تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: مطاعن العلمانيين على أهل السنة

  1. #1

    افتراضي مطاعن العلمانيين على أهل السنة


    بسم الله الرحمـن الرحيم

    نظرية الفقه السياسي والاقتصادي عند أهل السنة
    الحلقة الأولى
    مطاعن العلمانيين على أهل السنة

    الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبيّ بعده،وبعد...
    يتهم العلمانيون في العالم الإسلامي ـ و الذين يتسمون بعدة أسماء،ففي بعض البلاد يسمون أنفسهم :التيار الليبرالي، وفي أخرى: الديمقراطي، وفي أخرى: الوطني ـ أهل السنة بمجموعة تهم استعاروها من عند الفلاسفة والمعتزلة كحرفية التفسير، ومن مظاهرها: رفض التأويل، وإنكار المجاز، والغرق في التشبيه.
    ويتهمونهم بالجمود الفكري، وضيق الأفق المعرفي، وأن الحوارالفكري معهم مماحكات لفظية، وأنهم يحتكرون العلم الشرعي، وحق تفسير النصوص وتأويلها فأدى هذا إلى الاستبداد في فهم التنزيل والاستبداد في الأمر السلطاني مما أظهر عندهم حرمة مراجعة التنزيل ومراجعة السلطان.
    وأنهم يكفرون المعارضين لهم استنادا إلى الحديث ـ المشكوك في صحته! ـ الفرقة الناجية من ثلاثة وسبعين، فأصبحت الفرقة الناجية هي حزب الحكومة ، ومن ثم تكفير الاتجاهات المعارضة.
    وأن مرجعية أهل السنة في هذا الأمويون الذين تبنوا عقيدة الجبر لجهم بن صفوان!، و العباسيون الذين تبنوا عقيدة القدر لمعبد الجهني، فتعذر الحوارمعهم منذ القديم والسيف مرفوع فوق الرؤوس.
    يلاحظ على هذه التعليلات العلمانية أنها اختزلت التاريخ الإسلامي في فرقتين الأشاعرة والمعتزلة، ودولتين الأموية والعباسية إضافة إلى أنها تفتقر إلى التحليل العلمي المرجعي والصحة التاريخية.
    لم ينتبه العلمانيون في العالم الإسلامي خاصة في بعض بلاد الخليج وهم في لهف للبحث في تراث المعتزلة عن مستندات يقفون بها في مجتمعهم المتدين إلى سيادة التصور السياسي الأشعري في غالب البلاد الإسلامية هذا التصورالقائم على تصور سلطوي مركزي إطلاقي، فمفهوم الفرد وفق هذا المفهوم لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، فليس للإنسان إلا أن يكسب ما يهيئه الله له،لأن الإنسان لا يستطيع أن يفعل إلا إذا تدخلت الإرادة الإلهية لحظة فعله، وجعلته ممكنا، والإنسان يعيش في عالم لا يحكمه قانون ولا يرعى الأصلح، وليست به غاية، أي عقيدة الجبر المعروفة فهي عقيدة الجهم بن صفوان فكيف ينسب هذا لأهل السنة؟!
    و إن كانت بعض النظريات ـ الصوفية ـ تقود إلى هدم العقل، فإن نظرية المعتزلة قديما والعلمانين حديثا تؤدي إلى تأليه العقل وعبادته.
    فالعلمانوين يعتقدون أن آلة العلم العقل وآلة الدين القلب وبرهان العقل مخالف ليقين القلب، ولذلك يجب فصل الدين عن الدنيا وهذا تصور خاطيء للدين وللعقل
    وتصور خاطيء لمنهج أهل السنة العلمي والسياسي الذين لا يفرقون بين هذا وذاك بل كل شيء عندهم خاضع للمنهج العلمي أي للشرع، فالسياسة عندهم يجب أن تكون شرعية فإذا ما اعتبرنا التفكير في وحدة الأمة والنهوض بها فهو لا يخرج عند أهل السنة عن دعوة التوحيد وإحياء السنة في الأمة.
    فعند أهل السنة يجب صرف الجهود لتحقيق قوة هذه الأمة الأساسية التي هي تحقيق رسالة التوحيد والدعوة إليها، فلا نريد أن نكون الإمبراطورية الرومانية ولا الإمبراطورية الأمريكية الغربية ثم نزول في التاريخ حتما كأمة أضاعت الغاية من وجود الإنسان، ماذا ينفعنا أن نصير مثل اليابان أو الصين في التقدم ونضيع الدين؟.
