النجوم البراقة
في نقد كتاب " نهج البلاغة "
الحمد لله الذي جعلنا من أهل السنة والجماعة، والصلاة والسلام على المبعوث بالسيف بين يدي الساعة، وعلى آله وصحبه أهل الكرم والشجاعة، وعلى من التزم لله وللرسول - صلى الله عليه وسلم - بالسمع والطاعة، أما بعد :
فإن المتناظر يأتي بأقوى ما لديه من الحجج ليفحم بها خصمه، أما إذا أتى بحجج أوهن من بيت العنكبوت سنداً ومتناً فهو صفر اليدين !
يا من يدعي في العلم دكترةً عرفت شيئاً وفاتتك أشياءُ !
إن من المعلوم أن الإنسان إن أراد أن يحتج على خصمه يأتي له بأدلة من المصادر التي يعتمدها الخصم، أما إن أتاه بمصادر خاصة به لنفسه فلن يُقنع الخصم ولو خاصمه ليوم القيامة !
والرافضي إن خاصم أهل السنة والجماعة في مسألة ؛ طاعنهم بما في كتاب " نهج البلاغة " المنسوب لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ! ظاناً أنه جاء بالدليل المسموع، ومتغافلاً أنه كتاب موضوع ! فله نقول ولكل الجموع : " اثبت العرش، ثم انقش " !
وهذه إطلالة سريعة على كلام أهل العلم في كتاب " نهج البلاغة " الذي هو عمدة الخصوم :
قال ابن خلكان في ترجمة الشريف المرتضى : وقد اختلف الناس في كتاب ( نهج البلاغة ) المجموع من كلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه هل جمعه ؟ أم جمع أخيه الرضي ؟ وقد قيل : أنه ليس من كلام علي، وإنما الذي جمعه ونسبه إليه هو الذي وضعه، والله أعلم . [ ابن خلكان : وفيات، 3/313 ط دار الثقافة – بيروت ]
بل جزم الإمام الذهبي رحمه الله بأنه موضوع مكذوب على علي رضي الله عنه فقال الذهبي في ميزان الاعتدال : مَن طالع نهج البلاغة جزم بأنه مكذوب على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، ففيه السب الصُراح، والحطّ على السيدين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وفيه التناقض والأشياء الركيكة والعبارات التي مَن له معرفة بنفَس القرشيين الصحابة وبنفَس غيرهم ممن بعدهم من المتأخرين جزم بأن أكثره باطل . [ الذهبي : ميزان الاعتدال 3/124 ]
وجاء في " شذرات الذهب و " مرآة الجنان " بهذا الشأن : وقد اختلف الناس في كتاب نهج البلاغة المجموع من كلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، هل جمعه الشريف المرتضى أم أخوه الرضي . وقد قيل : إنه من كلام علي، وإنما الذي جمعه ونسبه إليه هو الذي وضعه، والله أعلم . [ ابن عماد الحنبلي : شذرات الذهب 3/257 . اليافعي : مرآة الجنان 3/55 ] وكلمة " قيل " من صيغ التمريض والتضعيف كما هو معلوم عند صغار العلم، فضلاً عن كبارهم . [ أنظر منهج النقد في علوم الحديث ص 296، ومعجم المناهي اللفظية للشيخ بكر أبو زيد ص 286 ]
أما الإمام ابن حجر العسقلاني فيتهم الشريف المرتضى بوضعه، ويقول : ومن طالعه جزم بأنه مكذوب على أمير المؤمنين علي ... وأكثره باطل.[ ابن حجر العسقلاني : لسان الميزان 4/223 ]
وذهب النجاشي إلى أن مؤلف الكتاب هو الشريف الرضي (359هـ/970م-406هـ/1016م)، فقد ذكر في تفسيره أنه هو الذي ألفه ووسمه باسم " نهج البلاغة " . [ النجاشي: الرجال ص311 . الشريف الرضي : حقائق التنزيل ص167 ط. النجف ]
ولعل ما يعزز ذلك قول ابن شهراشوب وهو شيعي من أهل القرن السادس الهجري : الشريف الرضي الموسوي، وهو أبو الحسن محمد بن الحسين، له نهج البلاغة . [ انظر : شهراشوب السروي رشيد الدين أبي جعفر محمد بن علي ص44.وكتابه هذا تتمة لكتاب " الفهرست " للشيخ أبي جعفر الطوسي، وقد نشره عباس إقبال بطهران، مطبعة فرديني1353هـ ]
وقد ذكر كرد علي أن الرضي نفسه يصرح بأن روايات الكتاب تختلف اختلافاً شديداً، وأن ابن أبي الحديد الذي قام بشرحه يعترف بأن ما عُزي إلى أمير المؤمنين هو من كلام غيره من الحكماء . [ كرد علي : أمراء البيان 1/571 ]
ونخلص إلى أهم ما لاحظه العلماء على نهج البلاغة للتشكيك بصحة نسبته للإمام علي رضي الله عنه باختصار شديد :
1- خلوه من الأسانيد التوثيقية .
2- كثرة الخطب وطولها .
3- رصد العديد من الأقوال والخطب في مصادر وثيقة منسوبة لغير علي رضي الله عنه، وصاحب النهج يثبتها لعلي .
4- اشتمال هذا الكتاب على أقوال تتناول الخلفاء الراشدين قبله بما لا يليق به ولا بهم . أنظر على سبيل المثال خطبته المعروفة بـ " الشقشقية " .
5- الإنباء بالغيب، فقد تنبأ بأمر الحجاج بن يوسف الثقفي، وفتنة الزنج، وغارات التتار.
6- شيوع السجع فيه .
7- الكلام المنمق الذي تظهر فيه الصناعة الأدبية التي هي من وَشي العصر العباسي وزخرفه.
8- الصيغ الفلسفية والمقالات الكلامية، التي لم تعرف عند المسلمين إلا في القرن الثالث الهجري حين تُرجمت الكتب اليونانية والفارسية والهندية .
وكما نقد هذا الكتاب المتقدمين، فقد تناول نقد هذا الكتاب العديد من المتأخرين، منهم :
1- أحمد أمين في " فجر الإسلام " .
2- طه حسين في " الفتنة الكبرى " .
3- العقاد في " عبقرية الإمام " .
4- شوقي ضيف في " الفن ومذاهبه في الأدب العربي " .
5- محمد سيد كيلاني في " أثر التشيع في الأدب العربي " .
6- الدكتور نايف معروف في " الأدب الإسلامي " . وغيرهم الكثير ... ([1])
والله أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
وكتب : أبو همام بكر بن عبد العزيز الأثري
1429هـ
([1]) تنبيه : ذكر هؤلاء الناقدين ليس تزكية لهم .