وطالب الحديث اليوم ينبغي له أن ينسخ أولا الجمع بين الصحيحين وأحكام عبد الحق والضياء، ويدمن النظر [ فيها ] ويكثر من تحصيل تواليف البيهقي فإنها نافعة، ولا أقل من مختصر كالإلمام [ ودرسه ]. فأيش السماع على جهلة المشيخة الذين ينامون والصبيان يلعبون والشبيبة يتحدثون ويمزحون، وكثير منهم ينعسون، ويكابرون، والقارىء يصحف، وإتقانه في تكثير "أو كما قال"، والرضع يتصاعقون. بالله خلونا، فقد بقينا ضحكة لأولي المعقولات، يطنزون بنا: هؤلاء هم أهل الحديث. نعم ماذا يضر! ولو لم يبق إلا تكرار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لكان خيرا من تلك الأقاويل التي تضاد الدين وتطرد الإيمان واليقين وتردي في أسفل السافلين. لكنك معذور فما شممت للإسلام رائحة، ولا رأيت أهل الحديث، فأوائلهم كان لهم شيخ عالي الإسناد، بينه وبين الله واحد، معصوم عن معصوم، سيد البشر عن جبريل عن الله عز وجل. فطلبه مثل أبي بكر وعمر، وابن مسعود وأبي هريرة الحافظ وابن عباس، وسادة الناس الذين طالت أعمارهم وعلا سندهم وانتصبوا للرواية الرفيعة، [ فحمل ] عنهم مثل مسروق وابن المسيب والحسن البصري والشعبي وعروة وأشباههم من أصحاب الحديث، وأرباب الرواية والدراية، والصدق والعبادة، والإتقان والزهادة، [ الذين ] من طلبتهم مثل الزهري وقتادة والأعمش وابن جحادة وأيوب وابن عون، وأولئك السادة الذين أخذ عنهم الأوزاعي والثوري ومعمر والحمادان وزائدة ومالك والليث وخلق سواهم، من أشياخ ابن المبارك ويحيى القطان وابن مهدي ويحيى بن آدم والشافعي والقعنبي وعدة من أعلام الحديث الذين خلفهم، مثل أحمد بن حنبل وإسحاق وابن المديني ويحيى بن معين [ وأبي خيثمة ] وابن نمير وأبي كريب وبندار وما يليهم من مشيخة البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي وأبي زرعة وأبي حاتم ومحمد بن نصر وصالح جزرة وابن خزيمة، وخلائق ممن كان في الزمن الواحد، منهم ألوف من الحفاظ ونقلة العلم الشريف.
ثم تناقص هذا الشأن في المائة الرابعة بالنسبة إلى المائة الثالثة، ولم يزل ينقص إلى اليوم، فأفضل من في وقتنا اليوم من المحدثين على قلتهم نظير صغار من كان في ذلك الزمان على كثرتهم.
وكم من رجل مشهور بالفقه والرأي في الزمن القديم أفضل في الحديث من المتأخرين. وكم من رجل من متكلمي القدماء أعرف بالأثر من سنية زماننا.