قال أخي أحمد فتحي
بارك الله فيك أخى الكريم
ما حدث من الصحابة سواء فى هذه المسألة أو فى غيرها يسمى اتباع وليس اختلاف لذلك قال الفقهاء اذا صح الحديث فهو مذهبى ،
وقال أبو حنيفة : إذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلى العين والرأس ، وإذا جاء عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نختار من قولهم ، وإذا جاء عن التابعين زاحمناهم . . .
وقال الشافعي : كل ما قلت وكان عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف قولي مما يصح ، فحديث النبي صلى الله عليه وسلم أولى ، فلا تقلدوني
وقال أبو حنيفة : لا يحل لأحد أن يقول بقولنا حتى يعلم من أين قلناه . وقال : لا يحل لمن يفتي من كتبي أن يفتي حتى يعلم من أين قلت
وقال أحمد بن حنبل : لا تقلدني ولا تقلد مالكا ولا الثوري ولا الأوزاعي ، خذ من حيث أخذوا . وقال : من قلة فقه الرجل أن يقلد في دينه الرجال . وقال : لا تقلد دينك أحدا
وقال مالك بن أنس : إنما أنا بشر أخطئ وأصيب ، فانظروا في رأيي ، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به ، وما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه
لذلك نقضوا التقليد وتبرؤوا من جميع أقوالهم الا ما وافق النصوص
وتمعن فى قول أبى حنيفة جيدا
وفيكم بارك أخي الفاضل
قلتم إن ما حدث بين الصحابة من تباين في الرأي اسمه اتباع وليس اختلافا ( وهذا لعلمكم كلام جديد أظن لم يسبقكم إليه أحد )
نعم كل طائفة منهم اتبعت ما فهمت من أمره صلى الله عليه وسلم فنتج عندنا اختلاف يسمى اختلاف تنوع وهو ما يكون فيه لكل فريق حجة مقبولة يستساغ معها تنوع الآراء والأفهام .
والمجال هنا مجال كلام عن اختلافٍ في فهم النص الذي دل منطوقه على ألا يصلوا العصر إلا في بني قريظة ولو خرج الوقت
ودل مفهومه على طلب الشارع شدة الإسراع في المسير وليس إخراج الصلاة عن وقتها .
ومن هنا وقع الاختلاف ، فمن ترجح عنده الأول لم يصل العصر إلا في بني قريظة حقيقة ولو كان بعد مغيب الشمس، ومن ترجح عنده الثاني وهو الحث على الإسراع نزل فصلى الصلاة في وقتها ثم تابع السير .
والبيان النبوي في هذه الحالة كان الإقرار لكل فريق بما ذهب إليه لوجود ما يسوغه من نص الشارع
وفي هذا الإقرار النبوي إشارة بليغة بجواز مثل هذا الخلاف المبني على اتباع الدليل لا اتباع الهوى والرأي المجرد
والآثار التي تفضلتم بإيرادها آثار معروفة ومشهورة لكنها كلها في موضوع آخر في التقليد والاجتهاد والاتباع
ومع ذلك ففيها ما يشهد لوقوع الاختلاف ومنه اختلاف الأصحاب رضي الله عنهم
وقال أبو حنيفة : إذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلى العين والرأس ، وإذا جاء عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نختار من قولهم
فالاختيار من الأقوال لابد نابع من اختلاف في هذه الأقوال ، وهو ما تجتهد في نفيه
والقاعدة في قول الأصحاب : أن ما أجمعوا عليه فهو حجة بلا خلاف
وما اختلفوا فيه فليس قول بعضهم على بعض حجة ولمن له الترجيح بين الأقوال أن يتخير ما يترجح عنده
نعم الرد للنصوص يحسم الخلاف قال تعالى "فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا"
فما حكم به الكتاب والسنة وشهدا له بالصحة فهو الحق, وماذا بعد الحق إلا الضلال
أخي الكريم لا شك أن كلامكم هذا هو كلام من لم يطلع على خلاف الفقهاء في مواضع كثيرة أو أنه ينسى هذه المواضع والتي وقعت حول نص واحد يحمله البعض على عمومه ويرى آخرون تخصيصه أو يقول البعض بالإطلاق ويعارضهم آخرون بالتقييد
أو يكون سبب الاختلاف احتمال اللفظ أكثر من معنى
قوله تعالى ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ) فانظر خلافهم حول معنى القرء
وانظر خلافهم حول تقييد الرقبة في كفارتي اليمين والظهار بوصفها ( رقبة مؤمنة) لمجيئها في كفارة القتل الخطأ كذلك
هذا وغيره في كثير من المواضع يدخل في مسمى اختلاف التنوع الاختلاف السائغ الذي لا إنكار فيه على المخالف
فليس كما تقول الرد للنصوص يحسم النزاع هكذا ولكنه يضيق هوة الخلاف في مواضع كثيرة وربما حسمها في تلك المواضع التي تكون يقينية الدلالة فقط
وهذا الخلاف السائغ المتنوع هو سبب هذه الثروة الفقهية الهائلة التي لا يحظى بها أحد إلا المسلمون والتي هي أحد معالم التيسير ورفع الحرج في شريعتنا الربانية