تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 13 من 13

الموضوع: تلخيص مختصر لكتاب (معارج القبول للشيخ: حافظ الحكمي رحمه الله)

  1. #1

    افتراضي تلخيص مختصر لكتاب (معارج القبول للشيخ: حافظ الحكمي رحمه الله)

    السلام عليكم..
    إذا كنت تريد قراءة هذا الكتاب الشيّق ولكن ليس لديك وقت أو أنك بالأحرى مشغول بقراءة غيره من الكتب العلمية.. فإليك الحل.
    إنه تلخيص بمقدار العُشر لهذا الكتاب الماتع، سأرفعه بإذن الله لهذا المجلس المبارك على شكل حلقات متسلسلة، والله الموفق.

  2. #2

    افتراضي تلخيص مختصر لكتاب (معارج القبول للشيخ: حافظ الحكمي رحمه الله) (1)

    مقدمة المصنف
    الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وما كان معه من إله الذي لا إله إلا هو ولا خالق غيره ولا رب سواه المستحق لجميع أنواع العبادة ولذا قضى أن لا نعبد إلا إياه ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله البشير النذير المرسل إلى الناس كافة بالملة الحنيفية والهدي المنير صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وعلى من اقتفى أثرهم وجعلنا من المقتدين بهم المتمسكين بالكتاب والسنة نقف معهما وبسيرهما نسير.
    أما بعد، فاعلموا رحمكم الله أنه لا صلاح للعباد ولا سعادة لهم في الدارين إلا بمعرفة أول مفروض عليهم والعمل به وهو معرفة الله وتوحيده، ومعرفة ما يناقضه أو بعضه.
    اختلاف الفرق الإسلامية
    واعلم أنه كما أخبرنا الله تعالى عن الأمم السابقة أنهم اختلفوا اختلافا شديدا وفي ذلك وأكبر زاجر عن الاختلاف والتفرق، فلقد حذرنا عن ذلك نبينا محمد r الذي هو أولى بنا من أنفسنا فقال r (ألا وإن من كان قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهم الجماعة) . وقد حصل مصداق ما أخبر به الرسول r من الافتراق واشتد الاختلاف ونجمت البدع والنفاق.
    الفرق الناجية المنصورة
    وقد أخبرنا r أن الفرقة الناجية هم من كان على مثل ما كان عليه هو وأصحابه، إذ لا يعرف ما كان عليه النبي r وأصحابه إلا من طريق سننه وآثاره المروية.
    وإنما تصلح هذه الصفة [أي الناجية المنصورة] لحملة السنة وحفاظها المتمسكين بها الذين لا يبالون من خذلهم ولا يضرهم ذلك حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى، وهم الذين آمنوا بما أخبر الله به من كتابه وأخبر به عبده ورسوله محمد r في سنته وتلقوه بالقبول إثباتا بلا تكييف ولا تمثيل وتنزيها بلا تحريف ولا تعطيل، فهم الوسط في فرق هذه الأمة كما أن هذه الأمة هي الوسط في الأمم، فهم وسط في باب صفات الله تعالى بين أهل التعطيل الجهمية وأهل التمثيل المشبهة، وهم وسط في باب أفعال الله تعالى بين الجبرية والقدرية، وفي باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية من القدرية وغيرهم، وفي باب الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة وبين المرجئة والجهمية، وفي أصحاب رسول الله r بين الرافضة والخوارج، فهم والله أهل السنة والجماعة وهم الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة.
    سبب نظم المتن وتأليف الشرح
    وقد سألني من لا تسعني مخالفته من المحبين، أن أنظم مختصرا يفصح عن عقيدة السلف الصالح ويبين، فأجبته إلى ذلك مستعينا بالله وسميته (معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول)، والله أسأل أن يهدينا الصراط المستقيم انه سميع قريب مجيب.

    شرح مقدمة المنظومة
    أبدأ باسم الله مستعينا ... راض به مدبرا معينا
    ابدأ في شأني كله ومنه هذا التصنيف باسم الله متبركا، والكلام على تفسير البسملة مستوفى في كتب المفسرين ولنذكر خلاصة ذلك فنقول (الله) علم على ذاته تبارك وتعالى كما قال تعالى "ولله الأسماء الحسنى.." ومعنى (الله) المألوه أي المعبود، (الرحمن الرحيم) اسمان مشتقان من الرحمة، فالرحمن يدل على الصفة الذاتية من حيث اتصافه تعالى بالرحمة، واسمه الرحيم يدل على الصفة الفعلية من حيث إيصاله الرحمة إلى المرحوم، مستعينا أي طالبا منه العون، راض به أي بالله مدبرا أي بتدبيره لي في جميع شؤوني ومعينا لي على جميع أموري.

    القول في حمد الله وشكره والاستعانة به
    والحمد لله كما هدانا ... إلى سبيل الحق واجتبانا
    أي وأثنى بحمده فأقول الحمد لله، قال ابن عباس رضي الله عنهما: الحمد لله هو الشكر لله، كما هدانا أي على ما هدانا إرشادا ودلالة وتوفيقا وتسديدا واجتبانا له .
    أحمده سبحانه وأشكره ... ومن مساوي عملي أستغفره
    أحمده أي أنشئ له حمدا آخرا، سبحانه أي تنزيها له عما لا يليق به، وأشكره على ما أنعم، و اختلف العلماء في معنى الحمد و الشكر، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: الحمد يتضمن المدح للممدوح بذكر محاسنه سواء كان الإحسان إلى الحامد أو لم يكن، و الشكر لا يكون إلا على إحسان المشكور إلى الشاكر. والشكر لا يكون إلا على الإنعام فهو أخص من الحمد من هذا الوجه لكنه يكون بالقلب واليد واللسان و الحمد يكون بالقلب و اللسان فمن هذا الوجه الشكر أعم. ومن مساوئ جمع مساءة، استغفره أطلب منه مغفرة تلك المساوئ.
    وأستعينه على نيل الرضا ... وأستمد لطفه فيما قضى
    وأستعينه أطلب منه العون على فعل الأعمال الصالحة التي بسببها ينال رضاه أن يرزقنيها، وأستمد أي أطلب منه الإمداد بأن يرزقني لطفه بي فيما قضى و قدر من المصائب.

    القول في كلمة الشهادة
    وبعد إني باليقين أشهد ... شهادة الإخلاص أن لا يعبد
    بالحق مألوه سوى الرحمن ... من جل عن عيب وعن نقصان
    وبعد هو ظرف زماني يؤتى به للتنبيه على ما بعده إني باليقين القاطع الجازم، مألوه معبود، سوى أداة استثناء بمعنى إلا، الرحمن أي لا معبود بحق إلا الله عز و جل، والتقييد بحق يخرج به الآلهة المعبودة بباطل فإنها قد عُبدت، وهذه هي شهادة أن لا اله إلا الله، من جل في صفات كماله عن عيب وعن نقصان وهما لفظان مترادفان.
    وأن خير خلقه محمدا ... من جاءنا بالبينات و الهدى
    رسوله إلى جميع الخلق ... بالنور والهدى والدين الحق
    و أشهد أن خير أفضل خلقه هاء الضمير تعود إلى الرحمن، محمدا ومعناه الكثير المحامد من جاءنا بالبينات و الهدى من عند الله عز و جل، رسوله الرسول بمعنى المرسل وهو من أوحى إليه و أمر بالتبليغ، إلى جميع الخلق كافة، قال الله عز و جل "وما أرسلناك إلا كافة للناس.." بالنور المبين وهو القرآن الذي قال الله عز وجل فيه "فآمنوا بالله و رسوله و النور الذي أنزلنا.." والهدى الإرشاد و الدلالة إلى الصراط المستقيم ودين الحق الإسلام، وكل من القرآن و الرسول و الإسلام يسمى نورا و هدى و صراطا مستقيما و كل الثلاثة متلازمة.
    القول في الصلاة و التعريف بالآل و الأصحاب
    صلى عليه ربنا و مجدا...والآل والصحب دواما سرمدا
    صلى عليه ربنا قال أبو العالية الصلاة من الله عز وجل ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى، مجدا أي شرفه وزاده تشريفا، والآل أي آله r وهم أتباعه و أنصاره إلى يوم القيامة والصحب جمع صحابي وهو من رأى أو لقي النبي مؤمنا به ولو لحظة ومات على ذلك ولو تخللت ردة في الأصح.

    التعريف بموضوع الكتاب
    و بعد هذا النظم في الأصول ... لمن أراد منهج الرسول
    سألني إياه من لا بد لي ... من امتثال سؤله الممتثل
    وبعد تقدم الكلام عليه أي و بعد الشهادتين و الصلاة و السلام على محمد r وآله و صحبه هذا النظم موضوعه في الأصول و المراد بها هنا أصول الدين، لمن أراد من المؤمنين منهج الرسول سبيله و مسلكه سألني الخ البيت بيّن واضح.
    فقلت مع عجزي ومع إشفاقي ... معتمدا على القدير الباقي
    مع عجزي عدم قدرتي على ذلك ومع إشفاقي خوفي من الغلط في هذا الباب الذي المسألة منه أكبر من الدنيا وما فيها معتمدا أي متوكلا على القدير الذي لا يعجزه شيء في السماوات و لا في الأرض الباقي الذي كل هالك إلا وجهه.

    مقدمة تعرف العبد بما خلق له وبأول ما فرض الله تعالى عليه
    و بما أخذ الله عليه به الميثاق في ظهر أبيه آدم و بما صائر إليه
    اعلم بأن الله جل و علا ... لم يترك الخلق سدى وهملا
    بل خلق الخلق ليعبدوه ... وبالإلهية يفردوه ...
    اعلم كلمة يأتي بها للاهتمام و للحث على تدبر ما بعدها و الخطاب بها في هذا الموضوع لكل المكلفين بأن الله جل شأنه وتنزه عن كل نقص و علا بكل معاني العلو لم يترك الخلق سدى ولا هملا أي لا عبثا و لا باطلا بل لحكمة بالغة "ليجزي الذين أساءوا بما عملوا و يجزي الذين أحسنوا بالحسنى" وقال تعالى "أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا و أنكم إلينا لا ترجعون"، بل خلق الله تعالى الخلق ليعبدوه عز وجل بما شرعه على ألسنة رسله و أنزل به كتبه و مع عبادتهم إياه لا يشركون بعبادته بل وبالإلهية يفردوه دون ما سواه قال الله تعالى "وما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون" قال علي بن أبي طالب t: أي إلا لآمرهم أن يعبدون وأدعوهم لعبادتي. يؤيد ذلك قوله تعالى "و ما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو .." وأما معنى العبادة فقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله تعالى و يرضاه من الأقوال و الأعمال الباطنة و الظاهرة. و جماع العبادة كمال الحب مع كمال الذل.
    أخرج فيما قد مضى من ظهر ... آدم ذريته كالذر
    وأخذ العهد عليهم أنه ... لا رب معبود بحق غيره
    أخرج أي الله تبارك و تعالى، ذريته كل من يوجد منهم الى يوم القيامة، كالذر أي كهيئته، و أخذ عز وجل العهد عليهم و تفسير العهد أنه الضمير للشأن أو الحال هو ربهم لا رب معبود مستحق للعبادة قال الله تبارك و تعالى "وإذ أخذ ربك من بني آدم ظهورهم ذريتهم و أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى.." .
    و المواثيق ثلاثة، كلها ثابتة بالكتاب والسنة:-
    الأول: الميثاق الذي أخذه الله تعالى عليهم حين أخرجهم من ظهر أبيهم آدم عليه السلام و أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى.
    الثاني: ميثاق الفطرة و هو أنه تبارك و تعالى فطرهم شاهدين بما أخذه عليهم في الميثاق الأول كما قال تعالى "فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله".
    الثالث: هو ما جاءت به الرسل و أنزلت به الكتب تجديدا للميثاق الأول و تذكيرا به "رسلا مبشرين و منذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل" .
    وبعد هذا رسله قد أرسلا ... لهم وبالحق الكتاب أنزلا
    لكي بذا العهد يذكروهم ... وينذروهم ويبشروهم
    كي لا يكون حجة للناس بل ... لله أعلى حجة عز وجل
    فمن يصدقهم بلا شقاق ... فقد وفى بذلك الميثاق
    فذاك ناج من عذاب النار ... وذك الوارث عقبى الدار
    ومن بهم وبالكتاب كذبا ... ولازم الأعراض عنه والإبا
    فذاك ناقض كلا العهدين ... مستوجب للخزي في الدارين
    وبعد هذا أي الميثاق الذي أخذه عليهم في ظهر أبيهم ثم فطرهم على الإقرار به، لهم أي إليهم و بالحق متعلق بأنزل أي بدين الحق الكتاب جنس يشمل جميع الكتب المنزلة على جميع الرسل أنزلا والأمر الذي أرسل الله تعالى به الرسل إلى عباده و أنزل عليهم به الكتب هو لكي بذا العهد الميثاق الأول يذكروهم تجديدا له و إقامة لحجة الله عليهم و ينذروهم عقاب الله إن هم عصوه و يبشروهم بمغفرته ورضوانه إن هم وفوا بعهده ، و الحكمة في ذلك كي لا يكون حجة على الله عز و جل للناس بل لله على جميع عباده أعلى حجة أبلغها و أدمغها عز سلطانه وجل شأنه "لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل" و قال تعالى "قل فلله الحجة البالغة".
    فمن يصدقهم يعني الرسل بلا شقاق تكذيب، فقد وفي لربه عز و جل بذلك الميثاق العهد الأول و هؤلاء هم القليل من الثقلين، وجواب الشرط فذاك ناج من عذاب النار إذ لم يرتكب أسباب دخولها، و ذلك الوارث عقبى الدار وهي الجنة لفعله أسبابها التي أمره الله عز وجل بها.
    ومن بهم أي بالرسل و بالكتاب أي الكتب التي أنزل الله عليهم ، كذبا و لازم الأعراض عنه عما أرسل الله به رسله والإبا أي الامتناع وهم الذين قال الله تعالى فيهم "الذين كذبوا بالكتاب و بما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون" و هؤلاء أكثر الثقلين، و جواب الشرط فذاك أي المكذب المصر على ذلك حتى مات عليه هو ناقض كلا العهدين الميثاق الذي أخذه الله عليه و فطره على الإقرار به وما جاءت به الرسل من تجديد الميثاق الأول و إقامة الحجة، مستوجب بفعله ذلك للخزي في الدارين أي في الدنيا والآخرة كما قال تعالى "و أتبعناهم في هذه الدنيا لعنة و يوم القيامة هم من المقبوحين ".

    فصل في انقسام التوحيد إلى نوعين و بيان النوع الأول و هو توحيد المعرفة و الإثبات
    أول واجب على العبيد ... معرفة الرحمن بالتوحيد
    إذ هو من كل الأوامر أعظم ... وهو نوعان أيا من يفهم
    إثبات ذات الرب جل وعلا ... أسمائه الحسنى صفاته العلى
    أول واجب فرضه الله عز و جل على العبيد هو معرفة الرحمن أي معرفتهم إياه بالتوحيد الذي خلقهم له و أخذ عليهم الميثاق به ثم فطرهم شاهدين مقرين به ثم أرسل به رسله إليهم و أنزل به كتبهم عليهم إذ حرف تعليل هو من كل الأوامر جمع أمر وهو خطاب الله عز وجل المتعلق بالمكلفين أعظم كما أن ضده من الشرك والتعطيل والتمثيل هو أعظم المناهي وهو أي التوحيد نوعان:
    الأول: التوحيد العلمي الخبري الإعتقادي المتضمن إثبات صفات الكمال لله عز وجل و تنزيهه عن صفات النقص وهو توحيد الربوبية و الأسماء و الصفات.
    والثاني التوحيد الطلبي القصدي الإرادي وهو عبادة الله تعالى وحده لا شريك له وأن لا يجعل له عدلا في شيء من الأشياء وهو توحيد الإلهية.
    و القرآن كله في التوحيد وحقوقه وفي الجمع بين التوحيدين كما في "قل هو الله أحد.." وغيرها من القرآن، والكلام في هذا الفصل على النوع الأول وهو التوحيد العلمي الخبري الإعتقادي وهو إثبات ذات الرب جل وعلا كما قال الله تبارك وتعالى في مقام إثبات الربوبية وتوحيد الألوهية (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون)، قال ابن عباس رضي الله عنهما : أم خلقوا من غير شيء أي من غير رب .
    والآيات في هذا الباب العظيم من الاستدلال بالمخلوقات على وجود خالقها وقدرته أكثر من أن تحصى وأجل من أن تستقصى، والله تبارك وتعالى أعلى وأكبر وأجل وأعظم من أن يحتاج في معرفة وجوده إلى شواهد واستدلالات فذات المخلوق نفسه شاهدة بوجود خالقه حيث أوجده ولم يكن من قبل شيئا .
    سئل بعض الأعراب عن الدليل على وجود الرب تعالى فقال: يا سبحان الله، إن البعر ليدل على البعير، وإن أثر الأقدام ليدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ألا يدل ذلك على وجود اللطيف الخبير؟.

    أسماء الله الحسنى
    أسماءه الحسنى وهي التي أثبتها تعالى لنفسه وأثبتها له عبده ورسوله محمد r وآمن بها جميع المؤمنين قال الله تعالى (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها)، وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r : إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة .."، وقد حررها الحافظ ابن حجر رحمه الله في تلخيص الحبير تسعة وتسعين اسما من الكتاب العزيز منطبقة على لفظ الحديث ورتبها ، ولقد عدها جماعة كابن العربي المالكي في أحكام القرآن مرتبا لها على السور لكنه أخطأ في بعض ما عده .
    واعلم أن أسماء الله عز وجل ليست بمنحصرة في التسعة والتسعين لحديث ابن مسعود عن رسول الله r أنه قال: ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض فيّ حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك ..".
    واعلم أن من أسماء الله عز وجل مالا يطلق عليه إلا مقترنا بمقابله فإذا أطلق وحده أوهم نقصا تعالى الله عن ذلك، فمنها المعطي المانع والضار النافع، إذ لم تطلق في الوحي إلا كذلك.
    واعلم أنه قد ورد في القرآن أفعال أطلقها الله عز وجل على نفسه على سبيل الجزاء العدل والمقابلة وهي فيما سيقت فيه مدح وكمال لكن لا يجوز أن يشتق له تعالى منها أسماء ولا تطلق عليه في غير ما سيقت فيه من الآيات كقوله تعالى (إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم) وقوله (ومكروا ومكر الله).
    واعلم أن دلالة أسماء الله تعالى حق على حقيقتها مطابقة وتضمنا والتزاما، فدلالة اسمه تعالى "الرحمن" على ذاته عز وجل مطابقة، وعلى صفة الرحمة تضمنا، وعلى الحياة وغيرها التزاما، وهكذا سائر أسمائه تبارك وتعالى، وليست أسماء الله تعالى غيره كما يقوله الملحدون في أسمائه، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا .

    أسماء الله غير مخلوقة
    قال تعالى (سبح لله ما في السموات وما في الأرض) كذلك قال في الاسم (سبح اسم ربك الأعلى)، فلو كان الاسم مخلوقا مستعارا لم يأمر الله تعالى أن يسبح مخلوق غيره وقال تعالى (له الأسماء الحسني يسبح له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم)، ثم ذكر الآلهة التي تعبد من دون الله عز وجل بأسمائها المخلوقة المستعارة فقال تعالى (إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم).
    قال الدارمي: (..وقد كان للمريسي في أسماء الله مذهب كمذهبه في القرآن، فأسماء الله تعالى عنده من ابتداع البشر، وزعم أني متى أعترف بأن الله تعالى تكلم بـ(إني أنا الله رب العالمين) لزمني أن أقول تكلم بالقرآن ولو اعترفنا بذلك لانكسر علينا مذهبنا في القرآن وقد كسره عليهم على رغم أنوفهم فقال (إني أنا الله رب العالمين) ولا يستحق مخلوق أن يتكلم بهذا، فإن فعل ذلك كان كافرا كفرعون الذي قال (أنا ربكم الأعلى)، فهذا الذي ادعوا في أسماء الله عز وجل أصل كبير من أصول الجهمية التي أسسوا بها ضلالتهم، أرأيتم قولكم إن أسماء الله مخلوقة فمن خلقها؟ وكيف خلقها؟ أجعلها أجساما وصورا تشغل أعيانها أمكنة دونه من الأرض والسماء؟ أم موضعا دونه في الهواء؟ فإن قلتم لها أجسام دونه فهذا ما تنقمه عقول العقلاء وإن قلتم خلقها في ألسنة العباد فدعَوه بها وأعاروها إياه فهو مما ادعينا عليكم أن الله تعالى كان بزعمكم مجهولا، لا اسم له حتى أحدث الخلق فأحدثوا له أسماء من مخلوق كلامهم، فهذا هو الإلحاد في أسماء الله والتكذيب بها، قال الله تعالى (الحمد لله رب العالمين.الرحمن الرحيم) كما يضيفه إلى رب العالمين، ولو كان كما ادعيتم لقيل "الحمد لله رب العالمين المسمى الرحمن الرحيم" ..).

    تفسير قوله تعالى (و ذروا الذين يلحدون في أسمائه)
    الإلحاد ثلاثة أقسام:
    الأول: إلحاد المشركين وعدولهم بأسماء الله تعالى عما هي عليه وتسميتهم أوثانهم بها .
    الثاني: إلحاد المشبهة الذين يكيفون صفات الله عز وجل و يشبهونها بصفات خلقه .
    الثالث: إلحاد النفاة، وهم قسمان، قسم أثبتوا ألفاظ أسمائه تعالى وعطلوها عن معانيها و ما تقتضيه من صفات الكمال، فقالوا رحيم بلا رحمة عليم بلا علم، وقسم صرحوا بنفي الأسماء و ما تدل عليه من المعاني ووصفوا الله تعالى بالعدم المحض، و هم في الحقيقة جاحدون لوجود ذاته تعالى مكذبون بالكتاب وبما أرسل الله به رسله.
    و كل هذه الأربعة الأقسام كل فريق منهم يكفر مقابله، صفاته العلى أي و إثبات صفاته العلى.

  3. #3

    افتراضي تلخيص مختصر لكتاب (معارج القبول للشيخ: حافظ الحكمي رحمه الله) (2)

    إثبات ربوبية الله تعالى
    و أنه الرب الجليل الأكبر ... الخالق الباري والمصور
    بارى البرايا منشئ الخلائق ... مبدعهم بلا مثال سابق
    وأنه الرب أي و إثبات ربوبيته بأنه رب كل شيء و مليكه، الجليل أي المتصف بجميع نعوت الجلال و صفات الكمال المنزه عن النقائص والمحال المتعالي على الأشباه و الأمثال، الأكبر الذي السموات و الأرض و ما فيهن و ما بينهما في كفه كخردلة في كف آحاد عباده لا منازع له في عظمته و كبريائه، الخالق أي المقدر و المقلب للشيء بالتدبير الى غيره، قال تعالى (الله خالق كل شيء)، البارئ أي المنشئ للأعيان من العدم إلى الوجود، المصور الممثل للمخلوقات بالعلامات التي يتميز بعضها عن بعض فأولا يكون خلقا ثم برءا ثم تصويرا وهذه الثلاثة الأسماء التي في سورة الحشر في خاتمتها (هو الله الخالق البارئ المصور).
    باري البرايا جميع الموجودات، منشئ الخلائق أي جميع المخلوقات، مبدعهم أي خالقهم و منشئهم، بلا مثال سابق أي بلا نظير سالف، كما قال الله تعالى (بديع السموات و الأرض).
    الأول المبدي بلا ابتداء ... و الآخر الباقي بلا انتهاء
    الأول فليس قبله شيء المبدي الذي يبدئ الخلق ثم يعيده بلا ابتداء لأوليته تعالى و الآخر فليس بعده شيء الباقي و كل ما سواه فان بلا انتهاء لآخريته تعالى، قال الله عز و جل (هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم).

