السلام عليكم .
هذا مقال آخر لكاتب موتور على ، نشره - على عادته - في بعض الجرائد ليشوه أهل السنة و الجماعة ...فهل من نقد علمي رزين لمقاله ؟
إليكم نص المقال :
"يعتقد ''الحشوية'' أجداد المتمسلفة أن الله تعالى يجلس النبي، صلى الله عليه وسلم، معه على العرش بجنبه في مكان أفرده له لا يتجاوز أربعة أصابع! وقد بلغت عندهم هذه العقيدة مبلغا عظيما حتى كفـّروا من خالفهم من أجلها بل واستحلوا دمه، كما فعلوا مع الإمام الطبري رضي الله عنه·
معنى القعود على العرش
يقصد ''الحشوية'' بقعود النبي، صلى الله عليه وسلم، على العرش القعود الحقيقي الذي نعرفه ونفهمه، ويكون هذا القعود هو قعود ذات النبي، صلى الله عليه وسلم، بجنب ذات الله تعالى· يوضح هذا ما قاله ابن أبي يعلى في كتابه ''إبطال التأويلات'' ج 2 ص 479 قال: ''علم أنه غير ممتنع حمل هذا الخبر على ظاهره، وأنه يجلسه معه على عرشه وسريره، بمعنى يدنيه من ذاته ويقربه منها'' اهـ·
هل يكفر من لم يعتقد هذه البدعة؟
قال ابن أبي يعلى في ''إبطال التأويلات'' ج 2 ص 483 عن مجاهد في قوله ''عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا'' (الإسراء 79): ''يجلسه على العرش، وهذه فضيلة للنبي صلى الله عليه وسلم، فهو كافر من ردها'' اهـ·
هل يقتل من لم يؤمن بها؟
قال سعيد بن عبد الرحمن بن إبزي: قلت لأبي: لو رأيت رجلا سب أبا بكر، ما كنت صانعا به؟ قال: أقتله· قلت: فعمر؟ قال: أقتله· فهذا لأبي بكر وعمر، فكيف بمن رد فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم؟
من رد هذه البدعة فهو من الفرق الهالكة
ذكر أبو عبد الله بن بطة في كتاب ''الإبانة'' قال أبو بكر أحمد بن سلمان النجاد: ''لو أن حالفا حلف بالطلاق ثلاثا أن الله تعالى يقعد محمد، صلى الله عليه وسلم، معه على العرش واستفتاني في يمينه، لقلت له: صدقت في قولك، وبررت في يمينك، وامرأتك على حالها، فهذا مذهبنا وديننا واعتقادنا، وعليه نشأنا، ونحن عليه إلى أن نموت إن شاء الله· فلزمنا الإنكار على من رد هذه الفضيلة التي قالتها العلماء وتلقوها بالقبول، فمن ردها فهو من الفرق الهالكة!''· ''إبطال التأويلات'' ج 2 ص .485
ولكم أن تتدبروا قوله ''فهذا مذهبنا ودينا واعتقادنا، وعليه نشأنا، ونحن عليه إلى أن نموت''!!
بدعة ثابتة بالمنامات!
في الوقت الذي يحرم المتمسلفة الاحتجاج بالأحاديث الضعيفة، سمحوا لأنفسهم الاحتجاج بالمنامات في مسألة هي عندهم من أمهات العقيدة التي يكفر، بل ويقتل من خالفهم فيها·
ذكر الخلال في كتابه ''السنة'' رقم ,257 وابن أبي يعلى في ''إبطال التأويلات'' ج 2 ص ,485 قال: أخبرني الحسن بن صالح العطار عن محمد بن علي السراج قال: رأيت النبي، صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر عن يمينه وعمر عن يساره، فتقدمت إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقمت عن يسار عمر فقلت: يا رسول الله، إني أريد أن أقول شيئا فأقبل عليّ· فقال: قل· فقلت: إن الترمذي يقول: إن الله عزّ وجلّ لا يقعدك معه على العرش، ونحن نقول يقعدك معه على العرش، فكيف تقول يا رسول الله؟ فأقبل عليّ شبه المغضب وهو يشير بيده اليمنى عاقدا بها أربعين وهو يقول: ''بلى والله بلى والله بلى والله، يقعدني معه، ثم انتبهت'' اهـ·
هكذا، بمجرد ما انتبه هذا السراج من منامه حتى تحولت رؤيته إلى عقيدة يجب على ملايين المسلمين اعتقادها، وإلا قتلوا· وبمثل هذه المنامات، تحول الإمام الترمذي إلى أحد المغضوب عليهم من طرف رسول الله، صلى الله عليه وسلم· هكذا يعمد الحشوية إلى تعبئة العوام ضد خصومهم، مستعملين كل الوسائل· جاء في كتاب ''إبطال التأويلات'' لابن أبي يعلى ج 2 ص 486 قال: وسمعت أبا بكر بن صدقة يقول: حدثني أبو القاسم بن الجبلي عن عبد الله بن اسماعيل صاحب النرسي قال: ثم لقيت عبد الله بن اسماعيل فحدثني قال: رأيت النبي، صلى الله عليه وسلم، في النوم فقال لي: ''هذا الترمذي ينكر فضيلتي!!'' اهـ· وانظر أيضا ''السنة'' للخلال رقم 256: هكذا من لم يؤمن بهذه البدعة التي اخترعتها عقول ''الحشوية'' يضلل ويكفر ويخرج من جماعة المسلمين ويقتل، ثم ينال غضب النبي، صلى الله عليه وسلم، الذي اختار عقول ومنامات الحشوية ليبلغ لأمته غضبه على الإمام الترمذي!!
المقام المحمود
زعم الحشوية أن المقام المحمود الوارد في قوله تعالى: ''عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا'' (الإسراء 79) المقصود به إقعاد النبي، صلى الله عليه وسلم، مع الله في مساحة لا تتجاوز أربعة أصابع! وكل مسلم لم يتلوث بحشو يعلم أن المقصود بالمقام المحمود هو مقام الشفاعة، يدل على ذلك ما ثبت عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في قوله:'' عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا'' (الإسراء 79) سئل عنها، قال: ''هي الشفاعة''، أخرجه الترمذي برقم 3137 وقال حديث حسن، وأخرجه أحمد في مسنده 2 / 444 ـ ,478 وابن جرير الطبري في تفسيره 15 / 98 والبيهقي في دلائل النبوة 5 / 484 وعزاه السيوطي في الدرر 5 / 324 إلى ابن أبي حاتم وابن مردويه، ويؤيده ما أخرجه البخاري في صحيحه 8 / 399 عن ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: ''إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا ـ أي جماعات ـ كل أمة تتبع نبيها، يقولون: يا فلان اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود''· وما أخرجه الطبري 15 / 98 عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ''إن الشمس لتدنو حتى يبلغ العرق نصف الأذن، فبينما هم كذلك، استغاثوا بآدم عليه السلام فيقول: لست صاحب ذلك، ثم بموسى عليه السلام فيقول كذلك، ثم بمحمد فيشفع بين الخلق فيمشي حتى يأخذ بحلقة الجنة، فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا'' اهـ· وقد أخرجه البخاري في صحيحه في الزكاة 3 / 338 وحديث أنس، رضي الله عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: ''يـُحبس المؤمنون يوم القيامة حتى يهمـّوا بذلك فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا فيريحنا من مكاننا، فيأتون آدم··· إلى أن يقول: فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة حتى ما يبقى في النار إلا من حبسه القرآن، ثم تلا الآية >عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا<· قال: وهذا المقام المحمود الذي وُعِدَه نبيكم صلى الله عليه وسلم''· أخرجه البخاري بهذا اللفظ في التوحيد 13 / 422 ومسلم في الإيمان 11 / 180 ـ .184
الحشوية يعلنون الحرب على مخالفيهم
من عادة ''المتمسلفة الحشوية'' أن يبتدعوا بدعة ثم يجهدون أنفسهم في تأصيلها، مستعينين بالأحاديث الموضوعة والضعيفة والإسرائيليات والمنامات، ثم يعمدون إلى تكفير كل من خالفهم ولم يؤمن ببدعتهم، وبعد ذلك يأمرون بقتله، ولا يتوانون في إشعال الفتن حيثما حلوا وارتحلوا، المهم عندهم الانتصار للبدعة·
يقول ابن الأثير في الكامل ج 8 ص 73 عن سنة ''317وفيها وقعت فتنة عظيمة ببغداد بين أصحاب أبي بكر المروذي الحنبلي وبين غيرهم من العامة، ودخل كثير من الجند فيها، وسبب ذلك أن أصحاب المروذي قالوا في تفسير قوله تعالى: ''عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا''، أن الله يقعد النبي، صلى الله عليه وسلم، معه على العرش، وقالت الطائفة الأخرى: ''إنها الشفاعة فوقعت الفتنة، واقتتلوا، فقتل بينهم قتلى كثيرة'' اهـ·
وينقل لنا أبو عبد الله محمد بن حارث الخشني القيرواني (ت: 361) ما أحدثه اعتقاد ''الحشوية'' بشأن قعود النبي، صلى الله عليه وسلم، مع ربه على العرش من مهاترات بين الحشوية وعقلاء الأمة، قائلا: ''قال محمد: قال لي بعض التجار بالقيروان: شهدت ببغداد رجلين يتناظران في تفسير المقام المحمود، فتقلد أحدهما أنه الجلوس مع ربه جلّ وعزّ على العرش، وتقلد الآخر أنه الشفاعة، قال: فرأيت كل واحد منهما يشيل نعله على صاحبه، فهذا يقول: يا عدو الله تستهين بالله جلّ وعزّ، وتشبه به عبده''· والآخر يقول: يا عدو الله، تستهين برسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولا تراه أهلا لكرامة الله جلّ وعزّ!! فحيكت ذلك لمحمد بن أيمن، فقال لي: شهدت أهل بغداد وقت كوني بها وقد وقعوا في هذا المعنى، وقد تقلد أصحاب ابن حنبل أن الجلوس على العرش هو المقام المحمود، قال: فعهدي بكثير من وضّاع الكتب وهم يحتالون في كتبهم فيخرجون إلى ذكر المقام المحمود ليظهروا تقلد الجلوس على العرش، فيتوجهوا بذلك عند أصحاب ابن حنبل بهذا المذهب''، أنظر أخبار الفقهاء والمحدثين ص .118
النبي صلى الله عليه وسلم يشارك الله في ربوبيته لحظة وجوده على العرش!
بلغ ضلال ''الحشوية'' في هذه المسألة إلى اعتقاد أن الرسول يشترك مع الله تعالى في الربوبية في لحظة وجوده على العرش، حيث يقول ابن النجاد: ''وحدثنا معاذ بن المثنى حدثنا خلاّد بن أسلم قال: حدثنا محمد بن فضل عن ليث عن مجاهد كلهم قال في قول الله عزّ وجلّ قال يجلسه معه على العرش، وسألت أبا يحيى الناقد ويعقوب المطوعي وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وجماعة من شيوخنا، فحدثوني بحديث محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد· وسألت أبا الحسن العطار عن ذلك، فحدثني بحديث مجاهد، ثم قال: سمعت محمد بن مصعب العابد يقول هذا، حتى ترى الخلائق منزلته صلى الله عليه وسلم، ثم ينصرف محمد، صلى الله عليه وسلم، إلى غرفته وجناته وأزواجه، ثم ينفرد عزّ وجلّ بربوبيته''، انظر ابن أبي يعلى، ''طبقات الحنابلة'' 2 / .9
بهذا ندرك خطورة هذه البدعة الحشوية على التوحيد والأمن ووحدة الأمة، ونحن لا نطلب من كل متمسلف أو حشوي إلا أن يظهر إنكاره لهذه البدعة ويحكم على قائليها بما يحكم به على مخالفيهم· إذا فعلوا ذلك، سنعتبر ذلك خطوة في الاتجاه الصحيح"· انتهى.