بسم الله الرّحمن الرّحيم، الحمد لله ربّ العالمين، وبه أستعين، ولا عدوان إلاّ على الظّالمين، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم، وصلّى الله وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله الطّاهرين وصحبه المجاهدين من الأنصار والمهاجرين، السّلام على سيّدات نساء العالمين: السّلام على البتول مريم العذراء، السّلام على خديجة الكبرى، السّلام على فاطمة الزّهراء، السّلام على عائشة أمّ المؤمنين، السّلام على زوجات النّبيّ أجمعين، السّلام على عليّ أمير المؤمنين، السّلام على ريحانتيّ الجنّة وسيّدا شباب أهلها الحسن والحسين، روحي لكم الفداء سادتي، السّلام على محمّد بن الحسن وعليّ بن الحسين، وعلى أولاد الحسن وأولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسن وأصحاب الحسين، السّلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين، وبعد فقد روى أبو الحسن بن المظفّر في فوائده من حَديث أَبي مُحَمَّدٍ عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّدِ بْنِ نَاجِيَةَ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ : حَدَّثَنا صَالِحٌ الْمُرِيُّ عَنِ الْجَرِيرِيِّ عَنِ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: (إذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ خِيَارَكُمْ وَأَغْنِيَاؤُكُ مْ سُمَحَاءَكُمْ، وَكَانَتْ أُمُورُكُمْ شُورَى بَيْنَكُمْ فَظَهْرُ الأَرْضِ خَيْرٌ مِنْ بَطْنِهَا، وَإِذَا كَانَتْ أُمَرَاؤُكُمْ شِرَارَكُمْ وَأَغْنِيَاؤُكُ مْ بُخَلاءَكُمْ وَأُمُورُكُمْ إِلَى نِسَائِكُمْ فَبَطْنُ الأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ ظَهْرِهَا) وروى عبد الله بن مسعود عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أنّه قَالَ: (لا تقوم السّاعة إلا على شرار النّاس، من لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا، يتهارجون كما تتهارج الحمر) قوله: يتهارجون بمعنى يتسافدون، والهرج يفيد أيضا الاختلاط والقتل وأيّما المعنيين قصدت فهو صحيح، ومن حَديث مسلم عن أنس قال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تقوم السّاعة وعلى الأرض من يقول: الله)، وأخرج الألبانيّ في السّلسلة الصّحيحة وأبو داود في السّنن، والحاكم في المستدرك، وأحمد في المسند واللّفظ له من حديث هلال بن خباب أبي العلاء عن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم أنّه قال: (إذا رأيت النّاس قد مرجت عهودهم، و خفّت أماناتهم، وكانوا هكذا: و شبّك بين أصابعه فالزم بيتك واملك عليك لسانك، وخذ ما تعرف ودع ما تنكر، وعليك بخاصة نفسك، و دع عنك أمر العامّة)، كما روى مُصْعَبُ بْنُ صَدَقَةَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ حَديثا عن الفتن وأشراط السّاعة يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يصف أحوال آخر الزّمان بالقول: (لا يَزْدَادُ السُّلْطَانُ إِلا صُعُوبَةً، وَلا يَزْدَادُ النَّاسُ إِلا فَسَادًا، وَلا يَزْدَادُ الْمَالُ إِلا إِفَاضَةً، وَلا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلا عَلَى شِرَارِ الخَلْقِ)، وفي نفس المعنى يروي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، حديثا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يقول: (قَوْمٌ يَخْضِبُونَ بِالسَّوَادِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ كَحَوَاصِلِ الْحَمَامِ لا يَرِيحُونَ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ)، لقد سجّل العلاّمة ابن القيّم ملاحظة رصينة أكّدا من خلالها على الاعتصام بنهج الرّعيل الأوّل مشيرا رحمه الله إلى أنّه: (إذا عدَل النّـاسُ عَنْ كتابِ ربّهم وسنّةِ نبيّهم إلى الآراءِ وأقوالِ الشيُوخِ، عَرَضَ لهُم مِنْ ذلكَ فسَادٌ في فِطـَرِهِم ، وظـُلـْمَةٌ في قلوبهم، وَكَدَرٌ في أفهامهم، ودالت دولتهم وقامتْ فيهم البدعة مقامَ السّنّة، والهوى مقامَ الرُشْدِ، والمنكرُ مقامَ المعروفِ، والرياءُ مقامَ الإخلاصِ، والباطلُ مَقامَ الحقِّ، والكذبُ مقامَ الصدق، والمُداهَنَة مَقامَ النّصيحةِ، والظّلم مَقامَ العدلِ، فإذا رأيتَ دولة هذا حال أهلهاِ، فـَبَطـْنُ الأرض والله خَيرٌ مِن ظَهرِها)