غزوة بدر فاتحة الخير على الإسلام والمسلمين

============================== =======




يزخر تاريخنا الإسلامي بقصص الأبطال الذين أرسوا دعائم الدين ورفعوا رايته خفاقة وإذا أردنا ان نعرف أسباب انتصاراتهم فلابد من العودة إلى صفحات تاريخهم المشرق، ولان القرن الأول للإسلام هو خير القرون لأنه شهد القدوة والمثل العليا للمسلمين قديما وحديثا فنعود إلى الرجال الأوائل الذين انتصروا على أعدائهم رغم قلة عددهم ويلقى كتاب شهداء عصر الصحابة في عصر النبوة للمؤلف منصور عبد الحكيم الضوء عليهم ويأتي في مقدمة الشهداء رجال بدر الكبرى فحين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يثرب مهاجرا ومعه الصديق أبو بكر رضي الله عنه وكان ما كان من تأسيس الدولة الإسلامية الأولى.


وقد ترك المسلمون المهاجرون ما يملكون من متاع الدنيا خلفهم في مكة المكرمة في سبيل الله..وهاجروا كما أمرهم رسولهم صلى الله عليه وسلم ، وقد أخى بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الأنصار وفى السنة الثانية من هجرته جاءته الأخبار أن قريشا قد أقبلت لها من الشام تجارة «قافلة» في نحو سبعين راكباً من قبائل قريش، كلهم تجار عائدون محملون بالبضائع والأموال من رحلة الشام.


وكان الشهر رمضان وقد انقضى نحو نصفه بقليل. .قيل كان ذلك في تسع عشرة أو إحدى وعشرين، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نحو ثلاثمئة وثلاثة عشر من المهاجرين والأنصار، أي أن جملة جيش المسلمين كان ثلاثمئة وأربعة عشر رجلا كما ذكر البخاري عن البراء بن عازب وقال ابن عباس رضي الله عنه كان المهاجرون يوم بدر سبعين رجلاً وكان الأنصار مئتين وثلاثين.


وكان حامل راية النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وحامل راية الأنصار سعد بن عبادة. وعلى هذا يكون العدد ثلاثمئة وستة رجال، ولكن الراجح والمشهور أن عددهم ثلاثمئة وأربعة عشر بما فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد يكون السبب في الاختلاف:


أن الفارق بين ثلاثمئة وستة ثلاثمئة وأربعة عشر هم الصحابة الذين تخلفوا عن الحضور لعذر قهري، وقد أذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم في البقاء بالمدينة لهذا العذر واعتبر أنهم من الذين حضروا الموقعة وأعطاهم سهما كما أعطى من شهد الموقعة ومنهم عثمان بن عفان الذي تخلف عن المعركة لجلوسه بجوار زوجته المريضة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم «رقية» والتي ماتت يوم المعركة والله أعلم.


وكان عدد المشركين من قريش ما بين التسعمئة إلى الألف وقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعددهم من العبد الذي أسره بعض الصحابة قبل المعركة وسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عددهم فقال: لا أدري: فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم كم يذبحون من الإبل كل يوم؟ فقال تسعة في يوم وعشرة في يوم آخر.فعلم أن عددهم ما بين التسعمئة والألف.


ومن المعلوم تاريخيا أن خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان للقاء عير قريش وعلى رأسهم أبو سفيان بن حرب،ولم يقصد الحرب مع قريش، لكن سبحانه وتعالى ـ أراد لقاءً آخر بين صناديد الكفر من قريش والقلة القليلة من المسلمين ليحق الله الحق بكلماته وتعلو كلمة التوحيد في أرجاء الجزيرة العربية والعالم بعد ذلك، فكانت تلك المعركة الفاصلة والتي سميت بيوم الفرقان لأن الله سبحانه وتعالى ـ فرق فيها بين الحق والباطل.


قال ـ تعالى ( ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضى الله أمراً كان مفعولاً).


بدأت المعركة عندما اخذ أبا جهل عمرو بن هشام يستنفر قريشاً للخروج لحرب محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالمدينة كي يقضى عليهم بزعمه.. واستطاع أن يجمع قريشا على الخروج في نحو ألف مقاتل.


قال تعالى: ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط. (47) وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءات الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب.) الأنفال.


أما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقد خرجوا بادئ الأمر للقاء عير قريش المكونة من ألف بعير عليها أموال قريش وتجارتها، يحرسها سبعون رجلاً على رأسهم سفيان بن حرب ـ ولما فلتت العير من أيديهم حيث جمع الله بينهم وبين عدوهم من غير معاد، وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بخروج قريش للقائه، شاور الأنصار والمهاجرين في الأمر، ذلك لأن البيعة بينه وبين الأنصار كانت على نصرته في المدينة.. وهم الآن خارجها..


واستقر الرأي على لقاء جيش الكفار عند بدر خارج المدينة، بعد ما قال له سعد بن معاذ أحد زعماء الأنصار :«لقد أمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا ،على السمع والطاعة لك، فامض يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك،وما تخلف منا رجل واحد.


وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً. إنا لصبر في الحرب ،صدق عند اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك.. فسر على بركة الله». فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ «سيروا وأبشروا فلإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، ولله لكأني الآن انظر إلى مصارع القوم».


وعند بئر بدر عسكر جيش رسول الله صلى الله عليه وسلم -ونزلت قريش بالعدوة القصوى من الوادي. قال ـ تعالى ـ: إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم)، وأيد الله سبحانه وتعالى نبيه وأصحابه بالملائكة تحارب معهم، وجعلها بشرى لهم، حتى إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ حين يذهب أحدهم لقتال أحد من المشركين يراه قد قتل قبل أن يصل إليه.


وكانت ليلة المعركة ليلة الجمعة، بات رسول الله صلى الله عليه وسلم، يدعو ربه ويكثر من ذكر «يا حي يا قيوم». ويدعو ربه قائلا: اللهم هذه قريش ـ، قد أقبلت بخيلائها وفخرها، تحادك وتكذب رسولك. اللهم فنصرك الذي وعدتني، اللهم أفنهم الغداة». ودارت رحى المعركة عدد المشركين ثلاثة أضعاف عدد المؤمنين لكن الله معهم، فقد أيدهم وأمدهم بجنود لم يروها.. وكانت كلمة الله هى العليا وكلمة الذين كفروا السفلى.


لقد استطاع جيش الإسلام بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقضى على جيش الكفر من قريش في سويعات قليلة ،وهلك صناديد الكفر من قريش على رأسهم أبو جهل، وقتل منهم سبعون وأسر سبعون، وهو القول المشهور والأرجح، وقد ذكر البخاري، ونقله عنه ابن كثير في البداية والنهاية.


أما شهداء المسلمين في بدر فكانوا عشر رجال من المهاجرين ستة هم عبيدة بن الحارث بن المطلب، وعمير بن أبي وقاص أخو سعد بن أبي وقاص، قتله العاص بن سعيد وهو ابن ستة عشر عاماً كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ قد أمره بالرجوع لصغر سنه، ولكنه أصر على الاشتراك والخروج مع جيش المسلمين، وبكى فأذن له في الخروج،وفاز بالشهادة رضي الله عنه وذو الشمالين بن عبد عمرو الخزاعي، وصفوان بن بيضاء، وعاقل بن الكبير الليثي حليف بني عدى، ومهجع مولى عمر بن الخطاب، وكان أول من استشهد من المسلمين في تلك المعركة.


واستشهد من الأنصار ثمانية هم: حارثة بن سراقة، رماه حبان بن العرقة بسهم فأصاب حنجرته فمات، ومعوذ وعوف ابنا عفراء، ويزيد بن الحارث، وعمير بن الحمام،ورافع بن المعلى بن لوذان، وسعد بن خيثمة، ومبشر بن عبد المنذر رضي الله عنهم أجمعين ،هؤلاء هم شهداء الإسلام في بدر.


ومن مواقف هؤلاء الشهداء ما يحكيه لنا التاريخ، مواقف مشرفة تضيء الأنوار الأبدية للسائرين على خطاهم إلى يوم القيامة، إن عوف بن الحارث وهو ابن عفراء قال يا رسول الله ما يضحك الرب من عبده؟ قال :«غمسه يده في العدو حاسرا» فنزع ابن عفراء درعا عليه فقذفها، ثم أخذ سيفه فقاتل حتى قتل رضى الله عنه.


وكان أول من قاتل في تلك المعركة ثلاثة هم: علي بن أبي طالب وحمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم، وعبيدة بن الحارث،وكانت تلك مبارزة على عادة الحروب الأولى، فتبارز عبيدة وكان أكبرهم سنا مع عتبه بن ربيعة، وحمزة ابن عبد المطلب مع شيبة، وعلي بن أبي طالب مع الوليد بن عتبة، وتمكن كل من حمزة وعلى من قتل شيبة والوليد، وجرح عبيدة بن الحارث فساعده حمزة وعلي على قتل عتبه بن ربيعة، وعادا به جريحا إلى معسكر المسلمين ووضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على قدمه، فوضع خده على قدمه الشريفة ثم مات رضي الله عنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أشهد أنك شهيد».


ومن الشهداء حارثة بن سراقة الذي أصيب بسهم فقتله، فجاءت أمه إلى رسول الله فقالت: يا رسول الله، أخبرني عن حارثة، فإن كان في الجنة صبرت،وإلا فليرين الله ما أصنع (تعنى من النياحة) فقال لها صلى الله عليه وسلم «ويحك أهبلت، إنها جنان ثمان وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى».


ومنهم عمير بن الحمام الأنصاري الذي قال حين سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم:ـ يقول «قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض» قال له :يا رسول الله جنه عرضها السموات والأرض؟ قال «نعم» قال بخ بخ ! فقال رسول الله وما يحملك على قول بخ بخ؟ قال «والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال صلى الله عليه وسلم «فإنك من أهلها» فأخرج تمرات من قرنه، كان يأكل منهن فقال :لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها حياة طويلة، فرمى بها ثم ذهب إلى القتال فقاتل حتى استشهد رضي الله عنه.


لقد كان لغزوة بدر الأثر الأكبر في التاريخ الإسلامي فقد سماها الله عز وجل بيوم الفرقان وكانت فاتحة الخير على الإسلام والمسلمين ففيها صرع أئمة الكفر وشرح الله صدر المهاجرين وأصبح للإسلام مكانته في الجزيرة العربية.

منقول.....,
و*السلام عليكم ورحمة الله وبركاته