    الأحد الفرد القدير الأزلي ... الصمد البر المهيمن العلي
    علو قهر وعلو الشأن ... جل عن الأضداد والأعوان
    كذا له العلو والفوقية... على عباده بلا كيفية
    الأحد الفرد في إلهيته لا معبود بحق سواه و لا يستحق العبادة إلا هو ولذا أمر ألا نعبد إلا إياه، وهو أحد في ربوبيته فلا شريك له في ملكه أحد في ذاته وأسمائه وصفاته فلا شبيه له ولا مثيل، القدير الذي له مطلق القدرة وكمالها وتمامها الذي ما كان ليعجزه من شيء في الأرض ولا في السماء، كما قال عن نفسه (إنه على كل شيء قدير)، والآيات في هذا الباب كثيرة يطول ذكرها، بل كل آيات الله الظاهرة و المعنوية و جميع مخلوقاته العلوية والسفلية تدل على كمال قدرته الشاملة، الأزلي بذاته و أسمائه و صفاته الذي لا ابتداء لأوليته ولا انتهاء لآخريته و ليس شيء من أسمائه و صفاته متجددا حادثا لم يكن قبل ذلك، و كذلك سائر أسمائه و صفاته أزلية بأزلية ذاته باقية ببقاء ذاته، و كذلك وصف نفسه تبارك وتعالى فقال (وكان الله عليما قديرا-و كان الله غفورا رحيما-و كان الله عزيزا حكيما) إلى غير ذلك، قال ابن عباس: أي لم يزل كذلك. الصمد قال الطبراني -في كتاب السنة له بعد إيراده كثيرا من الأقوال في تفسير الصمد- قال: وكل هذه صحيحة وهي صفات ربنا عز وجل وهو الذي يصمد إليه في الحوائج وهو الذي قد انتهى سؤدده وهو الصمد الذي لا جوف له و لا يأكل ولا يشرب وهو الباقي بعد خلقه، البر وصفا و فعلا، قال ابن عباس: اللطيف، وقال الضحاك: الصادق فيما وعد. المهيمن قال ابن عباس: هو الشهيد على عباده بأعمالهم، وقال سعيد ابن المسيب: القاضي والله أعلم بتأويله، العلي فكل معاني العلو ثابتة له.
    علو قهر فلا مغالب له و لا منازع بل كل شيء تحت سلطان قهره، وقد جمع الله تعالى بين علو الذات و القهر في قوله تعالى (وهو القاهر فوق عباده)، و علو الشأن فتعالى عن جميع النقائص و العيوب المنافية لإلهيته وربوبيته و أسمائه الحسنى و صفاته العلى، قال تعالى (و لم يكن له كفوا أحد)، و الآيات في هذا الباب كثيرة جدا.
    و هذان المعنيان من العلو لم يخالف فيهما أحد ممن يدعي الإسلام و ينتسب إليه و إنما ضل من ضل منهم و أخطأ في التنزيه الذي هو مقصوده حيث لم يسلك الطريق الموصلة إليه وأحسن الظن بنفسه و أساءه بالكتاب و السنة، فمنهم من نزهه تعالى عن فوقيته على عرشه ووقع في تعطيله عن قدرته و نسبته الى العجز واعتقد أنه في كل مكان و لم ينزهه حتى عن الأماكن الخسيسة، ومنهم من نزهه عن العلو والفوقية وجعله هو الوجود بأسره، ومنهم من نزهه عن وجود ذاته ووصفه بالعدم المحض، ومنهم من نزهه عن أفعاله ومشيئته فرارا من وصفه بالظلم، فأولئك كلهم ضل سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
    كذا ثابت له العلو و الفوقية بالكتاب والسنة و إجماع الملائكة و الأنبياء و المرسلين و أتباعهم على الحقيقة من أهل السنة و الجماعة على عباده فوقهم مستويا على عرشه عاليا على خلقه بائنا منهم و الأدلة في ذلك من الكتاب و السنة أكثر من أن تحصى و أجل من أن تستقصى و لنشر إلى بعض ذلك، فمن ذلك أسماؤه الحسنى الدالة على ثبوت جميع معاني العلو له تبارك و تعالى كاسمه الأعلى و اسمه العلي و اسمه المتعالي و اسمه الظاهر و اسمه القاهر و غيرها قال تعالى (سبح اسم ربك الأعلى)، ومن ذلك التصريح بالاستواء على عرشه كما قال تعالى في سورة الأعراف (إن ربكم الله الذي خلق السموات و الأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش)، و من ذلك التصريح بالفوقية لله تعالى قال الله عز وجل (وهو القاهر فوق عباده)، و من ذلك التصريح بأنه تعالى في السماء قال الله تعالى (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور)، و عن أبي الدرداء رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول(من اشتكى منكم شيئا أو اشتكاه أخ له فليقل: ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك أمرك في السماء و الأرض..)، و من ذلك التصريح باختصاص بعض الأشياء بأنها عنده قال الله تبارك و تعالى (إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته و يسبحونه وله يسجدون)، و من ذلك الرفع و الصعود و العروج إليه وهو أنواع منها رفعه عيسى عليه السلام قال الله تعالى (وما قتلوه يقينا. بل رفعه الله إليه و كان الله عزيزا حكيما)، و منها صعود الأعمال إليه كما قال تعالى (إليه يصعد الكلم الطيب و العمل الصالح يرفعه)، و منها عروج الملائكة و الروح إليه قال الله تبارك وتعالى (من الله ذي المعارج تعرج الملائكة و الروح إليه..)، و من ذلك معراج نبينا محمد r إلى سدرة المنتهى و إلى حيث شاء الله عز وجل كما ثبتت به الأحاديث الصحيحة المشهورة في الصحيحين و غيرهما، ومن ذلك التصريح بنزوله تبارك وتعالى كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له)، ومن ذلك تنزل الملائكة ونزول الأمر من عنده وتنزيل الكتاب منه تبارك وتعالى قال الله عز وجل (ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده)، وقال أيضا (نزل عليك الكتاب بالحق)، ومن ذلك رفع الأيدي إليه والأبصار كما في أحاديث القنوت وأحاديث الاستسقاء.

    ذكر أقوال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة العلو
    روى ابن أبي شيبة عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال لما قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال أبو بكر -رضي الله عنه-: أيها الناس إن كان محمد إلهكم الذي تعبدونه فإن إلهكم قد مات، وإن كان إلهكم الله الذي في السماء فإن إلهكم لم يمت ثم تلا (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل..) حتى ختم الآية، ولابن أبي شيبة عن قيس بن أبي حازم قال لما قدم عمر -رضي الله عنه- الشام استقبله الناس وهو على بعيره، فقالوا: لو ركبت برذونا يلقاك عظماء الناس ووجوههم، فقال عمر -رضي الله عنه-: ألا أراكم ههنا، إنما الأمر من ههنا فأشار بيده إلى السماء.

    ذكر أقوال التابعين رحمهم الله تعالى ومن بعدهم من أهل السنة والجماعة في صفة العلو
    وعن مسروق رحمه الله تعالى أنه إذا كان إذا حدث عن عائشة رضي الله عنهما قال حدثتني الصديقة بنت الصديق حبيبة الله المبرأة من فوق سبع سموات، وعن عبيد بن عمير قال ينزل الرب عز وجل شطر الليل إلى سماء الدنيا فيقول من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له حتى إذا كان الفجر صعد الرب عز وجل.

    ذكر أقوال طبقة أخرى في صفة العلو
    وروى الحاكم عن الأوزاعي رحمه الله تعالى قال: كنا والتابعون متوافرون نقول إن الله عز وجل فوق عرشه.

    طبقة أخرى
    روى ابن أبي حاتم عن جرير بن عبد الحميد قال: كلام الجهمية أوله عسل وآخره سم وإنما يحاولون أن يقولوا ليس في السماء إله. وصح عن علي بن الحسن بن شقيق قال: قلت لعبد الله بن المبارك كيف نعرف ربنا عز وجل؟ قال: في السماء السابعة على عرشه ولا نقول كما تقول الجهمية أنه هاهنا في الأرض.

    طبقة الشافعي وأحمد رضي الله عنهما
    وقال محمد بن مصعب العابد: من زعم أنك لا تتكلم ولا ترى في الآخرة فهو كافر بوجهك أشهد أنك فوق العرش فوق سبع سموات ليس كما تقول أعداء الله الزنادقة.

    طبقة أخرى
    وقال المزني في عقيدته: الحمد لله أحق ما بدى وأولى من شكر، وعليه أثني، الواحد الصمد، ليس له صاحبة ولا ولد، جل عن المثل فلا شبيه له ولا عديل، السميع البصير العليم الخبير المنيع الرفيع، عال على عرشه.

    طبقة أخرى
    قال زكريا بن يحيى الساجي رحمه الله: القول في السنة التي رأيت عليها أصحابنا أهل الحديث الذين لقيناهم إن الله على عرشه في سمائه يقرب من خلقه كيف شاء وساق سائر الاعتقاد.

    طبقة أخرى من أئمة الإسلام وعلماء السنة
    وقال أبو بكر الصبغي في قوله تعالى من في السماء: أي من على العرش كما صحت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    طبقة أخرى
    قال أبو الفتح نصر المقدسي: وأن الله مستو على عرشه بائن من خلقه كما قال في كتابه.

    ومع ذا مطلع إليهمو ... بعلمه مهيمن عليهمو
    وذكره للقرب والمعية ... لم ينف للعلو والفوقية
    فإنه العلي في دنوه ... وهو القريب جل في علوه
    ومع ذا الاتصاف بالعلو والاستواء على العرش والمباينة منه لخلقه تبارك وتعالى فهو مطلع سبحانه وتعالى إليهمو الواو للإشباع بعلمه المحيط بجميع المعلومات لا تخفى عليه منهم خافية كما جمع تبارك وتعالى بين ذلك في قوله عز وجل الرحمن على العرش استوى له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى، مهيمن رقيب عليهمو بواو الإشباع.
    وذكره تبارك وتعالى للقرب في قوله عز وجل (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان)، و كذلك ذكره المعية العامة في قوله (وهو معكم أينما كنتم)، وكذا المعية الخاصة في قوله عز وجل (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون)، كل ذلك لم ينف العلو المذكور في النصوص السابقة من الكتاب والسنة وإجماع الأمة، والفوقية عطف على العلو وهو رديفه في المعنى.
    فإنه هو العلي المتصف بجمع معاني العلو ذاتا وقهرا وشأنا في دنوه، فيدنو تعالى من خلقه كيف شاء فإنه ليس كمثله شيء في ذاته و لا صفاته و لا أفعاله، ومعيته العامة في قوله تعالى (وهو معكم أينما كنتم) معناها إحاطته بهم علما وقدرة كما يدل عليه أول السياق وآخره، وأما معيته الخاصة لأحبابه وأوليائه فتلك غير المعية العامة فهو معهم بالإعانة والرعاية والكفاية والنصر والتأييد، وهو القريب جل في علوه يجيب دعوة الداع إذا دعاه ويعلم سره ونجواه وهو أقرب إليه من حبل الوريد.

    حي وقيوم فلا ينام ... وجل أن يشبهه الأنام
    لا تبلغ الأوهام كنه ذاته ... ولا يكيف الحجا صفاته
    حي لا يموت كما قال تعالى (وتوكل على الحي الذي لا يموت)، فهو الحي الذي لم تسبق حياته بالعدم ولم تعقب بالفناء، وقيوم فهو القيوم بنفسه القيم لغيره فجميع الموجودات مفتقرة إليه وهو غني عنها كما قال تعالى (ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره) وهو القائم على كل شيء والقائم بجميع أمور عباده والقائم على كل نفس بما كسبت، فلا ينام أي لا يعتريه غفلة ولا ذهول عن خلقه، وجل عن أن يشبهه الأنام في ذاته أو أسمائه أو صفاته أو أفعاله لأن الصفات تابعة لموصوفها فكما أن ذاته لا تشبه الذوات فكذلك صفاته لا تشبه صفات المخلوقات.
    لا تبلغ الأوهام كنه ذاته أي نهاية حقيقتها كما قال تعالى (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم و لا يحيطون به علما)، ولا يكيف الحجا أي العقل صفاته لأنه لا يعلم كيف هو إلا هو، فالواجب علينا أيها العبيد الإيمان بالله وأسمائه وصفاته وإمرارها كما جاءت واعتقاد أنها حق كما أخبر الله عز وجل وأخبر رسوله صلى الله عليه وسلم وعدم التكييف والتمثيل لأن الله عز وجل أخبرنا بأسمائه وصفاته وأفعاله ولم يبين كيفيتها فنصدق الخبر ونؤمن به ونكل الكيفية إلى الله عز وجل.

    انفراده عز وجل بالإرادة والمشيئة
    باق فلا يفنى ولا يبيد ... ولا يكون غير ما يريد
    منفرد بالخلق والإرادة ... وحاكم جل بما أراده
    باق كما أنه الأول بلا ابتداء فهو الباقي بلا انتهاء لآخريته فلا يفنى ولا يبيد بل هو المفني المبيد وهو المبدئ المعيد قال الله عز وجل (ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه)، ولا يكون في الكون غير ما يريد والمراد بالإرادة هنا الإرادة القدرية الكونية قال تبارك وتعالى (فعال لما يريد) وهذا الأمر القدري الكوني غير الأمر الشرعي فإن الله لا يأمر بالفسق شرعا ولا يحب الفاسقين وإنما هو أمر تكوين، وكذلك لفظ المشيئة في الكتاب والسنة وروده معلوم في هذا الشأن قال تعالى (ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد) وقال تعالى (كذلك الله يفعل ما يشاء).
    منفرد ربنا عز وجل بالخلق فما من مخلوق في السموات والأرض إلا الله خالقه سبحانه كما قال تعالى (الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل)، والإرادة أي ومنفرد بالإرادة فلا مراد لأحد معه ولا إرادة لأحد إلا بعد إرادته عز وجل ومشيئته كما قال تعالى (وما تشاءون إلا أن يشاء الله) وحاكم جل بما أراده فلا معقب لحكمه ولا راد لإرادته ولا مناقض لقضائه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

    فمن يشأ وفقه بفضله ... ومن يشأ أضله بعدله
    فمنهم الشقي والسعيد ... وذا مقرب وذا طريد
    قال الله عز وجل (من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم)، فمنهم أي من عباده الشقي وهو من أضله بعدله، و منهم السعيد وهو من وفقه وهداه بفضله، وذا مقرب بتقريب الله إياه وهو السعيد وذا طريد بإبعاد الله إياه وهو الشقي البعيد.
    لحكمة بالغة قضاها ... يستوجب الحمد على اقتضاها
    أي أن جميع أفعاله من هدايته من يشاء وإضلاله من يشاء وإسعاد من يشاء وإشقاء من يشاء وغير ذلك هو مقتضي حكمته وموجب ربوبيته، يستوجب يستحق الحمد على اقتضاها الضمير للحكمة فله الحمد على مقتضى حكمته في جميع خلقه وأمره (له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون).
    مسألة: فإن قيل قد أخبرنا الله عز وجل في كتابه أنه لا يرضى لعباده الكفر و لا يحب الفساد مع كون ذلك بمشيئته و إرادته وأنه لو شاء لم يكن ذلك فإنه لا يكون في ملكه ما لا يريد! فما الجواب؟ قلنا: إن الإرادة و القضاء و الأمر كل منها ينقسم إلى كوني و شرعي، فمثال الكوني منها قوله تعالى (وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له) فهذا القسم من الإرادة و القضاء و الأمر هو مشيئته الشاملة و قدرته النافذة و ليس لأحد خروج منها و لا محيد عنها و لا ملازمة بينها و بين المحبة و الرضا بل يدخل فيها الكفر و الإيمان و السيئات و الطاعات و المحبوب المرضي له و المكروه المبغض كل ذلك بمشيئته و قدره و خلقه و تكوينه و لا سبيل إلى مخالفتها، ومثال الشرعي منها قوله تعالى (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)، و هذه الإرادة و الأمر الشرعي هو المستلزم لمحبة الله تعالى و رضاه فلا يأمر إلا بما يحبه و يرضاه و لا ينهى إلا عما يكرهه و يأباه.
    مسألة: فإن قيل أليس بممكن في قدرته تعالى أن يجعلهم كلهم طائعين مؤمنين مهتدين! قلنا: إن هذا الذي فعله بهم هو مقتضى حكمته وهو أعلم بمواقع فضله و عدله.
    مسألة: و اعلم أنه قد يوسوس الشيطان لبعض الناس فيقول ما الحكمة في تقدير السيئات مع كراهة الله تعالى إياها؟ فنقول: الواجب على العبد أمر أهم من ذلك البحث وهو الإيمان بالله و التسليم لأقداره و اليقين بعدله و حكمته و نحن لا نعلم من حكمة الله إلا ما علمناه من ذلك بما علمنا الله تبارك وتعالى أن السيئة لذاتها ليست محبوبة لله كما قال تعالى عن الكبائر (كل ذلك كان سيئة عند ربك مكروها) و لكن يترتب عليها من محابه و مرضاته ما هو أعلم به إما في حق فاعلها من التوبة و الإنابة و دوام الذل و الانكسار و تمحض الافتقار و ملازمة الاستغفار و غير ذلك.

    إثبات البصر و السمع لله عز وجل
    وهو الذي يرى دبيب الذر ... في الظلمات فوق صم الصخر
    وسامع للجهر والإخفات ... بسمعه الواسع للأصوات
    في هذين البيتين إثبات البصر لله تعالى المحيط بجميع المبصرات و إثبات السمع له المحيط بجميع المسموعات و هاتان الصفتان من صفات ذاته تعالى هما متضمن اسميه السميع البصير قال الله عز و جل (إن الله كان سميعا بصيرا) ، و روى عن أبي موسى رضي الله عنه قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فكنا إذا علونا كبرنا فقال: (أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم و لا غائبا تدعون سميعا بصيرا قريبا)

    العلم الإلهي
    و علمه بما بدى و ما خفي ... أحاط علما بالجلي و الخفي ...
    أي ومما أثبته الله عز وجل لنفسه و أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم أنه عليم بعلم، و أن علمه محيط بجميع الأشياء من الكليات و الجزيئات، وهو من صفاته الذاتية، قال تعالى (و الله بكل شيء عليم)، و قال عن نبيه شعيب (وسع ربنا كل شيء علما)، وفي الصحيحين كدعاء الكرب لا إله إلا الله العليم الحليم، و لو ذهبنا نسوق جميع الآيات في إثبات علم الله عز وجل لطال الفصل.
    و كما أخبر الله تعالى عن علمه بما كان و ما سيكون كذلك أخبر عما لم يكن من الممكنات و المستحيلات لو كان كيف يكون، قال تعالى في الممكن على تقدير وقوعه (و قالوا لولا أنزل عليه ملك و لو أنزلنا ملكا لقضى الأمر ثم لا ينظرون ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا و للبسنا عليهم ما يلبسون).

    وهو الغني بذاته سبحانه ... جل ثناؤه تعالى شأنه
    وكل شيء رزقه عليه ... وكلنا مفتقر إليه
    وهو الغني بذاته فله الغنى المطلق فلا يحتاج إلى شيء سبحانه و بحمده تنزيها له و تحميدا جل ثناؤه تعالى شأنه تعظيما له و تمجيدا و كل شيء رزقه عليه لا رازق له سواه و لا يملك لنفسه ضرا و لا نفعا إلا ما شاء الله و كلنا معشر المخلوقات مفتقر إليه لا غنى لنا عنه طرفة عين، قال الله عز وجل (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله و الله هو الغني الحميد).

  4. #4

    افتراضي رد: تلخيص مختصر لكتاب (معارج القبول للشيخ: حافظ الحكمي رحمه الله)

    كلام الله عز و جل
    كلم موسى عبده تكليما ... ولم يزل بخلقه عليما
    أي و مما أثبته ربنا عز وجل لنفسه و أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم تكليمه عبده و رسوله موسى بن عمران بدون واسطة رسول بينه و بينه بل أسمعه كلامه الذي هو صفته اللائقة بذاته قال في سورة النساء وكلم الله موسى تكليما.
    و في الصحيحين من حديث احتجاج آدم و موسى عليهما السلام عند ربهما و فيه قول آدم لموسى أنت موسى الذي اصطفاك الله تعالى برسالاته و بكلامه الحديث و قد ثبت بالكتاب و السنة نداؤه الأبوين عليهما السلام إذ يقول و ناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة و أقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين ، و ثبت بالكتاب و السنة كلامه مع الرسل و الملائكة و غيرهم يوم القيامة كما قال تعالى يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب.
    و هذه الآيات و الأحاديث وغيرها مما ذكرنا و مما لم نذكر كلها شاهدة بأن الله تعالى لم يزل متكلما بمشيئته و إرادته يتكلم بما شاء كيف شاء متى شاء بكلام حقيقة يسمعه من يشاء من خلقه و أن كلامه قول حقيقة كما أخبر ،و كلامه تعالى صفة من صفاته من لوازم ذاته و الصفة تابعة لموصوفها فصفات الباري تبارك و تعالى قائمة به أزليه باقية ببقائه.

    كلامه جل عن الإحصاء ... والحصر والنفاد والنفاء
    لو صار أقلاما جميع الشجر ... والبحر تلقى فيه سبعة أبحر
    والخلق تكتبه بكل آن ... فنت وليس القول منه فان
    قال الله تبارك و تعالى قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي و لو جئنا بمثله مددا و قال تعالى و لو أن ما في الأرض من شجرة أقلام و البحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم ،وقال سيد البشر و خاتم الرسل (..لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك) ، و المقصود أن كلمات الله باقية لا تنفد أبدا تامة لا تنقص أبدا .
    كلام الله الذي في كتابه عين كلامه ليس بمخلوق
    والقول في كتابه المفصل ... بأنه كلامه المنزل
    على الرسول المصطفى خير الورى ... ليس بمخلوق ولا بمفترى
    والقول الذي نعتقد و ندين الله به في شأن كتابه المفصل بسكون اللام للروي وهو القرآن و صفة الله تعالى بذلك فقال كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ، بأنه كلامه حقيقة حروفه و معانيه ليس كلامه الحروف دون المعاني و لا المعاني دون الحروف قال الله تعالى و إن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ، و كان ابن مسعود رضي الله عنه يقبل المصحف و يقول كلام ربي كلام ربي .
    المنزل من عند الله عز وجل على الرسول المصطفى خير الورى محمد صلى الله عليه وسلم قال الله تبارك تعالى هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا ، ومعنى الإضافة في كلا الآيتين إنما هو التبليغ لأن من حق الرسول أن يبلغ عن المرسل ،والآيات في هذا الباب كثيرة جدا بل القرآن كله فاتحته إلى خاتمته يشهد بأنه كلام الله وتنزيله وقصصه وتعليمه وألفاظه ومعانيه وإيجازه وإعجازه يرشد إلى إنه كلام الخالق عز وجل وصفته.
    ليس بمخلوق كما يقول الزنادقة من الحلولية والاتحادية والجهمية والمعتزلة وغيرهم تعالى الله عز وجل عن أن يكون شيئا من صفاته مخلوقا، قال تعالى (ألا له الخلق والأمر) فأخبر تعالى أن الخلق غير الأمر وأن القرآن من أمره لا من خلقه .
    وقد انعقد إجماع سلف الأمة الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون على تكفير من قال بخلق القرآن وذلك لأنه لا يخلو قوله من إحدى ثلاث إما أن يقول أنه خلقه في ذاته أو في غيره أو منفصلا مستقلا وكل الثلاث كفر صريح لأنه إن قال خلقه في ذاته فقد جعل ذاته محلا للمخلوقات وإن قال إنه خلقه في غيره فهو كلام ذلك الغير فيكون القرآن على هذا كلام كل تال له ، وإن قال إنه خلقه منفصلا مستقلا فهذا جحود لوجوده مطلقا إذ لا يعقل ولا يتصور كلام يقوم بذاته بدون متكلم .

    أصل القول بخلق القرآن
    وأول ما اشتهر القول بخلق القرآن في آخر عصر التابعين لما ظهر جهم بن صفوان 1 شقيق إبليس لعنهما الله وكان ملحدا عنيدا وزنديقا زائغا مبتغيا غير سبيل المؤمنين وقد تلقى هذا القول عن الجعد بن درهم 2 لكنه لم يشتهر في أيام الجعد كما اشتهر عن الجهم ،وقد أخذ الجعد بدعته هذه عن بيان بن سمعان وأخذها بيان عن طالون ابن أخت لبيد بن الأعصم وأخذها طالوت عن خاله لبيد بن الأعصم اليهودي الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم تقلد هذا المذهب المخذول عن الجهم بشر بن غياث بن أبي كريمة المريسي المتكلم، ثم تقلد عن بشر ذلك المذهب الملعون قاضي المحنة أحمد بن أبي دواد 4 وأعلن بمذهب الجهمية ، ومن أراد الاطلاع على ذلك وتفاصيله فليقرأ كتب التواريخ ير العجب

    ذكر ما قاله أئمة السنة في مسألة القرآن وحكم الجهمية
    قال إمام السنة أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى من قال القرآن مخلوق فهو عندنا كافر لأن القرآن من علم الله وفيه أسماء الله وقال إذا قال الرجل العلم مخلوق فهو كافر لأنه يزعم أنه لم يكن لله علم حتى خلقه ، قال الله تعالى فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم ، وقال سفيان بن عيينة القرآن كلام الله من قال مخلوق فهو كافر ومن شك في كفره فهو كافر ، وقال وكيع :من زعم أن القرآن مخلوق فقد زعم أنه محدث ومن زعم انه محدث فقد كفر .
    قلت والمعتزلة يقولون إن كلام الله لموسى خلقه في الشجرة فعلى هذا تكون الشجرة هي القائلة إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني قبحهم الله في الدنيا والآخرة
    وقال إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة رحمه الله تعالى في كتاب التوحيد ".. أعلمنا الله جل و علا في محكم تنزيله أنه يخلق الخلق بكلامه و قوله (إنما أمرنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) فأعلمنا جل و علا أنه يكون كل مكون من خلقه بقوله كن فيكون و قوله كن هو كلامه الذي به يكون الخلق و كلامه عز و جل الذي به يكون الخلق غير الخلق الذي يكون مكونا بكلامه فافهم و لا تغلط و لا تغالط ..".
    و قضى السلف الصالح رحمهم الله تعالى على الطائفة الواقفة و هم القائلون لا نقول القرآن مخلوق و لا غير مخلوق بأن من كان منهم يحسن الكلام فهو جهمي و من لم يحسن الكلام منهم بل علم أنه كان جاهلا جهلا بسيطا فهو تقام عليه الحجة بالبيان و البرهان فإن تاب و آمن أنه كلام الله تعالى و إلا فهو شر من الجهمية .
    و لا بمفترى أي و ليس القرآن بمفترى كما قاله كفار قريش و غيرهم من أعداء الله تعالى حيث قالوا إن هذا إلا إفك افتراه وغير ذلك من مفترياتهم و إفكهم و كل ذلك إنما قالوه عنادا و مكابرة وجحدوا بها و استيقنتها أنفسهم ظلما و علوا النمل 41 و قد كشف الله تعالى شبههم و أدحض حججهم و بهتهم و قطعهم.

    يحفظ بالقلب وباللسان ... يتلى كما يسمع بالآذان
    كذا بالأبصار اليه ينظر ... وبالأيادي خطه يسطر
    وكل ذي مخلوقة حقيقه ... دون كلام بارىء الخليقه
    جلت صفات ربنا الرحمن ... عن وصفها بالخلق والحدثان
    فالصوت والألحان صوت القاري ... لكنما المتلو قول الباري
    ما قاله لا يقبل التبديلا ... كلا ولا أصدق منه قيلا ...
    يحفظ بالبناء للمفعول أي القرآن بالقلب كما قال تبارك وتعالى( بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون)، وباللسان يتلى قال الله تبارك وتعالى (إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور وغير ذلك من الآيات وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا حسد إلا في اثنتين رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل والنهار فسمعه جار له إلى آخر الحديث .
    كما يسمع بالآذان قال الله تبارك وتعالى وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ) وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال قال لي النبي صلى الله عليه وسلم إقرأ علي القرآن قلت أقرأ عليك وعليك أنزل قال إني أحب أن أسمعه من غيري الحديث متفق عليه .
    كذا بالأبصار إليه متعلقان ب ينظر أي إلى القرآن في المصحف وهو من أفضل العبادات وأجلها ، وبالأيادي خطه يسطر كما قال تعالى إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون ،وكل ذي المذكورات من القلب وحافظته وذاكرته واللسان وحركته والآذان وأسماعها والأبصار ونظرها والأيادي وكتابتها كلها مخلوقة حقيقة ليس في ذلك توقف دون القرآن الذي هو كلام الله تعالى بارئ الخليقة .

