلام أنّه : ينبغي أن لا يخص الإنسان تكرار الأشياء في أوقات معينة كي لا يقع في بدعة
    [align=center]فهل قال بهذا اللازم الرسول محمد صلى الله عليه و سلم و أصحابه الكرام ؟[/align][/align]
    ألا تفرق بين ما يعود على الناس عامة مرة بعد مرة وبين ما يعود على الأفراد ويختلف من شخص لآخر !

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    المشاركات
    113

    افتراضي رد: تنبيه على فتوى للشيخ ابن بية في مسألة الأعياد الوطنية

    جزاكم الله خيراً يا استاذ أحمد
    {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ }
    { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    2,078

    افتراضي رد: تنبيه على فتوى للشيخ ابن بية في مسألة الأعياد الوطنية

    الشيخ ذهب إلى أسوأ من ذلك..فأفتى بحل تهنئة الكفار في أعيادهم الدينية..
    والله المستعان

  11. #11

    افتراضي رد: تنبيه على فتوى للشيخ ابن بية في مسألة الأعياد الوطنية

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو فاطمة الحسني مشاهدة المشاركة
    ألا تفرق بين ما يعود على الناس عامة مرة بعد مرة وبين ما يعود على الأفراد ويختلف من شخص لآخر !
    سؤال :
    اعتياد الذهاب للمدارس والجامعات والإدارات أليس مما يعود على الناس ( بعامة ) مرة بعد مرة ؟!

  12. #12

    افتراضي رد: تنبيه على فتوى للشيخ ابن بية في مسألة الأعياد الوطنية

    لا بل يتفاوت الناس فيه ولا يتقصدون فيه يوما معينا لذاته, بخلاف العيد الوطني فإنهم يتقصدون فيه يوما بعينه يربطونه بمناسبة يسمونها وطنية, ثم يتقصدون إظهار التهاني والفرح في ذلك اليوم من كل عام, وهذا هو العيد والفرق بينه وبين ما ذكرت ظاهر
    تفضل بزيارة مدونتي:http://abofatima.maktoobblog.com/

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •