هل الفتوى تتغير باختلاف الزمان والمكان ؟

عبد الرحمن بن عبد اللّه السحيم
السؤال:

هل الفتوى تتغير باختلاف الزمان والمكان؟ وما الضابط في المسألة؟
أرجو التوضيح مع البسط بقدر المستطاع.
الجواب:
لا يُمكن أن يكون الواقع مَصدر أحكام، وإنما قد يُجتَهد لإصدار أحكام تُناسب الواقع، وهو ما يُعرف عند العلماء بـ " الـنَّوازِل ".
أما أحكام الإسلام فهي ثابتة لا تتغيّر بتغيّر زمان ولا مكان، وإنما يتغيّر اجتهاد المجتهد، وتتغيّر الفتوى بحسب تغيّر الزمان.
وكان من سياسة عمر - رضي الله عنه - مُراعاة الحال والزمان دون إخلال بأحكام الله.
وعلى سبيل المثال: حُكم الصلاة لا يَتغيّر في سَفر ولا في حضر عما كان عليه في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وحُكم الزنا أو الخمر لا يَتغيّر عما كان عليه في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وإنما الذي يتغيّر ما يَجِدّ في حياة الناس أو يَحتاج إلى اجتهاد، كالنّوازِل التي تَنْزِل بالناس، أو اختلاف الحال، فتتغيّر فتوى المفتي أو اجتهاد المجتهد.
وهذه لا يُمكن أن يُقال عنها: تغيّر أحكام الإسلام، وإنما تغيّر فتوى المفتي أو اجتهاد المجتهد.
وهذا أيضا ليس لِكلّ أحد، بل هو لأهل العلم الذين يَبْنُون تلك الاجتهادات على أصول وقواعد ثابتة.
أما أحكام الإسلام فهي ثابتة لا تتغيّر مهما تغيّر الزمان أو المكان، ذلك لأنها صالحة لِكلّ زمان ومكان.
فتغيّر الزمان لا يُمكن أن يُحلِّل الحرام، ولا أن يُحرِّم الْحَلال؛ لأن هذه أحكام ثابتة لا تتغيّر.
كما أن تغيّر الفتوى لا يُمكن أن يُقال به على إطلاقه، فلا يُقال بِتغيّر كلّ فتوى، فإنك لو نَظَرتَ في فتاوى الصحابة لَوجدت أنها صالحة لكل زمان ومكان، ومثلها فتاوى العلماء قديماً؛ فإنها تَصلح لكل زمان.
فلو نظرت مثلا في فتاوى ابن الصَّلاح أو شيخ الإسلام ابن تيمية ابن تيمية أو غيرهم ممن دُوِّنت لهم فتاوى؛ لَوَجدت أنها صالحة لزماننا هذا، فضلا عما قبله.
ويَحتاج المفتي في مثل زماننا هذا إلى أن يَرجع إلى فتاوى العلماء وإلى ما قرّروه وأصّلوه ليَبني عليها الفتوى في ما يَجِدّ ويَنْزِل بالناس.
وعلى سبيل المثال: الصلاة في الطائرة، هذه مسألة جديدة، إلا أن العلماء تناولوها بالبحث وتَكلّموا عن مثل الصلاة في الأرجوحة!
ففي كُتب الفقه: " إذا كانت الراحلة واقفة فعند الشافعي تَصِحّ الصلاة للفريضة كما تَصِحّ عندهم في الأرجوحة المشدودة بالحبال، وعلى السرير المحمول على الرِّجَال إذا كانوا واقفين "
وما مِن مسألة إلا وأصلها في كتاب الله وفي سُنّة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، نَصًّا أو استنباطا.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله -: وحُكْمُ الله ورسوله لا يختلف في ذاته باختلاف الأزمان وتطوّر الأحوال وتجدّد الحوادث، فإنه ما من قضية كائنة ما كانت إلا وحكمها في كتاب الله - تعالى -وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - نصاً أو ظاهراً أو استنباطاً، أو غير ذلك، عَلِم ذلك من عَلِمَه وجَهِله من جَهِله. وليس معنى ما ذكره العلماء من تَغَيّر الفتوى بتغير الأحوال ما ظنه مَن قَلّ نصيبهم - أو عُدِم - مِن معرفة مدارك الأحكام وعللها حيث ظنوا أن معنى ذلك بحسب ما يلائم إرادتهم الشهوانية البهيمية وأغراضهم الدنيوية وتصوراتهم الخاطئة الوَبِـيّـة، ولهذا تجدهم يُحَامُون عليها، ويجعلون النصوص تابعة لها منقادة إليها مهما أمكنهم، فيُحَرّفون لذلك الكَلِم عن مواضعه، وحينئذ مَعنى تَغَيّر الفتوى بتغير الأحوال والأزمان مُراد العلماء منه ما كان مُسْتَصْحَبة فيه الأصول الشرعية والعِلل المرعية، والمصالح التي جِنسها مُراد لله - تعالى -ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، ومِن المعلوم أن أرباب القوانين الوضعية عن ذلك بِمَعْزَل، وأنهم لا يُعَوّلون إلاّ على ما يلائم مراداتهم كائنة ما كانت، والواقع أصدق شاهد.اهـ.

والله - تعالى -أعلم.