    وهل لعب المغول التتار عبر التاريخ دورا يذكر الآن عند البشر أو عند الله مع أنهم كادوا يحتلون كل المعمورة، إن قيمة المسلمين ليس فقط في كونهم أمة تملك فكرا شاملا كاملا يتجاوب مع الفطرة البشرية ويحقق آمالها الحقيقية بل قيمتهم الجوهرية أنهم أمة التوحيد، فالقوة المادية في جميع صورها العسكرية والاقتصادية ليست هدفا وغاية بقدر ما هي وسيلة لأداء فكر له معنى وغاية هي رسالة إنقاذ البشرية من الشرك لا إهلاكهم.
    فطغيان المطالبة بالقوة المادية على حساب الأصول الأساسية هو الذي حطم العثمانيين بالأمس من جهة، ومن جهة أخرى هو مخالفة لسنة الكون التي تقتضي أن كل جزئية يجب أن ترجع لأصل كلي.
    والدولة التي تنشدها العلمانية دولة أصلها الأساسي النفعانية بينما الدولة التي ينشدها أهل السنة أساسها وأصلها التوحيد والاستسلام لله تعالى وما يتفرع عنه كالأخلاق.
    ولهذا لا ينتهج أهل السنة العنف ولا التحزب السياسي لأنه نهج لا يرتبط مع هذا التصور للدولة لديهم، لأن التوحيد والاستسلام لله تعالى والتحلي بالأخلاق الإسلامية في كل تجلياتها أقصد في المعاملات والأحوال الشخصية تقوم على الاقتناع الطوعي لا على الإكراه.
    وعليه وجب علينا كأمة بنيت وقامت على الحقائق العلمية الثابتة أن ندرك الفرق بين الإقناع والاقتناع أن الأول يجب أن يعم غيري بينما الثاني لا يتجاوز ذاتي، ومن المسلمين من عنده قدرة على الإقناع، ومنهم من ليس لديه إلا الاقتناع بأن المنهج السني صحيح، وصالح لكل الناس، ولكنه لا يملك القدرة على إقناع الغير به، وعليه يجب أن لا نخلط بينهما، ونلزم هذا بما يصلح لذاك.
    فالاقتناع مهما كان رائعا قويا في النفس مصداقيته شخصية، بينما يجب أن يكون الإقناع مصداقيته عامة أو غالبة، وهنا يكمن الفرق بين العلم والرأي.
    فلا يجب أن نعد تصديقنا الذاتي برهانا يلزم الآخرين ونكتفي به لتقرير الأحكام وإن كان في حقيقة الأمر كذلك إن لم نقدر على نقله لغيرنا.
    وإن كان بعض أهل السنة المخلصين قد عارضهم بعض الناس على أفكارهم بمجرد اقتناعهم الشخصي الخاص الذي يعجزون عن البرهنة عليه بالتدليل العلمي، وهذا أمر حاصل وواقع لا يجب أن نتذمر منه كثيرا لأننا في طور بناء أمة إسلامية قوية تعطي العلم حقه ومكانته فما عليهم إلا الحرص على إقناع الأخرين.
    إن الأصل المعرفي عند أهل السنة أننا إذا كنا نتوقع من الكتاب والسنة أن يوضحوا لنا السبيل والأسلوب للنهوض بهذه الأمة فلا يجب أن نرشدهما سلفا بالتأويلات المتعسفة إلى الجهة التي يجب أن نصير إليها.
    جل المسلمين لهم يقين راسخ أن الدين الإسلامي ختم الله به الرسالات السمـوية لأنه الدين الصالح للبشرية إلى قيام الساعة، وقد تكلم علماء الإسلام عن القرآن وأن دلائله لا تنقطع، وأنه فيه الأجوبة على مشكلات البشرية الكبرى إلى قيام الساعة.
    فهذا أمر يعتقده غالب المسلمين، ولكن الفرق بين الاعتقاد والواقع أننا في كثير من الأحيان عجزنا عن إخراج هذه الحقيقة إلى عالم الواقع و العمل، ونحن إذا رجعنا إلى كتابات ابن تيمية نجده قد استخلص من الكتاب والسنة حلولا و براهين تحل المشاكل التي طرحتها الفلسفة وعلم الكلام والدولة في وقته مما يعني أن النص يحمل دلالات كثيرة تظهر بالبحث عنها عند استشعار المشكل، فلم يحتج المسلمون إلى استنباط علم جديد أو فكر لحل مشكلات عصرهم بل وجدوا في الكتاب والسنة ما يكفل ذلك باعتبار قوة القرآن البرهانية وصلاحيته للبشر إلى آخر الدنيا.
    وعليه فنحن اليوم قادرون على إيجاد الحلول لمشاكلنا المعاصرة في كتاب الله وسنة نبيه مثلهم تماما، ولكن علينا أولا إدراك عمليا القيمة العلمية للكتاب والسنة ثم إدراك مشاكلنا والتحديات التي تواجه أمتنا لنبحث عن الحل في الكتاب والسنة، وليس في العلمانية والديمقراطية.
    ولو أننا قارنا بين الثورة الفرنسية والثورات العربية، لوجدنا أن الثورات العربية لا تشكل إلاّ حدثا تاريخيا لأنّها لم تكن ثورات فكرية وعلمية وعقدية على أوضاع فاسدة، ولكنها في الغالب ثورات من أجل الأرض واسترجاع الأرض، ودفع الصائل أمر فطري في الناس لا علاقة له بالإسلام، وكل شعب المعمورة قامت به.
    ولذلك ليس للثورات التي قام بها العرب في هذا العصر أي امتداد فكري وعقدي وخلقي على حياة المسلمين، بخلاف الثورة الفرنسية التي قامت من أجل تغيير فكري والمطالبة بوضع فكري جديد، وكانت لها قاعدتها الفكرية المتمثلة في الجمهورية وقيم العلمانية وغير ذلك، لا زالت هذه الثورة حية لحد اليوم وتشكل دافعا في الثقافة اليومية للغربيين.
    وعليه فإن الإسلام أو الثورة الإسلامية ـ إذا صحّ التعبير ـ التي قام بها الصحابة على الجاهلية والشرك، لم تكن من أجل استرجاع الأرض، أو دفع الصائل ولكنها قامت لتقر مبدأ التوحيد، وتحمل القيم الجديدة والخالدة إلى البشرية جمعاء، فهي ثورة علمية معرفية لنشر الإيمان والفضيلة ترتكز على أساس عقدي متكامل له وسائله العلمية والمنهجية موجودة في الناس مادامت الثورة العلمية الدعوية على الشرك والكفر والانحراف قائمة.
    ولكن عندما تحدث فجوة بين الأساس العقدي والفكري العلمي لهذه الثورة المتمثل في منهج السلف الصالح ومفهومهم للدين وبين واقع المسلمين اليوم لا يصبح الدين إلا كحدث تاريخي لا أثر له في حياة الناس اليومية إلا عبر التقليد، أو الظهور في المواسم والأعياد.
    فإذا أزمة المسلمين اليوم مع الإسلام أزمة تضييع الأساس الفكري والعقدي لهم الذي يتيح لهم رؤية الإسلام عامل عملي في حياتهم اليومية يدفعهم إلى التفوق والبحث عن حلول الإشكالات، هذا هو الطرح السني في ثوبه الفكري عندما يطالبون الناس بالرجوع إلى عقيدة ومنهج وفكر السلف الصالح قبل أن تظهر فيه عوامل خارجية سلبية مع الاستعداد لقبول كل جديد لا يتعارض وأصول الإسلام وثوابته.
    فعندما ينادي أهل السنة بأعلى صوتهم أن السبيل هو العقيدة ومنهج السلف الصالح ليس لنا أن نتصور في أذهاننا مسجدا قد امتلأ عن آخره بالعباد بل علينا أن نتصور إنسانا وأمة مستسلمة لله تعالى في عقيدتها وفكرها وأخلاقها ومعاملتها في أي مجال من المجالات، أي عباد في البيت والشارع والمعمل والمسجد.
    فالنهضة الإسلامية مربوطة حتما بالانطلاق العقدي والفكري والمنهجي وإلا ستصير كالثورات العربية المعاصرة حدث تاريخ يموت امتداده يوم يموت من قاموا به، وإن أرادت السلطات إحيائه لاستغلاله في تسييس الشعوب وتلهيتها فالأموات لا يرجعون إلى الحياة إلاّ كأصنام ودمى وصور على الحائط.
    أرزيو/ الجزائر في12 رمضان1430
    مختار الأخضر طيباوي
    كتبت وقد أيقنت يوم كتابتـي *** بأن يدي تفنى ويبقى كتابها
    فإن كتبت خيراً ستجزى بمثلها *** وإن كتبت شراً عليَ حسابها

  2. #2

    افتراضي رد: مطاعن العلمانيين على أهل السنة

    رفع الله قدركم

  3. #3

    افتراضي رد: مطاعن العلمانيين على أهل السنة

    وأنتم كذلك, وشكرا على مروركم الطيب
    كتبت وقد أيقنت يوم كتابتـي *** بأن يدي تفنى ويبقى كتابها
    فإن كتبت خيراً ستجزى بمثلها *** وإن كتبت شراً عليَ حسابها

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •