البدعة الحسنة !
بعض الذين يحيون بدعة المولد، أو بدعة البناء على القبور وإسراجها، أو ما شابه ذلك من البدع التي تتشكل وتتلون بألوان الطيف، وحسب ما يطلبه الجمهور! عندما تسألهم: لماذا تقومون بهذه البدع التي لم يفعلها خير القرون؟ يقولون: نعم هي بدعة، ولكنها بدعة حسنة!
فهل يصح هذا الكلام؟ وهل يوجد في الإسلام بدعة حسنة؟ بداية، البدعة في اللغة: هي الشيء المخترع على غير مثال سابق، وفي الاصطلاح: طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية.
قال الله سبحانه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة: 3) فالدين كامل تام لا يحتمل الزيادة ولا النقصان، والقائل بالبدعة الحسنة، كأنما يقول بلسان حاله: الشريعة ناقصة وتحتاج إلى زيادة وتحسين!، بل لسان حاله يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم خان الرسالة، ولم يؤد الأمانة، ولم يبلغ الدين كاملا، وهذه البدعة من الخير الذي لم يبلغنا إياه! حاشاه صلى الله عليه وسلم وحاشا شريعته أن يتطرق إليها نقص، هذا من الكذب والافتراء على دين الله قال تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} (النحل:116) وقال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} (الشورى:21) فمن ابتدع شيئا يتقرب به إلى الله، ولم يجعله الله ورسوله قربة، فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله، واستدرك على أصحاب رسول الله بأنهم لم يعلموا ما علمه، أو أنهم لم يعملوا بما علموا، فلزمه استجهال السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار، أو تقصيرهم في العمل (الدرر السنية 8/106).
فالبدع كلها ضلال ليس فيها هدى، وأوزار ليس فيها أجر، وباطل ليس فيها حق، وقبيحة ليس فيها حسن، قال صلى الله عليه وسلم : «كل بدعة ضلالة» صححه الألباني، صحيح سنن أبي داود (3851-4607) وقال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: «كل بدعة ضلالة، وإن رآها الناس حسنا» (ذكره المروزي في السنة 83).
وبحسب الاستقراء، فقد أجمع السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم على ذم البدع وتقبيحها والهروب عنها وعمن اتسم بشيء منها، ولم يقع منهم في ذلك توقف ولا استثناء. ثم إنك لو فكرت قليلا لعلمت أنه من الباطل والإزراء القول بالبدعة الحسنة؛ فإن كان هناك من يستحسن زيادة شيء على ما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم ، فهناك من يستحسن نقصان شيء مما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا فرق بين الاثنين، وأي عاقل يجيز هذا؟ وأيضا من الذي يحدد لنا أن هذه البدعة حسنة وتلك سيئة –كما تزعم- ؟ أهو عقلك أم عقل فلان أم عقل فلان؟ فما تستحسنه، يعده الآخر سيئا، والعكس صحيح، والعقول تتفاوت، ولا يمكن أن يكلنا الله في الدين الذي شرعه وارتضاه لنا إلى هذا المضطرب المتقلب.
وأما ما يحتج به بعضهم من قول عمر رضي الله عنه عندما جمع الناس على صلاة التراويح: «نعم البدعة هذه» (أخرجه البخاري 1906) فإن المقصود بالبدعة هنا البدعة بالمعنى اللغوي لا الشرعي؛ فالبدعة في اللغة تعم كل ما فعل ابتداء على غير مثال سابق، وأما البدعة الشرعية فما لم يدل عليه دليل شرعي، وصلاة التراويح سنّة وليست بدعة، فقد صلاها النبي صلى الله عليه وسلم جماعة بأصحابه ليال عدة، وكان الناس يصلونها جماعات في المسجد على عهده وهو يقرهم، ولكنه لما خشي أن تفرض عليهم توقف، وهذه هي العلة المانعة من ذلك، فلما توفي صلى الله عليه وسلم انتفت العلة المانعة وهي كراهة أن تفرض عليهم، فصار اجتماعهم على قارئ واحد لأداء التراويح بدعة من حيث اللغة لا الشرع؛ ذلك أن المعنى اللغوي أعم وأوسع من المعنى الشرعي، وأمثلة ذلك كثيرة لا تحصى كالصناعات والمخترعات الحديثة وغيرها، فكلها بدع لغوية لا شرعية، ولا إشكال في هذا، ثم إن صلاة التراويح مما سنّه الخلفاء الراشدون وقد جاء في الحديث: «عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين من بعدي، عضّوا عليها بالنواجذ» «صححه الألباني، صحيح سنن أبي داود (3851-4607)» وأيضا: «اقتدوا باللذين من بعدي، أبي بكر وعمر» «صححه الألباني، صحيح الجامع الصغير وزيادته (1142)» فسنة خلفائه الراشدين هي مما أمر الله به ورسوله.
- وعموما فالشيء لا يكون بدعة في الشرع إلا بتوفر ثلاثة قيود به:
1- الإحداث؛ بأن يكون محدثا.
2- أن يضاف هذا الإحداث إلى الدين.
3- ألا يستند هذا الإحداث إلى أصل شرعي بطريق خاص أو عام.