    جلت صفات ربنا الرحمن ... عن وصفها بالخلق والحدثان ...
    فليس من صفات الله تعالى شيء مخلوق تعالى الله عن ذلك وتعالى عن أن تكون ذاته محلا للمخلوقات بل هو الأول بأسمائه وصفاته قبل كل شيء والآخر بأسمائه وصفاته بعد كل شيء لم يسبق شيء من صفاته بالعدم ولم يعقب بالفناء تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا فالصوت من جهوري وخفي والألحان من حسن وغيره صوت القاري لكنما المتلو المؤدي بذلك الصوت هو قول الباري جل وعلا.
    مسألة اشتهر عن السلف الصالح كأحمد بن حنبل وهارون الفروي وجماعة أئمة الحديث أن اللفظية جهمية واللفظية هم من قال لفظي بالقرآن مخلوق قال أئمة السنة رحمهم الله تعالى ومن قال لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو مبتدع يعنون غير بدعية الجهمية وذلك لأن اللفظ يطلق على معنيين أحدهما الملفوظ به وهو القرآن وهو كلام الله ليس فعلا للعبد ولا مقدورا له والثاني التلفظ وهو فعل العبد وكسبه وسعيه فإذا أطلق لفظ الخلق على المعنى الثاني شمل الأول وهو قول الجهمية وإذا عكس الأمر بأن قال لفظي بالقرآن غير مخلوق شمل المعنى الثاني وهي بدعة أخرى من بدع الاتحادية وهذا ظاهر عند كل عاقل .
    ما قاله لا يقبل التبديلا قال الله تعالى ما يبدل القول لدي ،كلا أي لا يكون ذلك ولا أصدق منه أي من الله تعالى قيلا أي قولا ،قال الله تبارك وتعالى الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا ، وفي خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن أصدق الحديث كلام الله ).

    وقد روى الثقات عن خير الملا ... بأنه عز وجل وعلا
    في ثلث الليل الأخير ينزل ... يقول هل من تائب قيقبل
    هل من مسيء طالب للمغفرة ... يجد كريما قابلا للمعذرة
    يمن بالخيرات والفضائل ... ويستر العيب ويعطي السائل
    أي ومما يجب الإيمان به وإثباته وإمراره كما جاء صفة النزول للرب عز وجل كما ثبت في الأحاديث الصحيحة المشهورة عن فضلاء الصحابة ،فعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ينزل الله ليلة النصف من شعبان فيغفر لكل نفس إلا إنسان في قلبه شحناء أو شرك، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا أن أشق على أمتى لأخرت العشاء الأخيرة إلى ثلث الليل فإنه إذا مضى ثلث الليل هبط الله عز وجل إلى سماء الدنيا لم يزل بها حتى يطلع الفجر فيقول ألا سائل يعطى ألا داع فيجاب ألا مذنب يستغفر فيغفر له ألا سقيم يستشفى فيشفى .
    ونحن نشهد شهادة مقر بلسانه مصدق بقلبه مستيقن بما في هذه الأخبار من ذكر نزول الرب جل وعلا من غير أن نصف الكيفية لأن نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يصف كيفية نزول خالقنا إلى سماء الدنيا وأعلمنا أنه ينزل والله جل وعلا لم يترك ولا نبيه صلى الله عليه وسلم بيان ما بالمسلمين إليه الحاجة من أمر دينهم .
    قال إسحاق بن راهويه " جمعني وهذا المبتدع يعني إبراهيم بن أبي صالح مجلس الأمير عبدالله بن طاهر فسألني الأمير عن أخبار النزول فسردتها فقال بن أبي صالح كفرت برب ينزل من سماء إلى سماء فقلت آمنت برب يفعل ما يشاء .

    وأنه يجيء يوم الفصل ... كما يشاء للقضاء العدل ...
    قال الله تبارك وتعالى ( كلا إذا دكت الأرض دكا دكا وجاء ربك والملك صفا صفا )، وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم أربعين سنة شاخصة أبصارهم إلى السماء ينتظرون فصل القضاء وينزل الله في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي .

    رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة
    وإنه يرى بلا إنكار ... في جنة الفردوس بالأبصار
    كل يراه رؤية العيان ... كما أتى في محكم القرآن
    وفي حديث سيد الأنام ... من غير ما شك ولا إيهام
    رؤية حق ليس يمترونها ... كالشمس صحوا لا سحاب دونها
    وخص بالرؤية أولياؤه ... فضيلة وحجبوا أعداؤه
    قال الله تبارك وتعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ، وقال تعالى في شأن الكفار كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون فإذا حجب أولياؤه فأي فضيلة لهم على أعدائه ،وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال كنا جلوسا مع النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة فقال إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروب الشمس فافعلوا 2 وفي صحيح مسلم عن صهيب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله عز وجل تريدون شيئا أزيدكم يقولون ألم تبيض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار قال فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم ثم تلا هذه الآية للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ، و لابن خزيمة (يلقى الناس يوم القيامة ما شاء الله أن يلقوه من الحبس فيقولون انطلقوا بنا إلى آدم فيشفع لنا إلى ربنا فذكر الحديث إلى أن قال فينطلقون إلى محمد صلى الله عليه وسلم فأقول أنا لها فأنطلق حتى أستفتح باب الجنة فيفتح لي فأدخل وربي على عرشه فأخر ساجدا 2 وذكر الحديث وفي رواية فأستأذن على ربي فإذا رأيته وقعت له ساجدا ، وفي الحديث (يتجلى لهم الرب تبارك وتعالى ينظرون إلى وجهه فيخرون له سجدا فيقول ارفعوا رؤوسكم فليس هذا بيوم عبادة ، وللدارقطني عن أبي بن كعب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى للذين أحسنوا الحسنى وزيادة قال النظر إلى وجه الله عز وجل.

    ذكر المنقول عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب
    قال أبو بكر رضي الله عنه وقرأ للذين أحسنوا الحسنى وزيادة فقالوا ما الزيادة يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال النظر إلى وجه الله تبارك وتعالى 2 .

    ذكر أقوال التابعين رحمهم الله تعالى في ذلك
    قال سعيد بن المسيب والحسن وعبد الرحمن بن أبي ليلى وعبد الرحمن بن سابط وعكرمة ومجاهد وقتادة والسدي وكعب رحمهم الله تعالى الزيادة النظر إلى وجه الله عز وجل .

    ذكر أقول الأئمة الأربعة وطبقاتهم ومشايخهم رحمهم الله تعالى
    قال مالك بن أنس الإمام رحمه الله تعالى الناس ينظرون إلى ربهم عز وجل يوم القيامة بأعينهم وسئل رحمه الله عن قوله عز وجل وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة القيامة 32 أتنظر إلى الله وجل قال نعم قال أشهب فقلت إن أقواما يقولون تنظر ما عنده قال بل تنظر إليه نظرا وقد قال موسى رب أرني أنظر إليك قال لن تراني الأعراف 341 وقال تعالى كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون وذكر الطبراني وغيره أنه قيل لمالك إنهم يزعمون أن الله لا يرى فقال مالك السيف السيف وقال أبو صالح كاتب الليث أملي علي عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون وسألته عما جحدت الجهمية فقال لم يزل يملي لهم الشيطان حتى جحدوا قوله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة فقالوا لا يراه أحد يوم القيامة فجحدوا والله أفضل كرامة الله التي أكرم بها أولياءه يوم القيامة من النظر إلى وجهه ونضرته إياهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر القمر 52 فورب السماء والأرض ليجعلن رؤيته يوم القيامة للمخلصين له ثوابا لينضر بها وجوههم دون المجرمين وتفلج بها حجتهم على الجاحدين وهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون لا يرونه كما يزعمون أنه لا يرى ولا يكلمهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم .
    ولا خلاف في أنه لا يرى الله أحد قبل الموت وإنما وقع الخلاف بين الصحابة والتابعين فمن بعدهم في ثبوت رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلة المعراج كما سيأتي إن شاء الله .

    وجوب الإيمان بالصفات الواردة في القرآن وصحيح السنة وإقرارها كما أتت
    وكل ما له من الصفات ... أثبتها في محكم الآيات
    أو صح في ما قاله الرسول ... فحقه التسليم والقبول
    وكل ما ثبت له أي لله عز وجل من الصفات الثابتة التي أثبتها هو سبحانه وتعالى لنفسه وأخبرنا باتصافه بها في محكم الآيات من كتابه العزيز مما ذكرناه فيما تقدم ومما لم نذكر كقوله تعالى فأينما تولوا فثم وجه الله وقوله تبارك وتعالى واصطنعتك لنفسي طه 14 وقوله تعالى ويحذركم الله نفسه وقوله تعالى والله يحب المتقين إن الله يحب المحسنين إن الله يحب الصابرين .
    أو صح في ما قاله الرسول من الأحاديث النبوية الصحيحة كقوله صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل يقول الله تعالى أنا مع عبدي حين يذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم 1 متفق عليه من حديث أبي هريرة وقوله صلى الله عليه وسلم سبحان الله العظيم وبحمده عدد خلقه ورضاء نفسه وزنة عرشه .
    فحقه التسليم له والقبول الفاء واقعة في جواب كل ما فنقول في ذلك ما ذكره الله تعالى عن الراسخين في العلم حيث قال والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يتذكر إلا أولو الألباب ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب آل عمران 7 8 .
    نمرها صريحة كما أتت مع اعتقادنا لما له اقتضت
    من غير تحريف ولا تعطيل ... وغير تكييف ولا تمثيل
    بل قولنا قول أئمة الهدى ... طوبى لمن بهديهم قد اهتدى
    أي جميع الآيات والصفات وأحاديثها نمرها صريحة أي على ظواهرها كما أتت عن الله تعالى و عن رسوله صلى الله عليه وسلم بنقل العدل عن العدل متصلا إلينا كالشمس في وقت الظهيرة صحوا ليس دونها سحاب مع اعتقادنا إيمانا و تسليما لما له اقتضت من أسماء ربنا تبارك و تعالى و صفات كماله و نعوت جلاله كما يليق بعظمته و على الوجه الذي ذكره و أراده من غير تحريف لألفاظها كمن قال في قوله تعالى وكلم الله موسى تكليما النساء 461 أن التكليم من موسى و أن لفظ الجلاله منصوب على المفعولية فرارا من إثبات الكلام كما فعله بعض الجهمية و المعتزلة ،و من غير تحريف لمعانيها كما فعله الزنادقة أيضا كتأويلهم نفسه تعالى بالغير و أن إضافتها إليه كإضافة بيت الله و ناقة الله فعلى هذا التأويل يكون قوله تعالى و يحذركم الله نفسه آل عمران 82 أي غيره و قوله كتب ربكم على نفسه الرحمة الأنعام 45 أي على غيره ، و هذا لا يقوله عاقل ، و كما أوّل بعضهم اليد بالنعمة و استشهدوا بقول العرب لك يد عندي أي نعمة فعلى هذا التأويل يكون قوله تعالى بل يداه مبسوطتان الماائدة 46 يعني نعمتاه فلم يثبتوا لله إلا نعمتين و الله تعالى يقول ألم تروا أن الله سخر لكم ما السموات و ما في الأرض و أسبغ عليكم نعمة ظاهرة و باطنة لقمان 02 و يكون قوله تعالى لما خلقت بيدي ص 57 أراد بنعمتي فأي فضيلة لآدم على غيره على هذا التأويل و هل من أحد لم يخلقه الله بنعمته و يكون قوله تعالى و الأرض جميعا قبضته يوم القيامة و السموات مطويات بيمينه الزمر 76 أراد مطويات بنعمته فهل يقول هذا عاقل ،ومن شبهاتهم في نفي الرؤية استدلالهم بقوله عز و جل لا تدركه الأبصار الأنعام 311 و هذه الآية فيها عن الصحابة تفسيران أولهما لا يرى في الدنيا و هو مروي عن عائشة رضي الله عنها و بذلك نفت أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة المعراج ثانيهما تفسير ابن عباس رضي الله عنهما لا تدركه أي لا تحيط به فالنفي للإحاطة لا للرؤية و هذا عام في الدنيا و الآخرة .
    و لاتعطيل أي للنصوص بنفي ما اقتضته من صفات كمال الله تعالى و نعوت جلاله فإن نفي ذلك من لازمه نفي الذات ووصفه بالعدم المحض إذ ما لا يوصف بصفة هو العدم تعالى الله عما يقول الظالمون و الجاحدون علوا كبيرا .
    و غير تكييف تفسير لكنه شيء من صفات ربنا تعالى كأن يقال استوى على هيئة كذا أو ينزل إلى السماء بصفة كذا أو تكلم بالقرآن على كيفية كذا .
    و لا تمثيل أي و من غير تشبيه لشيء من صفات الله بصفات خلقه فكما أنا نثبت له ذاتا لا تشبه الذوات فكذلك نثبت له ما أثبت لنفسه من الأسماء و الصفات و نعتقد تنزهه و تقدسه عن مماثلة المخلوقات ليس كمثله شيء وهو السميع البصير الشورى 11 و إذا كان القول على الله بلا علم في أحكام الشريعة هو أقبح المحرمات كما قال تعالى قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها و ما بطن و الإثم و البغي بغير الحق و أن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا و أن تقولوا على الله ما لا تعلمون الأعراف 33 فكيف بالقول على الله بلا علم في إلهيته و ربوبيته و أسمائه و صفاته .
    بل قولنا الذي نقوله و نعتقده و ندين الله به هو قول أئمة الهدى من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من الأئمة وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف و بلا تشبيه و لا تعطيل .
    طوبى لمن بهديهم قد اهتدى إذ هم خير القرون و أعلم الأمة بشريعة الإسلام و أولاهم باتباع الكتاب و السنة .
    وسم ذا النوع من التوحيد ... توحيد إثبات بلا تردد
    قد أفصح الوحي المبين عنه ... فالتمس الهدى المنير منه
    و سم ذا النوع و الإشارة بذا إلى ما تقدم من قوله إثبات ذات الرب إلى هنا و ما يدخل في ذلك من معاني الربوبية و الأسماء و الصفات من نوعي التوحيد المشار إليهما بقول وهو نوعان توحيد إثبات لاشتماله على إثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابه و أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم .
    قد أفصح الوحي المبين من الكتاب و السنة و كذلك الصحف الأولى عنه غاية الإفصاح و شرحه الله تبارك و تعالى أكثر من شرح بقية الأحكام لعظم شأن متعلقه فالتمس اطلب الهدى المنير أي من الوحي المبين .
    لا تتبع أقوال كل ما ورد ... غاو مضل ما رق معاند
    فليس بعد رد ذا التبيان ... مثقال ذرة من الإيمان
    لا تتبع أيها العبد أقوال كل مارد على بدعته و زندقته و اتباع هواه غاو زائغ في دينه مفتون في عقيدته مضل لغيره مارق من الإسلام معاند لنصوص الكتاب و السنة و ما دلت عليه ، فليس لله يبقى بعد رد ذا التبيان الذي جاء في الكتاب و السنة من الآيات المحكمة الصريحة و الأحاديث الثابتة الصحيحة مثقال ذرة من الإيمان في قلب من رد ذلك لأن الله تعالى هو الحق و قوله الحق و ماذا بعد الحق إلا الضلال.

    فصل الملاحدة خمس طوائف في توحيد المعرفة و الإثبات
    والملاحدة في توحيد المعرفة و الإثبات فرق كثيرة و أشياع متفرقة و لكن رؤوسهم خمس طوائف الأولى سلبية محضا يثبتون إثباتا هو عين النفي و يصفون الباري تعالى بصفات العدم المحض الذي ليس هو بشيء البتة و هذا هو الذي صرح به غلاة الجهمية.
    الطائفة الثانية الحلولية الذين يزعمون أن معبودهم في كل مكان بذاته و ينزهونه عن استوائه على عرشه و علوه على خلقه و لم يصونوه عن أقبح الأماكن و أقذرها و هؤلاء هم قدماء الجهمية .
    الطائفة الثالثة الاتحادية و هم القائلون إن الوجود بأسره هو الحق و أن الكثرة وهم بل جميع الأضداد المتقابلة و الأشياء المتعارضة الكل شيء واحد هو معبودهم في زعمهم و هم طائفة ابن عربي الطائي .
    الطائفة الرابعة نفاة القدر و هم فرقتان فرقة نفت تقدير الخير و الشر بالكلية و جعلت العباد هم الخالقين لأفعالهم خيرها و شرها و فرقة نفت تقدير الشر دون الخير فجعلوا الخير من الله و جعلوا الشر من العبد .
    الطائفة الخامسة الجبرية الذين يعتقدون أن العبد مجبور على أفعاله قسرا و لا فعل له أصلا بل هو كالهاوي من أعلى إلى أسفل و كالسعفة تحركها الريح .
    و هذه الطوائف التي خالفت في توحيد المعرفة و الإثبات مرجعها إلى ثلاث فالحلولية و الإتحادية و السلبية و من في معناهم مرجعهم إلى الطبائعية الدهرية و القدرية النفاة بجميع فرقهم مرجعهم إلى المجوس الثنوية و الجبرية الغلاة مرجعهم إلى النزعة الجهمية الإبليسية و قد قدمنا قول المؤمنين أتباع الرسل مبسوطا بما فيه كفاية
    فصل
    و المخالفون لأهل السنة في القرآن سبع طوائف ذكرهم شيخ الإسلام ابن تيمية في المنهاج و ابن القيم في الصواعق، فذهب الاتحادية القائلون بوحدة الوجود أن كل كلام في الوجود كلام الله نظمه و نثره و حقه و باطله سحره ،
    المذهب الثاني مذهب الفلاسفة المتأخرين أتباع أرسطو و هم الذين يحكي ابن سينا و الفارابي و الطوسي قولهم إن كلام الله فيض فاض من العقل الفعال على النفوس الفاضلة الزكية بحسب استعدادها فأوجب لها ذلك الفيض تصورات و تصديقات بحسب ما قبلته منه .
    المذهب الثالث مذهب الجهمية النفاة لصفات الرب تعالى القائلين إن كلامه مخلوق و من بعض مخلوقاته فلم يقم بذاته سبحانه .
    المذهب الرابع مذهب الكلابية أتباع عبد الله بن سعيد بن كلاب أن القرآن معنى قائم بالنفس لا يتعلق بالقدرة و المشيئة و أنه لازم لذات الرب كلزوم الحياة و العلم و أنه لا يسمع على الحقيقة و الحروف و الأصوات حكاية له دالة عليه و هي مخلوقة .


    المذهب الخامس مذهب الأشعري ومن وافقه أنه معنى واحد قائم بذات الرب تعالى لأنه ليس بحرف ولا صوت ،و هذه الألفاظ عبارة عنه و لا يسميها حكاية و هي خلق من المخلوقات .

    التنبيه إلى أن الأشعرية غير الأشعري
    و أما أبو الحسن الأشعري نفسه رحمه الله تعالى فالذي قرره في كتابه الإبانة الذي هو من آخر ما صنف هو قول أهل الحديث ، فإنه و إن أخطأ في تأويل بعض الآيات و أجمل في بعض المواضع فكلامه يدل على أنه مخالف للمنتسبين إليه من المتكلمين .

    قال ابن القيم رحمه الله تعالى المذهب السادس مذهب الكرامية وهو أنه متعلق بالمشيئة و القدرة قائم بذات الرب تعالى وهو حروف و أصوات مسموعة وهو حادث بعد أن لم يكن .

    المذهب السابع مذهب السالمية و من وافقهم من أتباع الأئمة الأربعة و أهل الحديث أنه صفة قديمة قائمة بذات الرب تعالى لم يزل و لا يزال لا يتعلق بقدرته و مشيئته و مع ذلك هو حروف و أصوات و سور و آيات سمعه جبريل منه و سمعه موسى بلا واسطة و يسمعه سبحانه من يشاء و إسماعه نوعان بواسطة و بلا واسطة و مع ذلك فحروفه و كلماته لا يسبق بعضها بعضا بل هي مقترنة الباء مع السين مع الميم في آن واحد ثم لم تكن معدومة في وقت من الأوقات و لا تعدم بل لم تزل قائمة بذاته سبحانه قيام صفة الحياة و السمع و البصر و جمهور العقلاء قالوا إن تصور هذا المذهب كاف في الجزم ببطلانه و البراهين العقلية و الأدلة القطعية شاهدة ببطلان هذه المذاهب كلها و أنها مخالفة لصريح العقل و النقل.
    و بالله التوفيق.

  5. #5

    افتراضي تلخيص مختصر لكتاب (معارج القبول للشيخ: حافظ الحكمي رحمه الله) (4)

    فصل
    في بيان النوع الثاني من نوعي التوحيد وهو توحيد الطلب و القصد و أنه معنى لا إله إلا الله
    هذا و ثاني نوعي التوحيد ... إفراد رب العرش عن نديد
    أن تعبد الله إلها واحدا ... معترفا بحقه لا جاحدا
    هذا أي الأمر و الإشارة إلى ما تقدم من تحقيق النوع الأول من نوعي التوحيد و ثاني نوعي التوحيد هو إفراد رب العرش عن نديد شريك مساو وتفسير ذلك هو أن تعبد الله سبحانه و تعالى إلها حال من لفظ الجلالة واحدا لا شريك له في إلهيته كما لا شريك له في ربوبيته و أسمائه و صفاته فإن توحيد الإثبات هو أعظم حجة على توحيد الطلب و القصد الذي هو توحيد الإلهية و به احتج الله تعالى في كتابه في غير موضع على وجوب إفراده تعالى بالإلهية لتلازم التوحيدين فإنه لا يكون إلها مستحقا للعبادة إلا من كان خالقا رازقا مالكا متصرفا مدبرا لجميع الأمور فحيث كان متفردا بالخلق و الإنشاء و البدء و الإعادة لا يشركه في ذلك أحد وجب إفراده بالعبادة دون من سواه لا يشرك معه في عبادته أحد كما قال تعالى (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم و الذين من قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لكم الأرض فراشا و السماء بناء و أنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا و أنتم تعلمون).
    معترفا حال من فاعل تعبد بحقه تعالى عليك و على جميع عباده لا جاحدا و حقه عليك أن تعبده لا تشرك به شيئا، و في الصحيحين عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال لي يا معاذ أتدري ما حق الله تعالى على العباد و ما حق العباد على الله قلت الله و رسوله أعلم قال حق الله على العباد أن يعبدوه و لا يشركوا به شيئا و حق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا..).

    وهو الذي به الإله أرسلا ... رسله يدعون إليه أولا
    و أنزل الكتاب و التبيانا ...من أجله و فرق الفرقانا
    وهو أي توحيد الإلهية الذي به الإله عز و جل أرسلا رسله من أولهم إلى آخرهم يدعون إليه أولا قبل كل أمر فلم يدعوا إلى شيء قبله فهم و إن اختلفت شرائعهم في تحديد بعض العبادات و الحلال و الحرام لم يختلفوا في الأصل الذي هو إفراد الله سبحانه بتلك العبادات، قال تعالى (وما أرسلنا قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون).
    و أنزل الله عز و جل الكتاب اسم جنس لكل كتاب أنزله الله عز و جل على رسله ،و التبيانا من عطف التفسير الذي هو أعم من المفسر لأن التبيان منه المتعبد بتلاوته والعلم به وهو الكتاب ومنه المتعبد بالعمل به فقط وهو السنة و ما في معناها من أجله أي من أجل التوحيد و فرق الفرقانا إذ يقول تعالى (و قرآنا قرناه لتقرأه على الناس على مكث و نزلناه تنزيلا ).

    و كلف الله الرسول المجتبى ... قتال من عنه تولى وأبى
    حتى يكون الدين خالصا له ... سرا وجهرا دقه وجله
    و هكذا أمته قد كلفوا ... بذا وفي نص الكتاب وصفوا
    و كلف الله تعالى أي أمر أمر افتراض الرسول المجتبى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قتال مفعول كلف الثاني من عنه عن التوحيد تولى و أبى أي أعرض و امتنع حتى غاية للقتال يكون الدين خالصا له أي الله عز و جل سرا و جهرا لا معارض له ولا مشاق دقه وجله أي قليل العبادة وكثيرها وصغيرها وكبيرها قال الله تبارك وتعالى (و قاتلوهم حتى لا تكون فتنة و يكون الدين لله)، و قال صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله و أني رسول الله و يقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله عز و جل) .
    و هكذا كما كلف صلى الله عليه وسلم بجهاد الكفار أمته المستجيبون له قد كلفوا بذا أي الذي كلف به و في نص الكتاب القرآن وصفوا أي بذلك كما قال تعالى (محمد رسول الله و الذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا..) .

    فضل شهادة أن لا إله إلا الله
    وقد حوته لفظة الشهادة ... في سبيل الفوز والسعادة
    من قالها معتقدا معناها ... وكان عاملا بمقتضاها
    في القول والفعل ومات مؤمنا ... يبعث يوم الحشر ناج آمنا
    و قد حوته أي جمعته و اشتملت عليه لفظة الشهادة أي شهادة أن لا إله إلا الله فهي أي هذه الكلمة سبيل الفوز بدخول الجنة و النجاة من النار قال الله عز و جل (فمن زحزح عن النار و أدخل الجنة فقد فاز) و هي سبيل السعادة في الدارين أي طريقهما لا وصول إليهما إلا بهذه الكلمة ، و في حديث الشفاعة (..أخرجوا من النار من قال لا إله إلا الله و كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان).
    من قالها أي قال هذه الكلمة حال كونه معتقدا أي عالما و متيقنا معناها الذي دلت عليه نفيا و إثباتا و كان مع ذلك عاملا بمقتضاها على وفق ما علمه منها و تيقنه فإن ثمرة العلم العمل به في القول أي قول القلب و اللسان و الجوارح قال الله عز و جل (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) مات مؤمنا أي على ذلك و هذا شرط لا بد منه فإنما الأعمال بالخواتيم ، يبعث يوم الحشر أي يوم الجمع ناج من النار آمنا من فزع يوم القيامة كما قال تعالى ( وهم من فزع يومئذ آمنون).

    معنى شهادة أن لا إله إلا الله
    فإن معناها الذي عليه ... دلت يقينا و هدت إليه
    أن ليس بالحق إله يعبد ... إلا الإله الواحد المنفرد
    بالخلق و الرزق و بالتدبير ... جل عن الشرك و النظير
    فإن معناها أي معنى هذه الكلمة الذي عليه متعلق بقوله دلت بصريح لفظها وهدت أي أرشدت إليه هو أن ليس بالحق متعلق بيعبد إله هو اسم ليس و منفيها و النكرة في سياق النفي تعم و الحكم المنفي يعبد الذي هو متعلق بالحق و الاستحقاق فيخرج ما عبد بباطل و لذا سماه المشركون إلها فتسميته بذلك باطلة فلا يستحق أن يعبد فمعنى لا إله إلا الله لا معبود بحق إلا الله .
    إلا الإله الواحد المنفرد بالخلق و الرزق و بالتدبير الخ وهو الله سبحانه و تعالى أي هو الإله الحق قال تعالى (قل إنما أنا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار رب السموات والأرض وما بينهما العزيز الغفار).

    شروط شهادة أن لاإله إلا الله
    وبشروط سبعة قد قيدت ... وفي نصوص الوحي حقا وردت
    فإنه لم ينتفع قائلها ... بالنطق إلا حيث يستكملها
    وبشروط سبعة متعلق بقيدت قد قيدت أي قيد بها انتفاع قائلها بها في الدنيا والآخرة من الدخول في الإسلام والفوز بالجنة والنجاة من النار وفي نصوص الوحي من الكتاب والسنة حقا وردت صريحة صحيحة فإنه إي الشأن وذلك علة تقييدها بهذه الشروط السبعة لم ينتفع قائلها أي قائل لا إله إلا الله بالنطق أي بنطقه بها مجردا إلا حيث يستكملها أي هذه الشروط السبعة ومعنى استكمالها اجتماعها في العبد والتزامه إياها بدون مناقضة منه لشيء منها .

    العلم واليقين والقبول ... والانقياد فادر ما أقول
    والصدق والإخلاص والمحبة ... وفقك الله لما أحبه
    هذا تفصيل الشروط السبعة السابق ذكرها :
    الأول العلم بمعناها المراد منها نفيا وإثباتا المنافي للجهل بذلك قال الله عز وجل (فاعلم إنه لا إله إلا الله)، واليقين أي والثانى اليقين المنافي للشك بأن يكون قائلها مستيقنا بمدلول هذه الكلمة يقينا جازما فإن الإيمان لا يغني فيه إلا علم اليقين لا علم الظن فكيف إذا دخله الشك قال الله عز وجل (إنما المؤمنون الذين امنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا..) فاشترط في صدق إيمانهم بالله ورسوله كونهم لم يرتابوا، وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال (قال رسول الله أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة ).
    و الثالث القبول لما اقتضته هذه الكلمة بقلبه ولسانه وقد قص الله عز وجل علينا من أنباء ما قد سبق من إنجاء من قبلها وانتقامه ممن ردها وأباها كما قال تعالى (ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين).
    و الرابع الانقياد لما دلت عليه المنافي لترك ذلك قال تعالى (ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى) ومعنى يسلم وجهه أي ينقاد وهو محسن موحد .
    و الخامس الصدق فيها المنافي للكذب وهو أن يقولها صدقا من قلبه يواطئ قلبه لسانه ،ففي الصحيحين عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار) .
    و السادس الإخلاص وهو تصفية العمل بصالح النية عن جميع شوائب الشرك قال الله تبارك وتعالي (ألا لله الدين الخالص).
    و السابع المحبة لهذه الكلمة ولما اقتضته ودلت عليه ولأهلها العاملين بها الملتزمين لشروطها وبغض ما ناقض ذلك قال الله عز و جل (ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله) ، وعلامة حب العبد ربه تقديم محابه وإن خالفت هواه وبغض ما يبغض ربه وإن مال إليه هواه وموالاة من والى الله ورسوله ومعاداة من عاداه و اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم واقتفاء أثره وقبول هداه وكل هذه العلامات شروط في المحبة لا يتصور وجود المحبة مع عدم شرط منها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا الله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار).
    ثم اعلم أن الأحاديث الدالة على أن الشهادتين سبب لدخول الجنة والنجاة من النار لا تناقض بينهما وبين أحاديث الوعيد التي فيها من فعل ذنب كذا فالجنة عليه حرام أو لا يدخل الجنة من فعل كذا لإمكان الجمع بين النصوص بأنها جنان كثيرة كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم وبأن أهل الجنة أيضا متفاوتون في دخول الجنة في السبق وارتفاع المنازل فيكون فاعل هذا الذنب لا يدخل الجنة التي يدخل فيه من لم يرتكب ذلك الذنب، ومن قال لا إله إلا الله بلسانه ثم أطاع الشيطان وهواه في معصية الله ومخالفته فقد كذب قوله فعله ونقص من كمال توحيده بقدر معصيته الله في طاعة الشيطان والهوى (ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله).

    فصل في تعريف العبادة وذكر بعض أنواعها وأن من صرف منها شيئا لغير الله
    ثم العبادة هي اسم جامع ... لكل ما يرضى الإله السامع
    ثم العبادة التي خلق الله لها الخلق وأخذ بها عليهم الميثاق أرسل بها رسله وأنزل كتبه ولأجلها خلقت الدنيا والآخرة والجنة والنار هي اسم جامع لكل ما يحب و يرضى مبني للمعروف فاعله الإله السامع وهو الله عز وجل من الأقوال و الأعمال الظاهرة و الباطنة والظاهرة كالتلفظ بالشهادتين و إقام الصلاة، و الباطنة كالإيمان بالله ، ومناط العبادة هي غاية الحب مع غاية الذل ولا تنفع عبادة بواحد من هذين دون الآخر .
    وللعبادة ركنان لا قوام لها إلا بهما وهما الإخلاص والصدق وحقيقة الإخلاص أن يكون قصد العبد وجه الله عز وجل و الدار الآخرة كما قال تعالى (وما لأحد عنده من نعمة تجزى ألا ابتغاء وجه ربه الأعلى)، وفي الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى..)، وأما الصدق فهو بذل العبد جهده في امتثال ما أمر الله به واجتناب ما نهى الله عنه قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)، ثم اعلم أنه لا يقبل منه ذلك إلا بمتابعته الرسول صلى الله عليه وسلم فيعبد الله تعالى بوفق ما شرع، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد).

    وفي الحديث مخها الدعاء ... خوف توكل كذا الرجاء
    ورغبة ورهبة وخشوع ... وخشية إنابة خضوع
    والاستعاذة والاستعانة ... كذا استغاثة به سبحانه
    والذبح والنذر وغير ذلك ... فافهم هديت أوضح المسالك
    وصرف بعضها لغير الله ... شرك وذاك أقبح المناهي
    و ثبت في الحديث الذي في السنن كما سنذكره مخها أي مخ العبادة ولبها الدعاء، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الدعاء هو العبادة ثم قرأ وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) .
    خوف أي ومن أنواع العبادة الخوف من الله عز وجل قال الله تعالى فلا تخافوهم و خافون إن كنتم مؤمنين)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما تلذذتم بالنساء على الفرشات ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون).
    توكل أي من أنواع العبادة التوكل على الله عز وجل وهو اعتماد القلب عليه وثقته به وإنه كافيه قال الله عز وجل وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ، كذا الرجاء أي ومن أنواع العبادة الرجاء قال الله عز وجل فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا وقال صلى الله عليه وسلم في دعاء المكروب اللهم رحمتك أرجوا فلا تكلني إلى نفسي ولا إلى أحد من خلقك طرفة، ورغبة ورهبة خشوع أي ومن أنواع العبادة الرغبة فيما عند الله عز وجل من الثواب وهي راجعة إلى الرجاء والرهبة مما عند الله من العقاب وهي راجعة إلى معنى الخوف والخشوع هو التذلل لله عز وجل قال تعالى في آل زكريا عليهم السلام إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين) ،وفي حديث الدعاء عند النوم (اللهم إني أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وألجأت ظهري إليك وفوضت أمري إليك رغبة ورهبة إليك.
    وخشية أي ومن أنواع العبادة الخشية وهي مرادفة للخوف قال الله عز وجل فلا تخشوهم و اخشون) .
    إنابة أي ومن أنواع العبادة الإنابة وهي التوبة النصوح والرجوع إلا الله تعالى قال الله عز وجل (وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له).
    خضوع أي ومن أنواع العبادة الخضوع وهو والخشوع والتذلل بمعنى واحد، وتقدمت الآيات والأحاديث فيه، والاستعاذة أي ومن أنواع العبادة الاستعاذة وهي الامتناع بالله عز وجل والالتجاء إليه قال عز وجل (وإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم)، وقال رسول الله (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) ، والاستعانة أي ومن أنواع العبادة الاستعانة وهي طلب العون من الله عز وجل قال الله تعالى (إياك نعبده وإياك نستعين) وفي الترمذي من حديث وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما (إذا سألت فأسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله) .
    كذا استغاثة به سبحانه أي ومن أنواع العبادة الاستغاثة بالله عز وجل وهي طلب الغوث منه تعالى من جلب خير أو دفع شر قال الله عز وجل (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم ..)، ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم (يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام يا بديع السموات والأرض برحمتك أستغيث).
    والذبح أي ومن أنواع العبادة الذبح نسكا لله تعالى من هدى وأضحية وعقيقة وغير ذلك قال الله عز وجل (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له)،وفي صحيح مسلم عن علي رضي الله عنه قال (حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات لعن الله من ذبح لغير الله..).
    والنذر أي ومن أنواع العبادة النذر لله عز وجل قال الله تبارك وتعالى (ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم) ، وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) .
    ومن شرط النذر لله تعالى أن يكون طاعة وأن يكون مما يطيقه العبد وأن يكون فيما يملك وأن لا يكون في موضع كان يعبد فيه غير الله تعالي أو ذريعة إلى عبادة غير الله تعالي ولمن كان معلقا بحصول شيء فلا يعتقد الناذر تأثير النذر في حصوله .

    أنواع أخرى من العبادات الظاهرة و الباطنة
    وغير ذلك أي من العبادات الظاهرة و الباطنة ،وصرف بعضها أي شيء منها قل أو كثر لغير الله كائنا من كان من ملك أو نبي أو غيرهما كل ذلك شرك أكبر، وذاك إشارة إلى الشرك هو أقبح المناهي على الإطلاق قال الله عز وجل (ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم من دعائهم غافلون) ، وفي الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه (قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم قال أن تجعل لله ندا وهو خلقك) .

    فصل في بيان ضد التوحيد وهو الشرك وكونه ينقسم إلى قسمين أكبر وأصغر وبيان كل منهما
    أول ظهور الشرك
    وأول ما ظهر الشرك في قوم نوح على المشهور وقد كان بنو آدم على ملة أبيهم عليه السلام نحو عشرة قرون كما قدمنا وبه قال ابن عباس وغيره في تفسير قوله عز وجل (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين..).
    ولما مات آدم عليه السلام كان وصيه شيثا عليه السلام ومضت تلك المدة التي ذكرنا والناس كلهم على شريعة من الحق ثم زين الشيطان لعنه الله لقوم نوح عبادة الأصنام وكان أول ذلك أن زين لهم تعظيم القبور والعكوف عليها وبيان ذلك ما روي البخاري رحمه الله تعالي عن ابن عباس قال في ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحي الشيطان إلى قومهم أن أنصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا ولم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنوسي العلم عبدت.
    وعبد أول بني إسرائيل العجل وآخرهم عبدوا عزيزا وعبدت النصارى المسيح وعبدت المجوس النار وعبد قوم الماء وعبد كل قوم ما زينه الشيطان لهم علي قدر عقولهم .

    دخول الوثنية إلى بلاد العرب علي يد عمرو بن لحي الخزاعي
    والأصنام التي في قوم نوح قد نقلها إلى العرب في زمن عمرو بن لحي قبحه الله تعالي كما ذكر ذلك ابن عباس فيما رواه البخاري عنه رضي الله عنه قال أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل وسواع كانت لهذيل وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبنى غطيف بالجوف عند سبأ وأما يعوق فكانت لهمدان وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع، وكان الرجل من العرب إذا سافر فنزل منزلا أخذ أربعة أحجار فنظر إلى أحسنها فاتخذه ربا وجعل الثلاثة أثافي لقدره فإذا أرتحل تركه فإذا نزل منزلا آخر فعل مثل ذلك.

    أسباب تلاعب الشيطان بالمشركين في عبادة الأصنام
    وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في خاتمة كتابه الإغاثة: (فصل: وتلاعب الشيطان بالمشركين في عبادة الأصنام له أسباب عديدة وتلاعب بكل قوم على قدر عقولهم فطائفة دعاهم إلى عبادتها من جهة تعظيم الموتى الذين صوروا تلك الأصنام على صورهم كما تقدم عن قوم نوح عليه السلام ولهذا لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتخذين على القبور المساجد والسرج ونهي عن الصلاة إلى القبور ، ومن أسباب عبادتها أيضا أن الشياطين تدخل فيها وتخاطبهم منها وتخبرهم ببعض المغيبات عنهم وتدلهم على بعض ما يخفي عليهم وهم لا يشاهدون الشيطان) ثم قال (فصل: ومن أسباب عبادة الأصنام الغلو في المخلوق وإعطاؤه فوق منزلته حتى جعلوا فيه حظا من الإلهية بالله تعالى وشبهوه بالله تعالى..).

    أكثر شرك الأمم في الإلهية لا بجحود الصانع
    والمقصود أن أكثر شرك الأمم التي بعث الله إليها رسله وأنزل كتبه غالبهم إنما أشرك في الإلهية ولم يذكر جحود الصانع إلا عن الدهرية والثنوية وأما غيرهم ممن جحدها عنادا كفرعون ونمرود و أضرابهم فهم مقرون بالربوبية باطنا كما قدمنا وقال الله عز وجل عنهم (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما).

    الشرك الأكبر
    والشرك نوعان فشرك أكبر ... به خلود النار إذ لا يغفر
    وهو اتخاذ العبد غير الله ... ندا به مسويا مضاهي
    والشرك الذي هو ضد التوحيد نوعان أي ينقسم إلى نوعين: فشرك أكبر ينافي التوحيد بالكلية ويخرج صاحبه من الإسلام به خلود فاعله في النار أبدا إذ تعليل لأبدية الخلود أي لكونه لا يغفر قال الله تبارك وتعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما) ، وفي الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من مات يشرك بالله شيئا دخل النار ، والأحاديث في عظم ذنب الشرك وشدة وعيده أكثر من أن تحصى، والمقصود أن الشرك أعظم ما نهى الله عنه كما أن التوحيد أعظم ما أمر الله به فلم يأمر الرسل بشيء قبل التوحيد ولم ينهوا عن شيء قبل الشرك كما قدمنا بسط ذلك .

    التعريف بالشرك
    وهو أي الشرك الذي تقدم ذكره في المتن وذكر النصوص فيه في الشرح اتخاذ العبد غير الله من نبي أو ولي أو ملك أو قبر أو جني أو شجر أو حجر أو حيوان أو نار أو شمس أو قمر آو كوكب أو غير ذلك ندا من دون الله مسويا به الله يحبه كحب الله ويخافه ويخشاه كخشية الله ويتبعه علي غير مرضاة الله ويطيعه في معصية الله ويشركه في عبادة الله مضاهي به الله قال الله تعالى ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله وغير ذلك من الآيات.

    يقصده عند نزول الضر ... لجلب خير أو لدفع الشر
    أو عند أي غرض لا يقدر ... عليه إلا المالك المقتدر
    مع جعله لذلك المدعو ... أو المعظم أو المرجو
    في الغيب سلطانا به يطلع ... على ضمير من إليه يفزع
    يقصده أي المتخذ ذلك الند من دون الله يقصد نده عند نزول الضر به من خير فاته أو شر دهمه لجلب الخير له أو لدفع الشر عنه أو عند احتياج أي غرض من الأغراض والحال أنه لا يقدر عليه أي على ذلك الغرض إلا المالك المقتدر وهو الله سبحانه وتعالى مع جعله أي العبد لذلك المدعو أو المعظم أو المرجو من ملك أو نبي أو ولي أو قبر أو شجر أو حجر أو كوكب أو جني في الغيب سلطانا أي يعتقد أن له سلطانا غيبيا فوق طوق البشر به يطلع أي بذلك السلطان الذي اعتقده فيه على ضمير من إليه إلى ذلك الند يفزع في قضاء أي حاجة من شفاء مريض أو رد غائب أو غير ذلك، ومن هنا يتبين أن الشرك في الألوهية يستلزم الشرك في الربوبية والأسماء والصفات .
    ثم اعلم أن ما عبد من دون الله ينقسم إلى قسمين راض بالعبادة له وغير راض بها فالأول كفرعون وإبليس وغيرهما وهؤلاء في النار مع عابديهم، والقسم الثاني وهو من كان مطيعا لله وغير راض بالعبادة له من دون الله كعيسى ومريم فهم برآء ممن عبدهم في الدنيا والآخرة .

    الشرك الأصغر
    والثان شرك أصغر وهو الريا ... فسره به ختام الأنبيا
    و النوع الثان من نوعي الشرك شرك أصغر لا يخرج من الملة ولكنه ينقص ثواب العمل وقد يحبطه إذا زاد وغلب وهو الريا اليسير في تحسين العمل فسره به أي فسر الشرك الأصغر بالريا ختام الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم في قوله (إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قالوا يا رسول الله وما الشرك الأصغر قال الرياء).

    الرياء والنفاق
    ثم اعلم أن الرياء قد أطلق في كتاب الله كثيرا ويراد به النفاق الذي هو أعظم الكفر وصاحبه في الدرك الأسفل من النار كما قال تعالى ( إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا)، فإن كان الباعث على العمل هو إرادة الله والدار الآخرة وسلم من الرياء في فعله وكان موافقا للشرع فذلك العمل الصالح المقبول وإن كان الباعث على العمل هو إرادة غير الله عز وجل فذلك النفاق الأكبر ،وإن كان الباعث على العمل هو إرادة الله عز وجل والدار الآخرة ولكن دخل عليه الرياء في تزيينه وتحسينه فذلك هو الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم الشرك الأصغر وفسره بالرياء العملي، والله تعالى أعلم.

    الحلف بغير الله
    ومنه إقسام بغير الباري ... كما أتى في محكم الأخبار
    أي ومن الشرك الأصغر الذي لا يخرج من الملة أقسام مصدر أقسم أي الحلف بغير الباري كالحلف بالآباء والأمهات ففي الصحيح عن عبدالله ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدرك عمر بن الخطاب وهو يسير في ركب يحلف بأبيه فقال (ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت).

    فصل في بيان أمور يفعلها العامة منها ما هو شرك ومنها ما هو قريب منه وبيان المشروع من الرقي والممنوع منها وهل تجوز التمائم
    هذه الأمور المذكورة التي يتعلق بها العامة غالبها من الشرك الأصغر لكن إذا اعتمد العبد عليها بحيث يثق بها ويضيف النفع والضر إليها كان ذلك شركا أكبر والعياذ بالله.

    ومن يثق بودعة أو ناب ... أو حلقة أو أعين الذئاب
    أو خيط أو عضو من النسور ... أو وتر أو تربة القبور
    لأي أمر كائن تعلقه ... وكله إلى الله ما علقه
    ومن يثق هذا الشرط جوابه كله الآتي بودعة هو شيء أبيض يجلب من البحر يعلق في حلوق الصبيان وغيرهم مخافة العين، أو ناب كما يفعله كثير من العامة يعلقونها من الواهنة وهو مرض العضد، أو أعين الذئاب يعلقونها يزعمون أن الجن تفر منها ومنهم، أو خيط يعلقونه على المحموم ويقرأ عليه سورة ألم نشرح ، أو عضو من النسور كالعظم ونحوه يجعلونها خرزا ويعلقونها على الصبيان يزعمون أنها تدفع العين أو وتر وكانوا في الجاهلية إذا عتق وتر القوس أخذوه وعلقوه يزعمون عن العين على الصبيان والدواب أو تربة القبور فمنهم من يأخذها ويمسح بها جلده ومنهم من يتمرغ على القبر تمرغ الدابة وهذا كله ناشئ عن اعتقادهم في صاحب ذلك القبر أنه ينفع ويضر .
    لأي أمر كائن تعلقه الضمير عائد إلى ما تقدم وغيره وكله الله أي تركه إلى ما علقه دعاء عليه واعتمد عليه دون الله عز وجل فعن عبد الله بن عكيم مرفوعا (من علق شيئا وكل إليه).

    الكلام عن الرقى
    ثم الرقي من حمة أو عين ... فإن تكن من خاص الوحيين
    فذاك من هدي النبي وشرعته ... وذاك لا اختلاف في سنتيه
    ثم الرقي إذا فعلت من حمة وهي تطلق على لدغ ذات السموم كالحية والعقرب وغيرها أو عين وهي من الإنس كالنفس من الجن وهي حق ولها تأثير لكن لا تأثير لها إلا بإذن الله عز وجل وقال الله تعالى وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم) وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن العين حق).
    فإن تكن أي الرقي من خالص الوحيين الكتاب والسنة ولا يدخل فيه غيره من شعوذة المشعبذين ولا يكون بغير اللغة العربية فذلك أي الرقي من الكتاب والسنة هو من هدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان عليه هو وأصحابه والتابعون بإحسان و من شرعته التي جاء بها مؤديا عن الله عز وجل وذاك لا اختلاف في سنيته بين أهل العلم إذ قد ثبت ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله وتقريره، فعن عبد الرحمن بن الأسد عن أبيه قال سألت عائشة عن الرقية من الحمة فقالت رخص النبي صلى الله عليه وسلم في الرقية من كل ذي حمة .

    أما الرقي المجهولة المعاني ... فذاك وسواس من الشيطان
    وفي جاء الحديث أنه ... شرك بلا مرية فاحذرنه
    إذ كل من يقوله لا يدري ... لعله يكون محض الكفر
    أو هو من سحر اليهود مقتبس ... على العوام لبسوه فالتبس
    أي أما الرقي التي ليست بعربية الألفاظ ولا مفهومة المعاني ولا مشهورة ولا مأثورة في الشرع البتة فليست من الله في شيء ولا من الكتاب والسنة في ظل ولا فيء بل هي وسواس من الشيطان أوحاها إلى أوليائه كما قال تعالى (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم)، وعليه يحمل قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود (إن الرقي والتمائم والتولة شرك)، وذلك لأن المتكلم به لا يدري هل فيه كفر أو إيمان وهل هو حق أو باطل أو فيه نفع أو ضر أو رقية أو سحر.
    فتحصل من هذا أن الرقي لا تجوز إلا باجتماع ثلاثة شروط :
    الأول أن تكون من الكتاب والسنة فلا تجوز من غيرهما.
    الشرط الثاني أن تكون باللغة العربية محفوظة ألفاظها مفهومة معانيها فلا يجوز تغييرها إلى لسان آخر.
    الثالث أن يعتقد أنها سبب من الأسباب لا تأثير لها إلا بإذن الله عز وجل فلا يعتقد النفع فيها لذاتها بل فعل الراقي السبب والله هو المسبب إذا شاء.

    التمائم والحجب
    وفي التمائم المعلقات ... إن تك آيات مبينات
    فالاختلاف واقع بين السلف ... فبعضهم أجازها والبعض كف
    وفي التمائم المعلقات أي التي تعلق على الصبيان والدواب ونحوها إن تك هي أي التمائم آيات قرآنية مبينات وكذلك إن كانت من السنن الصحيحة الواضحات فالاختلاف في جوازها واقع بين السلف من الصحابة والتابعين فمن بعدهم فبعضهم أي بعض السلف أجازها يروى ذلك عن عائشة رضي الله عنها وأبي جعفر محمد بن علي وغيرهما من السلف، والبعض منهم كف أي منع ذلك وكرهه ولم يره جائزا منهم عبد الله بن عكيم وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن مسعود، ولا شك أن منع ذلك أسد لذريعة الاعتقاد المحظور لاسيما في زماننا هذا فإنه إذا كرهه أكثر الصحابة والتابعين في تلك العصور الشريفة فلأن يكره في وقتنا هذا وقت الفتن أولى وأجدر بذلك .

    وإن تكن مما سوى الوحيين ... فإنها شرك بغير مين
    بل إنها قسيمة الأزلام ... في البعد عن سيما أولي الإسلام
    وإن تكن أي التمائم مما سوى الوحيين بل من طلاسم اليهود ونحوهم فإنها شرك أي تعلقها شرك بدون مين أي شك إذ ليست من الأسباب المباحة بل إنها قسيمة أي شبيهة الأزلام التي كان يستصحبها أهل الجاهلية ، والمقصود أن هذه التمائم شبيهة بها من البعد عن سيما أولي الإسلام أي عن زي أهل الإسلام فإن أهل التوحيد الخالص من أبعد ما يكون عن هذا وهذا .

    فصل من الشرك فعل من يتبرك بشجرة أو حجر أو بقعة أو قبر أو نحوها يتخذ ذلك المكان عيدا وبيان أن الزيارة تنقسم إلى سنية وبدعية وشركية
    هذا ومن أعمال أهل الشرك ... من غير ما تردد أو شك
    ما يقصد الجهال من تعظيم ما ... لم يأذن الله بأن يعظما
    كمن يلذ ببقعة أو حجر ... أو قبر ميت أو ببعض الشجر
    متخذا لذلك المكان ... عيدا كفعل عابدي الأوثان
    هذا أي الأمر ولإشارة إلى ما تقدم ومن أعمال أهل الشرك التي لا يفعلها غيرهم ما أي الذي لم يأذن الله عز وجل في كتابه ولا سنة نبيه بأن يعظما التعظيم الذي منحه إياه من لم يفرق بين حق الله تعالى وحقوق عباده فيتخذ من دون الله أندادا وهو يرى أن ذلك الذي فعله قربة وطاعة لله، وسبب هذا كله هو الإعراض عن الشريعة .
    كمن يلذ ببقعة أي يعوذ بها ويختلف إليها ويتبرك بها ولو بعبادة اله تعالى عندها وتقدم تقييد ذلك بما لم يأذن به الله فيخرج بهذا القيد ما أذن الله تعالى بتعظيمه كتعظيم بيته الحرام بالحج إليه، أو حجر أو قبر ميت أو ببعض الشجر أو غير ذلك من العيون ونحوها ولو بعبادة الله عندها فإن ذلك ذريعة إلى عبادتها ذاتها كما فعل إبليس لعنه الله بقوم نوح ، متخذا لذلك المكان من القبور والأشجار والعيون والبقاع وغيرها عيدا أي ينتابها ويعتاد الاختلاف إليها كفعل عابدي الأوثان في تعظيمهم أوثانهم واعتيادهم إليها .

    زيارة القبور
    ثم الزيارة على أقسام ... ثلاثة يا أمة الإسلام
    فإن نوى الزائر فيما أضمره ... في نفسه تذكرة بالآخره
    ثم الدعا له وللأموات ... بالعفو والصفح عن الزلات
    ولم يكن شد الرحال نحوها ... ولم يقل هجرا كقول السفها
    فتلك سنة أتت صريحة ... في السنن المثبتة الصحيحة
    ثم الزيارة أي زيارة القبور تأتي على أقسام ثلاثة زيارة سنية وزيارة بدعية وزيارة شركية فتفهموها يا أولي الإسلام، فإن نوى الزائر للقبور فيما أضمره في نفسه أي كانت نيته بتلك الزيارة تذكرة بالآخرة أي ليتعظ بأهل القبور ثم قصد أيضا الدعا أي دعاء الله عز وجل له أي لنفسه وللأموات من المسلمين بالعفو من الله عز وجل والصفح عن الزلات و مع ذلك لم يكن شد الرحال نحوها الضمير للقبور، ولم يقل هجرا أي محظورا شرعا كقول بعض السفها لما في السنن من حديث بريدة قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فمن أراد أن يزور فليزر ولا تقولوا هجرا)، فتلك الإشارة إلى النوع المذكور من الزيارة سنة طريقة نبوية أتت صريحة أي واضحة ظاهرة في السنن أي الأحاديث المثبتة في دواوين الإسلام الصحيحة سندا ومتنا، وكان الصحابة إذا أتوا قبره صلى الله عليه وسلم صلوا وسلموا عليه فحسب وكذا التابعون ومن بعدهم من أعلام الهدى.
    أو قصد الدعاء من الصلاة وغيرها عند قبورهم أو نحو ذلك والتوسلا بألف الإطلاق بهم أي بأهل القبور إلى الرحمن جل وعلا عما ائتفكه أهل الزيغ والضلال فبدعة محدثة لم يأذن الله تعالى بها ضلالة كما قال صلى الله عليه وسلم (كل بدعة ضلالة).
    وأما حديث الأعمى الذي يحتج به المجوزون للتوسل بالمقبور فلا حجة لهم فيه بحمد الله لو فهموا معناه لأن هذا الأعمى إنما سأل من النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء له بكشف بصره وهو حي حاضر قادر على ما سأله منه وهو الدعاء، وكان أفضل القرون يسألون الله عز وجل ويلتمسون الصالحين منهم الحاضرين عندهم أن يسألوا الله عز وجل لهم ولهم وتوسلهم إنما كان بدعائهم لا بذواتهم ولو كان ذلك عندهم جائزا أعني التوسل بالذوات لم يحتج الأعمى أن يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب منه الدعاء بل كان يتوسل به في محله أينما كان .

    وإن دعا المقبور نفسه فقد ... أشرك بالله العظيم وجحد
    لن يقبل الله تعالى منه ... صرفا ولا عدلا فيعو عنه
    إذ كل ذنب موشك الغفران ... إلا اتخاذ الند للرحمن
    وإن دعا الزائر المقبور نفسه من دون الله عز وجل وسأل منه ما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل من جلب خير أو دفع ضر أو شفاء مريض أو رد غائب أو نحو ذلك من قضاء الحوائج فقد أشرك في فعله ذلك بالله العظيم المتعالي عن الأضداد والأنداد والكفؤ والولي والشفيع بدون إذنه وجحد حق الله عز وجل على عباده وهو إفراده بالتوحيد .
    لا يقبل الله تعالى منه أي من ذلك الداعي مع الله غيره المتخذ من دونه أولياء صرفا أي نافلة ولا عدلا أي ولا فريضة فيعفو عنه في ذلك لأن الكافر عمله كلا شيء قال الله تعالى فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ، إذ حرف تعليل كل ذنب لقي العبد ربه به موشك الغفران أي يرجى ويؤمل أن يغفر ويعفى عنه إلا اتخاذ الند للرحمن فإن ذلك لا يغفر ولا يخرج صاحبه من النار ولا يجد ريح الجنة قال الله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء .

  6. #6

    افتراضي تلخيص مختصر لكتاب (معارج القبول للشيخ: حافظ الحكمي رحمه الله) (5)

    فصل في بيان ما وقع فيه العامة اليوم مما يفعلونه عند القبور وما يرتكبونه من الشرك الصريح والغلو المفرط في الأموات
    ومن على القبر سراجا أوقدا ... أو ابتنى على الضريح مسجدا
    فإنه مجدد جهارا ... لسنن اليهود والنصارى
    ومن على القبر متعلق بأوقد سراجا مفعول أوقدا بألف الإطلاق والمعنى ومن أوقد سراجا على القبر أو ابتنى بمعنى بنا وزيدت التاء فيه لمعنى الاتخاذ على الضريح أي على القبر واشتقاقه من الضرح الذي هو الشق مسجدا أو اتخذ القبر نفسه مسجدا ولو لم يبن عليه فإنه أي فاعل ذلك مجدد بفعله ذلك جهارا أي تجديدا واضحا مجاهرا به الله ورسوله وأولياءه لسنن أي لطرائق اليهود والنصارى في اتخاذهم قبور أنبيائهم مساجد

    كم حذر المختار عن ذا ولعن ... فاعله كما روى أهل السنن
    بل قد نهى عن ارتفاع القبر ... وأن يزاد فيه فوق الشبر
    وكل قبر مشرف فقد أمر ... بأن يسوى هكذا صح الخبر
    كم خبرية للتكثير حذر المختار نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم عن ذا الفعل من اتخاذ القبور مساجد وأعيادا والبناء عليها وإيقاد السرج عليها كما في الصحيح لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ارتفاع القبر بالبناء أو نحوه كما تقدم من النهي عن تجصيصها والبناء عليها وكم سيأتي من الأمر بتسويتها وأن يزاد فيه فوق شبر كما في السنن عن جابر رضي الله عنه قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبنى على القبر أو يزال عليه أو يجصص.
    وكل قبر مشرف يعني مرتفع فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يسوى بالأرض أو بما عداه من القبور التي لم تجاوز الشرع في ارتفاعها هكذا صح الخبر وهو ما رواه مسلم عن ثمامة بن شفي قال كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم برودس فتوفي صاحب لنا فأمر فضالة بن عبيد بقبره فسوى ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها.

    وحذر الأمة عن إطرائه ... فغرهم إبليس باستجرائه
    فخالفوه جهرة وارتكبوا ... ما قد نهى عنه ولم يجتنبوا
    وحذر النبي صلى الله عليه وسلم الأمة عن إطرائه أي الغلو فيه كما في الصحيحين عن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله وقال تعالى وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل
    فغرهم أي أكثر الأمة بعدما سمعوا الزواجر والنواهي إبليس لعنه الله وأعاذنا منه باستجرائه أي باستهوائه إياهم واستدراجه لهم إما بغلو وإما بجفاء
    فخالفوه أي الذين استهواهم الشيطان خالفوا النص من الكتاب والسنة جهرة وارتكبوا ما قد نهى عنه من الغلو والإطراء وما لم يأذن به الله ولم يجتنبوا ذلك ولا شيئا فنهى عن الحلف بغير الله عز وجل وهؤلاء لا يحلفون إلا بغيره وقد يحلفون بالله على الكذب ولا يحلفون بالند فيكذبون ونهى أن تقرن مشيئة العبد بمشيئة الله تعالى وهؤلاء يثبتون له ذلك على سبيل الاستقلال


    فانظر إليهم قد غلوا وزادوا ... ورفعوا بناءها وشادوا
    بالشيد والآجر والأحجار ... لا سيما في هذه الأعصار
    فانظر أيها المؤمن إليهم وإلى أعمالهم قد غلوا في أهل القبور الغلو المفرط الذي نهاهم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم عنه وزادوا عما حذرهم عنه الرسل ورفعوا بناءها أي بناء القبور المنهي عن مجرده قليله وكثيره وشادوا أي ضربوه بالشيد وهو الجص والآجر اللبن المحروق والأحجار المنقشة المزخرفة لا سيما بزيادة في هذه الأعصار القريبة بعد ظهور دولة العبيديين الذين قال فيهم أهل العلم ظاهرهم الرفض وباطنهم الكفر المحض فاعتنوا ببناء القباب على القبور وندبوا الناس إلى زيارتها وأتوا بذلك باسم محبة أهل البيت

    وللقناديل عليها أوقدوا ... وكم لواء فوقها قد عقدوا
    ونصبوا الأعلام والرايات ... وافتتنوا بالأعظم الرفات
    بل نحروا في سوحها النحائر ... فعل أولي التسييب والبحائر
    والتمسوا الحاجات من موتاهم ... واتخذوا إلههم هواهم
    وللقناديل من الشموع وغيرها عليها أي على القبور وفي قبابها أوقدوا تعرضا للعنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن فعل ذلك إذ يقول لعن الله زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج وكم لواء فوقها عقدوا تعظيما لها وتألها ورغبة ورهبة ونصبوا عليها الأعلام والرايات لا سيما يوم عيدها
    وافتتنوا في دينهم بالأعظم الرفات النخرة فعبدوها من دون الله عز وجل بل نحروا في سوحها أي في أفنية القبور النحائر من الإبل والبقر والغنم فعل أولي التسييب والبحائر أي كفعل مشركي الجاهلية من العرب وغيرهم في تسييبهم السوائب وتبحير البحائر ، وهؤلاء أعظم شركا وأشد لأنهم يشركون في الرخاء وفي الشدة بل هم في الشدة أكثر شركا وأشد وتعلقا بهم من حالة الرخاء وأما مشركو الجاهلية الأولى فيشركون في الرخاء ويخلصون لله في الشدة ، والتمسوا الحاجات التي لا يقدر عليها إلا الله عز وجل من موتاهم من جلب الخير ودفع الشر واتخذوا إلههم هواهم وهذا هو السبب في عبادة غير الله بل في جميع معاصي الله

    قد صادهم إبليس في فخاخه ... بل بعضهم قد صار من أفراخه
    يدعو إلى عبادة الأوثان ... بالمال والنفس وباللسان
    قد صادهم من الاصطياد ، إبليس في فخاخه التي نصبها لهم كما نصبها لمن قبلهم ، بل بعضهم قد صار من أفراخه المساعدين له الداعين إلى ما دعا إليه حزبه ليكونوا من أصحاب السعير يدعو إلى عبادة الأوثان من القبور وغيرها بالمال والنفس وباللسان.

    والسحر حق وله تأثير ... لكن بما قدره القدير
    أعني بذا التقدير ما قدره ... في الكون لا في الشرعة المطهرة
    في السحر مباحث، وهذا هو البحث الأول حقيقته وتأثيره
    والسحر حق يعني متحقق وقوعه ووجوده ولو لم يكن موجودا حقيقة لم ترد النواهي عنه في الشرع والوعيد على فاعله والعقوبات الدينية والأخروية على متعاطيه والاستعاذة منه أمرا وخبرا، قال تعالى ومن شر النفاثات في العقد والنفاثات هن السواحر يعقدن وينفثن.
    وله تأثير فمنه ما يمرض ومنه ما يقتل لكن تأثيره ذلك إنما هو بما قدره القدير سبحانه وتعالى أي بما قضاه وقدره وخلقه عندما يلقي الساحر ما ألقى ولذا قلنا أعني بذا التقدير في قوله بما قدره القدير وما قد قدره في الكون وشاءه لا أنه أمر به في الشرعة التي أرسل الله بها رسله وأنزل بها كتبه المطهرة ، والمقصود أن السحر ليس بمؤثر لذاته نفعا ولا ضرا وإنما يؤثر بقضاء الله تعالى وقدره ، وقد ثبت في الصحيحين من طرق عن عائشة رضي الله عنها قالت سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إنه ليخيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله.

    واحكم على الساحر بالتكفير ... وحده القتل بلا نكير
    كما اتى في السنة المصرحة ... مما رواه الترمذي وصححه
    عن جندب وهكذا في أثر ... أمر بقتلهم روي عن عمر
    وصح عن حفصة عند مالك ... ما فيه مرشد أقوى مرشد للسالك
    هذا هو البحث الثاني وهو حكم الساحر
    واحكم على الساحر تعلمه أو علمه عمل به أو لم يعمل بالتكفير أي بأنه كفر بهذا الذنب الذي هو السحر وذلك واضح صريح في آية البقرة بأمور، منها قوله تعالى وما كفر سليمان برأ الله سبحانه وتعالى نبيه عليه السلام من الكفر وهذا الذي برأه تعالى منه هو علم الساحر وعمله، ومنها قوله تعالى في الملكين وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فبين تعالى أنه بمجرد تعلمه يكفر سواء عمل به وعلمه أو لا ، ومنها قوله تعالى ولو أنهم آمنوا يعنى بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن واتقوا بالسحر وسائر الذنوب لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون، وهذا من أصرح الأدلة على كفر الساحر ونفى الإيمان عنه بالكلية فإنه لا يقال للمؤمن المتقي ولو أنه آمن واتقى .

    المبحث الثالث وهو عقوبة الساحر شرعا ووعيدا
    وحده أي حد الساحر القتل ضريه بالسيف بلا نكير بل هو ثابت بالكتاب ، كما أتى ثابتا في السنة المصرحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم مما رواه الترمذي ، وصححه موقوفا عن جندب هو ابن عبد الله بن سفيان البجلي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حد الساحر ضربه بالسيف ، وقال الشافعي إنما يقتل الساحر إذا كان يعمل من سحره ما يبلغ الكفر فإذا عمل عملا دون الكفر فلم ير عليه قتلا ، وهكذا في أثر أمر بقتلهم يعني السحرة روي عن عمر ابن الخطاب حيث كتب رضي الله عنه أن اقتلوا كل ساحر وساحرة .
    وصح نقلا عن حفصة بنت عمر بن الخطاب عند مالك بن أنس إمام دار الهجرة ما أي الذي فيه أقوى دليل مرشد للسالك وهو ما رواه في موطئه أن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قتلت جارية لها سحرتها.
    هذا ومن أنواعه وشعبه.... علم النجوم فادر هذا وانتبه
    هذا هو البحث الرابع وهو بيان أنواعه
    فمنها علم التنجيم وهو أنواع أعظمها ما يفعله عبدة النجوم ويعتقدونه في السبعة السيارة وغيرها ، ومنها النظر في حركات الأفلاك ودورانها ، ومن هذا القسم الاستسقاء بالأنواء وسيأتي الحديث فيه عند ذكره في المتن أن شاء الله وبه الثقة، ومن أنواع السحر زجر الطير والخط بالأرض .

    حرمة حل السحر بالسحر
    وحله بالوحي نصا يشرع ... أما بسحر مثله فيمنع
    وحله ويعني حل السحر عن المسحور بالرقى والتعاويذ والأدعية من الوحي الكتاب والسنة نصا أي بالنص يشرع كما رقي جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بالمعوذتين.
    أما حل السحر عن المسحور بسحر مثله فيحرم فإنه معاونة للساحر وإقرار له على عمله وتقرب إلى الشيطان بأنواع القرب ليبطل عمله عن المسحور ولهذا قال الحسن لا يحل السحر إلا ساحر .
    تصديق الكاهن كفر ومن صدق كاهنا فقد كفر بما أتى به الرسول المعتبر ومن يصدق كاهنا يعتقد بقلبه صدقه في ما ادعاه من علم المغيبات التي استأثر الله تعالى بعلمها فقد كفر أي بلغ دركة الكفر بتصديقه الكاهن بما أتى به الرسول محمد صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل من الكتاب والسنة ،والكاهن في الأصل هو من يأتيه الرئي من الشياطين المسترقة السمع تتنزل عليهم كما قال الله تعالى هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم يلقون السمع وأكثرهم كاذبون ، وأما كفر الكاهن فمن وجوه منها كونه وليا للشياطين فلم يوح إليه الشيطان إلا بعد أن تولاه قال الله تعالى وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ومنها وهو أعظمها تشبهه بالله عز وجل في صفاته ومنازعته له تعالى في ربوبيته فإن علم الغيب من صفات الربوبية التي استأثر الله تعالى بها دون من سواه قال تعالى (أم عنده علم الغيب فهو يرى) ولسان حال الكاهن وقاله يقول نعم .
    ثم اعلم أن الكاهن وإن كان أصله ما ذكرنا فهو عام في كل من ادعى معرفة المغيبات ولو بغيره كالرمال الذي يخط بالأرض أو غيرها والمنجم الذي قدمنا ذكره أو الطارق بالحصى وغيرهم .

    الإسلام والإيمان والإحسان
    هذا فصل يجمع معنى حديث جبريل وهو حديث عظيم الشأن جليل كبير جامع نافع سمي النبي صلى الله عليه وسلم ما احتوى عليه الدين ، وهو حديث مشهور في كتب السنة عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأبو هريرة وغيرهم رضي الله عنهم.

    الإيمان قول وعمل
    اعلم بأن الدين قول وعمل ... فاحفظه وافهم ما عليه ذا اشتمل
    اعلم يا أخي وفقني الله وإياك والمسلمين بأن الدين الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه ،هو قول أي بالقلب واللسان وعمل أي بالقلب واللسان والجوارح فهذه أربعة أشياء جامعة لأمور دين الإسلام:
    الأول قول القلب وهو تصديقه وإيقانه قال الله تعالى والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون .
    الثاني قول اللسان وهو النطق بالشهادتين شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله والإقرار بلوازمها قال الله (قولوا آمنا) .
    الثالث عمل القلب وهو النية والإخلاص والمحبة والانقياد والإقبال على الله عز وجل والتوكل عليه ولوازم ذلك وتوابعه قال الله تعالى ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه .
    الرابع عمل اللسان والجوارح فعمل اللسان مالا يؤدى إلا به كتلاوة القرآن وعمل الجوارح ما لا يؤدي إلا بها مثل القيام والركوع ، قال الله تعالى إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور .
    والآيات والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدا ليس هذا موضع بسطها وإنما المقصود تقرير هذه الأمور من أصول الدين فإذا حققت هذه الأمور الأربعة تحقيقا بالغا وعرفت ما يراد بها معرفة تامة وفهمت فهما واضحا ثم أمعنت النظر في أضدادها ونواقضها تبين لك أنواع الكفر لا تخرج عن أربعة
    كفر جهل وتكذيب
    وكفر جحود
    وكفر عناد واستكبار
    وكفر نفاق
    فأحدها يخرج من الملة بالكلية ، وإن انتفى تصديق القلب مع عدم العلم بالحق فكفر الجهل والتكذيب قال الله تعالى بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ، وإن كتم الحق مع العلم بصدقه فكفر الجحود والكتمان قال الله تعالى وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ، وإن انتفى عمل القلب من النية والإخلاص والمحبة والإذعان مع انقياد الجوارح الظاهرة فكفر نفاق قال الله تعالى ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الأخر وما هم بمؤمنين ، وإن انتفى عمل القلب وعمل الجوارح مع المعرفة بالقلب والاعتراف باللسان فكفر عناد واستكبار ككفر إبليس.
    ومحال أن ينتفي انقياد الجوارح بالأعمال الظاهرة مع ثبوت عمل القلب قال النبي صلى الله عليه وسلم إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب، ومن هنا يتبين لك أن من قال من أهل السنة في الإيمان هو التصديق على ظاهر اللغة أنهم إنما عنوا التصديق الإذعاني المستلزم للانقياد ظاهرا وباطنا بلا شك لم يعنوا مجرد التصديق.

    كفاك ما قد قاله الرسول ... إذ جاءه يسأله جبريل
    على مراتب ثلاث فصله ... جاءت على جميعه مشتمله
    الإسلام والإيمان والإحسان... والكل مبني على أركان
    كفاك أيها الطالب الحق ما قد قال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إذ حين جاءه يسأله عن مراتب الدين وشرائعه جبريل عليه السلام كما في الأحاديث السابقة عن جماعة من الصحابة على مراتب ثلاث فصله في تلك الأجوبة الصريحة جاءت أي الثلاث المراتب على جميعه أي على جميع الدين مشتملة ولهذا سمى النبي صلى الله عليه وسلم تلك الأمور الدين فقال هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم.
    مرتبة الإسلام
    الإسلام لغة الانقياد والإذعان وأما في الشريعة فلإطلاقه حالتان:
    الحالة الأولى أن يطلق علي الإفراد غير مقترن بذكر الإيمان فهو حينئذ يراد به الدين كله كقوله تعالى إن الدين عند الله الإسلام ولما سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- أي الإسلام أفضل قال الإيمان .
    الحالة الثانية أن يطلق مقترنا بالاعتقاد فهو حينئذ يراد به الأعمال والأقوال الظاهرة كقوله تعالى قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ، وقوله صلى الله عليه وسلم لما قال له سعيد رضي الله عنه مالك عن فلان فوالله إني لأراه مؤمنا فقال صلى الله عليه وسلم أو مسلم .

    مرتبة الإيمان
    والإيمان هذه المرتبة الثانية في الحديث المذكور والإيمان لغة التصديق قال إخوة يوسف لأبيهم وما أنت بمؤمن لنا أي بمصدق وأما في الشريعة فلإطلاقه حالتان:
    الحالة الأولى أن يطلق على الإفراد غير مقترن بذكر الإسلام فحينئذ يراد به الدين كله كقوله عز وجل الله ولي الذين آمنوا ، وفي حديث وفد عبد القيس في الصحيحين وغيرهما فقال آمركم بالإيمان بالله وحده قال أتدرون ما الإيمان بالله وحده قالوا الله ورسوله أعلم قال شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله و إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وأن تؤدي من المغنم الخمس.
    وهذا المعنى هو الذي قصده السلف الصالح بقولهم رحمهم الله تعالى إن الإيمان اعتقاد وقول وعمل وإن الأعمال كلها داخلة في مسمى الإيمان و حكى الشافعي على ذلك إجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم ممن أدركهم. وأنكر السلف على من أخرج الأعمال عن الإيمان إنكارا شديدا ومما قصدوه بذلك الرد على أهل البدع ممن قال هو مجرد التصديق فقط كابن الراوندي ومن وافقه من المعتزلة وغيرهم ويقول جهم بن صفوان وأتباعه هو المعرفة بالله فقط وعلى هذا القول ليس على وجه الأرض كافرا بالكلية إذ لا يجهل الخالق سبحانه أحد ، وقالت المرجئة و الكرامية الإيمان هو الإقرار باللسان دون عقد القلب فيكون المنافقون على هذا مؤمنين! ، وقال آخرون هو التصديق بالجنان والإقرار باللسان وهذا القول مخرج لأركان الإسلام الظاهرة المذكورة في حديث جبريل! وذهب الخوارج والعلاف ومن وافقهم إلى أنه الطاعة بأسرها فرضا كانت أو نفلا وهذا القول مصادم لتعليم النبي صلى الله عليه وسلم لوفود العرب السائلين عن الإسلام والإيمان فكل ما يقول له السائل في فريضة هل على غيرها قال لا إلا أن تطوع شيئا وذهب الجبائي وأكثر المعتزلة البصرية إلى أنه الطاعات المفروضة من الأفعال و التروك دون النوافل وهذا أيضا يدخل المنافق في الإيمان! .
    والحالة الثانية أن يطلق الإيمان مقرونا بالإسلام و حينئذ يفسر بالاعتقادات الباطنة كما في حديث جبريل هذا وما في معناه وكما في قول الله عز وجل والذين امنوا وعملوا الصالحات وكما في غير ما موضع من كتابه.
    والحاصل أنه إذا أفرد كل من الإسلام والإيمان بالذكر فلا فرق بينهما حينئذ بل كل منهما على انفراده يشمل الدين كله وإن فرق بين الاسمين كان الفرق بينهما بما في هذا الحديث الجليل ،
    ثم أعلم يا أخي أرشدنا الله وإياك أن التزام الدين الذي يكون به النجاة من خزي الدنيا وعذاب الآخرة وبه يفوز العبد بالجنة ويزحزح عن النار إنما هو ما كان علي الحقيقة في كل ما ذكر في حديث جبريل وما في معناه من الآيات والأحاديث وما لم يكن منه علي الحقيقة ولم يظهر منه ما يناقضه أجريت عليه أحكام المسلمين في الدنيا ووكلت سريرته إلى الله تعالى قال الله عزوجل فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين وغيرها من الآيات وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها وصلوا صلاتنا واستقبلوا قبلتنا وذبحوا ذبيحتنا فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله عز وجل .
    مرتبة الإحسان
    والإحسان هذه المرتبة الثالثة من مراتب الدين في هذا الحديث والإحسان لغة إجادة العمل وإتقانه وإخلاصه وفي الشريعة هو ما فسره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن راه فإنه يراك والمقصود أنه صلى الله عليه وسلم فسر الإسلام هنا بالأقوال والأعمال الظاهرة وفسر الإيمان بالأقوال والأعمال الباطنة والإحسان هو تحسين الظاهر والباطن ومجموع ذلك هو الدين والكل من هذه المراتب مبنى على أركان لا قوام له إلا بقيامها.

    أركان الإسلام الخمسة
    فقد أتى الإسلام مبينا على ... خمس فحقق وادر ما قد نقلا
    أولها الركن الأساس الأعظم ... وهو الصراط المستقيم الأقوم
    ركن الشهادتين فاثبت واعتصم... بالعروة الوثقى التي لاتنفصم
    وثانيا إقامة الصلاة ... وثالثا تأدية الزكاة
    والرابع الصيام فاسمع واتبع ... والخامس الحج على من يستطع

    وهذه أركان المرتبة الأولى مرتبة الإسلام وهي على قسمين قوليه وعملية، فالقولية الشهادتان والعملية الباقي وهي ثلاثة أقسام بدنية وهي الصلاة والصوم ومالية وهي الزكاة وبدنية مالية وهو الحج.
    ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما في الصحيحين وغيرهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله و إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان.
    الشهادتان أولها أو أول هذه الأركان الركن الأساس الأعظم، والركن في اللغة الجانب الأقوى ، الأساس الذي لا يقوم البناء إلا عليه ولا يمكن إلا به ولا يحصل بدونه الأعظم هذه الصيغة مشعرة بتعظيم بقية الأركان وإنما هذا أعظمها .
    وهو الصراط الطريق الواضح المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا غبار علية بل هو معتدل جلي نير الأقوم أي الأعدل ، وذلك الركن المشار إليه هو ركن الشهادتين هذا من إضافة الشيء إلى نفسه أي الركن الذي هو الشهادتان .
    فاثبت أيها العبد المريد نجاة نفسه من النار والفوز بالجنة على هذا الصراط المستقيم النير الواضح الجلي، واعتصم أي استمسك بالعروة أي بالعقد الأوثق في الدين والسبب الموصل إلى رب العالمين الوثقى تأنيث الأوثق التي لا تنفصم أي لا تنقطع .
    الصلاة وثانيا من الأركان الخمسة إقامة الصلاة بجميع حقوقها ولوازمها وثالثا تأدية الزكاة إعطاؤها على الوجه المشروع، قال تعالى وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون .
    فضل الصلاة
    اعلم هدانا الله وإياك أن الصلاة قد اشتملت على جل أنواع العبادة وهي ثانية أركان الإسلام في الفريضة ، وهي ثانية في الذكر ، وهي ثانية في آيات الأمر بالجهاد ، وهي ثانية في مدح المؤمنين ، وهي ثانية في حساب العبد يوم القيامة، والنصوص في شأنها متنوعة فمنها ما فيه الأمر بها ومنها ما فيه بيان محلها من الدين ومنها في ثواب أهلها ..الخ.

