بشرى من الله للمؤمنين بالنصر وظهور الدين
تبشير المؤمنين بما وعد الله عباده من النصر والتمكين وظهور الدين من أهم واجبات مرحلة الاستضعاف التي يقدرها الله بحكمته وعلمه لمصلحة المؤمنين
إن لنا دورًا كبيرًا ومهمًّا وخطيرًا في أن نتعلم هذا الدين وأن نعمل به وندعو إليه مهما كانت التضحيات ومهما كانت العقبات
الفساد الحقيقي هو تضييع الفرائض وفعل المحرمات وأعظم الفساد: تضييع التوحيد وفعل الشرك والدعوة إليه
إن قضية الدعوة إلى الله -سبحانه وتعالى- هي قضية حياة هذه الأمة، وأفضليتها على سائر الأمم مرتبطة بوجود هذه المسألة فيها، قال الله -عزوجل-: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (آل عمران:110)، وقال -عزوجل-: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (آل عمران:105)، فعلق الله -عزوجل- الفلاح على القيام بهذه الفريضة، وأوجبها -سبحانه وتعالى- على المسلمين، ولابد أن توجد منهم أمة تدعو إلى الخير حتى يوجد المعروف الواجب ويزول المنكر المحرم، وإن لم يفعلوا أثم كل قادر بحسب قدرته.
وجعل الله -عزوجل- الدعوة إلى الله والنهي عن الفساد في الأرض سببًا للنجاة، وليس سببًا للهلاك -كما يظن كثيرٌ من الناس في زماننا من أن الدعوة إلى الله تجلب الضياع-، قال الله -عزوجل-: {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلا قَلِيلا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ} (هود:116)، أي: هلا كان من الأمم من قبلكم أولو بقية استمروا على ما كان عليه الأنبياء، وبقوا على الحق الذي بُعث به الأنبياء، فينهون عن الفساد في الأرض، وهو الشرك بالله والمعاصي، وترك الواجبات التي أوجبها الله -عزوجل. حقيقة الفساد
فالفساد هو تضييع الفرائض، والفساد هو فعل المحرمات، وأعظم الفساد: تضييع التوحيد، وفعل الشرك والدعوة إليه، قال -عزوجل-: {إِلَّا قَلِيلًا} أي: لم يكن ذلك إلا قليلًا، {مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ}: فالله -عز وجل- جعل النجاة لمن نهى عن الفساد في الأرض، وهذا مما يجعلنا نوقن أن قضية الدعوة إلى الله بالنسبة لنا قضية حياة أو موت. محنة عظيمة شديدة
إن الأمة الإسلامية تتعرض في هذه الأوقات إلى محنة عظيمة شديدة، وأعداؤها انتبهوا إلى أن مصدر قوتها وعزتها في الالتزام بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأنهم لا طاقة لهم بمواجهة من يؤمنون بالله واليوم الآخر؛ فلابد لهم أن يجتثوا هذا الأمر من أصله، ولابد أن يغيروا الدين في نفوس الناس، وهم مقبلون على مرحلة خطيرة، ونحن أيضًا مقبلون معهم على مرحلة خطيرة. إن لم يكن هناك التزام صادق بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وإن لم توجد دعوة صادقة مستمرة مهما كانت العقبات، ومهما كانت الظروف والتضحيات، ومهما كانت عواقب الأمور -فيما يبدو للناس- إن لم توجد هذه الأمور كلها فلا شك أن الخطر عظيم جسيم. لا بقاء للأمة إلا بالالتزام بالدين
إن أهل النفاق، وضعاف الإيمان، والذين في قلوبهم مرض يظنون أن المشكلة تـُحل ببعض الموافقة، وتقديم القرابين لأعداء الله -سبحانه وتعالى-، ولو بأذية المسلمين والتضييق عليهم وإنزال أنواع العقوبات بهم، يظنون أن الأمر تتحقق به بعض المصالح الدنيوية العاجلة، والحقيقة الأكيدة أن هذه الأمة لا بقاء لها ولا تتحقق لها مصلحة إلا بالتزام دينه -عزوجل- وأن يكون الالتزام هو الصفة الأساسية لعامة المسلمين. موافقة الأعداء لا تحل المشكلات
لا تحصُل المصالح ولا تحصل الخيرات، ولا تحل المشكلات بأنواعها المختلفة بموافقة أعداء الله -سبحانه وتعالى-، أو بالتقرب إليهم، أو بالعمل على إرضائهم على حساب الدين، ونشر مبادئ الضلال التي يريدونها؛ إذ يئسوا من أن يزيلوا اسم الإسلام، ويئسوا من أن يترك الناس هذا الدين، {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ} (المائدة:3)، لكنهم لم ييأسوا من تغيير حقيقة الدين في نفوس الكثيرين، وذلك بأن يعتقد الناس الباطل على أنه الحق، وأن يعتقدوا الحق باطلًا، فتنشأ أجيال لا تدري حقيقة الإسلام، ولا أصوله الكبرى، ولا قواعده العظمى. لنا دور كبير
لذا نقول: إن لنا دورًا كبيرًا، ومهمًّا وخطيرًا في أن نتعلم هذا الدين، وأن نعمل به وندعو إليه مهما كانت التضحيات ومهما كانت العقبات، ونحن نقتدي في ذلك بمن جعل الله -عز وجل- لنا من السابقين أسوة صالحة وقدوة حسنة في الدعوة إليه، والصبر على ما يصيب الداعي في سبيل الله -عز وجل. لابد أن تـُعِدَّ للطريق عدته
فلا تظن -أخي- أنك إذا سرت على طريق الهدى والالتزام سوف تـُستقبل استقبال الفاتحين، أو تـُفتح لك أبواب المكافآت والخيرات، بل قد يتم التضييق عليك ويحاولون إبعادك عن هذا الطريق بكل وسيلة، فلابد إذًا من أن تـُعِدَّ للطريق عدته، وأعظم العـُدة بعد الإيمان صحبة أهل الخير والصلاح، وإن لم تجد فيمن حولك منهم، فيكفيك أن تصحب أرواحَ من سبق وسيرتهم الصالحة، أن تصحبهم في سيرتهم الطيبة، وثباتهم وصبرهم على الحق، وتضحيتهم في سبيل الله -عز وجل. تدبر كتاب ربنا وسنة نبينا - صلى الله عليه وسلم
وهذا الأمر يقتضي منا أن نتدبر كتاب ربنا وسنة نبينا - صلى الله عليه وسلم -، وسيرة الصالحين من قبلنا؛ لأن صحبتهم على صفحات هذا الكتاب المبارك، وفي أنوار هذه الأخبار الموثقة تجعلك باحثًا عن الحق ثابتا عليه -بإذن الله-، وتجد صحبة صالحة على طاعة الله -سبحانه وتعالى- من الدعاة إلى الله -عزوجل، فيكون ذلك من أعظم أسباب الثبات على الدين، ومن أعظم أسباب البذل والتضحية في سبيل الله -عزوجل. من أهم واجبات مرحلة الاستضعاف
لك البشرى... فقد قال -تعالى-: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآَ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (يونس:87)، فتبشير المؤمنين بما وعد الله عباده من النصر والتمكين وظهور الدين، وزوال الباطل وزهوقه من أهم واجبات مرحلة الاستضعاف التي يقدرها الله بحكمته وعلمه لمصلحة المؤمنين؛ وليستخرج أنواع عبوديته من قلوبهم وأبدانهم، فيزدادون إيمانًا وتسليمًا، {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} (الأحزاب:22). ليزداد المؤمنون إيمانًا ويقينًا
وقد ذكر الله في كتابه هذه المبشرات؛ ليزداد المؤمنون إيمانًا ويقينًا بنهاية الصراع الجاري بين الحق والباطل لصالح أهل الحق، فقال -سبحانه وتعالى-: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (التوبة:33)، وقال -تعالى-: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} (الصافات:171-173)، وقال -سبحانه وتعالى-: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء:105-107)، فكانت هذه «البشرى» تزف إلى السائرين على طريق الحق هذه البشارات، نسأل الله لها القبول، وأن ينفع بها في الدنيا والآخرة.
اعداد: د. ياسر حسين محمود