المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الفضل الجزائري
والظاهر أن قول العرب مسح رأس اليتيم أو مسح برأسه مع أنه مسح بعض رأسه، إنما أطلقت واستجازت العرب ذلك لتمييز العصو الممسوح، لا لأنها تسمي بعض الرأس رأسا. فقولنا مسح برأسه ( أو رأسه) إيضاح للمسوح وتمييزه لأن الظهر أو الصدر أو حتى الخد قد يمسح أيضا.
.
بارك الله فيك أخي الكريم!
أنا لا أنازع في أن العرب أرادوا بذلك أولا تمييز العضو الممسوح، لكن يبقى بعد ذلك: ما الذي أرادوه من هذا المُمَيَّز؟ البعض أو الكل؟ هم يطلقونه تارة ويريدون هذا، وتارة ويريدون ذاك .. فكيف لنا التمييز بين مرادهم؟
لو جعلنا الإطلاقين من باب المشترك لاقتضى ذلك الإجمال، وهو على خلاف المراد من الوضع وهو الفهم، فالأحسن إذن أن نجعله من باب الحقيقة والمجاز، لينصرف الذهن عند سماع اللفظ إلى الحقيقة، إذ الألفاظ قوالب المعاني. ومن أراد المجاز فليبين ذلك بالقرينة.
وهاك دليلا على أن العرب تسمي بعض الرأس رأسا:
قال الإمام الشافعي رحمه الله: قال الله تعالى [وامسحوا برؤسكم] وكان معقولا في الآية أن من مسح من رأسه شيئا فقد مسح برأسه ولم تحتمل الآية إلا هذا، وهو أظهر معانيها، أو مسح الرأس كله، ودلت السنة على أن ليس على المرء مسح الرأس كله، وإذا دلت السنة على ذلك فمعنى الآية أن من مسح شيئا من رأسه أجزأه. اهـ
فكأن الإمام الشافعي رحمه الله - وهو من أهل اللسان - قد جعل الآية من قبيل المشترك، ثم جاءت السنة مبينة للإجمال الحاصل بسبب الاشتراك.
وسواء جعلها الشافعي من المشترك أو من الحقيقة والمجاز= فهذا منه إثبات لأن (الرأس) موضوع في لغة العرب للبعض، إما بالوضع الأول أو الثاني.
وقال الإمام الإسنوي في نهاية السول (1/190): وهذه المسألة تكلم الأصوليون فيها اعتقادا منهم أن الشافعي إنما اكتفى بمسح بعض الرأس لأجل الباء وليس كذلك, بل اكتفى به لصدق الاسم كما ستعرفه في المجمل والمبين.
وقال ابن جني في الخصائص (2/450): ولهذا إذا احتاط الانسان واستظهر جاء ببدل البعض فقال : ضربت زيدا وجهه أو رأسه . نعم ثم إنه مع ذلك متجوز الا ( تراه قد يقول ) : ضربت زيدا رأسه فيبدل للاحتياط وهو إنما ضرب ناحية من رأسه لا رأسه كله . اهـ.
ولا أريد التعليق عليه لأنه مبني على مذهبه من أن أكثر اللغة مجاز، لكن ما أريده منه واضح.
وأما قولكم:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الفضل الجزائري
وهذا كقولنا اشتريت الخبز ، فهو مفرد مضاف يفيد العموم مع أني لم أشتر سوى خبيزات وهذا كله إنما هو لتمييز جنس المشترى.
.
أقول: هذا ليس من قبيل المفرد المضاف، بل هو من اسم الجنس المعرف بالألف واللام، ولعل هذا سبق قلم منكم .. وعلى كل حال فهو يفيد العموم عند جماعة من أهل العلم، والخلاف فيه محكي، وسبب الخلاف هو احتمال العهد، إما الذهني أو الذكري أو الحضوري، والراجح أنه يفيد العموم مالم يكن [أي يوجد] عهدٌ، فإذا وجد عهد ولا قرينة لتمييزه فهو مجمل، كما هو مذهب إمام الحرمين.
وأيضا فإن مثل هذه الصورة (اشتريت الخبر) إنما تحمل على الإطلاق لعدم إمكان الاستغراق، وتمييز الجنس لا نزاع فيه كما قدمتُ، لكن ما هو هذا الجنس؟ الكل أو البعض؟ الأول متعذر، فيحمل على الثاني.
وهذا بخلاف (رؤوسكم) فإن الاستغراق في الرأس غير متعذر، فليحمل اللفظ عليه، وظاهر اللفظ: فليمسح كل واحد كل رأسٍ، وهذا ليس مرادا لتعذره، فيحمل على: ليمسح كل واحد كل رأسه.
والمسألة تحتمل أكثر من هذا، لولا ضيق الوقت، ولا أزعم أني أصبت الحق، لكن هذا ما من الله به، والحمد لله وحده.