حقوق آل البيت مالهم وما عليهم -1-


الكاتب : الشيخ تقي الدين الهلالي


بسم الله الرحمن الرحيم وصلاته وسلامه على نبينا محمد خاتم المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فقد ورد علي سؤال هذا نصه، أورده بالمعنى لطوله: أن بعض الناس بعد الاستقلال أخذوا ينكرون فضل أبناء فاطمة الذي أعطاهم الله ورسوله، اعتمادا على خطبة ألقاها الملك محمد الخامس بعد رجوعه من المنفى وذكر الحديث: "لا فضل لعربي على عجمي ولا لأسود على أحمر إلا بتقوى الله العظيم"، فما هو الحكم الشرعي؟

الجواب، والله الموفق للصواب،
إن النبي صلى الله عليه وسلم جاء بشريعة كلها عدل وإنصاف ومساواة وتواضع بعيدة عن الافتخار بالأنساب قاضية على نظام الطبقات، وأدلة ذلك من الكتاب والسنة كثيرة، فمنها قوله تعالى في آخر سورة الشعراء: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ. وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ} [الشعراء:214]. روى البخاري رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت عليه هذه الآية دعا أقاربه فاطمة بنته وصفية عمته والعباس عمه وسائر بني هاشم، ثم قال: "يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت وأنقذي نفسك من النار فإني لا أغني عنك من الله شيئا،يا صفية عمة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنقذي نفسك من النار لا أغني عنك من النار شيئا، يا بني هاشم لا يأتيني الناس بالأعمال وتأتوني بالدنيا تحملونها فتقولون يا محمد، فأقول لا قد بلغت". وقال الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}. وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل من أكرم الناس فقال: أتقاهم لله عز وجل، قالوا ليس عن هذا نسألك، قال: أكرم الناس نبي الله يعقوب بن إسحاق نبي الله بن إبراهيم خليل الله، فقالوا ليس عن هذا نسألك، قال: فعن معادن العرب تسألوني؟ قالوا: نعم، قال: خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا. وروى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء، إنما وليي الله وصالح المؤمنين، ولكن لهم رحم أبلها ببلالها. وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] قال الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية: يقول تعالى مخبرا الناس أنه خلقهم من نفس واحدة وجعل منها زوجها، وهما آدم وحواء، وجعلهم شعوبا وهي أهم من القبائل، ومعرفة القبائل مراتب أخر كالفصائل والعشائر والأفخاذ وغير ذلك.

ثم قال: فجميع الناس بالنسبة الطينية إلى آدم وحواء عليهما السلام سواء، وإنما يتفاضلون بالأمور الدينية، وهي طاعة الله تعالى ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم. ولهذا قال تعالى بعد النهي عن الغيبة واحتقار بعض الناس بعضا منبها على تساويهم في البشرية، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} أي ليحصل التعارف بينهم كل يرجع إلى قبيلته. وقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، أي إنما تتفاضلون عند الله بالتقوى لا بالأحساب. ثم ذكر ابن كثير حديث البخاري المتقدم فيمن هو أكرم الناس. ثم نقل عن الإمام أحمد أنه روى بسنده عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: أنظر فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود إلا أن تفَضله بتقوى الله. ثم روى بسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المسلمون إخوة لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى". ثم نقل عن البزار بسنده عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كلكم بنو آدم وآدم خلق من تراب، وليأتين قوم يفتخرون بآبائهم وليكونن أهون على الله تعالى من الجعلان. قال تقي الدين: الجعلان جمع جعل بضم ففتح نوع من الخنافس التي تطير، يعيش بالنجاسات.

ثم نقل عن ابن أبي حاتم بسنده إلى عبد الله بن عمر قال: طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته القصواء يستلم الأركان بمجن في يده فما وجد لها مناخا في المسجد حتى نزل صلى الله عليه وسلم على أيدي الرجال فخرج بها إلى بطن المسير فأنيخت، ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبهم على راحلته فحمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل ثم قال: "يا أيها الناس، إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وتعظمها بآبائها، فالناس رجلان، رجل بر تقي كريم على الله تعالى، ورجل شقي هين على الله تعالى، إن الله عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} ثم قال صلى الله عليه وسلم: أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم".

ونقل عن الإمام أحمد بسنده إلى عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أنسابكم هذه ليست بمسبة على أحد كلكم بنو آدم طف الصاع لم يملؤه، ليس لأحد على أحد فضل إلا بدين وتقوى، وكفى بالرجل أن يكون بذيا بخيلا فاحشا". ونقله عن بن جرير بسنده ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الناس لآدم وحواء طف الصاع، إن الله لا يسألكم عن أحسابكم ولا عن أنسابكم يوم القيامة، إن أكرمكم عن الله أتقاكم. وروى أحمد بسنده إلى درة بنت أبي لهب قالت: قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر فقال: يا رسول الله أي الناس خير؟ قال صلى الله عليه وسلم: "خير الناس أتقاهم لله عز وجل وآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر وأوصلهم للرحم".


جريدة الميثاق: عدد 1 شوال 1382هـ موافق 25 فبراير 1963م


حقوق آل البيت مالهم وما عليهم -2-



الكاتب : الشيخ تقي الدين الهلالي


وقال الإمام ابن كثير في تفسير آية الشعراء السابقة الذكر، قال الله تعالى: {فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين، وانذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون} يقول تعالى: آمرا بعبادته وحده لا شريك له، ومخبرا أن من أشرك عذبه. ثم قال تعالى: آمرا لرسوله صلى الله عليه وسلم أن ينذر عشيرته الأقربين الأدنين إليه وأنه لا يُخَلِّصُ أحد منهم إلا إيمانه بربه، وأمَرَهُ أن يُلَيِّن جانبه لمن اتبعه من عباد الله المؤمنين، ومن عصاه من خلق الله كائنا من كان فليتبرأ منه. ولهذا قال تعالى: {فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون}، ثم ذكر الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية أحاديث صحيحة معزوة إلى مخرجيها بأسانيدها وفصلها تفصيلا كعادته رحمه الله، ثم ذكر أحاديث أخرى ضعيفة ومتروكة وموضوعة ونبه عليها وانتقدها، ولنذكر هنا ما يتسع له المقام من القسم الأول وهو الأحاديث الصحيحة تاركين أسانيدها وتفصيلها اختصارا فنقول: الحديث الأول-روى أحمد عن ابن عباس قال: لما أنزل الله عز وجل {وأنذر عشيرتك الأقربين}، أتى النبي صلى الله عليه وسلم الصفا فصعد عليه، ثم نادى يا صباحاه، فاجتمع الناس إليه بين رجل يجيء إليه وبين رجل يبعث رسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بني عبد المطلب يا بني فهر أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم صدقتموني؟" قالوا: نعم، قال: "فإني نذير لكم من بين عذاب شديد"، فقال أبو لهب: تبا لك سائر اليوم أما دعوتنا إلا لهذا. وأنزل الله {تبت يدا أبي لهب وتب} رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.

الحديث الثاني: روى أحمد عن عائشة قالت: لما أنزلت {وأنذر عشيرتك الأقربين}، قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا فاطمة ابنة محمد يا صفية ابنة عبد المطلب يا بني عبد المطلب، لا أملك لكم من الله شيئا سلوني من مالي ما شئتم". انفرد بإخراجه مسلم.

الحديث الثالث: وروى أحمد عن أبي هريرة قال: لما نزلت هذه الآية {وأنذر عشيرتك الأقربين}، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا فعم وخص، فقال: "يا معشر قريش أنقذوا أنفسكم من النار، يا معشر بني كعب أنقذوا أنفسكم من النار، يا معشر بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا معشر بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار، فإني والله لا أملك لكم من الله شيئا إلا أن لكم رحما أبلها ببلالها". رواه مسلم والترمذي من حديث عبد الله بن عمر وأخرجاه في الصحيحين. وروى أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بني عبد المطلب، اشتروا أنفسكم من الله، يا صفية عمة رسول الله ويا فاطمة بنت رسول الله، اشتريا أنفسكما من الله فإني لا أغني عنكما من الله شيئا، سلاني من مالي ما شئتما" .

وروى مسلم في صحيحه بسنده إلى يزيد بن حبان قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمرو بن مسلم إلى زيد بن أرقم فلما جلسنا إليه قال له الحصين: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت خلفه، لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا ابن أخي والله لقد كبرت سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم فما حدثتكم فاقبلوا وما لا فلا تكلفونيه ثم قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فينا خطيبا بما يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال: أما بعد، ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، فقال له الحصين: ومن أهل بيته يا زيد، أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قال، ومن هم؟ قال: هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس، قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم، وفي رواية: ألا وإني تارك فيكم ثقلين: أحدهما كتاب الله وهو حبل الله، من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على ضلالة.


تعليقات وإيضاح لهذه الآثار

قوله: إن بعض الناس إلى آخره: لقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدق الملك مجمد الخامس رحمة الله عليه وبر ونصح فجزاه الله خيرا، وما حمله على ذلك إلا النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولعامة المسلمين ورعيته بالخصوص، وإلا فلا يوجد نسب أشرف من نسبه، ولكنه أعقل وأجل وأتقى لله من أن يسلك سبيل الجاهلية ويدعو بدعوتها فيفتخر بالأحساب والأنساب، بل يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم.


جريدة الميثاق: عدد 15 شوال 1382هـ موافق 11 مارس 1963م



حقوق آل البيت مالهم وما عليهم -3-



الكاتب : الشيخ تقي الدين الهلالي

وروى البخاري في باب ما ينهى من دعوى الجاهلية من صحيحه عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية". وروى في الباب نفسه عن جابر قال: غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد ثاب معه ناس من المهاجرين حتى كثروا وكان من المهاجرين رجل لعاب، فكسع أنصاريا فغضب الأنصاري غضبا شديدا حتى تداعوا وقال الأنصاري يا للأنصار، وقال المهاجري يا للمهاجرين، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما بال دعوى أهل الجاهلية"، ثم قال: "ما شأنهم؟"، فأُخبر بكسعة المهاجري للأنصاري قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "دعوها فإنها خبيثة".

شرح الحديث الأول:
لطم الخدود هو الضرب عليها براحة اليد جزعا من المصيبة وهي عادة خبيثة تفعلها النساء ومن يتشبه بهن من الرجال. وشق الجيوب: تقطيعها وتمزيقها، والجيوب: محل دخول الرأس من القمص، ودعوى الجاهلية في هذا الحديث هو ما تقوله النادبة من التحسر على الميت والتحسر عليه كقولها واجبلاه تعني يا جبلي وملجأي الذي ألجأ إليه عند الفزع ذهبت وتركتني. فإلى من ألجأ؟ وقال شراح البخاري إن كان فاعل ذلك مستحلا له فهو كافر، فلا تأويل لقول النبي صلى الله عليه وسلم ليس منا. أي ليس من أهل ديننا. وإن لم يكن مستحلا وإنما غلب عليه الجزع ثم رجع وتاب وندم فمعناه ليس من سنتنا. فيكون ذنبا من الكبائر.

شرح الحديث الثاني:
الكسعة: هي الركلة بالقدم في الدبر. وقوله: لعابا أي كثير اللعب والمزاح. وقول: ثاب رجال اجتمعوا.
وحاصل القصة أن أحد المهاجرين كان مزاحا فركل أنصاريا برجله في دبره فغضب الأنصاري وثارت فيه الحمية فاستغاث بقومه فاستغاث المهاجري بالمهاجرين ليدافع كل عن صاحبه فخرج النبي صلى الله عليه وسلم، وزجرهم عن ذلك بقوله: "ما بال دعوى أهل الجاهلية"، أي لماذا تدعون بدعوى أهل الجاهلية وهي التعصب للقبائل والأوطان والمذاهب والأحزاب ونصرهم المطلق سواء أكانوا على حق أم على باطل. ومن دعوى الجاهلية الافتخار بالنسب والتعاظم والتعالي به واحتقار غيره. ونظام الطبقات نظام فاسد متى تمكن من شعب شتت شمله وفرق جمعه وأشاع القطيعة و البغضاء فيما بين أفراده وهو نظام مقدس عند الهنادك يزعمون أن الآلهة حكمت به لترضى كل طبقة بحالها وتسلم سيادة الطبقة التي فوقها. وكذلك كان هذا النظام شائعا في الفرس على طريق القهر والتغلب لا على طريق العقيدة فكانت عندهم طبقة الملوك ثم طبقة الأمراء ثم طبقة أرباب الإقطاع الذين يملكون الأرض ومن يعمل فيها من إنسان وحيوان. وهؤلاء يتوصلون إلى مراتبهم بإقطاع ملك ظالم أو أمير غشوم. وقد يتوصلون إلى ذلك برؤوس أموال ضخمة جمعوها من المناصب العليا أو تعاطي الربا أو هما معا. ومن أهم الإصلاح الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم إبطال هذا النظام كيفما كان نوعه. وقد رأيت بعضه في الشرق ولا أريد ذكره هنا كراهة الخروج عن الموضوع. وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي مالك الأشعري: أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والإستسقاء بالنجوم، والنياحة.

شرح هذا الحديث:
قوله: أربع، أي أربع خصال من أمر الجاهلية أي من صفة الكفار وأخلاقهم والإسلام بريء منها. والأحساب شرف الآباء ومفاخرهم. والطعن في الأنساب احتقار أنساب الناس وذمها وانتقادها. والاستسقاء بالنجوم ادعاء معرفة السنة المخصبة بواسطة النظر في النجوم. والنياحة الندبة على الميت وقد تقدم شرحها. فالملك محمد الخامس رحمة الله عليه أراد أن يعالج أمراض شعبه ليشفيهم بإذن الله من هذا الداء الوبيل وهو في ذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والمصلحين من بعده، وقد انتفع كثير من أولي الألباب بهذا الإصلاح المحمدي فتركوا الافتخار بالأنساب واعتمدوا على العلم والعمل. وما أحسن ما قيل في هذا المعنى :


علـــيـك بتقـوى الله والــــزم حــدوده *** ولا تترك التقوى اتكـالا على النسب
فقــد رفـع الإسـلام سلمـان فــارس *** وقـد وضع الكفـر الشريــف أبـا لـهـب


ومما ينسب إلى علي رضي الله عنه :

النــاس مـن جهـة التـمـثـيـل أكـفــاء *** أبـــــــوهــــ ـــــم آدم والأم حــــــــــواء
فــإن يكـن لهـم في أصلهـم شــرف *** يــفـاخـــرون بـــه فالـطــيـن والمــــاء
مـا الفـخــر إلا لأهــل الـعـلـم إنـهـم *** على الهـدي لـمن استـهـــدى أدلاء


وقال آخر:

عجـــبـت لــذي جـهــل يـظـن جدوده *** تــرقــيـه والـمــرفــوع بالفـعل فاعـلـه


وقال غيره :

لـســـنــا وإن أحــســــابـنـا كــرمـــت *** يــومـــا عــلــى الأحــســـاب نـتـكـل
نـبـنــي كــــمـــا كــانـت أوائـــلـــنـــ ــا *** تــبـنــي ونــفــعــل مــثــل ما فـعـلوا


وقال آخر :

إن كـنـت تـسـمو بـآبــاء ذوي حسب *** قــد صـدقـت ولـكــن بـئــس ما ولدوا


وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى يوم القيامة: أيها الناس إني جعلت لي نسبا وجعلت لكم نسبا فرفعتم نسبكم ووضعتم نسبي، فاليوم أرفع نسبي وأضع نسبكم، أين المتقون؟.

جريدة الميثاق: عدد 1 ذو القعدة 1382هـ موافق 26 مارس 1963م