    حكم تارك الصلاة
    وأما الآثار في شأنها عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم فأكثر من أن تحصر وقد أجمعوا على قتله كفرا إذا كان تركه الصلاة عن جحود لفرضيتها أو استكبار عنها وإن قال لا إله إلا الله لما تقدم من الآيات والأحاديث السابقة ولدخوله في التارك لدينه المفارق للجماعة وفي قوله صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه فإنه بذلك يكون مرتدا مبدلا لدينه وأما إن كان تركه لها لا لجحود ولا لاستكبار بل لنوع تكاسل وتهاون كما هو حال كثير من الناس فقال النووي رحمه الله تعالي في شرح مسلم قد اختلف العلماء فيه فذهب الجماهير من السلف والخلف إلى أنه لا يكفر بل يفسق ويستتاب فإن تاب وإلا قتلناه حدا كالزاني المحصن ولكنه يقتل بالسيف، وذهب جماعة من السلف إلى أنه يكفر هي إحدى الروايتين عن أحمد بن حنبل ،وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يكفر ولا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يصلي، قال النووي رحمه الله واحتج من قال بكفره بظاهر حديث جابر إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ، واحتج من قال لا يقتل بحديث لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث وليس فيه الصلاة واحتج الجمهور على أنه لا يكفر بقوله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء .

    الزكاة وأما الزكاة فقد تقدم ذكرها في نصوص الصلاة وغيرها ومما يتعلق بها على انفرادها قوله عز وجل خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) وقد ثبتت البيعة عليها بعد الصلاة كما عند البخاري رحمه الله من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم .

    حكم مانع الزكاة
    وأما حكم تاركها فإن كان منعه إنكارا لوجوبها فكافر بالإجماع بعد نصوص الكتاب والسنة وإن كان مقرا بوجوبها وكانوا جماعة ولهم شوكة قاتلهم الإمام لما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر رضي الله عنه وكفر من كفر من العرب فقال عمر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولون لا إله إلا الله فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله عز وجل فقال والله لا قاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال ولو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها .
    وأما إن كان الممتنع عن أداء الزكاة فردا من الأفراد فأجمعوا على أنها تؤخذ منه قهرا واختلفوا من ذلك في مسائل، إحداها هل يكفر أم لا
    فقال عبد الله بن شقيق كان أصحاب رسول الله لا يرون من الأعمال شيئا تركه كفر إلى الصلاة ،و حكى إسحاق عليها إجماع أهل العلم ، وذهب طائفة منهم إلى أن من ترك شيئا من أركان الإسلام الخمس عمدا أنه كافر وروى ذلك عن سعيد بن جبير وغيره.
    المسألة الثانية هي يقتل أم لا ؟
    الأول هو المشهور عن أحمد رحمه الله تعالى ويستدل له بحديث ابن عمر رضي الله عنهما أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله الحديث، والثاني لا يقتل وهو قول مالك والشافعي ورواية عن أحمد رحمهم الله تعالى واستدلوا بقول ابن عباس (..وتجده كثير المال ولا يزكي فلا يزال بذلك كافرا ولا يحل دمه..).
    المسألة الثالثة لمن لم ير قتله هل ينكل بأخذ شيء من ماله مع الزكاة ؟
    قال رسول الله: في كل سائمة إبل في أربعين بنت لبون ..ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا ..).

    الصيام
    الركن الرابع من أركان الإسلام الصيام وهو في اللغة الإمساك وفي الشرع إمساك مخصوص في زمن مخصوص بشرائط مخصوصة.
    قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ).
    وقد ثبت بالكتاب والسنة والإجماع كفر من جحد فرضيته وتقدم القول بقتل تاركه مع الإقرار والاعتراف بوجوبه وقوله فاسمع واتبع مأخوذ من قول الله عز وجل فبشر عبادي الذي يستمعون القول فيتبعون أحسنه ).


    الحج
    الركن الخامس الحج وهو على من يستطع أي من استطاع إليه سبيلا ، واشتراط الاستطاعة فيه فسره النبي بالزاد والراحلة، ولا خلاف في كفر من جحد فرضيته وتقدم الخلاف في كفر تاركه مع الإقرار بفرضيته.

    ذكر أمور تدخل في مسمى الإيمان والإسلام من أوامر والمناهي والأخبار
    قال الله عز وجل (سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من بهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ..).
    وقال تعالى (الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرأون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لما أعمالنا ولكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين).
    وآيات القرآن في هذا الباب كثيرة وشهيرة لا تخفى بل القرآن كله في تقرير الدين من فاتحته إلى خاتمته دعوة وبشارة لمن ونذارة وأمر ونهيا وخبرا .

    وأما الأحاديث فمنها قوله صلى الله عليه وسلم الإيمان بضع وسبعون شعبة فأعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان، وقوله صلى الله عليه وسلم بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف فمن وفي منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبة قال عبادة بن الصامت فبايعناه على ذلك، وقوله صلي الله عليه وسلم من يبايعني على هذه الثلاثة الآيات قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا ..، وقوله صلى الله عليه وسلم لمعاوية بن حيدة لما قال له ما الذي بعثك الله به قال الإسلام قلت وما الإسلام قال أن تسلم قلبك لله تعالى وأن توجه وجهك لله وأن تصلي الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة وفي رواية قال وما آية الإسلام قال أن تقول أسلمت وجهي لله وتخليت وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وكل المسلم على المسلم حرام، وقوله صلي الله عليه وسلم لا تحسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لايظلمه ولا يخذله ولا يحقره التقوى ههنا وأشار إلى صدره ثلاثا بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم .

  7. #7

    افتراضي تلخيص مختصر لكتاب (معارج القبول للشيخ: حافظ الحكمي رحمه الله) (6)

    شرح حديث شعب الإيمان
    ويناسب هنا أن ننقل شرح حديث شعب الإيمان وكلام العلماء في إحصائها من فتح الباري.
    فتلك خمسة وللإيمان ... ستة أركان بلا نكران
    إيماننا بالله ذي الجلال ... وما له من صفة الكمال
    وبالملائكة الكرام البرره ... وكتبه المنزلة المطهرة
    ورسله الهداة للأنام ... من غير تفريق ولا إيهام
    فتلك الأركان المتقدمة خمسة فسر النبي صلى الله عليه وسلم بها الإسلام فاعلمها واحتفظ بها واعملها وعلمها
    أركان الإيمان
    وللإيمان ستة أركان فسره بها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل وغيره بلا نكران للنقل ولا تكذيب للخبر ولا شك في الاعتقاد ولا استكبار عن الانقياد
    الإيمان بالله الأول منها ايماننا بالله بإلهيته وربوبيته لا شريك له في الملك ولا منازع له فيه ولا إله غيره ولا رب سواه ذي الجلال ذي العظمة والكبرياء
    و الإيمان ب ماله تعالى من صفة الكمال مما وصف به نفسه ووصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأسماء الحسني والصفات .
    و الثاني الإيمان بالملائكة الذين هم عباد الله المكرمون والسفرة بينه تعالى وبين رسله عليهم الصلاة والسلام الكرام خلقا والكرام على الله تعالى البررة الطاهرين ذاتا صفة وأفعالا المطيعين لله عز وجل وهم عباد من عباد الله عز وجل خلقهم الله تعالى من النور لعبادته ليسوا بناتا لله عزوجل ولا أولادا ولا شركاء معه ولا أندادا قال تعالى (ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون) .

    أقسام الملائكة وخصائصهم
    ثم هم بالنسبة إلى ما هيأهم الله تعالي له ووكلهم به على أقسام فمنهم الموكل بالوحي من الله تعالى إلى رسله عليهم الصلاة والسلام وهو الروح الأمين جبريل عليه السلام ، ومنهم الموكل بالقطر وتصاريفه إلى حيث أمره الله عز وجل وهو ميكائيل عليه السلام، ومنهم الموكل بالصور وهو اسرافيل عليه السلام ينفخ فيه ثلاث نفخات بأمر ربه عز وجل الأولى نفخة الفزع والثانية نفخة الصعق والثالثة نفخة القيام لرب العالمين ، ومنهم الموكل بقبض الأرواح وهو ملك الموت وأعوانه،ومنهم الموكل بحفظ العبد في حله وارتحاله وفي نومه ويقظته وفي كل حالاته وهم المعقبات ومنهم الموكل بحفظ عمل العبد من خير وشر وهم الكرام الكاتبون ،
    ومنهم الموكلون بفتنة القبر وهم منكر ونكير ، ومنهم خزنة الجنة ومقدمهم رضوان عليهم السلام ،ومنهم المبشرون للمؤمنين عند وفياتهم وفي يوم القيامة ،ومنهم خزنة جهنم عياذا بالله منها وهم الزبانية ورؤساؤهم تسعة عشر ومقدمهم مالك عليهم السلام ،ومنهم الموكلون بالنطفة في الرحم ،ومنهم حملة العرش والكروبيون ،ومنهم ملائكة سياحون يتبعون مجالس الذكر ،ومنهم الموكل بالجبال ، ومنهم زوار البيت المعمور ومنهم ملائكة صفوف لا يفترون وقيام لا يركعون وركع وسجد لا يرفعون ومنهم غير ذلك وما يعلم جنود ربك إلا هو .

    الايمان بالكتب المنزلة
    و الثالث الايمان بكتبه المنزلة على رسله المطهرة من الكذب والزور ومن كل باطل ومن كل ما لا يليق بها قال الله تعالى قل آمنا بالله وما انزل علينا وما انزل على ابراهيم واسماعيل.
    ومعنى الايمان بالكتب التصديق الجازم بأن كلها منزل من عند الله عز وجل على رسله الى عباده بالحق المبين والهدى المستبين وانها كلام الله عز وجل لا كلام غيره ، والايمان بكل ما فيها من الشرائع ،وان جميعها يصدق بعضها بعضا لا يكذبه ،وان كل من كذب بشئ منها او ابى عن الانقياد لها مع تعلق خطابه به يكفر بذلك ، وان نسخ الكتب الاولى بعضها ببعض حق ،وان نسخ القرآن بعض آياته ببعض حق ، وانه لا يأتي كتاب بعده ولا مغير ولا مبدل لشيء من شرائعه بعده وانه ليس لأحد الخروج عن شئ من احكامه وان من كذب بشئ منه من الامم الاولى فقد كذب بكتابه كما ان من كذب بم اخبر عنه القرآن من الكتب فقد كذب به ، ثم الايمان بكتب الله عز وجل يجب اجمالا فيما اجمل وتفصيلا فيما فصل، فلا بد في الإيمان به من أمتثال اوامره واجتناب مناهيه .

    الايمان بالرسل
    و الرابع الايمان برسله وهم كل من اوحى اليه وامر بالتبليغ، اما من اوحى اليه ولم يؤمر بالتبليغ فهو نبي فقط وليس برسول فكل رسول نبي ولا كل نبي رسول، الهداه جمع هاد والمراد به هداية الدعوة والدلالة والارشاد الى سبيل الهدى ،واما هداية التوفيق والتسديد والتثبيت فليست الا بيد الله عز وجل.
    والايمان برسل الله عز وجل متلازم من كفر بواحد منهم فقد مفر بالله تعالى وبجميع الرسل عليهم السلام .
    ومعنى الإيمان بالرسل هو التصديق الجازم بأن الله تعالى بعث في كل أمة رسولا يدعوهم إلى عبادة الله وحده ، وأن جمعيهم صادقون مصدقون أتقياء أمناء وبالبراهين الظاهرة والآيات الباهرة من ربهم مؤيدون وأنهم بلغوا جميع ما أرسلهم الله به لم ،وأنهم كلهم كانوا على الحق المبين والهدى المستبين .
    وقد اتفقت دعوتهم من أولهم إلى آخرهم في أصل الدين وهو توحيد الله عز وجل بإلهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته ونفي ما يضاد ذلك أو ينافي كماله ، وأما فروع الشرائع من الفرائض والحلال والحرام فقد تختلف لحكمة بالغة وغاية محمودة قضاها ربنا عز وجل.

    أولهم نوح بلا شك كما ... أن محمدا لهم قد ختما
    أولهم يعني أول الرسل عليهم السلام نوح بلا شك وهو نوح بن لامك ، والمعنى أن نوحا أول الرسل والنبين بعد الإختلاف لان امته اول من اختلف وغير من وبدل وكذب والا فادم قبله كان نبيا رسولا .
    كما ان محمدا صلى الله عليه وسلم لهم اي للرسل قد ختما فلا نبي بعده

    وخمسة منهم اولو العزم الاولى ... في سورة الاحزاب والشورى تلا
    وخمسة منهم اي من الرسل اولو اي اصحاب العزم يعني الجزم والجد والصبر وكمال العقل، وهؤلاء الخمسة اصحاب الشرائع المشهورة كانت هذه الصفات فيهم اكمل واعظم من غيرهم لذا خصوا بالذكر في سورة الاحزاب وفي سورة الشورى .

    الايمان بالمعاد وقيام الساعة
    وبالمعاد ايقن بلا تردد ... ولا ادعا علم بوقت الموعد
    لكننا نؤمن من غير امترا ... بكل ما قد صح عن خير الورى
    من ذكر ايات تكون قبلها ... وهي علامات واشراط لها
    وبالمعاد وهو المرد الى الله عز وجل والاياب اليه ايقن استيقن بذلك يقينا جازما بلا تردد، هذا هو الركن الخامس من اركان الايمان وهو الايمان باليوم الاخر وما يدخل فيه قال الله تعالى والذين يؤمنون بما انزل إليك وما انزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون .
    و ب لاادعا بالقصر للوزن وهو مصدر ادعى يدعي ادعاء علم بوقت الموعد متى هو فان ذلك من مفاتح الغيب التي لا يعلمها الا الله عز وجل قال تعالى وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو، وتقدم حديث جبريل المشهور قوله عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم أخبرني عن الساعة قال ما المسؤول عنها باعلم من السائل الحديث.
    الايمان بامارات الساعة
    ولكننا نؤمن ونصدق من غير امترا من غير شك بكل ما قد صح سنده وصرح لفظه عن خير الورى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
    وقد اشار القرآن الى قربها ودنوها وكثير من علاماتها كانشقاق القمر وذكر تعالي من كبار اشراطها الدخان ونزول عيسى لقتل الدجال وخروج يأجوج ومأجوج وطلوع الشمس من مغربها وخروج دابة الارض وغيرها كما قال تعالى (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين) .
    واما الاحاديث في اشراط الساعة فكثيرة متواترة وقد تقرر في حديث جبريل على اختلاف ألفاظه وتباين طرقه ذكره صلى الله عليه وسلم من اماراتها ان تلد الامة ربتها وان ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان .

    الايمان بالموت
    ويدخل الايمان بالموت وما ... من بعده على العباد حتما
    ويدخل في الايمان باليوم الاخر الايمان بالموت الذي هو المفضى بالعبد الى منازل الآخرة ، والايمان بالموت يتناول امورا، منها تحتمه على من كان في الدنيا من اهل السموات والارض من الانس والجن والملائكة وغيرهم من المخلوقات ، ومنها ان كلا له اجل محدود وامد ممدود ينتهي اليه لا يتجاوزه ولا يقصر ،ومنها الايمان بان ذلك الاجل المحتوم والحد المرسوم لانتهاء كل عمر اليه من مفاتح الغيب التي استأثر الله تعالى بعلمها فلا يعلمها الا هو ،ومنها ذكر العبد الموت وجعله على باله كما هو الردم بينه وبين اماله وهو المفضى به الى اعماله ،ومنها وهو المقصود الاعظم التأهب له قبل نزوله والاستعداد لما بعده قبل حصوله .

    الايمان بما بعد الموت
    ومنها الايمان ب ما الذي من بعده اي من بعد الموت على العباد حتما من احوال الاحتضار الى البعث والنشور الي ان يقضي الله بين عباده ويستقر كل من الفريقين فريق في الجنة وفريق في السعير .
    وان كل مقعد مسؤول... ما الرب ما الدين وما الرسول
    وعند ذا يثبت المهيمن ... بثابت القول الذين امنوا
    ويوقن المرتاب عند ذلك ... بأنما مورده المهالك
    اثبات عذاب القبر
    في هذه الابيات اثبات المسألة العظيمة وهي اثبات سؤال القبر وفتنته وعذابه ونعيمه وقد تظاهرت بذلك نصوص الشريعة كتابا وسنة واجمع على ذلك ائمة السنة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من اهل السنة والجماعة وان انكر ذلك بشر المريسي وأضرابه واتباعهم من المعتزلة وحملوا على فاسد فهمهم قول الله عز وجل لا يذوقون فيها الموت الا الموته الاولى، وقوله تعالى وما انت بمسمع من في القبور.
    قالوا في الاية الاولى لو صاروا احياء في القبور لذاقوا الموت مرتين لا موته واحدة، وقالوا في الاية الثانية ان الغرض من سياقها تشبيه الكفرة بأهل القبور في عدم الاسماع ولو كان الميت حيا في قبره او حاسا لم يستقم التشبيه، قالوا واما من جهة العقل فإنا نرى شخصا يصلب ويبقى مصلوبا الى ان تذهب اجزاؤه ولا نشاهد فيه احياء ومسألة .
    والجواب عن الشبهة الاولى ان الاية لا تدل على مدعاهم بوجه فانها في صفة اهل الجنة وما لهم فيها من كمال النعيم وانهم لا يذوقون فيها الموت واين هذا من نفي عذاب القبر الذي ادعوه، وقوله الا الموتة الاولى تأكيد لنفي الموت عنهم في الجنة، وما المانع من كون الروح تتصل بالجسد في البرزخ اتصالا خاصا ليتألم الجسد بما يتألم به من دون ان تكون حياته كالحياة الدنيوية .
    وعن الشبهة الثانية الجواب من وجهين:
    § الاول ان قوله وما انت بمسمع من في القبور، نفي لاستطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ان يسمعهم .
    § الوجه الثاني انه لم ينف مطلق السماع وانما نفى سماع الاستجابة كما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث القليب ما انتم باسمع لما اقول منهم ولكنهم لا يجيبون .
    واما شبهتهم العقلية فهي لا تليق الا بعقولهم السخيفة فإن الروح التي عليها العذاب او النعيم المتصل بالجسم المه ليس بمدرك في الدنيا ولا يعلمه الا الله فمن كان لا يدرك روح من يمشي معه ويكلمه ويأتمنه ويعامله فكيف يدركه اذا صار من عالم الآخرة ليس عالم الدنيا.
    نصوص السنة في إثبات عذاب القبر
    فصل وأما نصوص السنة في إثبات عذاب القبر فقد بلغت الأحاديث في ذلك مبلغ التواتر منها حديث عبد الله بن عباس، قال ابن عباس رضي الله عنهما (مر النبي صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير ثم قال بلى أما أحدهما فكان يسعى بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله ثم قال أخذ عودا رطبا فكسره باثنتين ثم عرز كل واحد منهما على قبر ثم قال لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا)، وعنه رضي الله عنهأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلم السورة من القرآن قولوا اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم وأعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وعن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من الجبن والبخل وعذاب القبر وفتنة الصدر، وعن بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار فيقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة)، وعنه رضي الله عنه قال أطلع النبي صلى الله عليه وسلم على أهل القليب فقال وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فقيل له تدعو أمواتا فقال ما أنتم بأسمع منهم ولكن لا يجيبون، وعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن يهودية جاءت تسألها فقالت لها أعاذك الله من عذاب القبر فسألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم أيعذب الناس في قبورهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عائذا بالله من ذلك ثم ذكر حديث الكسوف بطوله وفيه آخره ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر، وفي الحديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو اللهم إني أعوذ به من عذاب القبر ومن عذاب النار ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال، وعن عثمان رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الرجل وقف عليه وقال استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الان يسأل.

    نصوص الكتاب والسنة في لقاء الله
    وباللقا والبعث والنشور ... وبقيامنا من القبور
    غرلا حفاة كجراد منتشر ... يقول ذو الكفران ذا يوم عسر
    أي يدخل في الإيمان باليوم الآخر الإيمان بلقاء الله عز وجل الحاصل فيه قال الله تعالى واستعينوا بالصبر وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون ، وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه الخ الحديث، وفي حديث القراء أصحاب البئر معونة بلغوا قومنا عنا أن قد لقينا ربنا فرضى عنا ورضينا عنه، والآيات والأحاديث في إثبات لقاء الله عز وجل كثيرة جدا ومن كذب بذلك كفر.

    الإيمان بالبعث والنشور
    والبعث والنشور أي ويدخل في الإيمان باليوم الآخر والإيمان بالبعث والنشور قال الله عز وجل لبني اسرائيل وإذا قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخدتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون وقال تعالى كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون وقال تعالى وهو الذي يرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون وقال تعالى وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم وقال تعالى وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنين وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبؤكم بما كنتم تعملون ، وقال تعالى وقالوا أإذا كنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون خلقا جديدا قل كونوا حجارة أوحديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة فسينغضون إليك رؤوسهم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا ، وقال تعالى ومن يهد الله فهو المهتدي ومن يظلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا أإذا كنا عظاما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا أو لم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه ، وقال تعالى فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا الإسراء ، وقال تعالى وكذلك بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا ، وقال تعالى وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم إلى قوله وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها ، وقال تعالى ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم أن لن نجعل لكم موعدا ،وقال تعالى ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا ، وقال تعالى ويقول الإنسان أإذا مامت لسوف أخرج حيا أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا .. الآيات إلى آخر السورة .
    اما الاحاديث في هذا الباب فكثيرة جدا وقد تقدم كثر منها في مواضع متفرقه، فعن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال الله كذبني ابن ادم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك فاما تكذيبه اياي فقوله لن يعيدني كما بداني وليس اول الخلق باهون علي من اعادته واما شتمه اياي فقوله اتخذ الله ولدا وانا الاحد الصمد لم الد ولم اولد ولم يكن لي كفوا احد، وعن ابي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان في الانسان عظما لا تاكله الارض ابدا فيه يركب يوم القيامة قالوا اي عظم هو يا رسول الله قال عجب الذنب وفيه من طريق ابي الزناد عن الاعرج عن ابي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كل ابن ادم ياكله التراب الا عجب الذنب منه خلق ومنه يركب، وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال اني اول من يرفع راسه بعد النفخة الاخرة فاذا انا بموسى متعلق بالعرش فلا ادري كذلك كان ام بعد النفخة.
    مسألة: و قد اختلف الناس هل تلد نساء اهل الجنة على قولين فقالت طائفة لا يكون فيها حبل ولا ولادة واحتجت هذه الطائفة بحديث اظنه في المسند وفيه غير ان لا منى ولا منية، واثبتت طائفة من السلف الولادة في الجنة واحتجت بما رواه الترمذي عن ابي سعيد قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة كان حمله ووضعه وسنه في ساعة كما يشتهي، وقالت الطائفة الاولى هذا لا يدل على وقوع الولادة في الجنة فانه علقه بالشرط فقال اذا اشتهى ولكنه لا يشتهي وهذا تأويل اسحاق بن راهويه حكاه البخاري عنه، قالوا والجنة دار جزاء على الاعمال وهؤلاء ليسوا من اهل الجزاء قالوا والجنة دار خلود ولا يموت فيها فلو توالد فيها اهلها على الدوام والاوابد لما وسعتهم وانما وسعتهم الدنيا بالموت.
    واجابت الطائفة الاخرى عن ذلك كله وقالت اذا انما تكون للمحقق وقوعه لا المشكوك فيه وقد صح انه سبحانه ينشئ في الجنة خلقا ليسكنهم اياها بلا عمل قالوا واطفال المسلمين ايضا فيها بغير عمل واما من حيث سعتها فلو رزق كل واحد منهم عشرة الاف من الولد وسعتهم فان ادناهم من ينظر في ملكه مسيرة الفي عام

    فصل منكرو البعث على اربعة اصناف
    ثم منكرو البعث على اربعة اصناف:
    § صنف انكروا المبدأ والمعاد وزعموا ان الاكوان تتصرف بطبيعتها و انما هي ارحام تدفع وارض تبلع وهؤلاء هم جمهور الفلاسفة الدهرية والطبائعية.
    § والصنف الثاني من الدهرية طائفة يقال لهم الدورية وهم منكرون للخالق ايضا ويعتقدون ان في كل ستة وثلاثين الف سنة يعود كل شئ الي ما كان عليه ،وهاتان الطائفتان يعمهم قوله عز وجل وقالوا ما هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا الا الدهر، ولهذا عن السلف الصالح فيها تفسيران الاول معنى قولهم نموت ونحيا اي يموت الآباء ويحيى الابناء هكذا ابدا وهو قول الطائفة الاولى والمعنى الثاني انهم عنوا كونهم يموتون ويحيون هم انفسهم ويتكرر ذلك منهم ابدا ولا حساب ولا جزاء بل ولا موحد ولا معدم ولا محاسب ولا مجازي وهذا قول الدورية.
    § الصنف الثالث الدهرية من مشركي العرب ومن وافقهم وهم مقرون بالبداءة وان الله تعالى ربهم وخالقهم ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله.
    § والصنف الرابع ملاحدة الجهمية ومن وافقهم اقروا بمعاد ليس على ما في القران ولا فيما اخبرت به الرسل عن الله عز وجل بل زعموا ان هذا العالم يعدم عدما محضا وليس المعاد هو بل عالم اخر غيره فحينئذ تكون الارض ليست هي هذه وتكون الاجساد التي تعذب ليست هي التي اعيدت بل هي غيرها والابدان التي تنعم بالجنة ليست هي التي عملت الطاعة ، فأنكروا معاد الابدان وزعموا ان المعاد بداءة اخرى.

  8. #8

    افتراضي تلخيص مختصر لكتاب (معارج القبول للشيخ: حافظ الحكمي رحمه الله) (7)

    الايمان بالنفخ في الصور
    وبقيامنا بنفخ الصور أي وكما يدخل الايمان باليوم الاخر الموت وما بعده من فتنة القبر ونعيمه او عذابه وباللقاء والبعث والنشور والقيام من القبور كذلك يدخل في ذلك الايمان بالصور والنفخ فيه الذي جعله الله سبب الفزع والصعق والقيام من القبور وهو القرن الذي وكل الله تعالى به إسرافيل كما تقدم في ذكر الملائكة وقد ذكر الله عز وجل النفخ فيه في مواضع من كتابه كقوله عز وجل ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الارض الا من شاء الله ثم نفخ فيه اخرى فإذا هم قيام ينظرون.
    وروى الامام احمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال جاء اعرابي الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما الصور فقال قرن ينفخ فيه وفي حديث ابي سعيد الخدري رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال كيف انعم وصاحب الصور قد التقمه واصغى سمعه وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر فقالوا يا رسول الله وما تأمرنا قال قالوا حسبنا الله ونعم الوكيل.
    غرلا حفاة الاغرل الاقلف حفاة غير منتعلين كجراد منتشر شبهوا بالجراد المنتشر لكثرته ولكونه ليس له وجهة يقصدها بل يختلف ويموج بعضه في بعض وهم كذلك قال الله تعالى فتول عنهم يوم يدع الداع الى شئ نكر خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر وعن ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنكم ملاقو الله حفاة عراة مشاة غرلا.

    الاجماع ليوم الفصل
    ويجمع الخلق ليوم الفصل ... جميعهم علويهم والسفلى
    في موقف يجل فيه الخطب ... ويعظم الهول به والكرب
    ويجمع الخلق اولهم واخرهم ليوم الفصل يوم يفصل الرحمن بين الخلائق سماه الله تعالى يوم الفصل لذلك وسماه يوم التغابن لكثرة المغبونين يومئذ وسماه يوم الجمع لانه يجمع فيه الاولين والاخرين في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر وسماه يوم التلاق لانه يلقى فيه العبد ربه ويلقى فيه العامل عمله ويلتقى فيه الاولون بالاخرين ويلتقى فيه اهل السموات والارضين وسماه يوم القيامة لان فيه قيام الخلائق من القبور وسماه يوم التناد لتنادي العباد بعضهم بعضا ولمناداة الله عز وجل عباده فيه.
    جميعهم علويهم وهم عوالم السموات والسفلى وهم عوالم الارضين وقد تقدم في حديث الصور كيفية صفوفهم وتضعيفهم واحاطة بعضها ببعض في موقف عظيم يجل يشتد فيه الخطب الشأن والامر ويعظم الهول الامر الفظيع الهائل به اي فيه والكرب الحزن الاخذ بالنفس والهم والغم وقد وصف تعالى موقف القيامة بشدة ذلك كله كما قال الا يظن اولئك انهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين .
    وفي الصحيح من حديث ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الارض سبعين ذراعا ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم.

    حشر الخلائق للعرض
    واحضروا للعرض والحساب ... وانقطعت علائق الانساب
    وارتكمت سحائب الاهوال ... وانعجم البليغ في المقال
    واحضروا للعرض العرض له معنيان:
    معنى عام وهو عرض الخلائق كلهم على ربهم عز وجل بادية له صفحاتهم لا تخفى عليه منهم خافية هذا يدخل فيه من يناقش الحساب ومن لا يحاسب.
    والمعنى الثاني عرض معاصي المؤمنين عليهم تقريرهم بها وسترها عليهم ومغفرتها لهم والمناقشة وقد ذكر الله تعالى ذلك في كتابه العزيز في غير ما موضع اجمالا وتفصيلا كما قال يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية.
    وفي الترمذي عن ابي بزرة الاسلمي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن عمره فيما افناه وعن علمه فيما عمل فيه وعن ماله اين اكتسبه وفيما انفقه وعن جسمه فيما ابلاه وقال حسن صحيح

    براءة الناس يومئذ بعضهم من بعض
    وانقطعت علائق الانساب كما قال تعالى فإذا نفخ في الصور فلا انساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون .

    وارتكمت سحائب الاهوال ... وانعجم البليغ في المقال
    وعنت الوجوه للقيوم واقتص من ذي الظلم للمظلوم
    وارتكمت اجتمعت سحائب الاهوال جمع هول وهو الامر الشديد الهائل المفظع وانعجم أسكت فلم يتكلم البليغ الذي كان في الدنيا مقتدرا على البلاغة والفصاحة في المقال قال الله تعالى يوم يأت لا تكلم نفس الا بإذنه . وعنت الوجوه ذلت وخضعت ومنه قيل للأسير عان القيوم تضمين لمعنى قوله عز وجل وعنت الوجوه للحي القيوم الحي الذي لا يموت القيوم الذي لا ينام وهو قيم على كل شيء يديره ويحفظه فهو الكامل في نفسه الذي كل شيء فقير اليه لا قوام له الا به . واقتص من ذي الظلم اي اقتضى من الظالم للمظلوم قال الله تعالى إن الله لا يظلم مثقال ذرة وان تك حسنة يضاعفها ،
    وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها فإنه ليس ثم دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه .

    وساوت الملوك للأجناد ... وجيء بالكتاب والاشهاد
    وشهد الاعضاء والجوارح ... وبدت السوآت والفضائح
    وابتليت هنالك السرائر ... وانكشف المخفى في الضمائر
    وسارت الملوك العظماء الرؤساء الكبراء للأجناد الرعايا اي صاروا سواء في ذلك الموقف مشتركين في هولة الفظيع وكربه الشديد الا من رحمه الله وليس لاحد منهم مقال قال تعالى واشرقت الارض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء .
    وشهدت على كل جاحد الاعضاء اعضاؤه والجوارح عطف تفسير قال تعالى اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا ايديهم وتشهد ارجلهم بما كانوا يكسبون .
    وروى مسلم والنسائي وابن ابي حاتم عن انس بن مالك رضي الله عنه قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذه ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتدرون مم اضحك قلنا الله ورسوله اعلم قال صلى الله عليه وسلم من مجادلة العبد ربه يوم القيامة يقول رب الم تجرني من الظلم فيقول بلى فيقول لا اجيز على نفسي الا شاهدا مني فيقول كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا وبالكرام الكتاب شهودا فيختم على فيه ويقال لاركانه انطقي فتنطق بعمله ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول بعدا وسحقا فعنكن كنت اناضل . وابتليت اي اختبرت هنالك الاشارة الى موقف القيامة العظيم وهوله الجسيم السرائر جمع سرسرة وهي ضد العلانية وانكج المستور في الضمائر إشارة الى قول الله عز وجل ويوم تبلى السرائر

    صحائف الاعمال تؤخذ باليمين والشمال
    ونشرت صحائف الاعمال ... تؤخذ باليمين والشمال
    طوبى لمن يؤخذ باليمين ... كتابه بشرى بحور عين
    والويل للآخذ بالشمال ... وراء ظهر للجحيم صالي
    ونشرت صحائف كتب الاعمال من حسنات وسيئات قال الله تعالى وإذا الصحف نشرت تؤخذ باليمين للمؤمن والشمال للكافر طوبى أطيب شيء واسم شجرة في الجنة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها لمن يأخذ اليمين كتابه بشرى اعظم بشارة بحور جمع حوراءصفة لهن من حور العين وهو شدة سواد العينين في شدة بياضهما عين عين الاعين والويل كلمة عذاب وواد في جهنم للأخذ بالشمال كتابه وراء ظهر للجحيم صال اسم فاعل من صلى يصلى غمر فيها وقد ذكر الله تعالى تطاير الصحف ونشرها وتناولها في غير من كتابه مع بيان منازل اهلها كما قال تعالى وكل انسان الزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ، وفي السنن عن عائشة رضي الله عنها ذكرت النار فبكت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يبكيك قالت ذكرت النار فبكيت فهل تذكرون اهليكم يوم القيامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اما في ثلاثة مواطن فلا يذكر احد احدا عند الميزان حتى يعلم ايخف ميزاته او يثقل وعند الكتاب حين يقول هاؤم اقرؤا كتابيه ، حتى يعلم اين يقع كتابه افي يمينه او في شماله ام من وراء ظهره وعند الصراط اذا وضع بين ظهري جهنم .

    فصل فيما جاء في الميزان
    والوزن بالقسط فلا ظلم ولا ... يؤخذ عبد بسوى ما عملا
    فبين ناج راجح ميزانه ... ومقرف اوبقه عدوانه
    والوزن لاعمال العباد بالقسط العدل فلا ظلم على احد يومئذ لان الحاكم فيه هو العدل الحكيم الذي حرم الظلم على نفسه وجعله على عباده محرما فلا يهضم احد من حسناته ولا يؤخذ عبد بسوى ما عملا الالف للاطلاق قال الله تعالى فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون الا ما كنتم تعلمون .
    فبين ناج راجح ميزاته الخ قال الله تعالى والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا انفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون .
    والقول في الموزون على ثلاثة اوجه الاول انه الاعمال نفسها هي التي توزن وان افعال العباد تجسم فتوضع في الميزان ويدل لذلك حديث ابي هريرة رضي الله عنه في الصحيح قالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمتان حبيبتان الى الرحمن حفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده وسبحان الله العظيم .
    والقول الثاني ان صحائف الاعمال هي التي توزن ويدل لذلك ما روى الامام احمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل يستخلص رجلا من امتي علىرؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعون سجلا كل سجل مد البصر ثم يقول اتنكر من هذا شيئا اظلمك كتبتي الحافظون قال لا يارب قال افلك عذر او حسنة قال فبهت الرجل فيقول لا يارب فيقول بلى ان لك عندنا حسنة واحدة لا ظلم عليك اليوم فيخرج له بطاقة فيها اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول احضروه فيقول يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات فيقول انك لا تظلم قال فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة قال فطاشت السجلات وثقلت البطاقة قال ولا يثقل شيء مع بسم اللله الرحمن الرحيم ورواه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن غريب.
    والثالث أن الموزون ثواب العمل وهو اطراد ما نقله الترمذي في معنى حديث النواس الرابع ان الموزون هو العامل نفسه ويدل لذلك ما روى احمد بن علي رضي الله عنه ان ابن مسعود رضي الله عنه صعد شجرة يجتنى الكباث فجعل الناس يعجبون من دقة ساقيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده هما في الميزان اثقل من احد . قلت والذي استظهر من النصوص الله اعلم ان العامل وعمله وصحيفة
    عمله كل ذلك يوزن ، وهذا غاية الجمع بين ما تفرق ذكره في سائر احاديث الوزن ولله الحمد والمنة.

    فصل فيما جاء في الصراط
    وينصب الجسر بلا امتراء ... كما أتى في محكم الأنباء
    يجوزه الناس على أحوال ... بقدر كسبهم من الأعمال
    مبين مجتاز إلى الجنان ... ومسرف يكب في النيران
    وينصب الجسر وهو الصراط على متن جهنم بلا امتراء بلا شك كما أتى في محكم الأنباء من الآيات والأحاديث يجوزه يمر عليه الناس على أحوال متفاوتة بقدر كسبهم في الحياة الدنيا من الأعمال من إحسان أو إساءة أو تخليط فهم بين مجتاز عليه إلى الجنان وهم المؤمنون على تفاوت درجاتهم ومراتبهم في البطء والإسراع ومسرف على نفسه يكب في النيران فلا ينجو ومنهم من تلفحه وتمسه النار بقدر ذنبه ثم يخرج منها قال الله تعالى وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا.
    وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه من حديثه الطويل في ذلك مرفوعا وفيه ثم يؤتى بالجسر فيجعل بين ظهري جهنم قلنا يا رسول الله وما الجسر قال مدحضة مزلة عليه خطاطيف وكلاليب وحسكة مفلطحة لها شوكة عقيفاء تكون بنجد يقال لها السعدان يمر المؤمن عليها كالطرف وكالبرق وكالريح وكأجاويد الخيل والركاب فناج مسلم وناج مخدوش ومكدوس في نار جهنم حتى يمر آخرهم يسحب سحبا الحديث.
    وقد أنكر الصراط والمرور عليه أهل البدعة والهوى من الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة وتأولوا الورود برؤية النار لا أنه الدخول والمرور على ظهرها وذلك لا اعتقادهم أن من دخل النار لا يخرج منها ولو بالاصرار على صغيرة فخالفوا الكتاب والسنة والجماعة وردوا الآيات والأحاديث الواردة في الورود والمقام المحمود والشفاعة .

    فصل فيما ورد في الجنة والنار
    والنار والجنة حق وهما ... موجودتان لا فناء لهما
    أي ومن الإيمان باليوم الآخر الإيمان بالجنة والنار والبحث فيه ينحصر في ثلاثة أمور:
    الأول كونهما حقا لا ريب فيهما ولا شك وأن النار دار أعداء الله والجنة دار أوليائه.
    وهذا هو المشار إليه بقولنا حق قال الله تعالى فاتقوا النار التي أعدت للكافرين وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار الآية .
    البحث الثاني اعتقاد وجودهما الآن:
    قال الله تعالى في الجنة أعدت للمتقين ،وقال تعالى في النار أعدت للكافرين.
    وعن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء
    البحث الثالث في دوامهما وبقائهما بإبقاء الله لهما وأنهما لا تفنيان أبدا ولا يفنى من فيهما
    وإلى هذه المسألة الاشارة بقولنا لا فناء لهما قال الله تعالى في الجنة خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم وقال في جهنم خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا ، ونفى فناءهم فيما بقوله عز وجل ثم لا يموت فيها ولا يحيى وقوله كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب.
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم يقال لأهل الجنة خلود لا موت ولأهل النار يا أهل النار خلود لا موت.

    إخراج عصاة الموحدين من النار
    نعم جاءت الأحاديث الصريحة بإخراج عصاة الموحدين الذين تمسهم النار بقدر جنايتهم وأنهم يخرجون منها برحمة الله تعالى ثم بشفاعة الشافعين كما سيأتي إن شاء الله قريبا وأن هؤلاء العصاة يسكنون الطبقة العليا من النار على تفاوتهم في مقدار ما تأخذ منهم وجاء فيها آثار أن هذه الطبقة تفنى بعدهم إذا أخرجوا منها وأدخلوا الجنة وأنها ليأتين عليها يوم وهي تصفق في أبوابها ليس بها أحد وعلى ذلك حمل جمهور المفسرين الأستثناء في قوله تعالى إلا ما شاء ربك الآية .

    فصل ما قالته اليهود في النار
    قالت اليهود قبحهم الله إن النار يدخلها قوم من الكفار ويخرجون منها بعد أيام ثم يخلفهم آخرون كما قص الله تعالى ذلك عنهم في سورة البقرة إذ يقول تعالى وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة.
    وقال ابن عربي إمام الاتحادية إن أهلها يعذبون فيها ثم تنقلب طبيعتهم وتبقى طبيعة النارية يتلذذون بها لموافقتها طبعهم، وقال الجهم وشيعته إن الجنة والنار تفنيان كلاهما وقال طائفة من المعتزلة والقدرية لم يكونا الآن موجودتين بل ينشئهما الله تعالى يوم القيامة وقال أبو الهذيل العلاف تفنى حركات أهل الجنة والنار ويصيرون جمادا لا يحسون بنعيم ولا ألم وكل هذه الأقوال مخالفة لصحيح المعقول وصريح المنقول ومحادة ومشاقة لله تعالى وللرسول .

    فصل فيما جاء في الحوض والكوثر
    وحوض خير الخلق حق وبه ... يشرب في الأخرى جميع حزبه
    وحوض خير الخلق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو الكوثر الذي أعطاه ربه عز وجل حق لا مرية فيه وبه بالحوض يشرب أي يروى ولذا عدى بالباء دون من لتضمن الشرب ههنا معنى الري في الأخرى أي في الدار الآخرة وجميع حزبه وهم أمة الإجابة الذين آمنوا به وصدقوه واتبعوا النور الذي أنزله معه قال الله تبارك وتعالى بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر.
    وقد ورد في ذكر الحوض وتفسير الكوثر به وإثباته وصفته من طرق جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم واشتهر واستفاض فعن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال بينما أنا أسير في الجنة إذ أنا بنهر حافتاه قباب الدر المجوف قلت ما هذا يا جبريل قال هذا الكوثر الذي أعطاك ربك فإذا طينه أو طيبه مسك أذفر ، وعن ربعي عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن حوضي لأبعد من أيلة إلى عدن والذي نفسي بيده لآنيته أكثر من عدد النجوم ولهو أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل والذي نفسي بيده إني لأذود عنه الرجال كما يذود الرجل الإبل الغريبة عن حوضه قيل يا رسول الله أتعرفنا قال نعم تردون علي غرا محجلين من أثر الوضوء ليست لأحد غيركم .

    فصل في الأحاديث الواردة عن لواء الحمد
    كذا له لواء حمد ينشر ... وتحته الرسل جميعا تحشر
    قال الترمذي رحمه الله تعالى حدثنا الحسين بن يزيد الكوفي حدثنا عبد السلام بن حرب عن ليث عن الربيع بن أنس عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا وأنا خطيبهم إذا وفدوا وأنا مبشرهم إذا يئسوا لواء الحمد يومئذ بيدي وأنا أكرم على ربي ولا فخر هذا حديث حسن غريب.

    فصل في آيات الشفاعة وأحاديثها والمقام المحمود
    كذا له الشفاعة العظمى كما ... قد خصه الله بها تكرما
    من بعد إذن الله لا كما يرى ... كل قبوري على الله افترى
    كذا له لنبينا صلى الله عليه وسلم الشفاعة العظمى يوم القيامة وهو المقام المحمود الذي قال الله تعالى عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ولذا قلنا قد خصه الله بها بالشفاعة تكرما منه عز وجل عليه صلى الله عليه وسلم وعلى أمته به كما في الصحيح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة .
    وتلك الشفاعة لا تكون إلا من بعد إذن الله عز وجل سواء في ذلك شفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم وشفاعة من دونه وذلك الإذن يتعلق بالشافع والمشفوع فيه وبوقت الشفاعة فليس يشفع إلا من أذن الله له في الشفاعة وليس له أن يشفع إلا بعد أن يأذن الله له وليس له أن يشفع إلا فيمن أذن الله تعالى له أن يشفع فيه كما قال تعالى من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه .
    لا كما يرى كل قبورى نسبة إلى القبور لعبادته أهلها على الله افترى في ما ينسبه إلى أهل القبور ويضيفه إليهم من التصرفات التي هي ملك لله عز وجل لا يقدر عليها غيره تعالى ولا شريك له فيها .

    يشفع أولا إلى الرحمن في ... فصل القضاء بين أهل الموقف
    من بعد أن يطلبها الناس إلى ... كل أولي العزم الهداة الفضلا
    هذه الشفاعة الأولى لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهي أعظم الشفاعات وهي المقام المحمود الذي ذكر الله عز وجل له ووعده إياه وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسأل الله إياه له صلى الله عليه وسلم بعد كل أذان وقال البخاري رحمه الله تعالى باب قوله تعالى عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا حدثنا إسماعيل بن أبان حدثنا أبو الأحوص عن آدم بن علي قال سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا كل أمة تتبع نبيها يقولون يا فلان اشفع حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود.

    فصل اختصاصه صلى الله عليه وسلم باستفتاح باب الجنة
    وثانيا يشفع في استفتاح ... دار النعيم لأولي الفلاح
    هذا وهاتان الشفاعتان ... قد خصتا به بلا نكران
    هذه الشفاعة الثانية في استفتاح باب الجنة وقد جاء في الأحاديث أنها أيضا من المقام المحمود فعن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح فيقول الخازن من أنت فأقول محمد فيقول بك أمرت لاأفتح لأحد قبلك.
    هذا أي ما ذكر وهاتان الشفاعتان المذكورتان اللتان هما المقام المحمود قد خصتا أي جعلهما الله تعالى خاصتين به أي بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وليستا لأحد غيره بلا نكران بين أهل السنة والجماعة بل ولم ينكرهما المعتزلة الذين أنكروا الشفاعة الثالثة في إخراج عصاة الموحدين من النار وهي المشار إليها بقولنا

    وثالثا يشفع في أقوام ... ماتوا على دين الهدى الإسلام
    وأوبقتهم كثرة الآثام ... فأدخلوا النار بذا الإجرام
    أن يخرجوا منها إلى الجنان ... بفضل رب العرش ذي الإحسان
    فهذه الشفاعة حق يؤمن بها أهل السنة والجماعة كما آمن بها الصحابة رضوان الله تعالى عليهم ودرج على الإيمان بذلك التابعون لهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأنكرها في آخر عصر الصحابة الخوارج وأنكرها في عصر التابعين المعتزلة وقالوا بخلود من دخل النار من عصاة الموحدين الذين يشهدون أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ويشهدون أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويصومون رمضان ويحجون البيت الحرام ويسألون الله الجنة ويستعيذون به من النار في كل صلاة ودعاء غير أنهم ماتوا مصرين على معصية عملية عالمين بتحريمها معتقدين مؤمنين بما جاء فيه الوعيد الشديد فقضوا بتخليدهم في جهنم مع فرعون وهامان وقارون فجحدوا قول الله عز وجل أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أن نجعل المتقين كالفجار ، وغيرها من الآيات.
    وعن عمرو بن دينار أسمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله يخرج قوما من النار بالشفاعة قال نعم ورواه البخاري.
    وهذه الشفاعة الثالثة قد فسر بها المقام المحمود أيضا ، فيكون المقام المحمود عاما لجميع الشفاعات التي أوتيها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لكن جمهور المفسرين فسروه بالشفاعتين الأوليين لاختصاصه صلى الله عليه وسلم بهما دون غيره من عباد الله المكرمين ،وأما هذه الشفاعة الثالثة فيؤتاها كثير من عباد الله المخلصين .

    وبعده يشفع كل مرسل ... وكل عبد ذي صلاح وولى
    ويخرج الله من النيران ... جميع من مات على الإيمان
    في نهر الحياة يطرحونا ... فحما فيحيون وينبتونا
    كأنما ينبت في هيآته ... عب حميل السيل في حافاته
    تقدم في حديث أبي هريرة المتفق عليه في طريق الرؤية قول النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا فرغ الله تعالى من فصل القضاء بين العباد وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا ممن أراد الله تعالى أن يرحمه ممن يشهد أن لا إله إلا الله فيعرفونهم في النار بأثر السجود تأكل النار من ابن أدم إلا أثر السجود حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود فيخرجون من النار قد امتحشوا فيصب عليهم ماء الحياة فينبتون تحته كما تنبت الحبة في حميل السيل ثم يفرغ الله تعالى من القضاء بين العباد ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار هو آخر أهل النار دخولا الجنة ..الحديث.

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    136

    افتراضي رد: تلخيص مختصر لكتاب (معارج القبول للشيخ: حافظ الحكمي رحمه الله)

    بارك الله فيك وجزاك خيرا

  10. #10

    افتراضي تلخيص مختصر لكتاب (معارج القبول للشيخ: حافظ الحكمي رحمه الله) (10)

    فصل في من هو أفضل الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الصحابة بمحاسنهم والكف عن مساويهم وما شجر بينهم رضي الله عنهم
    أهم ما في هذا الفصل خمس مسائل الأولى مسألة الخلافة والثانية فضل الصحابة وتفاضلهم بينهم والثالثة تولى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته سلام الله ورحمته وبركته عليهم ومحبة الجميع والذب عنهم الرابعة ذكرهم بمحاسنهم والكف عن مساويهم والخامسة السكوت عما شجر بينهم وأن الجميع مجتهد فمصيبهم له أجران أجر على اجتهاده وأجر على اصابته ومخطؤهم له أجر الاجتهاد وخطؤه مغفور

    خلافة الصديق رضي الله عنه
    ... وبعده الخليفة الشفيق ... نعم نقيب الأمة الصديق ...
    ذاك رفيق المصطفى في الغار ... شيخ المهاجرين والأنصار ...
    وهو الذي بنفسه تولى ... جهاد من عن الهدى تولى ...
    وبعده أي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الخليفة له في أمته الشفيق بهم وعليهم نعم فعل مدح نقيب فاعل نعم والنقيب عريف القوم و افضلهم الصديق هو المخصوص بالمدح وهو النقابة منه لجميع الأمة
    وهو أبو بكر عبدالله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن مرة التيمي أول الرجال إسلاما وأفضل الأمة على الإطلاق رضي الله عنه فلنسق الكلام أولا في خلافته ثم في مقاماته أيام خلافته رضي الله عنه
    فأما خلافته فقد تقدم الحديث في تقديم النبي صلى الله عليه وسلم إياه إماما في الصلاة مقامه أيام مرضه صلى الله عليه وسلم وهو في الصحيحين من طرق عن عائشة بألفاظ وعن جماعة.
    فقد روى البخاري ومسلم عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه رضي الله عنه قال أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن ترجع اليه قالت أرأيت إن جئت ولم أجدك كأنها تقول الموت قال صلى الله عليه وسلم إن لم تجديني فأتي أبا بكر
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بينما أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو فنزعت منها ما شاء الله ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع منها ذنوبا أو ذنوبين وفي نزعه ضعف والله يغفر له ضعفه ثم استحالت غريا فأخذها ابن الخطاب فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزع عمر حتى ضرب الناس بعطن

    وأما فضله فقال تبارك وتعالى ثاني اثنين إذ هما في الغار التوبة 40 وقال تبارك وتعالى والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون.
    و عن ابن عمر رضي الله عنهما قال كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحدا ثم عمر ثم عثمان ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا تفاضل بينهم.

    مواقفه العظيمة
    فلقد جمع الله به شمل العرب بعد شتاته وقمع به كل عدو للدين ودمر عليه وألف له الأمة وردهم اليه بعد أن ارتد أكثرهم عن دينه وانقلب الغالب منهم على أعقابهم كافرين
    قال الله تبارك وتعالى يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذله على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم المائدة 54 الآيات قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه والحسن البصري وقتادة هم أبو بكر وأصحابه الذين قاتلوا أهل الردة ومانعي الزكاة
    قال أنس بن مالك رضي الله عنه كرهت الصحابة رضي الله عنهم قتال مانعي الزكاة وقالوا أهل القبلة فتقلد أبو بكر رضي الله عنه سقفة وخرج وحده فلم يجدوا بدا من الخروج في أثره قال ابن مسعود رضي الله عنه سمعت أبا حصين يقول ما ولد بعد النبيين مولود أفضل من أبي بكر رضي الله عنه لقد قام مقام نبي من الأنبياء في قتال أهل الردة
    وتفاصيل موافقه العظام رضي الله عنه مشهورة مبسوطة في كتب السيرة وغيرها وكانت مدة خلافته سنتين وثلاثة أشهر وكانت وفاته رضي الله عنه سنة ثلاث عشرة ، وكان عمر الصديق رضي الله عنه يوم توفي ثلاثا وستين سنة .

    خلافة الفاروق رضي الله عنه
    ... ثانيه في الفضل بلا ارتياب ... الصادع الناطق بالصواب ...
    أعني به الشهم أبا حفص عمر ... من ظاهر الدين القويم ونصر ...
    الصارم المنكى على الكفار ... وموسع الفتوح في الأمصار ...
    ثانيه أي ثاني أبي بكر في الفضل على الناس بعده فلا أفضل منه وكذا هو ثانيه في الخلافة بالإجماع بلا ارتياب أي بلا شك الصادع بالحق المجاهر به الذي لا يخاف في الله لومة لائم ومنه قول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم فاصدع بما تؤمر الحجر 94 فكان عمر رضي الله عنه كذلك وبه سماه النبي صلى الله عليه وسلم فاروقا الناطق بالصواب والذي وافق الوحي في أشياء قبل نزوله كما سيأتي أعني به أي بهذا النعت الشهم الذكي المتوقد السيد المطاع الحكم القوي في أمر الله الشديد في دين الله أبا حفص عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب العدوى ثاني الخلفاء وإمام الحنفاء بعد أبي بكر رضي الله عنهما وأول من تسمى أمير المؤمنين الصارم السيف المسلول المنكى من النكاية على الكفار لشدته عليهم وإثخانه إياهم حتى إن كان شيطانه ليخافه أن يأمره بمعصية كما قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه وموسع من الاتساع الفتوح فتوح الإسلام
    في الأمصار فكمل فتوح بلاد الروم بعد اليرموك ثم بلاد فارس حتى مزق الله به ملكهم كل ممزق ثم أوغل في بلاد الترك كما هو مبسوط في كتب السير وغيرها
    تقدمت إشارات النصوص النبوية الى خلافته قريبا مع ذكر أبي بكر رضي الله عنه وكثير من فضائله أيضا التي شارك فيها أبا بكر ففي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال قال عمر رضي الله عنه وافقت الله في ثلاث أو وافقني الله في ثلاث قلت يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى فأنزل الله تعالى واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى البقرة 125 وقلت يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فأنزل الله آية الحجاب قال وبلغني معاتبة النبي صلى الله عليه وسلم بعض نسائه فدخلت عليهن قلت إن أنتهيتن أو ليبدلن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم خيرا منكن حتى أتيت إحدى نسائه قالت يا عمر ما في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعظ نساءه حتى تعظهن أنت فأنزل الله تعالى وعسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات التحريم

    وكانت مدة خلافة الفاروق رضي الله عنه عشر سنين وستة أشهر وكانت وفاته على المشهور لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين وله من العمر ثلاث وستون سنة .

    خلافة عثمان رضي الله عنه
    ... ثالثهم عثمان ذو النورين ... ذو الحلم والحيا بغير مين ...
    بحر العلوم جامع القرآن ... منه استحت ملائك الرحمن ...
    بايع عنه سيد الأكوان ... بكفه في بيعة الرضوان ...
    ثالثهم في الخلافة والفضل كما في حديث ابن عمر السابق عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف من السابقين الأولين الى الإسلام بدعوة الصديق إياه وزوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم رقية ابنته رضي الله عنها وهاجر الهجرتين وهي معه وتخلف عن بدر لمرضها وضرب له النبي صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره وبعد وفاتها زوجه النبي صلى الله عليه وسلم أم كلثوم بمثل صداق رقية على مثل صحبتها وبذلك تسمى ذو النورين لأنه تزوج ابنتي نبي واحدة بعد واحدة ولم يتفق ذلك لغير رضي الله عنه
    ذا الحلم التام الذي لم يدركه غيره والحياء الايماني الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم الحياء شعبة من الإيمان وقال أشدكم حياء عثمان بحر العلوم
    الفهم التام في كتاب الله تعالى حتى إن كان ليقوم به في ركعة واحدة فلا يركع إلا في خاتمتها إلا ما كان من سجود القرآن
    جامع القرآن لما خشي الاختلاف في القرآن والخصام فيه في أثناء خلافته رضي الله عنه .
    منه استحت ملائك الرحمن كما قال النبي عنه ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة.

    بايع عنه حين ذهب لمكة في حاجة الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين سيد الأكوان محمد رسول الله صلى الله عليه سلم بكفه ضرب بها على الأخرى وقال هذه لعثمان في بيعة الرضوان لما غاب عنها فيما ذكرنا وكان انحباسه بمكة هو سبب البيعة .
    وكان الأعتداء على حياته رضي الله عنه سنة خمس وثلاثين على الصحيح المشهور وكانت خلافته ثنتي عشرة سنة إلا أثني عشر يوما ، وأما عمره رضي الله عنه فإنه قد جاوز ثنتين وثمانين سنة والله أعلم.

    خلافة علي رضي الله عنه
    ... والرابع ابن عم خير الرسل ... أعني الإمام الحق ذا القدر العلي
    ... مبيد كل خارجي مارق ... وكل خب رافضي فاسق
    ... من كان للرسول في مكان ... هارون من موسى بلا نكران
    ... ولا في نبوة فقد قدمت ما ... يكفي لمن من سوء ظن سلما ...
    والرابع في الفضل والخلافة ابن عم محمد صلى الله عليه وسلم خير الرسل أكرمهم على الله عز وجل أعني بذلك الإمام الحق بالإجماع بلا مدافعة ولا ممانعة ذا صاحب القدر العلي الرفيع وهو أمير المؤمنين أبو السبطين علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم رضي الله عنه، أول من آمن من الصبيان وشهد مع الرسول صلى الله عليه سلم المشاهد كلها إلا تبوك على ما يأتي
    مبيد أي مدمر كل خارجي نسبة الى الخروج من الطاعة ولكن صار هذا الاسم علما على الحرورية الذين كفرواأهل القبلة والمعاصي وحكموا بتخليد هم في النار بذلك واستحلوا دماءهم وأموالهم .
    و مبيد كل خب رافضي فاسق الخب الخداع الخائن والرافضي نسبة الى الرفض وهو الترك بازدراء واستهانة ، وهم أقسام كثيرة لا كثرهم الله تعالى أعظمهم غلوا وأسوأهم قولا وأخبثهم اعتقادا بل وأخبث من اليهود والنصارى هم السبيئة أتباع عبد الله بن سبأ اليهودي قبحه الله كانوا يعتقدون في علي رضي الله عنه الإلهية
    ومنهم طائفة يعتقدون أن لا إله إلا على وهم النصيرية
    وأما الزيدية الذين يدعون أنهم أصحاب زيد بن علي وأتباعه فهؤلاء لا يشتمون الشيخين ولا عائشة ولا سائر العشرة ولكنهم يفضلون عليا رضي الله عنه

    من كان بمعنى صار للرسول أي منزلة هارون من موسى عليهما السلام في الاستخلاف فموسى استخلف هارون في مدة الميعاد ومحمد صلى الله عليه وسلم استخلف عليا في غزوة تبوك ففي الصحيحين عن ابراهيم بن سعد عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى
    والاستخلاف في أهله فقط لا في النبوة ولهذا قلنا في المتن لا في نبوة لمنزلة هارون من موسى فيها فلا تتوهم ذلك من اقتصاري على الرواية الأولى فقد قدمت في فصل النبوة ما يكفي في هذا الباب لمن من سوء ظن بأخيه المسلم سلما .
    وكان رضي الله عنه أيام خلافته على طريق الحق والأستقامة والتمسك بكتاب الله وهدى محمد صلى الله عليه وسلم مجتهدا في جمع شمل الأمة واطفاء الفتن والتذفيف على أهل البدع حتى اعتدى على حياته رضي الله عنه الشقي ابن ملجم الخارجي قبحة الله وقد فعل ذلك وهو يقول الصلاة الصلاة سنة أربعين عن ثلاث وستين سنة فكانت مدة خلافته كلها أربع سنين وتسعة أشهر إلا ليال.

    مناقب الستة يقية العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم
    ... فالستة المكملون العشرة ... وسائر الصحب الكرام البرره ...
    فيليهم في الفضل الستة المكملون عدد العشرة المشهود لهم بالجنة كما في السنن عن عبد الرحمن بن الأخنس أنه كان في المسجد فذكر رجل عليا عليه السلام فقام سعيد بن زيد فقال أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أني سمعته وهو يقول عشرة في الجنة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة وأبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطلحة في الجنة والزبير بن العوام في الجنة وسعد بن مالك في الجنة وعبد الرحمن بن عوف في الجنة ولو شئت لسميت العاشر قال فقالوا من هو فسكت قال فقالوا من هو فقال هو سعيد بن زيد رضي الله عنهم.

    وسائر الصحب بقيتهم الكرام البررة الذين هم خير القرون من هذه الأمة اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه ونصرة دينه
    ثم هم على مراتبهم أفضلهم السابقون الأولون من المهاجرين ثم من الأنصار ثم أهل بدر ثم أهل أحد ثم أهل الثبات في غزوة الأحزاب التي نجم فيها النفاق ثم بيعة الرضوان ثم من هاجر من قبل الفتح وقاتل أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى

    أمهات المؤمنين وبقية أهل بيته صلى الله عليه وسلم
    ... وأهل بيت المصطفى الأطهار ... وتابعيه السادة الأخيار ...
    فكلهم في محكم القرآن ... أثنى عليهم خالق الأكوان ...
    في الفتح والحديد والقتال ... وغيرها بأكمل الخصال ...
    كذاك في التوراة والإنجيل ... صفاتهم معلومة التفصيل ...
    وذكرهم في سنة المختار ... قد سار سير الشمس في الأقطار ...
    وأهل بيت الرسول محمد صلى الله عليه وسلم المصطفى تقدم معناه المختار اسم مفعول من الاختيار بمعنى التفضيل وهن زوجاته اللاتي هن أمهات المؤمنين كما قال الله تعالى فيهن وأزواجه ،وقال الله تعالى فيهن إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة.
    ويدخل أهل بيته في هذه الآية من باب أولى بل بنص الحديث الخمسة الذين جللهم النبي صلى الله عليه وسلم بكسائه كما في صحيح مسلم ،
    ويدخل في أهل بيته آله الذين حرمت عليهم الصدقة بنو هاشم وبنو المطلب كما في الصحيح .


    الكلام على التابعين رضي الله عنهم
    وتابعيه تابعو الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه السادة من ساد يسود الأخيار على مراتبهم كما قال الله تعالى فيهم على الترتيب والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوان عنه

    ... فكلهم في محكم القرآن ... أثنى عليهم خالق الأكوان ...
    في مواضع من كتابه كالفتح أي سورة الفتح من أولها الى آخرها و سورة الحديد وسورة محمد وغيرها.

    كذلك في التوراة الكتاب المنزل على عليه السلام و الأنجيل الكتاب المنزل على عيسى عليه السلام موسى صفاتهم التي جعلهم الله عليها معلومة التفصيل كما أخبر الله تعالى عن ذلك بقوله عز وجل محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة الفتح 29 هنا تم الكلام ثم قال تعالى ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما
    وذكرهم بالمناقب الجمة والفضائل الكثيرة في سنة المختار محمد صلى الله عليه وسلم عموما وخصوصا من الأحاديث الصحاح والحسان قد سار انتشر وأعلن سير الشمس في الأقطار تمثيلا لشهرة فضائلهم ووضوحها لا تحصيها الأسفار الكبار

    إجماع أهل السنة على وجوب السكوت عما كان بين الصحابة رضي الله عنهم
    ... ثم السكوت واجب عما جرى ... بينهم من فعل ما قد قدرا
    فكلهم مجتهد مثاب ... وخطؤهم يغفره الوهاب ...
    أجمع أهل السنة والجماعة الذين هم أهل الحل والعقد الذين يعتد بإجماعهم على وجوب السكوت عن الخوض في الفتن التي جرت بين الصحابة رضي الله عنهم بعد قتل عثمان رضي الله عنه والاسترجاع على تلك المصائب اليت أصيبت بها هذه الأمة والاستغفار للقتلى من الطرفين والترحم عليهم وحفظ فضائل الصحابة والاعتراف لهم بسوابقهم ونشر مناقبهم عملا بقول الله عز وجل والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان الحشر 10 الآية واعتقاد أن الكل منهم مجتهد إن أصاب فله أجران أجر على اجتهاده وأجر على إصابته وإن أخطأ فله أجر الاجتهاد والخطأ مغفور ولا نقول إنهم معصومون بل مجتهدون إما مصيبون وإما مخطئون لم يتعمدوا الخطأ في ذلك وما روى من الأحاديث في مساويهم الكثير منه مكذوب ومنه ما قد زيد فيه أو نقص مه وغير عن وجهه والصحيح منه هم فيه معذورون

    واعلم أن سبب تلك الحروب أن القضايا كانت مشتبهة فلشدة اشتباهها اختلف اجتهادهم وصاروا ثلاثة أقسام
    قسم ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في هذا الطرف وأن مخالفه باغ فوجب عليهم نصرته وقتال الباغي عليه فيما اعتقدوه ففعلوا ذلك ولم يكن يحل لمن هذه صفته التأخر عن مساعدة إمام العدل في قتال البغاة في اعتقاده
    وقسم عكس هؤلاء ظهر لهم بالإجتهاد أن الحق في الطرف الآخر فوجب عليهم مساعدته وقتال الباغي عليه
    وقسم ثالث اشتبهت عليهم القضية وتحيروا فيها ولم يظهر لهم ترجيح أحد الطرفين فاعتزلوا الفريقين فكان هذا الاعتزال هو الواجب في حقهم لأنه لا يحل الإقدام على قتال مسلم حتى يظهر أنه مستحق لذلك ولو ظهر لهؤلاء رجحان أحد الطرفين وأن الحق معه لما جاز لهم التأخر عن نصرته في قتال البغاة عليه فكلهم معذورون رضي الله عنهم.

    خاتمة في وجوب التمسك بالكتاب والسنة والرجوع عند الاختلاف اليهما فما خالفهما فهو رد
    ... شرط قبول السعي أن يجتمعا ... فيه إصابة وإخلاص معا
    ... لله رب العرش لا سواه ... موافق الشرع الذي ارتضاه ...
    شرط في قبول الله تعالى السعي أي العمل من العبد وخبر المبتدأ أن يجتمعا الألف للاطلاق فيه أي في السعي شيئان أحدهما إصابة ضد الخطأ والثاني اخلاص ضد الشرك معا أي لم يفترقا وتفسيره في البيت الذي بعده فتفسير الاخلاص كون العمل لله رب العرش خالصا لا شرك فيه ل سواه وهذا هو معنى لا إله إلا الله وتفسير الإصابة كونه موافق الشرع الثابت عن الله الذي ارتضاه الله تعالى لعباده دينا وأرسل به رسله اليهم وأنزل به كتبه عليهم ولم يقبل من أحد دينا سواه ولا أحسن دينا ممن التزمه وقد سفه نفسه من رغب عنه وقد جمع بين هذين الشرطين في قوله تعالى فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا الكهف 110 وقد تقدم الكلام على الإخلاص مستوفى في بابه
    وأما مسألة التمسك بالكتاب والسنة فنذكر فيه فصولا:
    الفصل الأول في ذكر وجوب طاعة الله ورسوله قال الله تعالى واتقوا النار التي أعدت للكافرين وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون وفي الحديث كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قالوا يا رسول الله ومن يأبى قال من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى.
    الفصل الثاني في تحريم القول على الله بلا علم وتحريم الافتاء في دين الله بما يخالف النصوص قال تعالى قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهو منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون
    وحديث سهل بن حنيف قال: يا أيها الناس اتهموا رأيكم على دينكم, لقد رأيتني يوم أبي جندل لو أستطيع أن أرد أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لرددته. الخبر.
    "الفصل الثالث" في عظم إثم من أحدث في الدين ما ليس منه:
    قال تبارك وتعالى: {ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون} [النحل: 25] وفي الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي, صلى الله عليه وسلم: "ليس من نفس تقتل ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها، لأنه أول من سن القتل" 2.

    "الفصل الرابع والخامس" ما في هذه الأبيات:
    وكل ما خالف الوحيين ... فإنه رد بغير مين
    وكل ما فيه الخلاف نصبا ... فرده إليهما قد وجبا
    فالدين إنما أتى بالنقل ... ليس بالأوهام وحدس العقل
    "وكل ما" أي أمر كان "خالف الوحيين" نصوص الكتاب والسنة؛ "فإنه" أي: ذلك الأمر المخالف "رد" أي: مردود على مبتدعه من كان "بغير مين" بدون شك، قال تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله}.

    "البدع":
    ثم اعلم أن البدع كلها مردودة ليس منها شيء مقبولا، وكلها قبيحة ليس فيها حسن، وكلها ضلال ليس فيها هدى، وكلها أوزار ليس فيها أجر، وكلها باطل ليس فيها حق.
    ومعنى البدعة هو شرع ما لم يأذن الله به ولم يكن عليه أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا أصحابه، ولهذا فسر النبي -صلى الله عليه وسلم- البدعة بقوله: "كل عمل ليس عليه أمرنا" .
    ووصف الطائفة الناجية من الثلاث والسبعين فرقة بقوله: "هم الجماعة", وفي رواية "هم من كان مثل ما أنا عليه وأصحابي".
    ثم البدع بحسب إخلالها بالدين قسمان:
    مكفرة لمنتحلها.
    وغير مكفرة.
    فضابط البدعة المكفرة: من أنكر أمرا مجمعا عليه متواترا من الشرع معلوما من الدين بالضرورة من جحود مفروض أو فرض ما لم يفرض أو إحلال محرم أو تحريم حلال أو اعتقاد ما ينزه الله ورسوله وكتابه عنه من نفي أو إثبات؛ لأن ذلك تكذيب بالكتاب وبما أرسل الله به رسله صلى الله عليهم وسلم كبدعة الجهمية في إنكار صفات الله عز وجل والقول بخلق القرآن،
    ولكن هؤلاء منهم من علم أن عين قصده هدم قواعد الدين وتشكيك أهله فيه فهذا مقطوع بكفره بل هو أجنبي عن الدين من أعدى عدو له. وآخرون مغرورون ملبس عليهم، فهؤلاء إنما يحكم بكفرهم بعد إقامة الحجة عليهم وإلزامهم بها.
    والقسم الثاني البدع التي ليست بمكفرة: وهي ما لم يلزم منه تكذيب بالكتاب ولا بشيء مما أرسل الله به رسله كبدع المروانية التي أنكرها عليهم فضلاء الصحابة ولم يقروهم عليها ولم يكفروهم بشيء منها ولم ينزعوا يدا من بيعتهم لأجلها كتأخيرهم بعض الصلوات إلى أواخر أوقاتها
    فصل:
    ثم تنقسم البدع بحسب ما تقع فيه إلى:
    بدعة في العبادات.
    وبدعة في المعاملات.
    فالبدع في العبادات قسمان أيضا:
    الأول: التعبد بما لم يأذن الله تعالى أن يعبد به البتة، كتعبد جهلة الصوفية بآلات اللهو والرقص .
    والثاني: التعبد بما أصله مشروع ولكن وضع في غير موضعه، ككشف الرأس مثلا هو في الإحرام عبادة مشروعة، فإذا فعله غير المحرم في الصوم أو في الصلاة أو غيرها بنية التعبد كان بدعة محرمة.
    ثم البدعة الواقعة في العبادة قد تكون مبطلة للعبادة التي تقع فيها لمن صلى الرباعية خمسا، أو الثلاثية أربعا، أو الثنائية ثلاثا، وما شابه ذلك.
    وقد تكون معصية ولا تبطل العمل الذي تقع فيه كالوضوء أربعا أربعا؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في الوضوء المشروع: "فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم" ولم يقل: فقد بطل وضوؤه، وكذا قراءة القرآن راكعا أو ساجدا منهي عنه شرعا ولا يبطل الصلاة.
    والبدعة في المعاملات: كاشتراط ما ليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-

    كل ما وقع فيه الخلاف يحتكم فيه إلى الكتاب والسنة:
    "وكل ما فيه الخلاف" بين الصحابة فمن بعدهم "نصب" من فروع العبادات والمعاملات "فرده" أي: المختلف فيه من ذلك "إليهما" أي: إلى الكتاب والسنة "قد وجب" على المعتبر، قال الله تبارك وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} [النساء: 59] والرد إلى الله تعالى هو الرد إلى كتابه وإلى الرسول إلى سنته بعد انقطاع الوحي، فما وافقهما قبل وما خالفهما رد على قائله كائنا من كان "فالدين" الإسلام وشرائعه "إنما أتى" حصل بيانه "بالنقل" عن الله ورسوله "ليس" هو "بالأوهام" من آحاد الأمة "وحدس" تخمين "العقل"، قال الله تعالى لرسوله -صلى الله عليه وسلم- وهو أرجح الخلائق عقلا وأولاهم بكل صواب: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله} [النساء: 105] الآيات، ولم يقل بما رأيت.

    الخاتمة:
    ثم إلى هنا قد انتهيت ... وتم ما بجمعه عنيت
    سميته بسلم الوصول ... إلى سما مباحث الأصول
    والحمد لله على انتهائي ... كما حمدت الله في ابتدائي
    أسأله مغفرة الذنوب ... جميعها والستر للعيوب
    ثم الصلاة والسلام أبدا ... تغشى الرسول المصطفى محمدا
    ثم جميع صحبه والآل ... السادة الأئمة الأبدال
    تدوم سرمدا بلا نفاد ... ما جرت الأقلام بالمداد
    ثم الدعا وصية القراء ... جميعهم من غير ما استثناء
    أبياتها يسر بعد الجمل ... تأريخها الغفران فافهم وادع لي
    "ثم إلى هنا" الإشارة إلى آخر الكلام على الاعتصام بالكتاب والسنة. وناسب جعل ذلك هو الخاتمة بكون الآية التي فيها الإشارة إلى ذلك هي من آخر ما نزل وهي قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم}. "قد انتهيت" أي: اقتصرت على هذا القدر، وفيه إن شاء الله تعالى كفاية "وتم" أي: قضى "ما" أي: الذي "بجمعه" في نظمي "عنيت" اهتممت له. "سميته" حين تم "بسلم" أي: المرقاة التي يصعد فيها لأجل "الوصول إلى سما" بتثليث السين "مباحث" جمع مبحث وهو ما يحصل به فهم الحكم "الأصول" حمع أصل وهو ما يبنى عليه, والمراد بها عند الإطلاق أصول الدين، وهو ما يجب اعتقاده فيه وهو المراد هنا.
    "والحمد لله على" جزيل النعمة التي منها أن قدر "انتهائي" أي: إتمامي هذا المتن المشتمل على معرفة الله تعالى ودينه ورسوله, صلى الله عليه وسلم "كما حمدت الله في ابتدائي" في نظمه كما تقدم.
    "أسأله" أي: أسأل الله "مغفرة" أي: مغفرته تعالى "الذنوب" ذنوبي وجميع المسلمين، والمغفرة ستر الذنب في الدنيا والآخرة والعفو عنه وعدم المؤاخذة به "جميعها" من صغائر وكبائر، والاستغفار من أعلى أنواع الذكر "والستر" منه تعالى "للعيوب" مني ومن جميع المسلمين. "ثم" عطف على الحمد والاستغفار "الصلاة والسلام" تقدم معناهما "تغشى الرسول المصطفى محمدا" تغمره من ربه عز وجل "ثم" تغشى "جميع صحبه والآل" تقدم تعريفهما "السادة" جمع سيد وهو النقيب المقدم "الأئمة" المقتدى بهم في الدين "الأبدال" أو الأولياء لله تعالى "تدوم" متواصلة متواترة "سرمدا" تأكيدا للدوام يفسره "بلا نفاد" فناء وانقطاع "ما جرت الأقالم بالمداد" أي: عدد ما جرت به. "ثم الدعا" لجامع هذا العقد متنا وشرحا "وصية" منه يلتمسه من "القراء" أن يدعو له بخيري الدنيا والآخرة "جميعهم" شاهدهم وغائبهم معاصريه ومن يأتي بعد عصره "من غير ما" صلة أي: من غير "استثناء" إخراج أحد منهم من هذه الوصية. "أبياتها" أي: عدتها رمز حروف "يسر" وذلك مائتان وسبعون "بعد الجمل" الحروف الأبجدية المعروفة عند عامة العرب، وبما زدت فيها أقول: "أبياتها المقصود" أي: الذي فيه الأحكام والمسائل "يسر فاعقل" عني. "تأريخها" الذي ألفت فيه رمزه حروف "الغفران" وذلك ألف وثلاثمائة واثنان وستون، أي: عامئذ. نسأل الله الغفران "فافهم" ما في ذا المعتقد "وادع لي" بصالح الدعوات في أوقات الإجابة كما أوصيتك، فإن ذلك من أعظم الصدقات {إن الله يجزي المتصدقين} [يوسف: 88].

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Feb 2012
    المشاركات
    6

    افتراضي رد: تلخيص مختصر لكتاب (معارج القبول للشيخ: حافظ الحكمي رحمه الله) (10)

    بارك الله بكم

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    الدولة
    مصر المنصورة
    المشاركات
    5,230

    افتراضي رد: تلخيص مختصر لكتاب (معارج القبول للشيخ: حافظ الحكمي رحمه الله)

    جزاك الله خيرا أخي على هذا الجهدالمشكور
    والذي أحسبك بذلت فيه جهدا جهيدا
    وسؤالى :يرحمك الله : من الذي إختصره
    واعذرني في سؤالى، فقد أراد أحدهم أن ينقل عنه باختصار فحرف وأفسد فسادا عريضا .
    فاعذرني لسؤالى فوالله ما أردت إلا الخير
    لأن الكتاب بحق ، يحتاج عناية وتركيز في قراءته ،فما بالك يرحمك الله باختصاره
    ونحن بشر قد يخل الإختصار فيسبب أمورا الله أعلم بها .

    فإني أحفظ منه الكثير وسأتمه إن شاء الله وأحتاج بشدة لتلخيصه كبداية في دراسته
    وجزاك الله خيرا

  13. #13

    افتراضي رد: تلخيص مختصر لكتاب (معارج القبول للشيخ: حافظ الحكمي رحمه الله)

    ما شاء الله لا قوة إلا بالله
    جزاكم الله خيرا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •