كنت قد كتبتُ مشاركةً في أحد المواضيع هنا، فأحببت أن أفردها لما فيها من فوائد تتعلق بالجزم، ولعل الله أن ينقع بها الإخوة الكرام.
تأتي أدوات الجزم جازمةً قولاً واحدة عند النحاة - وهي لا الناهية، ولم، ولام الأمر، ولما، وأدوات الشرط كذلك - على الجادة.
ولكن يُمكن أن يأتيَ الفعلُ المضارع مُعتل الآخر ولا يُحذف آخره، وذلك على لغة مَن يجري الفعل المضارع المعتل الآخر مُجرى الفعل الصحيح، فيجزم المضارع ويبني أمره بحذْف الحركة المقدرة على حرف العلة، كما يجزم ويبني جميعُ العرب بحذف الحركة الظاهرة في الفعل الصحيح الآخر، فيقولون في المضارع المعتل المجزوم: لَم يسعَى، ولَم يرمِي، ولَم يَدْنُو!
ويقولون في الأمر: اسعَى، وارمِي، وادنُو، وحرف العلة على ذلك هو لام الكلمة.
ويمكن تخريجها على وجه آخر، وهو الإشباع، ومنه قول الشاعر:
وتضْحَكُ مني شيخةٌ عبشميةٌ = كَأَنْ لَم ترَى قَبْلِي أَسِيرًا يمانيَا
ولو كان كذلك لقال: لَم تر! ولكنه على الإشباع.
ومنه حديث رسول الله الذي أخْرجه أحمد وابن خُزَيْمة وغيره، .... عن النبي: فيمن أردك من صلاة الصبح ركعة قبل أن تطلعَ الشمس، فطلعتِ الشمسُ فليصلِّي إليها أخرى.
فقوله: فليصلِّي يمكن توجيهها على الوجهين السابقين، وقد ثبت فيها حرفُ العلة مع الجازم.
ومنه قوله كذلك: ((مَن نسِي صلاة فلَمْ يذكرها.... فليصلِّي مع الإمام...)).
بإثبات الياء، فهي كالأولى.
ومنه قول عمر: لا إسلام لِمَنْ لَم يصلِّي.
فأثبت الياء مع الجازم.
كذلك هناك من ينصب المضارع بعد أداة الجزم (لَم)، حملاً على لن، على عكس المعروف والمشهور لدى الناس ومنه قراءة: ألَم نَشْرَحَ لك صدْرك، فتح الحاء بدلاً من تسْكينها.
وبعض العرب يُخرجها على المجاورة؛ مثل: لَم يحتاجَ، ففتحت الجيم لِمُجَاورة الألف، كقراءة: الحَمْدِ لِلَّهِ.
ومنهم مَنْ ضَمَّ بعد الجازم، كما أورد هذه اللغة ابنُ مالك في "الكافية الشافية"، و"شرح التسهيل"، على إهمال (لَم)، فيُرفع الفعل بعدها حملاً على (لا) أو (ما) النافيتَيْن.
ولمزيد فائدة يمكن مراجعة الإنصاف (1/23 - 30)، وأوضح المسالك (1 / 69 - 74)، وشرح الأشموني (1 / 118)، والتسهيل (4 / 66)، وشرح الكافية (1575).
وعلى هذا يجوز رفع المضارع وجزمه في جواب الطلب، ورفع المضارع الواقع جزاء لشرط جازم فعله ماض، وهو قوي، ويجوز جزمه على ضعفٍ.