بسم الله الرحمن الرحيمهذا المقال نُشر في مجلة الأصالة ( العدد 21 ) ، وقد قمت بترقيمه وتنسيقه ، مع تعليقات يسيرة تُكمله ، أسأل الله أن ينفع به ، وأن يوفق دور النشر - عند تحقيقها لكتب السلف - أن تُكلف من يؤتمن في عقيدته ، ولا يشوه الكتاب بتعليقاته وهوامشه الخَلَفية ؛ كما فعل الغماري بالتمهيد .إن كتاب "التمهيد" لابن عبدالبر من أعظم الموسوعات والفقهية التي تعرض المسائل الفقهية بأدلتها من الكتاب والسنة وآثار الصحابة وأقوال الفقهاء من التابعين، ومن أدمن النظر أُتي علماً جماً، قال الذهبي: قال الشيخ عز الدين بن عبدالسلام وكان أحمد المجتهدين-: ما رأيت من كتب الإسلام مثل "المحلى" لابن حزم، وكتاب "المغني" للشيخ موفق الدين. قلت: صدق الشيخ عزالدين، وثالثهما:: "السنن الكبير"، ورابعها: "التمهيد" لابن عبدالبر. فمن حصل هذه الدواوين، وكان من أذكياء المفتين، وأدمن المطالعة فيها فهو العالم حقاً (18/193 سير). وقد قال ابن عبدالبر عن كتابه في كتابه:
من ضلالات الغماري في تعليقه على "التمهيد"
سمير فؤادي من ثلاثين حجة وصـاقل ذهني والمفرج عن همي
بسطت لهم فيه كلام نبيهم لـما في معانيه من الفقه والعلم
وفيه من الآداب ما يهتدي به إلى البر والتقوى وينهى عن الظلم
-وقد كانت لي –من فضل الله- قراءة في التمهيد، وقد أزعجني! ما رأيت في تحقيق المجلد السابع من تحقيق عبدالله الغماري ، وبعض تعليقاته، التي شوهت جمال الكتاب في تأويل بعض صفات الله فكان مني أن أنصح لأمتي بالتحذير من هذا. والله أسأل أن ينفعني بما كتبت، وقلت: قال الذهبي: فإذا قلنا لله يد وسمع وبصر، فإنما هي صفات أثبتها الله لنفسه ولا تقول إن معنى اليد القدرة، ولا أن معنى السمع والبصر العلم، ولا نقول أنها جوارح ولا نشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار التي هي جوارح وأدوات للفعل ونقول: إنما وجب إثباتها لأن التوقيف ورد بها ووجب نفي إثباتها لأن التوقيف ورد بها ووجب نفي التشبيه عنها. قوله: ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) الشورى: 11، ( ولم يكن له كفواً أحد) الإخلاص: 3، (سير 18/284).
1- قال الغماري ( ص 142 ) - تعليقًا على قول المبارك : الله على السماء السابعة على العرش . فقيل له : بحد ؟ قال : نعم ، وهو فوق سبع سماوات على العرش - - : لا يجوز إطلاق هذا في جانب الله تعالى، لأنه لم يرد في القرآن ولا في السنة، وفي ترجمة ابن حبان من طبقات الشافعية: أن أبا إسماعيل عبدالله بن محمد الهروي؛ قال: سألت يحيى بن عمار عن ابن حبان؟ قلت: رأيته؟ قال: وكيف لم أره؟! ونحن أخرجناه من سجستان، فإن له علم كثير، ولم يكن له كبير دين قدم علينا فأنكر الحد لله، فأخرجناه من سجستان. قال السبكي: انظر ما أجهل هذا الجارح وليت شعري من المجروح؟! مثبت الحد لله أو نافيه! وقال الحافظ العلائي تعليقاً على هذه الحكاية: يالله العجب! من أحق بالإخراج والتبديع وقلة الدين؟ اهـ .
قلت: قال الذهبي في السير في ترجمة ابن حبان في مورد هذه القصة؛ قال: إنكاركم عليه بدعة أيضاً والخوض في ذلك مما لم يأذن به الله، ولا أتى نص بإثبات ذلك، ولا نبغيه، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، وتعالى الله أن يحدّ أو يوصف إلا بما وصف به نفسه، أو علمه رسله بالمعنى الذي أراد، ولا كيف ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) ( 16/97 ترجمة ابن حبان).
( قال أبومصعب : الصواب هنا أن يُقال ما قاله شيخ الإسلام – رحمه الله - :
" هل يجوز إطلاق الحد عليه ؟ قد أطلق أحمد القول بذلك في رواية المروذي وقد ذكر له قول ابن المبارك نعرف الله على العرش بحد فقال أحمد بلغني ذلك وأعجبه ، وقال الأثرم قلت لأحمد يحكى عن ابن المبارك نعرف ربنا في السماء السابعة على عرشه بحد فقال أحمد هكذا هو عندنا قال ورأيت بخط أبي إسحاق حدثنا أبو بكر أحمد بن نصر الرفاء قال سمعت أبا بكر بن أبي داود قال سمعت أبي يقول جاء رجل إلى أحمد بن حنبل فقال لله تبارك وتعالى حد قال : نعم لا يعلمه إلا هو قال الله تعالى : وترى الملائكة حافين من حول العرش . يقول محدقين قال فقد أطلق أحمد القول بإثبات الحد لله تعالى . وقد نفاه في رواية حنبل فقال : نحن نؤمن بان الله تعالى على العرش كيف شاء وكما شاء بلا حد ولا صفة يبلغها واصف أو يحده أحد . فقد نفى الحد عنه على الصفة المذكورة وهو الحد الذي يعلمه خلقه . والموضع الذي أطلقه محمول على معنيين : أحدهما على معنى أنه تعالى في جهة مخصوصة وليس هو ذاهبا في الجهات الستة بل هو خارج العالم متميز عن خلقه منفصل عنهم غير داخل في كل الجهات وهذا معنى قول أحمد حد لا يعلمه إلا هو . والثاني : أنه على صفة يبين بها من غيره ويتميز " ( تلبيس الجهمية 1/436) .
2 – قال الغماري : روى الشيخان عن ابن مسعود؛ قال: جاء رجل من أهل الكتاب، وفي رواية حبر اليهود، فقال: يا أبا القاسم! أبلغك أن الله عز وجل يحمل السماوات على إصبع والأرضين على إصبع والخلائق على إصبع ويقول: أنا الملك أنا الملك، قال: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه، ثم قال: ( وما قدروا الله حق قدره) ، ويلاحظ أن المتكلم بالأصابع يهودي، واليهود مجسمون، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحك تعجباً من جهله وتلا الآية يوحي بتلاوتها إلى أن القبضة واليمين فيها معناهما القوة والاقتدار، لا الكف ولا الأصابع. (ص 48 ت64).
قلت: الصواب كما قال الذهبي في (السير 18/248): فإذا قلنا : لله يد وسمع وبصر، فإنما هي صفات أثبتها الله لنفسه، ولا نقول إن معنى اليد: القدرة، ولا إن معنى السمع والبصر: العلم، ولا نقول: إنها جوارح، ولا نشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار التي هي جوارح وأدوات للفعل، ونقول: إنما وجب إثباتها لأن التوقيف ورد بها، ووجب نفي التشبيه عنها لقوله: ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) ، ( ولم يكن له كفواً أحد) .
وذكر ابن خزيمة في كتابه التوحيد –(ص53، دار الكتب العلمية، باب ذكر إثبات يدي الله الخالق البارئ جل وعلا)- قال: والبيان أن الله تعالى له يدان كما أعلمنا في محكم تنـزيله أنه خلق آدم عليه السلام بيديه ثم ساق الأدلة على ذلك من القرآن والسنة.
قال ابن خزيمة: باب إثبات الأصابع لله عز وجل ثم ساق الأدلة على ذلك في كتاب التوحيد (ص97)، وكذلك في الرد على من أول اليد والأصابع بالقوة والقدرة.
قال ابن خزيمة في كتابه: جل ربنا على أن تكون أصابعه كأصابع خلقه وعن أن يشبه شيء من صفات ذاته صفات خلقه وقد أجل الله تعالى قدر نبيه صلى الله عليه وسلم عن أن يوصف الخالق الباري بحضرته بما ليس هو من صفاته فيسمعه فيضحك عنده، ويجعل بدل وجوب التكبير والغضب على المتكلم به ضحكاً تبدأ نواجذه تصديقاً وتعجباً لقائله لا يصف النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصفة مؤمن مصدق رسالته. اهـ .
3- قال الغماري : روى البخاري عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقاً واحداً، قال الحافظ في الفتح: وقع في هذا الموضع يكشف ربنا عن ساقه وهو من رواية سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم فأخرجها الإسماعيلي كذلك، ثم قال في قوله عن ساقه نكرة، ثم أخرجه من طريق حفص بن ميسرة، عن زيد بن أسلم بلفظ: "يكشف عن ساق"، قال الإسماعيلي: هذه أصح لموافقتها لفظ القرآن في الجملة، لا يظن أن الله ذو أعضاء وجوارح لما في ذلك من مشابهة المخلوقين، تعالى الله عن ذلك ليس كمثله شيء. اهـ. وحفص أقوى لأنه ثقة، وسعيد صدوق. اهـ
قلت: قال البيهقي في "الأسماء والصفات": باب ما ذكر في الساق ثم ذكر الحديث السابق وذكر كذلك حديث رواه الإمام ومسلم وهو من رواية آدم بن أبي إياس مختصراً وقال في هذا الحديث: "يكشف ربنا عن ساقه". ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
قال شيخ الإسلام (6/359) في الفتاوى حول تفسير قوله تعالى : يوم يكشف... قال: ومثل هذا ليس بتأويل، إنما التأويل صرف الآية عن مدلولها ومفهومها ومعناها المعروف، ولكن كثير من هؤلاء يجعلون اللفظ على ما ليس مدلولاته له، ثم يريدون حرفه عنه ويجعلون هذا تأويلاً.
قلت: فإثبات صفة الساق لله عز وجل الأدلة عليها متظافرة متظاهرة، ولا يلزم من إثبات الساق لله عز وجل تشبيهها بسوق المخلوقين تعالى الله عز وجل عن ذلك ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) فالإنسان له ساق والشجرة لها ساق ؛ فلا نشبه ساق أحد بساق أحد. .
4- قال ابن عبدالبر: ... وأنه – أي الله تعالى - يدخل في النار يده حتى يُخرج من أراد ... قال الغماري ( ص 150 ) : لم يأت ذلك أي حديث مرفوع مقطوع به. اهـ
قلت: بل قد ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم وذلك في حديث الشفاعة الطويل، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله.... وذكر فيه: "فيقولون : ربنا! قد أخرجنا من أمرتنا، فلم يبق في النار أحد فيه خيرٌ. قال: ثم يقول الله: شفعت الملائكة، وشفع الأنبياء، وشفع المؤمنون، وبقي أرحم الراحمين. قال: فيقبض قبضة من النار –أو قال قبضتين- ناسًا لم يعملوا لله خيراً قط..."، رواه الإمام البخاري (ح7439).
5- قال الغماري ( ص 150 ) : العقيدة لا يكفي فيها رواية الثقات؛ بل لابد فيها من خبر يفيد العلم. اهـ
قلت: هذه الشنشنة لا يدرى ما الذي يُقصد منها ؟ والأخبار التي يستدل منها على حكم عقدي مستندة إلى السنة الصحيحة سواء كانت هذه السنة من طريق الآحاد أو من طريق التواتر فإنها تقبل . قال ابن عبدالبر 1/2 التمهيد: وقد أجمع المسلمون على جواز قبول الواحد السائل المستفتي لما يخبره به العالم الواحد إذا استفتى فيما لا يعلمه، وقبول خبر الواحد العدل فيما يخبر به مثله. اهـ
وقال شيخ الإسلام بن تيمية في الفتاوى 18/41: وخبر الواحد المتلقي القبول يوجب العلم عند جمهور العلماء من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وهو قول أكثر أصحاب الأشعري. وأنت كما ترى فإن الكلام متوجه إلى قبول خبر الواحد فكيف به برواية الثقات التي يقدح فيها الغماري ؟!
6- قال الغماري ( ص 149) عن الكرسي موضع القدمين : لم يرد هذا مرفوعاً، ولكنه كلام ابن عباس رواه بن خزيمة في كتاب التوحيد، ومثل هذا لا يقبل إلا من المعصوم. اهـ
قلت: قال الذهبي في مختصر العلو: عن ابن عباس قال: الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدر أحد قدره، رواته ثقات، وأخرجه أبو الشيخ في كتاب العظمة 2/582 ط دار العاصمة. قال الألباني: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات.
وهذا لا يقال بالرأي ولابد أن عند ابن عباس خبر من عند المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فكيف وقد ذكر الخطيب البغدادي أنه حديث مرفوع؟! " انتهى مقال الأستاذ عمر الأحمد – حفظه الله - .
وبقي أنه لم يتعرض لـ :
1-رد الغماري لحديث " الجارية " وإنكاره لصفة العلو . ( ص 135 ) .
2-قدحه في نعيم بن حماد أنه " يغلو في الإثبات " ! ( ص 144 ) .
3-رده لحديث " على صورة الرحمن " . ( ص 147 ) .
والله الهادي ..