تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 60

الموضوع: نقض كتاب "إجماع المحدثين" للشريف حاتم العوني

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    65

    افتراضي نقض كتاب "إجماع المحدثين" للشريف حاتم العوني

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد : فقد سمعت برأي الشيخ حاتم في مسألة الإسناد المعنعن يوم صدرت محاضرته في الموضوع، فاستغربت هذا الرأي الجديد، وقلت في نفسي ربما ترجح لديه مذهب مسلم بالدليل وعظم عليه تخطئة البخاري فتأول نصوصه ونصوص الأئمة الموافقين له، ثم لما صدر الكتاب أهديت لي نسخة منه، وطلب مني غير واحد أن أكتب ردا عليه، لكني رأيت المسألة مسألة علمية والشيخ حاتم محدث وباحث مستقرئ له أن يجتهد، وليس محتما علينا أن نرد على كل من خالفنا في مذهب أو خالفناه في رأي، وبيان الأخطاء العلمية فرض كفاية، لكن يوم فتحت الكتاب بعد أن بقي في مكتبتي زمنا طويلا-ليلة 19من جمادى الأولى1428-، هالني هجومه القوي على أئمة الحديث، ورميهم المتكرر بالتقليد، وعجبت لحيدة الشيخ عن الأسلوب العلمي الرصين الهادئ، إلى الأسلوب الخطابي المليء بالانفعالات والإرهاب والاتهامات، حتى يخيل إلى القارئ أنه أمام قضية اعتقادية كبرى.
    ولما اطلعت على ما فيه عزمت على كتابة هذا الرد وتركت ما أمكن تركه من بحوث وأشغال، وطلبت من بعض الطلبة أن يوافيني بما نشر حول هذه القضية في موقع أهل الحديث، لأني علمت أن ردي هذا سيأتي متأخرا فأحببت أن أطلع على ما كتب في الموضوع عسى أن أستفيد منه، ولعلي أجد من يكون قد كفاني مؤنة كتابة هذا الرد.
    وإن أول ما يؤاخذ عليه الشيخ تلك المقدمة ذات الأسلوب العنيف الذي ينفر ولا يبشر ويجرح شعور القراء ويؤذيهم، هذا الأسلوب الذي لا نرتضيه في مسائل الاعتقاد، فكيف في مسألة حديثية جزئية ليس فيها نصوص شرعية.
    تأمل قوله (6):« فإني لا أحل لمن لم يتشرب قلبه ودمه وعظامه الدعوة السلفية ، القائمة على نبذ التقليد واعتماد الدليل : أن يقرأ هذا البحث » ، ما معنى هذا ؟ هل يحرم الشيخ على الأشاعرة أن يقرأوا بحثه! بل على المقلدين من أتباع المذاهب بل وغيرهم ممن هم مقلدة في نظره، هذا لا يليق!! إنما النصيحة ينبغي أن تكون لعامة المسلمين ، ولقد تجرأت وقرأت الكتاب مع أني لا أستطيع أن أزكي نفسي مثل هذه التزكية، ذلك أني علمت أنه كتب الكتاب ليقرأ، فأخذت بمقصده وتركت لفظه.
    تأمل قوله (6):« فأوصلني هذا النظر السلفي إلى نسف تلك المسلمة ، وبيان أنها خطأ محض ، ليس لها من الحق نصيب»، أما أنا فقد استفدت من منهج اتباع الدليل وترك التقليد أن لا ألزم أحدا بشيء لم يرد به نص صحيح صريح، وأن لا أعنف على أحد اتبع قول إمام مع معرفة حجته، وكيف ألزم غيري بشيء قد أرجع عنه، كيف يكون لي التعنيف ولا يكون له هو هذا الحق ، وتعلمت أيضا أن لا أدعي امتلاك الحقائق المطلقة التي لا تقبل النقاش .
    تأمل قوله (7):« وإن كنت أعلم ولم أزل أعلم من ضعف الإنسان وجهله ما يمكن معه أن يحيف الحيف العظيم ، وهو يحسب أنه على الصراط المستقيم » …؟؟ ألا يمكن معالجة القضية بأسلوب أرفق من هذا.
    تأمل قوله (8):« ما أتوقعه من تشنيع بعض المقلدين علي فيه »، ولو شنع عليه مشنع لكانت له حجة، لأن الله تعالى يقول : وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا (الشورى:40).
    تأمل قوله (11) ناصحا من يقرأ كتابه :« وأن يقبل على القراءة وهو مستعد لتغيير أي اعتقاد سابق دله الدليل على بطلانه ، لا أن يقبل جازما بخطأ الكاتب ، باحثا عن العثرات ، راغبا في اكتشاف الزلات ، وأن يحرص على مخالفة سنن الذين في قلوبهم زيغ ، فلا يتبع المتشابه ، بل يرد المتشابه إلى المحكم » ، لماذا يجزم هو بصواب رأيه وكأنه ظفر بنص منزل، ويمنع غيره من مثل جزمه؟ ألا يحتمل أنه يوجد في العالم الإسلامي كله من بحث هذه المسألة وهو يعتقد جزما صواب ما نسب إلى البخاري عن علم واجتهاد لا عن تقليد ؟ لا شك أنهم موجودون، ومنهم الشيخ إبراهيم اللاحم والشيخ خالد الدريس الذي ذكره الشيخ في المقدمة واستفاد منه في كتابه كثيرا. وما فائدة الوصية بمخالفة سنن الذين في قلوبهم زيغ ، الذين يتتبعون العثرات ويقتفون المتشابه ؟ هل الشيخ يخاف من النقد ؟ إن من فائدته –وإن لم يقصده الشيخ حفظه الله – أن يُرمى كل من انتقده بالتقليد واتباع المتشابه وسلوك سبيل الزائغين، أن يرميه بذلك الطلاب المبتدئون من محبي الشيخ ومقلديه، ولقد عزمت على إخراج هذا الرد مع ما أتوقعه من تشنيع المشنعين إلا أني حريص على إسداء النصح لمن يستحقه، وعلى المشاركة في النقاش الذي يساعد في تجلية الحقائق.
    تأمل قوله (11-12):« فإن خالف أحد هذه الأخلاق، فليعلم أنه أول مخذول، فالحق أبلج والدين محفوظ، فلن ينفعه أن يشنع على الحق، ولا أن يسعى في تخريب علوم الدين » ما هذا ؟ "مخذول"!! "تخريب علوم الدين"!!، لماذا كل هذه الثقة والاعتداد بالنفس وكل هذه الأحكام الخطيرة؟ لقد ذكرتني العبارة الأخيرة بحكم بعضهم بالزندقة على من يرى أن مسلما رتب أسانيد الأحاديث في كتابه بحسب القوة، وأنه ربما أبدى بعض العلل في صحيحه، بمثل هذه الأحكام تتنافر القلوب بعد ائتلافها، ويتربى الشباب على التعصب ويتمرنون على التبديع وإقصاء المخالف، حتى أصبحنا نسمع بمن يبدع غيره لأنه خالف ابن حجر في تعريف الحديث الشاذ.
    وفي ختام هذه المقدمة أقول ماذا على الشيخ لو حذف هذه العبارات -أو المقدمة كلها -، وقال عوضا عنها نحوا من قولي: إني أعرض هذا البحث الذي بذلت فيه كل وسعي للوصول إلى الحق بدلائله، ليطلع عليه أهل الاختصاص وينظروا ما فيه ، وإني أعلم أن بعضهم سيتعجب من هذا الرأي الذي يحسبه جديدا ، وربما أنكره ، لكني أود من كل قارئ أن لا يتسرع في حكمه على البحث أو كاتبه ، وأن ينظر فيه نظر منصف متجرد، فإن اقتنع بما فيه فبها ونعمت، وإن لم يقتنع فإن المسألة علمية وقد سبقه إلى رأيه علماء كبار، ومن تعقب بحثي هذا أو بعض ما فيه فإني سوف أكون سعيدا بذلك، وإني حريص كل الحرص على الاقتداء بالسلف الصالح في اتباع الدليل حيثما كان وفي قبول النصح ممن كان، وليحرص إخواني الذين قد يخالفونني ولا يعجبهم ردي أن يكونوا كما كان السلف في مناظراتهم "كان كل منهم يجتهد في نصر قوله بأقصى ما يقدر عليه ، ثم يرجعون بعد المناظرة إلى الألفة والمحبة والمصافاة والموالاة من غير أن يضمر بعضهم لبعضهم ضغنا ولا ينطوي له على معتبة ولا ذم، بل يدل المستفتي عليه مع مخالفته له ويشهد له بأنه خير منه وأعلم » (مختصر الصواعق2/518)، وإني أذكر نفسي وإخواني بكلمات الشافعي الثلاث التي رواها ابن حبان وقال:" إنه ما تكلم بها أحد في الإسلام قبله ولا تفوه بها أحد بعده" اهـ، الأولى رواها عن ابن خزيمة عن المزني قال سمعت الشافعي يقول :« إذا صح لكم الحديث فخذوه ودعوا قولي ، والثانية رواها عن ابن المنذر عن الزعفراني قال سمعت الشافعي يقول ما ناظرت أحدا فأحببت أن يخطئ، والثالثة رواها عن موسى بن محمد الديلمي عن الربيع قال سمعت الشافعي يقول :« وددت أن الناس تعلموا هذه الكتب ولم ينسبوها إلي » .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    65

    افتراضي المسألة الأولى: تحرير المذاهب

    أين تحرير محل النزاع؟
    إن مما فات الشيخ في بحثه أن يحرر محل النزاع بين الفريقين، ولا أقول بين البخاري ومسلم لأن الشيخ لا يوافق على أن البخاري يخالف مسلما في مذهبه.
    وتحرير محل النزاع من أهم سمات البحث العلمي الموضوعي، لأنه يساعد في التركيز على معاني عبارات المصنفين والتبين من مقاصد أصحابها ويحول دون الوقوف عند ظاهرها ، وذلك بتقسيم الموضوع وتحليله إلى مفرداته وجزئياته ، ومن شأن ذلك أن يبعد الباحث عن التعميم في الأحكام وأن يعينه على الوصول إلى الحقيقة والاقتراب من الصواب.
    فأقول مستعينا بالله تعالى :
    إذا روى الراوي عمن عاصره فله ثلاثة أحوال:
    الأولى: أن يكون قد سمع منه وعلمنا ذلك بالدلائل والقرائن كثبوت اللقي.
    الثانية: أن نعلم أنه لم يسمع منه ، بأن نقف على دليل أو قرينة تنفي سماعه منه ولقيه له.
    الثالثة: أن لا يثبت لدينا شيء من دلائل السماع ولا نفيه .
    فأما الصورة الأولى : فإن العنعنة فيها مقبولة إلا من المدلس المشهور بالتدليس –على خلاف-.
    وأما الصورة الثانية: فينبغي أن لا يختلف فيها –أو هي محل إجماع-، وذلك كأن يقول هو نفسه لم أسمع منه، أو لم أسمع منه إلا حديثا واحدا، أو أن ينص على ذلك بعض تلاميذه المقربين منه وهذا لا شك من المراسيل ويسمى المرسل الخفي. ولا يشترط في ذلك الدلائل القطعية بل يحكم أيضا بالقرائن المغلبة لظن الانقطاع كاختلاف البلدان والرواية عنه بالواسطة، وقد بين مسلم ذلك فقال «إلا أن يكون هناك دلالة بينة أن هذا الراوي لم يلق من روى عنه أو لم يسمع منه شيئا».
    وأمـا الصورة الثالثة : فهي موضع الإشكال، هل الأصل فيها الحكم بالاتصال فلا يتوقف إلا في رواية المدلس ، أم أن الأصل فيها التوقف فلا يحتج بها حتى يتبين الاتصال بالتصريح بالسماع أو ثبوت اللقي على الأقل.
    ذهب إلى القول الأول مسلم ونسبه ابن رجب إلى ظاهر قول ابن حبان.
    واختار القول الثاني أكثر المصنفين في علوم الحديث ونسبه القاضي عياض إلى البخاري وعلي بن المديني ، وابن رجب إلى جمهور الأئمة المتقدمين (على خلاف بينهم في اعتبار قرينة ثبوت اللقاء).
    إذن محل النزاع في الإسناد المعنعن ينبغي أن ينحصر في الصور التي تتردد بين الاتصال وبين الإرسال الخفي، أي لم يأت ما يرجح أحد الطرفين فلا يمكن الجزم بالإرسال ولا جاء ما يرجح عكسه.
    من ثمرات عدم تحرير محل النزاع
    قال الشيخ حاتم (15):« لم يتنبه ابن رشيد والعلائي والدريس إلى أنهم بميلهم إلى الاكتفاء بالقرائن القوية قد نسفوا ما ذهبوا إليه من تقوية اشتراط اللقاء أو السماع ، إذ من أين لهم أن مسلما لم يكن مراعيا لمثل تلك القرائن ؟! حتى يجعلونه مخالفا للبخاري ».
    أقول: ولم يتنبه الشيخ حاتم إلى أن اللقاء ما هو إلا قرينة تقوي احتمال السماع وإلا فإن الأصل هو ثبوت السماع، قال ابن رجب في شرح العلل (2/592)ط همام:« فدل كلام أحمد وأبي زرعة وأبي حاتم على أن الاتصال لا يثبت إلا بثبوت التصريح بالسماع، وهذا أضيق من قول ابن المديني والبخاري، فإن المحكي عنهما أنه يعتبر أحد أمرين : إما السماع وإما اللقاء وأحمد ومن تبعه عندهم لابد من ثبوت السماع».
    ومن يكتفي بالمعاصرة لا يحتاج إلى القرائن ، فمن أين للشيخ حاتم أن مسلما اشترط قيام القرائن للحكم بالاتصال؟ وهو قد نص على الاكتفاء بالمعاصرة وإمكان اللقاء فقال:» وذلك أن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار والروايات قديما وحديثا أن كل رجل ثقة روى عن مثله حديثا، وجائز ممكن له لقاؤه والسماع منه لكونهما جميعا كانا في عصر واحد، وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا ولا تشافها بكلام فالرواية ثابتة والحجة بها لازمة، إلا أن يكون هناك دلالة بينة أن هذا الراوي لم يلق من روى عنه أو لم يسمع منه شيئا، فأما والأمر مبهم على الإمكان الذي فسرنا فالرواية على السماع أبدا حتى تكون الدلالة التي بينا «. ولو ثبت ما ادعاه الشيخ حاتم من اشتراط مسلم للقرائن-وأنى له ذلك- لضاق الخلاف نوعا ما، ولأصبح الخلاف في اعتبار القرائن بين البخاري ومسلم من جهة وبين الإمام أحمد ومن معه من جهة أخرى .

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    65

    افتراضي المسألة الأولى

    في شرح مذهب مسلم (دعوى أعم من الدليل)

    لقد أجاد الشيخ حاتم إلى حد ما في شرح مذهب مسلم وتفصيله ، إلا في نقطتين اثنتين:
    الأولى : زعمه أن مسلما يعتبر القرائن لإثبات الاتصال حين قال (20):« ثم يؤكد مسلم أنه كان يراعي القرائن التي تحتف برواية المتعاصرين ، فإما أن تؤيد احتمال السماع أو أن تضعف احتماله » فقوله :"تؤيد احتمال السماع " زيادة مدرجة ليس في كلام مسلم ما يدل عليها –بل فيه ما يدل على ضدها-، ومعلوم أن اشتراط انتفاء القرائن المانعة من اللقاء للحكم بالاتصال يختلف عن اشتراط وجود القرائن، إضافة إلى المعاصرة للحكم بالاتصال، وتطويل الشيخ في التدليل على اعتبار مسلم للقرائن لا يفيده في دعواه شيئا، لأنها دلائل اعتبار القرائن في نفي السماع وهو خارج عن محل النزاع كما سبق.
    فإن قيل: هل هناك مَن نصَّ على خروجه عن محل النزاع؟ قيل: نص على ذلك ابن القطان كما نقله عنه الشيخ حاتم (صفحة 22).
    الثانية : إهماله لشرح معنى التدليس المحترز عنه في كلام مسلم ، وهذا من القضايا المهمة في نظري، ولقد بقيت متوقفا فيه مدة من الزمن ، هل هو على اصطلاح كثير من المتقدمين الذين يدخلون الإرسال الخفي في معنى التدليس وهو الاصطلاح الذي اختاره الخطيب والحاكم ، أم هو على اصطلاح الشافعي ومن تبعه من المتأخرين من تخصيصه التدليس بمن ثبت عنه لقيه والسماع منه.
    وبعد تأمل ونظر ظهر لي أن مسلما على طريقة الشافعي وغيره ، حيث قال في مقدمته: ((وإنما كان تَفَقُّدُ من تَفَقَّدَ منهم سماعَ رواةِ الحديث ممن روى عنهم إذا كان الراوي ممن عُرف بالتدليس في الحديث وشُهِر به، فحينئذٍ يبحثون عن سماعه في روايته، ويتفقّدون ذلك منه، كي تنزاح عنهم عِلّةُ التدليس. فمن ابتغى ذلك من غير مُدَلِّس، على الوجه الذي زعم من حكينا قولَه، فما سمعنا ذلك عن أحدٍ ممن سمّينا ولم نُسَمِّ من الأئمة)). فهذا هو التدليس وحكمه ، وأما الإرسال الخفي فقد احترز عنه بقوله : ((إلا أن يكون هناك دلالةٌ بيّنةٌ أن هذا الراوي لم يَلْقَ من روى عنه، أو لم يسمع منه شيئًا. فأمّا والأمرُ مُبْهَمٌ، على الإمكان الذي فسّرنا فالرواية على السماع أبدًا، حتى تكونَ الدلالةُ التي بيّنّا ))

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    65

    افتراضي المسألة الأولى

    ما معنى الإلزام في المناظرة؟

    قال الشيخ حاتم (25):« وانظر كيف قاد اعتقاد عدم مراعاة مسلم للقرائن إلى ظلم مسلم عليه رحمة الله، وذلك في قول ابن رجب :« ويرد على ما ذكره مسلم أنه يلزمه أن يحكم باتصال كل حديث رواه من ثبت له رؤية من النبي  أن يحكم له باتصال كل حديث رواه من ثبت له رؤية من النبي  ، بل هؤلاء أولى ، لأن هؤلاء ثبت لهم اللقي ، وهو يكتفي بمجرد إمكان السماع ، ويلزمه أيضا الحكم باتصال حديث كل من عاصر النبي  ، وأمكن لقيه له، إذا روى عنه شيئا ، وإن لم يثبت سماعه منه ، ولا يكون حديثه عن النبي  مرسلا ، وهذا خلاف إجماع أئمة الحديث ». لقد ظن ابن رجب أن مسلما لا يراعي قرائن عدم السماع ، ولذلك ألزمه بهذين الإلزامين » .
    الجواب: إن ابن رجب ألزم مسلما بشيء لا يقول به مسلم ولا أحد من أهل الحديث ، وإذا بطل اللازم (وهو قبول تلك الروايات) بطل الملزوم (وهو اكتفاء مسلم بالمعاصرة). فالمناظر يقول لمناظره إما أن تلزم لوازم قولك وإلا كنت متناقضا إذ فرقت بين المتلازمين، وليس معنى الإلزام تقويل مسلم ما لم يقله حتى يقال إن ابن رجب ظلمه ولم يفهم كلامه.
    والانفكاك عن الإلزام والجواب عنه يكون بإيراد الفارق بين الصورتين -اللازم والملزوم-، وفي هذه المسألة يعسر إيراد الفارق ، خاصة مع المعنى الأولوي الذي نبه إليه ابن رجب.
    أو بالتزام اللازم ومناقشة من قال ببطلانه وفي هذه المسألة لا نقاش لأن الأمر متفق عليه ولا يخالف فيه مسلم، ولا من ينصره.
    ولا ينفع الجواب ببيان أن مسلما يحكم على روايات أطفال الصحابة والمخضرمين بالإرسال كما في (25-26)، فإن ذلك تحصيل حاصل وابن رجب عليه رحمة الله !! لو لم يعلم ذلك لما ألزمه بذلك .

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    65

    افتراضي المسألة الأولى

    ما هو رأي ابن السمعاني؟

    قال ابن السمعاني:"وأما قولهم: إنه تقبل الرواية بالعنعنة. قلنا نحن لا نقبل، إلا أن نعلم أو يغلب على الظن أنه غير مرسل، وهو أن يقول: (حدثنا فلان) أو (سمعت فلانا)، أو يقول (عن فلان) ويكون قد أطال صحبته؛ لأن ذلك أمارة تدل على أنه سمعه. منه فأما بغير هذا، فلا يقبل حديثه". وهذا الكلام صريح في بيان مذهب ابن السمعاني في المسألة.
    فهو يشترط طول الصحبة لقبول العنعنة إذا لم يثبت التصريح بالسماع، واعتبر طول الصحبة قرينة دالة على السماع، فمذهبه ولا شك مفارق لمذهب مسلم، ولا ندري هل عبارة أطال صحبته مقصودة أم لا لأن ثبوت صحبته وحده أمارة تدل على السماع ، وإذا اعتبرت ذلك في طبقة الصحابة علمت أن هذا الميزان متفق عليه في هذه الطبقة من غير اشتراط طول الصحبة ، وإن حمل الكلام على ظاهره فمذهب ابن السمعاني وسط بين البخاري المعتبر لمجرد اللقاء وبين مذهب أحمد وغيره الذين لا يعتبرون إلا التصريح بالسماع والله أعلم.
    لكن الشيخ حاتم يقول (28):" إلا أن لأبي المظفّر السمعاني كلامًا أَحْكَمَ من كلامه السابق، واحد أهمّ وجوه إحكامه أنه ذكره في سياق كلامه عن حكم الحديث المعنعن وحكم التدليس، فهو واردٌ في موطنه اللائق به، والذي هو أَوْلَى المواطن بأن يُوفَّى فيه حقّه من البيان".
    والجواب : أولا : المعروف أنه ابن السمعاني لا السمعاني كما يكرره الشيخ حاتم ، ثانيا : لا نسلم أنه أحكم من كلامه السابق ، ومما يدل على عدم إحكامه أنه ذكره عند الحديث عن التدليس، والتدليس له حكم يختلف عن الإسناد المعنعن، فقول الشيخ حاتم :" في سياق كلامه عن حكم الحديث المعنعن " إدراج لعله غير متعمد.
    القول الثاني الذي نقل هو :" فأما من لم يشتهر بالتدليس ولم يعرف به، قبل منه إذا قال (عن فلان) وحمل في ذلك على السماع؛ لأن الناس قد يفعلون ذلك طلبا للخفة إذ هو أسهل عليهم من أن يقول في كل حديث (حدثنا). والعرف الجاري في ذلك يقام مقام التصريح".
    الجواب : مما يعلمه الشيخ حاتم أن الكلام كي يفهم على وجهه لابد أن لا يبتر عن سياقه ، لذلك ننقل كلام ابن السمعاني من أوله :" وبيان مذهب الشافعي في هذا الباب أن من اشتهر بالتدليس لا تقبل روايته إذا لم يخبره بالسماع فيقول سمعت أو حدثني أو أخبرني وما أشبهه فأما من لم يشتهر بالتدليس ولم يعرف به...الخ وهذا السياق يبين أن الكلام المنقول هو شرح لقول الشافعي ، وأما رأي ابن السمعاني في التدليس فقد ذكره قبل أن ينقل هذا النقل وفيه تفصيل لم يقل به الشافعي ولا غير الشافعي من أهل الحديث.
    وإذا تعارض الكلام المتبنى المنصور والمذكور في موضعه، مع الكلام المنقول عن الغير -والمذكور في غير موضعه- فإنه يقدم الأول لا الثاني.

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    65

    افتراضي المسألة الأولى

    ما هو رأي الصيرفي؟

    قال الشيخ حاتم (33):« فهذا أبو بكر الصيرفي (ت330)شارح الرسالة للشافعي ، بينما ينقل عنه ابن رجب الحنبلي أنه يشترط العلم بالسماع، ينقل عنه غيره خلاف ذلك ، فنقل العلائي وابن رشيد كلاهما عن الصيرفي أنه على مذهب مسلم، وقد وجدت عبارة طويلة للصيرفي تؤيد مذهب مسلم، نقلها عنه الزركشي في البحر المحيط. وبذلك تعلم مقدار ما استولت نسبة ذلك الشرط إلى البخاري على أذهان بعض أهل العلم، حتى ربما فهمت العبارة الواحدة أكثر من فهم».
    الجواب : عبارة الصيرفي التي في البحر المحيط (4/311) يجوز أن يفهم منها اختياره مذهب مسلم وهي قوله في الدلائل والأعلام :« كل من ظهر تدليسه عن غير الثقات لم يقبل خبره حتى يقول حدثني أو سمعت، ومن قال في الحديث حدثنا فلان عن فلان قبل خبره لأن الظاهر أنه إنما حكى عنه ، وإنما توقفنا في المدلس لعيب ظهر لنا فيه »، لكن عند تأملها نجدها لا تدل على ذلك، فإنها سيقت في بيان حكم المدلس الذي لقي شيخه وسمع منه ، ومسألة المعنعن مفروضة في غير هذا المحل .
    وأما ما جاء في شرح العلل لابن رجب فإنه أصرح وأوضح وهو في الأصل شرح لكلام الشافعي، فقد قال الشافعي: «لا يحدث واحد منهم إلا عمن لقي إلا ما سمع منه فمن عرفناه بهذا الطريق قبلنا منه حدثني فلان عن فلان إذا لم يكن مدلسا » قال ابن رجب (2/586):« وقد فسره أبو بكر الصيرفي في شرح الرسالة باشتراط السماع لقبول العنعنة ، وأنه إذا علم السماع فهو على السماع حتى يعلم التدليس، وإذا لم يعلم سمع أو لم يسمع وقف فإذا صح السماع فهو على السماع حتى يعلم غيره، قال وهذا الذي قاله صحيح». أي أن الصيرفي بعد شرح كلام الشافعي أيده .
    ومنه فكلام الشيخ واستنتاجه تهويل لا معنى له ، فابن رجب رحمه الله اعتمد على كلام أصرح من الكلام الذي رجح به الشيخ حاتم ما نقله ابن رشيد والعلائي وأطول منه-فلا أدري لماذا لم يره -، وإن سلكنا مسلك الترجيح رجحنا النص على الظاهر، وما سيق الكلام لأجله على ما سيق الكلام لغيره، فإن الكلام الأول سيق لبيان حكم التدليس كما سبق.

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    65

    افتراضي المسألة الثانية : نسبة القول للبخاري

    المسألة الثانية : نسبة القول للبخاري

    قواعد واهية

    الأولى : قال (34):« الذي لا يختلف فيه اثنان أن البخاري لم يصرح بالشرط المنسوب إليه … وهذه قاعدة نبني عليها لأنها محل اتفاق ».
    الجواب : الشيخ من أعلم الناس أن أكثر ما ينسبه المتأخرون والمعاصرون للأئمة المتقدمين غير منصوص ، وإنما ثبت عنهم بالاستقراء لمناهجهم في كتبهم وفي التصحيح والتعليل والجرح والتعديل .
    فلا معنى لوضع قاعدة لا تطبيق لها إلا في مسألة واحدة التي هي محل النزاع.
    الثانية : لا يعتمد على صحيح البخاري
    قال (34):« والقاعدة الثانية أن كتاب (صحيح البخاري) لا ينفع في أن يكون دليلا على صحة نسبة ذلك الشرط إلى البخاري ».
    الجواب : أما هذه القاعدة فهي من أعجب الأمور ، ندعو الناس إلى الرجوع إلى الأئمة المتقدمين ، فإذا رجعوا إليهم قلنا لهم كتبهم لا تصلح للدلالة على مذاهبهم ، كان الواجب عليه أن يقول: من المراجع التي نعتمد عليها "الصحيح"؛ فإن وجدنا أحاديث صححها ولم يتوفر فيها الشرط المذكور علمنا أنه على مذهب مسلم ، وإن وجدنا فيه دلائل تؤكد اشتراط السماع واللقاء قلنا به .
    ثم إنه إن لم يجد هو هذه الدلائل فغيره قد وجدها، قال ابن حجر في هدي الساري (14):« والبخاري لا يحمل ذلك على الاتصال حتى يثبت اجتماعهما ولو مرة ، وقد أظهر البخاري هذا المذهب في تاريخه وجرى عليه في صحيحه ، وأكثر منه حتى إنه ربما خرج الحديث الذي لا تعلق له بالباب جملة إلا ليبين سماع راو من شيخه لكونه قد أخرج له قبل ذلك شيئًا معنعنا ، وسترى ذلك واضحًا في أماكنه ـ إن شاء الله تعالى ـ »اهـ وانظر مثالا عن ذلك في كتاب التفسير باب  وإذ يبايعونك تحت الشجرة  نقله الدريس في دراسته (93) وقال ابن حجر في شرحه (3/452):«وأما الحديث الثاني فأورده لبيان التصريح بسماع عقبة بن صهبان من عبد الله بن مغفل». الطريقة نفسها استعملها في كتاب القراءة خلف الإمام .
    ومنه يعلم خطأ ما قرره الشيخ حاتم (37-38) من أن ابن حجر ترك الاستدلال بما في صحيح البخاري .
    ويزداد التعجب عندما يحجر على نفسه وعلى غيره الاحتجاج بصحيح البخاري على مذهب البخاري ، ثم هو يحتج على مذهب البخاري بأقوال الترمذي والطحاوي والدارقطني !!
    الثالثة : تضعيف الأقوال بالأولية
    ذكر في القاعدة الثالثة أن أول من نسب للبخاري هذا القول القاضي عياض، والشيخ كثيرا ما يضعف الأقوال التي لا يراها بقوله"أول من قال كذا فلان"، فالقول بتساهل العجلي ضعيف لأن أول من قال ذلك المعلمي، وتقسيم الأئمة إلى متساهل ومتشدد ومعتدل ضعيف لأن أول من قسمه الذهبي ، وإذا صح هذا فنحن نقول الزعم بأن البخاري على قول مسلم ضعيف لأن أول من زعم ذلك الشيخ حاتم، وانظر في الجواب عنه وفي الاعتذار للقاضي عياض كتاب إجماع المحدثين (166)

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    65

    افتراضي

    لا تقليد مع ثبوت الاستدلال

    وبعد أن أكد على أولية القاضي عياض وانتقده بأنه (36):« لم يذكر دليلا على ذلك ولا شبه دليل »، نسب كل من جاء بعده إلى تقليده حتى العلماء الذين أوردوا الأدلة ، لأنهم أوردوها من أجل الترجيح لا من أجل تحقيق مذهب البخاري، فسود قرابة صفحتين لبيان هذه الفكرة ثم هدمها بنفسه في (38) : «فالسؤال يجب أن يكون: ألم يذكر العلماء ما ينفع أن يكون دليلا على صحة تلك النسبة في وجهة نظرهم ؟ وإن لم يقصدوا هم الاستدلال لذلك ؟»، الخلاصة أنهم ذكروا أدلة أما القصد فهو أمر باطن قد يعبر عنه وقد لا يعبر ، وعلى كل فنقض الكليات يكفي فيه المثال الواحد ، فهذا الزركشي يعرب عن نيته في الاستدلال في كتابه النكت (2/39-40)قال:« وهل البخاري يشترط ثبوت السماع في كل حديث أو إذا ثبت السماع في حديث واحد حمل الباقي عليه حتى يدل الدليل على خلافه ؟ فيه نظر، والأقرب الثاني … ويشهد له أن علي بن المديني والبخاري أثبتا سماع الحسن من سمرة مطلقا ، لأنه صح عنه سماعه لحديث العقيقة ».
    وإذا أفلح الشيخ في وصف العلماء بالتقليد للقاضي عياض في نسبة القول إلى البخاري ، فماذا يصنع بنسبة الحافظ ابن رجب هذا القول إلى أحمد وأبي حاتم وأبي زرعة وغيرهم واستدلاله على ذلك؟ وماذا يصنع بنسبة الصيرفي قبله هذا القول إلى الشافعي (وتنبه إلى أنه توفي سنة 330) ؟ وقد نسبه إلى الشافعي أيضا الزركشي في النكت وابن رجب وابن حجر.

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    65

    افتراضي

    هل يجب التحقيق في نسبة الأقوال؟

    الذي لا شك فيه أن التأكد من صحة نسبة الآراء إلى أصحابها في المسائل العلمية الخلافية، والتثبت منها من المصادر المعتمدة والمراجع الصحيحة أمر منهجي مطلوب في البحوث الجادة التي يجتهد أصحابها في التوقي والتثبت والأمانة العلمية، لكن هل معنى ذلك التدقيق في كل مسألة ولو كانت مشهورة، هذا أمر لم يقل به أحد ولم يجري عليه عمل ، فإننا ننقل في مسائل الفقه المنقول عن أحمد ومالك وغيرهما من غير تحقيق في الروايات، بل ننقلها من كتب الفقه المعتمدة على مذاهبهم وذلك يكفي إلا في مسائل يقع فيها الريب فتحتاج إلى مزيد تثبت، أما والريب منتف فالتثبت لغو ومضيعة للعمر، وكذلك الأمر في قضيتنا هذه، لم يوجد أحد من العلماء شكك في نسبة القول إلى البخاري والأمر عند العلماء واضح، فلم يلزم العلماء بالتدليل في تحقيق مذهبه؟ ومن هذا يعلم تهافت قول الشيخ حاتم (38):« يكفيك من قول ضعفا أنه لم يستدل عليه » .

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    65

    افتراضي

    اختزال الشيخ حاتم لأدلة خصومه

    بين الشيخ أن خلاصة دليل خصومه (39)" إعلال بعض الأحاديث بنفي العلم بالسماع أو اللقاء " ثم أجاب عن ذلك بوجهين الأول منها (41):« أنه إعلام بأن الراوي لم يذكر نصا دالا على السماع ، وغالبا لا يكون لهذا الإعلام أي فائدة إلا إن كانت هناك قرائن تشهد لعدم السماع » ، وهكذا فليكن تقدير الأئمة النقاد!! وليكن التعامل مع نصوصهم!! آلاف النصوص لا فائدة منها إلا بقرينة!! لو كان هذا صحيحا لماذا لم يذكروا القرائن ويريحوا الأمة بدل تسويد الصفحات بما لا يفيد، ولا ننسى أن كثيرا من هذه النصوص –بل أكثرها- واردة في جواب عن سؤال ، فلا أدري ماذا يصنع السائل بجواب لا يفيد.
    وخلاصة الثاني أنه (42):« قصد بها إعلان الشك في السماع وترجيح عدمه … والمقصود من نحو هذه العبارات بيان أن هناك قرائن تشهد لعدم حصول السماع » إذن الوجه الثاني هو الوجه الأول إذ مرجعهما إلى اعتماد القرائن.
    إن أدلة إثبات آراء العلماء في هذه المسألة لا تنحصر في قولهم :" لا يعرف له سماع أو لا يعلم سماعه "، بل منها :
    -قول البخاري وغيره : فلان روى عن فلان ، وفلان سمع من فلان.
    -استدلال البخاري وابن المديني بروايات فيها ثبوت اللقاء .
    -إيراد البخاري لأسانيد في الصحيح لا تناسب الأبواب من أجل تثبيت السماع.
    -ومنها قولهم فلان أدرك فلانا أو رآه ولا يذكر سماعا.
    -إثباتهم المعاصرة مع نفي السماع أو الشك فيه.
    -استعمالهم عبارة : لا يصح سماعه .
    -تخطئة السماعات وتضعيفهم لأسانيدها.
    -عدم استعمالهم عبارة فلان عاصر (أدرك) فلان لإثبات الاتصال .
    ومنه فإن من مساوئ هذا البحث إيهام القراء محاولة إنصاف المخالف بأن يتكلف الاستدلال له، وهو في الحقيقة يهدر أدلته الكثيرة والمتنوعة، ويتجاهل الحجج التي استعملها العلماء لإثبات رأي الأئمة في هذه المسألة، ولقد كان بإمكان الشيخ حاتم أن يستفيدها أو أكثرها من كلام ابن رجب في تحقيقه لمذهب أحمد في شرح العلل (2/590-599)ط همام.

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    65

    افتراضي

    إشارة قف في غير موضعها

    قال (42):«فإذا كانت " لا أعرف لفلان سماعا من فلان " تساوي لم يسمع فلان من فلان " وأنها تعني ترجيح عدم السماع لقيام القرائن الدالة على عدمه ، فبينوا لي وجه الاستدلال بنفي العلم بالسماع على أنه دليل اشتراط العلم به ؟ بينوا لي ذلك ، فإني لا أرى له وجها !! وأرجو أن لا يتجاوز القارئ المدقق هذه المسألة حتى يجيب وإلا فلا داعي لأن يتم ، لأنه حينها لا يريد أن يتم القراءة بفهم !!!».
    والجواب : هذا الكلام فيه مصادرة من وجهين الأول : إثبات التسوية بين العبارة الجازمة وغير الجازمة ، والثاني : إثبات استناد العبارتين جميعا إلى القرائن دائما. فنحن لا نسلم للمقدمتين؟ حتى يدلل عليهما لأنها خلاف الأصل ، الشيخ لا يقبل ما ينسب إلى البخاري إلا بدليل مع قصد الاستدلال، وهو يوقفنا هنا عن إكمال القراءة مع أنه لم يقدم دليلا إلا كلاما خطابيا وتعميما لا يفيد علما ولا ظنا.
    وإذا رجعت إلى نصوص الأئمة لوجدتهم يقولون:" صح سماع فلان من فلان" فيقبلون حديثه ، ويقولون :"لا نعلم له سماعا" فيتوقفون في حديثه ، علمت أن علة القبول والرد هي العلم بالسماع وهذا الاستدلال يسمى الطرد والعكس أو الدوران ، وهو استدلال معروف عند العقلاء فضلا عن العلماء، واستغرابه واستبعاده (كما في 43) لا يقدح في الدليل وإنما يقدح فيمن لم يفهمه، وإذا رأيتهم ينتقدون التصريح بالسماع تزداد يقينا بصحة ما ينسب إليهم، لأن من يكتفي بالمعاصرة ليس له حاجة أن ينظر في السماع حتى يحكم له بالخطأ أو الصواب، ولا يصح أن يقال إن التخطئة مبنية على القرائن لأن هذا لا يطرد ولا ينعكس.

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    65

    افتراضي

    حجج التسوية بين عبارات الجزم وغيرها


    احتج للتسوية بين العبارات الجازمة وغيرها أعني عبارة:" لم يسمع" و"لا نعلم له سماعا" ، ببعض الأمثلة التي زعم بها (46):" أنهم قد ينفون العلم بالسماع للشك في المعاصرة أصلاً، بل ربّما مع العلم بعدم حصول المعاصرة*!" وأمثلة زعم فيها أن العبارة الثانية أطلقت على المراسيل. وذكر أمثلة زعم أنها لمجرد الإخبار لا للإعلال .
    أولا: حجج نفي العلم بالسماع للشك في المعاصرة

    1-قال (46):« قول البخاري :" إبراهيم [بن محمد بن طلحة] قديم، ولا أدري سمع منه عبد الله بن محمد بن عقيل أم لا» ، الجواب : هذا سهو من الشيخ حاتم فإبراهيم تابعي وابن عقيل تابعي فأين الشك في المعاصرة .
    2-قال (46):« وقوله :" لا نعرف لمحمد بن أبان سماعا من عائشة" مع كون محمد بن أبان من أتباع التابعين أي مع عدم المعاصرة ».
    الجواب : ولا أدري كيف علم أن محمد بن أبان الأنصاري من أتباع التابعين ، والراوي عنه في التاريخ الكبير (1/32)منصور بن زاذان روى عن أنس وأبي العالية وعطاء والحسن وابن سيرين ، أليس الاحتمال الأقوى أن يكون محمد بن أبان من التابعين ، وفي المرجع المحال إليه -لسان الميزان (5/32)- أن الراوي عنه يحيى بن أبي كثير فكيف يجزم بكونه من أتباع التابعين والراوي عنه يحيى، وعلى فرض صحة كونه من أتباع التابعين فهل علم ذلك البخاري؟
    3-قال (46-47):« وذكر البخاري حديثا لعبد الله بن نافع بن العمياء عن ربيعة بن الحارث عن الفضل بن العباس ، ثم قال : "لا يعرف سماع هؤلاء بعضهم من بعض" » ، فبين الطحاوي في (مشكل الآثار) عدم معاصرة عبد الله بن نافع لربيعة بن الحارث».
    الجواب: البخاري غير ملزم برأي الطحاوي، ولا يستقيم الاحتجاج بنحو هذا ، إلا إذا بين علم البخاري بعدم المعاصرة.
    4-قال (47):« وقال البخاري :" شعيب بن محمد الغفاري سمع محمد بن قنفذ عن أبي هريرة عن النبي :مرسل ، ولا يعلم سماع لمحمد من أبي هريرة ».
    وجواب هذا أن البخاري يقصد أن رواية شعيب عن محمد بن قنفذ مرسلة ، ولا يستغرب هذا، قال المعلمي في موضح أوهام الجمع والتفريق (1/128):» قول البخاري في التراجم سمع فلانا ليس حكما منه بالسماع ، وإنما هو إخبار بأن الراوي ذكر أنه سمع «. وقد لاحظ ذلك الشيخ خالد الدريس في كتابه (102-103) وأورد أمثلة تؤكد هذا، ففي ترجمة زياد بن ميمون قال:" سمع أنسا " ثم نقل عنه أنه قال :«لم أسمع من أنس شيئا » ، وفي ترجمة جميل بن زيد الطائي قال سمع ابن عمر ثم نقل عنه قوله: ما سمعت من ابن عمر شيئا ».
    ومحمد بن قنفذ هو محمد بن زيد بن المهاجر بن قنفذ روى عن ابن عمر وأبيه وروى عنه مالك بن أنس كما في التاريخ (1/84) ولم يذكر روايته عن أبي هريرة ربما لأنها عنه بسند مرسل.

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    65

    افتراضي

    5-قال (47):« وقال البخاري: محمد بن أبي سارة عن الحسن بن علي ، روى عنه محمد بن عبيد الطنافسي ، ولا يعرف له سماع من الحسن » وقال في موطن آخر :« محمد بن عبد الله بن أبي سارة المكي القرشي سمع سالما روى عنه ابن المبارك وزيد بن الحباب ، ويقال محمد بن أبي سارة منقطع » . أي حديثه الذي نسب فيه إلى جده منقطع وهو حديثه عن الحسن بن علي الذي نفى علمه بسماعه منه ، هذا مع كون محمد بن أبي سارة مجزوم بعدم سماعه من الصحابة ، ولذلك جزم بها البخاري في الموطن الآخر ، فقال :" منقطع " أضف إلى ذلك أنه من طبقة أتباع التابعين ، بدليل طبقة شيوخه ، وتلميذه محمد بن عبيد الطنافسي الذي هو من أتباع أتباع التابعين».
    والجواب عن كل هذا أن البخاري فرق بين محمد بن أبي سارة الذي توقف في سماعه من الحسن، وبين محمد بن عبد الله بن أبي سارة، فذكر الأول في (1/110) من التاريخ، وذكر الثاني في (1/131) فهما عنده رجلان وقد حكم عليهما بحكمين مختلفين، والشيخ حاتم يعلم ذلك فقد عزى الكلام إلى الصفحات المشار إليها.
    ومع كل هذا فزعمه أن كلمة منقطع ترجع إلى روايته عن الحسن فمن أغرب الأمور !!! والأظهر رجوعها إلى سماعه من سالم .
    6-وقال (47-48):« وقال البزار:" لا نعلم لعطاء بن يسار من معاذ سماعا" » . مع تعبير الترمذي عن ذلك بقوله: «"لم يدرك معاذ بن جبل" » .
    الجواب : لابد أن يصرح بذلك البزار لا الترمذي لأن ما ثبت عند الترمذي لا نعلم هل ثبت عند البزار وما لم يحط به البزار لا نعلم هل غاب عن الترمذي أيضا .
    7-قال (48) :"وقال الدارقطني عن عمارة بن غزية :"لا نعلم له سماعا من أنس" ، مع أن الدارقطني نفسه يقول في (سؤالات البرقاني) له:" مرسل عمارة لم يلحق أنسا" .
    الجواب: أن هذا محمول على تغير الاجتهاد . ومثله ما نقل عن ابن حبان ص 48 فإنه صريح في تغير الاجتهاد أو التردد قال الشيخ :« وأكد ابن حبان هذا المعنى عندما ذكر عمارة بن غزية في أتباع التابعين مع أنه ذكره أيضا في التابعين، لكنه قال:" يروي عن أنس إن كان سمع منه" .

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    65

    افتراضي

    ثانيا : نفي العلم بالسماع مع إثبات الإرسال

    قال (48):" وربما نفى أحد الأئمة العلم بالسماع ، ثم هو نفسه نفى السماع ... مما يدل على تساوي معنى العبارتين"
    والجواب من حيث الإجمال أن الأئمة ما حكموا بالإرسال إلا لتوفر بعض القرائن المرجحة للإرسال ، ولو لم تكن ثمة قرائن لما وصف بالإرسال –وفي كثير منها جاء التنصيص على القرينة فخرجت الأمثلة عن محل النزاع-.
    ونفي العلم بالسماع قد لا يراد به التوقف، وإنما يراد به التورع في التعبير ، كمن يقول في الراوي لا أعرفه ويتجنب عبارة غير معروف أو مجهول.
    1-قال (48-49) "يقول ابن أبي حاتم في (المراسيل): ((سألت أبي عن عبد الله بن عُكيم. قلت: إنه يروي عن النبي أنه قال: من علَّق شيئًا وُكِل إليه؟ فقال: ليس له سماع من النبي ، إنما كُتب إليه. . . (ثم قال لا يُعرف له سماع صحيح، أدرك زمانَ النبي ))."
    الجواب: هنا العباراتان مدلولهما واحد ليس فيهما نفي السماع ، إذ ثمة فرق بين لم يسمع وليس له سماع. ثم إن هذا من أدلة عدم الاكتفاء بالمعاصرة والإدراك فليتأمل .
    2-وقال (49) :"ويقول أبو حاتم الرازي أيضًا: ((لا أدري سمع الشعبي من سمرة أم لا، لأنه أدخل بينه وبينه رجل)) فهنا يشك في السماع لوجود واسطة بين الراويين. لكنه عاد في موطن آخر فجزم، حيث قال عن الشعبي: ((لم يسمع من سمرة، روى عن سمعان بن مُشَنَّج عن سمرة))."
    الجواب : هذا محمول على تغير الاجتهاد ، كما لو ضعف راو في موضع ووثقه في موضع آخر .

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    65

    افتراضي

    3-قال (44): "قول الترمذي: ((لا نعرف للأسود سماعًا من أبي السنابل، وسمعت محمدًا يقول: لا أعرف أن أبا السنابل عاش بعد النبي )). فهذا نفي للعلم بالسماع، مع عدم المعاصرة أصلاً بين الراويين!! فهل هو إعلالٌ بعدم العلم بالسماع بناءً على اشتراط العلم به؟*!"
    الجواب : والصواب أن يقول :« مع عدم العلم بالمعاصرة بين الراويين » . حيث قال لا أعرف ولم يقل لم يعش .
    4- قال (44-45): "ويقول الترمذي: ((لا نعرف لأبي قلابة سماعًا من عائشة، وقد روى أبو قلابة عن عبدالله بن يزيد رضيع عائشة عن عائشة غير هذا الحديث)) فهذا نفي للعلم بالسماع، مُعلّلاً بقرينة ذكر الواسطة.
    هذا مع قول الدارقطني: ((أبو قلابة عن عائشة: مرسل)). كذا على الجزم."

    الجواب : ذكر الواسطة قرينة لنفي السماع قد تقوى وقد تضعف في نفس العالم، وتعبيره يختلف جزما وترددا بحسب القوة والضعف ، ولا ينفع في مثل هذا الموضع أن ينقل عن إمام قوله: لا نعرف سماعا ، وعن آخر قوله: هو مرسل ، لأن الظن يقوى ويضعف باختلاف الأشخاص أيضا.
    5-قال (45):"ويقول الترمذي: ((هذا حديث ليس إسناده بمتّصل، ربيعةُ بن سيف إنما يروي عن أبي عبد الرحمن الحُبُلِّي عن عبدالله بن عَمرو، ولا نعرف لربيعة بن سيف سماعًا من عبد الله بن عَمرو)).
    فانظر كيف جزمَ أوّلاً بعدم الاتصال، وبيّن قرينة ذلك، ثم عاد لنفي العلم بالسماع! هذا من أوضح ما يكون."

    الجواب : هذا يدخل في المرسل الخفي لوجود القرينة المشار إليها، وعدم جزمه بعدم السماع من الورع في التعبير.
    6-قال (45): "ويقول الترمذي: ((لا نعرف لزيد بن أسلم سماعًا من أبي هريرة، وهو عندي حديث مرسل))
    فينفي العلم بالسماع، ثم يجزم بالإرسال.
    ويؤكد نفي السماع أن يحيى بن معين وعلي بن الحسين بن الجنيد نفيا السماع."

    الجواب : كسابقه إلا أنه لم يذكر القرينة، وهذا الكلام الأخير لا يصلح لأن علوم الترمذي ليست هي علوم ابن معين وابن الجنيد.
    7-قال (45): "ومثلهُ في الوضوح قول النسائي في ((المجتبى)): ((هذا الحديث عندي مرسل، وطلحة بن يزيد لا أعلمه سمع من حذيفة شيئًا، وغير العلاء بن المسيب قال في هذا الحديث: عن طلحة عن رجل عن حذيفة))."
    الجواب : هذا إعلال للرواية بالإرسال بمعنى أن الصواب في هذه الرواية طلحة عن رجل عن حذيفة، وهم قد يقولون هذا في حق من ثبت سماعه ولقيه.
    8-وقال (46) :"وقال عبد العزيز النخشبي: ((لا نعرف سماع سلامة من علي، والحديث مرسل))."
    9- وقال (46) :"ويقول البزار: ((محمد بن المنكدر لا نعلمه سمع من أبي هريرة)) ثم قال في آخر الباب: ((وقد ذكرنا أن محمد بن المنكدر لم يسمع من أبي هريرة. . .)) إلى آخر كلامه.
    ألا تراه ينفي العلم بالسماع، ثم يُبَيِّنُ أنه استفاد من ذلك الحكمَ بالإرسالِ وعدمِ الاتصال."

    الجواب : هنا في هذه المواضع تحمل العبارة على غلبة الظن بالإرسال دون التوقف في الرواية للعبارات المقترنة بها.
    وقال (49): "وقد ينفي أحدُ الأئمة العلمَ بالسماع في رواية، وغيره من أهل العلم ينفون السماع فيها، ممّا يدل أيضًا على اتّحاد معنى التعبيرين.."
    الجواب : هذه مغالطة ، العبارات الصادرة من إمام واحد في موضعين مختلفين تحتمل تغير الاجتهاد إذا تناقض القولان فكيف مع اختلاف المجتهد، اللهم إلا أن يدعي أن أحدهما يشرح كلام الآخر!! ومنه فإني لا أجيب عن الأمثلة المذكورة تفصيلا لأن جوابها واحد –إلا ما سبق-.

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    65

    افتراضي

    ثالثا : الخبر المجرد

    قال (65): "وآخر ما أريد ذكره من معاني نفي العلم بالسماع: هو الخبر المُجرّد عن أن الراوي لم يذكر ما يدل على السماع ممّن روى عنه، دون إعلالٍ للحديث بذلك، بل مع الحكم بالاتّصال والقبول!
    وبعد طول كلام قال (67) المثال الأول: سليمان بن بريدة، قال عنه البخاري في (التاريخ الكبير): ((لم يذكر سليمان سماعًا من أبيه)). فهل يتجرّأ أحدٌ، بعد أدلّة السماع التي ذكرناها آنفًا من كلام البخاري نفسه، الذي أثبت تلك المعاصرة الطويلة بين سليمان وأبيه أن يزعمَ أن البخاري يردّ حديث سليمان عن أبيه لعدم علمه بالسماع؟!!"
    الجواب : الصواب أن يقول: فهل يتجرأ أحد بعد أدلة المعاصرة؟ التي ذكرناها آنفا لا أدلة السماع. ونحن لا نزعم أن البخاري يرد حديث سليمان عن أبيه ، لأننا نعتقد أن البخاري قد يصحح الحديث لثبوت اللقاء وإن لم يأت تصريح بالسماع ، وهذا الوهم ناتج عن عدم تحرير محل النزاع وهضمه جيدا. وما أشبه هذا المثال بقضية عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الذي اختلف في سماعه من أبيه فأثبت البخاري الاتصال بثبوت اللقاء (بين الابن وأبيه) فقد أخرج البخاري من طريق عبد الله بن خثيم المكي عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه : أخر الوليد بن عقبة الصلاة بالكوفة فانكفأ ابن مسعود إلى مجلسه وأنا مع أبي . ثم قال: قال شعبة: لم يسمع عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود من أبيه وحديث ابن خثيم أولى عندي التاريخ الصغير (1/99) ونقله خالد الدريس في موقف الإمامين (115-116).

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    65

    افتراضي

    قال (69):" المثال الثاني عبد الله بن بريدة عن أبيه قال البخاري في ترجمته: ((عبدالله بن بريدة بن الحصيب الأسلمي: قاضي مرو، عن أبيه، سمع سمرة، ومن عمران بن الحصين)).
    وهُنَا أنقل ما ذكره خالد الدريس في كتابه الذي ينصر فيه الشرط المنسوب إلى البخاري (موقف الإمامين. .)، حيث قال: 134((ذكرتُ فيما سبق: أن قول البخاري (عن) بدل (سمع) فيما يرويه صاحب الترجمة عن شيوخه تدل على أن البخاري لم يثبت عنده سماع صاحب الترجمة ممن روى عنه، وإلا لقال: (سمع) بدل (عن).
    وهنا أشار الإمام البخاري أن عبدالله بن بريدة روى عن أبيه بالعنعنة، مما يدل على أن البخاري لم يقف على ما يُثبت سماع عبدالله من أبيه. ورُغم ذلك فقد أخرج البخاري في صحيحه لعبدالله بن بريدة حديثين، ليس فيهما ما يثبت السماع أو اللقاء بينهما))! ثم عاد خالد الدريس ليقول 134-135: ((فعلى أي شيءٍ اعتمد البخاري في تصحيحه لهذين الحديثين؟ يبدو أن البخاري أخرج هذين الحديثين لعبد الله بن بريدة عن أبيه مع عدم ثبوت سماع من أبيه لأمرين. .))، ثم ذكرهما، وهما حسب رأيه: أن احتمال سماع عبدالله من أبيه أقوى بكثير من احتمال عدم السماع، وأن البخاري لم يعتمد على الحديث الأول أو الثاني في بابهما. .!!"

    الجواب : عن قول الدريس وحاتم وابن حجر أن عدم وجود التصريح بالسماع لا ينفي ثبوت اللقاء ، وعدم ذكر البخاري لدليل ثبوت اللقاء في التاريخ أو الصحيح لا يعني عدم وجوده، وكلام الدريس يوهم أنه لابد أن يذكر دليل الاتصال في الصحيح وليس بلازم.
    بل الذي أسير عليه ولا ألزم به غيري أن أعتبر إخراج البخاري لرواية الشيخ عن شيخه بمثابة التصريح بسماعه منه ، كما أنه يعتبر توثيقا له ولشيخه .
    ومن الجواب أن يقال إن التصريح بالسماع موجود –ولا يبعد وقوف البخاري عليه -وممن أخرجه أبو داود في سننه (2572، 2843، 5242) والترمذي (2773،3689،3690، 3774) والنسائي في الكبرى (8402،8481، 8498) وابن خزيمة (1226) وابن حبان (6509، 6038، 6039) وأحمد في مسنده (5/350-351)، وقد جاء في آخر الرواية قول عبد الله بن بريدة :" فوالذي لا إله غيره ما بيني وبين النبي  في هذا الحديث غير أبي بريدة ".
    رابعا :
    قال الشيخ حاتم (63):" فمن معاني نفي العلم بالسماع: نفي أن يكون الراوي قد تلقي روايته عن شيخه بطريقة السماع، وإن كان قد تلقّاها إجازةً أو مكاتبةً أو وجادة، بل ربّما تلقّاها عَرْضًا".
    الجواب : الأمثلة التي ذكر فيها نفي للسماع وليس نفيا للعلم بالسماع وهي واضحة فلتراجع .

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    65

    افتراضي

    ثلاثة أمثلة عن مسلم

    قال (71):" فأقول لهم: إذا كنتم أخذتم اشتراطَ البخاري للعلم باللقاء واستفدتموه من إعلاله لأحاديث بعدم العلم باللقاء، فيلزمكم أن تقولوا بأن مسلمًا يشترط العلم باللقاء أيضًا، لأنه قد أعلّ أحاديث بعدم العلم باللقاء كذلك!!!
    وذلك في ثلاثة أمثلة:"

    الجواب : إذا كانت له ثلاثة أمثلة من المتشابه فله أن يردها إلى المحكم وهو مقدمة الصحيح ، أما بالنسبة لغير مسلم كأحمد وأبي حاتم وغيرهما فالأمثلة عنهما بالمئات ولا يمكن تأويلها.
    قال (ص 71و72): " الأول: ذكر الإمام مسلم حديثًا في كتابه (التمييز) من رواية محمد بن علي بن عبد الله بن العباس عن جدّه عبد الله بن العباس رضي الله عنهما، ثم تعقّبه بقوله: ((لا يُعلم له سماعٌ من ابن عباس، ولا أنه لقيه أو رآه)).
    ومع أن هذه العبارة كافية في إلزام الخصم، لكني أعود إليها بالتأكيد على قوّتها في الإلزام!"

    الجواب: لا حجة في هذا القول لأنه يتضمن نفي المعاصرة ، بقوله :"أو رآه"، والمعاصرة الموجودة غير كافية للتلقي فابن عباس توفي سنة 68 ومحمد بن علي توفي سنة 124 أو 125 عن نيف وستين سنة ، بمعنى أن ميلاده كان سنة 64 أو قبلها بقليل .
    وقول حاتم (72):" ويشهد لوقوع المعاصرة فعلاً بين محمد بن علي وجدِّه: أن ابن حبان ذكر محمد بن علي في طبقة التابعين، ولم يذكر له رواية عن صحابي غير جدّه ابن عباس." ليس بشيء لأن ابن حبان اعتمد على روايته عن جده، وهو يتردد في بعض الرواة فيذكرهم في طبقة التابعين وفي طبقة أتباع التابعين بسبب الاختلاف في سماعهم من الصحابة .
    وما ذكره الشيخ حاتم بعد هذا يسقط تبعا لأصله فليس ثمة داع لتسويد الصفحات في رده .
    قال (73-74) :"والمثال الثاني: ذكر ابن رجب في (فتح الباري) حديثًا لأبي صالح مولى أمّ هانىء عن ابن عباس، ثم قال: ((وقال مسلم في كتابه (التفصيل): هذا الحديث ليس بثابت، وأبو صالح باذام قد اتّقى الناسُ حديثَه، ولا يثبت له سماعٌ من ابن عباس)). مع أنّ أبا صالح هذا قديمٌ، وقد أدرك من هو أقدم من ابن عباس، فقد ذكروا له روايةً عن علي بن أبي طالب، وهو مولى أخته أم هانىء فاخِته بنت أبي طالب، وروى عنها أيضًا، وروى عن أبي هريرة. وقد ذكره ابن سعد في الطبقة الثانية من التابعين من أهل المدينة، وقال في بيانها: ((ممن روى عن أسامة بن زيد وعبد الله بن عامر وجابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري ورافع بن خديج وعبد الله بن عَمرو وأبي هريرة وسلمة بن الأكوع وعبد الله بن عباس وعائشة وأم سلمة وميمونة وغيرهم)). وروى عنه من الكبار: الأعمش، وإسماعيل بن أبي خالد، وغيرهما. وتذكّر -بعد ثبوت المعاصرة- أن مسلمًا لم يحكم بالاتّصال، ليتأكد لديك أن مسلمًا كان يراعي القرائن، وأنه لم يكن يكتفي بمطلق المعاصرة."
    الجواب : هذا النص عن مسلم وقفت عليه قديما في تحذير الساجد للألباني (52) وهو مما جعلني أراجع مذهب مسلم وأحاول تفهمه عسى أن لا يكون ثمة اختلاف بينه وبين البخاري، لكني لم أجد شيئا يساعد على ذلك، ولقد كان من السهل علي أن أرد هذا المثال المتشابه إلى المحكم وأن أشك في صيغة النقل، لأنه منقول بالواسطة عن كتاب التفصيل لمسلم، بل أخشى أن تكون الجملة الأخيرة من كلام ابن رجب.
    وقضية مراعاة مسلم للقرائن في النفي لا إشكال فيه ولا خلاف لأنه قد نص عليه في مقدمة الصحيح وهو خارج عن محل النزاع .

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    65

    افتراضي رد: نقض كتاب "إجماع المحدثين" للشريف حاتم العوني

    قال (74-75):"المثال الثالث: تذكر قصّةٌ صحيحةٌ أن مسلمًا دخل على البخاري، فقال له مسلم: ((دعني أُقَبِّل رجليك! يا أستاذ الأستاذين، وسيد المحدّثين، وطبيب الحديث في علله!!!)). ثم ذُكر بمحضرهما حديث كفّارة المجلس، من رواية موسى بن عقبة، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة. فقال مسلم للبخاري: ((في الدنيا أحسن من هذا؟! تعرف بهذا الإسناد في الدنيا حديثًا غير هذا؟! فقال البخاري: لا، إلا أنه معلول. فقال مسلم: لا إله إلا الله!! (وارْتَعَدَ)، أخبرني به؟ فقال: استر ما ستر الله، فألحَّ عليه، وقبّل رأسه، وكاد أن يبكي. فقال: اكتب إن كان ولا بُدّ. وأملى عليه رواية وهيب عن سهيل بن أبي صالح عن عون بن عبد الله بن عتبة موقوفاً عليه، وقال له: ((لم يذكر موسى بن عقبة سماعًا من سهيل، وحديث وُهيب أولى. فقال مسلم: لا يبغضك إلا حاسد، وأشهد أن ليس في الدنيا مثلك!!)).
    فهذا إعلالٌ من البخاري بعدم العلم بالسماع، ويرضى به مسلم، بل يكاد يطير فرحاً به."

    الجواب : إن البخاري لم يتكلم في سماع موسى بن عقبة من سهيل مطلقا، لذلك لم يذكر كلامه في كتب المراسيل ، وإنما تكلم في سماعه لهذا الحديث بعينه، كما أعل حديث القضاء بالشاهد واليمين وقال :« عمرو بن دينار لم يسمعه من ابن عباس».
    ومن هنا يتضح أنه ليس ثمة مثال سالم يمكن أن يستدل به على أن مسلما كان يتفقد السماع في الأسانيد ولو صح عندنا ذلك لكنا نسعد به لثبوت الإجماع حينئذ على اشتراط ثبوت السماع أو اللقي. (وهو ما أراد فعله خالد الدريس بإيراد هذا المثال الأخير في صفحة 433، فنقله الشيخ حاتم من غير تدقيق).

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    65

    افتراضي

    المسألة الثالثة : الأدلة على بطلان نسبة اشتراط العلم باللقاء إلى البخاري


    قال (77):" الدليل الأول : سقوط الحُجّة التي اعتمد عليها الناسبون لذلك الشرط إلى البخاري وغيره من الأئمة، لتبقى تلك النِّسبة قولاً عاريًا من الدليل، ولا يسندها برهان. وكل قولٍ خلا من دليل يسنده فهو ادّعاء باطل، ووَهْمٌ لا حقيقة.
    الجواب : سبق تفتيت الشبهات التي أورد في المسألة الثانية شبهة شبهة ومثالا مثالا، فيبقى زعمه سقوط الحجة مجرد دعوى، ومما أوردناه أن الشيخ حاتما قد انتخب حجة واحدة من عند نفسه وأوهم القارئ أنه لا حجة لخصومه إلا تلك، ولابد للشيخ أن يجيب في طبعته القادمة عن كل الحجج التي ذكرها العلماء في هذا الباب.
    قال (77):" الدليل الثاني: الإجماعُ الذي نقله مسلم في مقدّمة صحيحه، ... وهذا الإجماع الذي نقله مسلم فيه من القوّة ما لا يثبت أمامها شيءٌ من الشُّبَهِ إلا هتكته، وله من الجلالة ما تتضاءل أمامها كل الأقوال المخالفة!!! كيف وهو مدعوم بأنْ لا دليلَ للمخالفين، وبأدلّة أخرى متواردةٍ على نَصْرِه وتأييده؟!!"
    الجواب : بل للمخالفين أدلة وقد اطلع على كثير منها في كتاب خالد الدريس ، ومن أدلتهم على أصل المسألة الإجماع ، الذي يتضمن تأكيد نسبة القول إلى البخاري.
    قال(78):" أمّا أسبابُ قوّةِ هذا النقل للإجماع، وملامحُ جلالته، فالآتية:
    الأول: إمامة ناقل هذا الإجماع في علم الحديث الإمامةَ المسلَّم بها عند كُلِّ الأُمّة"
    ..الخ
    الجواب : لا خلاف في جلالة ناقل الإجماع ولكن جلالته لا تجعلنا نسلم له دعواه دون نظر وتمحيص، إن الخطبة التي ألقى الشيخ هنا تذكرنا بخطب المقلدين للأئمة الذين عندما تناقشهم في مسألة فقهية بالأدلة ينقلونك مباشرة إلى كتب المناقب والفضائل، ويحاول أحدهم أن يلزمك إما أن تتبع الإمام وإما أنك لا تحترمه ولا تسلم له بتلك الفضائل ومنها شهادة العلماء له بالفقه والعلم بالسنة الخ ..

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •