بسم الله الرحمن الرحيم

من ملامح منهج المرزوقي في شرح الفصيح
أحمد عادل سالم بانعمة

المحور الأول : ملامح منهجه في تعامله مع نص الفصيح وصاحبه
1ـ عدم التزامه بنص الفصيح ، وهذا ظاهر جدا فهو لم يثبت نص الفصيح ثم يشرحه ، وإنما عمد إلى شرح المعاني مباشرة مضمنا بعض نصوص ثعلب في أثناء الشرح .
2ـ تخطئته لثعلب وعدم التماسه العذر له
أـ خطأه في قوله : " اخترنا أفصحهن " ورأى أن الأجود ( فصحاهن ) ولم يلتمس له وجها مع أن الهروي قال : " أضاف أفصح وهو أفعل من الفصيح إلى هنّ وهي ضمير اللغات ؛ لأنه أراد وجها واحدا مما تنطق به العرب على وجوه مختلفة الحركات أو الحروف ، متفقةٍ في المعنى ، ولم يرد به اللغة الفصيحة ، ولو أراد ذلك لقال : فصحاهن " [ إسفار الفصيح 1/320 ] .
ب ـ أورد ثعلب في باب ( فعلت بغير ألف ) الفعل ( هرقت الماء ) .. فقال المرزوقي : " ووضع أبي العباس أرقت الماء في هذا الباب وقع سهوا منه ؛ لأنه أفعلت ، ووضعَه في باب فعلت بغير ألف " [ ص : 31 ] . وقد التمس الهروي العذر لثعلب بقوله : " وإنما ذك رثعلب رحمه الله هرقت وأرقت في هذا الباب على اللفظ بهما بعد إبدال هرقت وإعلال أرقت ، ولو ذكرهما على أصلهما لوجب أن يذكرهما في باب أفعل " [ 1/375 ] .
3ـ اعتذاره له في أحيان قليلة
أـ " وأثرت التراب أثيره إثارة ذكره وإن لم يكن من الباب لموافقة لظفه للفظ ما قبله ، وإن كان أصله أفعلت " [ ص : 72 ] .
ب ـ اعتذر له في تفسيره عجل بسبقته ، وذكر أن عجل يأتي على وجوه منها ما يتعدى بنفسه كقوله تعالى : (( أعجلتم أمر ربكم )) ؟ [ ص : 70،71 ] .
ج ـ تحدث ثعلب في باب ( فعل ) عن عسى ، وقال : " وعسيت أن أفعل ذاك ، فلا يقال منه يفعَل ولا فاعل " ، وليس من شأن ثعلب أن يشير إلى مثل هذا ، فقال المرزوقي : " وإنما قال ولايقال منه يفعل ولا فاعل ليعلم مخالفته للأفعال " [ص : 10 ] .
المحور الثاني : ملامح منهجه في الشرح والتوضيح .
1ـ عدوله عن منهج الاختصار الذي اختطه لنفسه
حدّد المرزوقي منهجه في الاختصار بقوله : " واشترطت علي ألا أخرج عن تبيين ما في أبوابه وفصولها ، إلى ما ما تقتضيه نظوم الكملا وحروفها ، ولا أضم إليه إلا ما تنكشف به أصول الألفاظ ومبانيها ، وتتضح له مواردها ومصادرها ... وأن أعد لعن سلوك ميدان التطويل " [ ص : 2 ] .
ولكنه خالف هذا الشرط في مواضع ، منها :
أـ أفاض في شرح اسم الإشارة ( ذا ) وتحدث عن تثنيته وجمعه ، وعن تذكيره وتأنيثه ، وعن دخول الكاف والهاء عليه [ ص : 3 ] ، مع أن ثعلب لم يزد على قوله : " هذا كتاب اختيار فصيح الكلام " .
ب ـ عند قول ثعلب : " فاخترنا أفصحهنّ " قال المرزوقي : " عدل أبو العباس في خطبة كتابه عما هو أجود وهو ( فاخترنا فصحاهن ) ... " ثم أفاض في بيان أحكام أفعل التفضيل وأحواله . [ ص : 4 ] .
2ـ كتابته مقدماتٍ مختصرة لأبواب الفصيح
جرت عادة المرزوقي أن يقدم لكل باب بمقدمة صغيرة ، تشتمل هذه المقدمة عادة على المعاني التالية أو بعضها :
أـ بيان الغرض من الباب
وهذا المعنى أكثر المعاني التي تتضمنها المقدمات ، انظر قوله :
ـ " باب فعَلْتُ بفتح العين . قصده في هذه الترجمة إلى أن ينبه على أن ما يشتمل عليه الباب يجب أن يكون على فعَل بفتح العين إما من طريق الاختيار وإن كان فيه غيره من اللغات جائزا ، وإما لأنه لا يجوز غيره " [ ص : 5 ] .
ـ وتحدث في باب ( فعَلت بغير ألف ) عن الغرض من تكرار باب ( فعَل ) فقال : " وإنما أعاد أبو العباس هذا الباب ؛ لأنه وجد العامة يخطئون فيما ذكره فيه على غير الحد الذي يخطئون فيها فيما تقدم ، وذلك أنهم يردون فيما تقدم فعَلت إلى فعُلت أو فعِلت ، ويردون ما في هذا الباب إلى أفعلت " [ ص : 27،28 ] .
ـ " باب فُعِل بضم الفاء ... وقصد المصنف أن يري أن في كلامهم أفعالا قصرت على أن تكون إخبارا عن المعفلوين فقط ، أو كثر استعماله على ذلك وإن كان لا يمتنع أن يبنى منه الافعل أيضا ، وأن العامة تعدل عن منهاجهم " [ ص : 38 ] .
ـ " باب فعِلت وفعَلت باختلاف المعنى ... والقصد في هذا الباب ذكر الاختلاف بينهما في المعنى مع اختلافهما في البناء ، وإن كانا من أصل واحد " [ ص : 47 ] .
ـ " باب فعَلت وأفعلت القصد في إلى الفصل بين فعَل وأفعل . وقد اختلف معناهما وإن كان من أصل واحد وذاك لأنهما قد يتفقان " [ ص : 53 ] .
ب ـ الكلام على مستقبل الباب
ـ في باب فعلت بفتح العين : " وفعَلَ مستقبله يكون على يفعُل بالضم ، أو يفعِل بالكسر ، والكسر هو الأصل والضم داخل عليه وذلك لمقاربة التفحة الكسرة إلا أن تكون عينه أو لامه حرفا من حروف الحلق ، فإنه حينئذ قد يجيء على يفعَل بفتح العين لتكون الحركة مناسبة بالاستعلاء حروفَ الحلق " [ ص : 5،6 ] . وتحدث عن مستقبل المعتل عينا أو لاما من بنات الواو أو الياء . وكذلك عن المعتل فاء . وعن مستقبل المضعف إذا كان لازما أو متعديا [ ص : 6،7 ] .
ـ نبه على مستقبل ( فعُل ) في تقديمه لباب فعلت بغير ألف .
ج ـ التنبيه على خلل الترتيب
ـ فقد نبه في صدر باب ( فعلت بغير ألف ) على تقصير أبي العباس في التقسيم ؛ لأنه كان ينغي عليه أن يبدأ بباب فعَل ثم فعُل ثم فعِل ثم يكون الرابع باب فُعِل ، ولكنه أهمل باب ( فعُل ) " فلم يجره مجرى سائر نظرائه وجعل ما ذكره من حروفه كقوله : " أخذه ما قدُم وما حدُث " ، وردُؤ الشيء فهو رديء ، ودفُؤ يومنا فهو دفيء ، مندسا في أثناء سائر الأبواب " [ ص : 27 ] . ثم تحدث استطرادا عن مضارع فعُل .
د ـ الإشارة إلى مسائل صرفية تتعلق بالباب
كإشارته إلى معاني الهمزة في أفعل وأنها قد تكون للنقل وقد تكون في أصل الوضع . [ ص : 53 ] .
3ـ الإشارة إلى اختلاف اللهجات واللغات
ـ فقد أشار إلى أن بعض أهل الحجاز يقولون في المال وأشباهه ينمو نموا ، وفي الخضاب ينمي ... ثم قال : " وذلك لا يعرج عليه " . [ ص : 7 ] .
ـ " برِئت من المرض ... واللغة الأخرى برَأت " [ ص : 24 ] .
ـ " رضِع المولود : إذا امتص اللبن من ثدي أمه ، والفتح في الضاد لغة حجازية " [ ص : 25 ] .
ـ " وقد روي في رعَدت السماء وبرَقت أرعدت وأبرقت أيضا " [ ص : 29 ] .
ـ " هرقت الماء إذا صببتَه ، فيه ثلاث لغات ، أرقت ... وبعده هرقت ... ثم تقول : أهراق " [ ص : 30 ] .
ـ " بُهِت الرجل : إذا ورد عليه ما يحيره ، وفيه لغات هذه أفصحها " [ ص : 38 ] .
ـ " وقد انتقع لونه ، فيه ثلاث لغات : النون ، والميم ، والباء ، وكان الأصل انتقع ثم دخل الميم على النون ، ودخل الباء على الميم " [ ص : 45 ] .
4ـ الإشارة إلى ما وقع في الكلمة من إعلال أو إبدال
ـ " والنمي زنته فعول ، وأصله نموي لكن الواو والياء إذا اجتمعا والأول منهما ساكن تقلب الواو ياء وأدغمت الياء في الياء إذا لم يمنع مانع ، ثم كسر الميم لمجاورته الياء " [ ص : 8 ] .
ـ " ومستقبله يَلَغ ، وإنما لم يثبت الواو وإن كان عينه مفتوحا لأنه كأنه جاء على الأصل من بابه فقيل يولِغ بكسر اللام فأسقطت الواو لوقعوعها بين ياء وكسرة ثم ردّ من يفعِل إلى يفعَل لمكان حرف الحلق " [ ص : 16 ] . وانظر ص : 19 .
5ـ الإشارة إلى بعض القوانين اللغوية والاستئناس بها في الشرح
ـ " لأنهم يحملون النظير [ على النظير ] ، والنقيض على النقيض " [ ص : 9 ] .
ـ " وحكي : يقال : أمر محزن ولا يقال حازن ، ولا يمتنع أن يكون الفعل من لغة ، واسم الفاعل من أخرى " [ ص : 34 ] .
ـ " ولا يمتنع أن يخص العرف أو الوضع بعض الأبنية بشيء بعينه ، وإن كان مرجع الكل إلى أصل واحد لفظا ومعنى " [ ص : 59 ] . واستأنس بهذا في الفرق بين أدلج ( سار اول الليل ) و ادَّلج ( سار آخره ) مع أن أصلهما جميعا من دلَج دلوجا إذا سار .
6ـ الانفراد بتعليلات لبعض الأحكام اللغوية
ـ " وإنما امتنع بناء يفعَل ( أي من عسى ) لأنه وضع عبارة لما قد ظهر من تباشيرالشيء ، وأمارات وقوعه ، وإذا كان كذلك فلا فائدة في بناء اسم الفاعل فاعلمه " [ ص : 10 ] .
7ـ الاستشهاد بالقرآن الكريم
ـ (( وكذلك أعثرنا عليهم )) . [ ص : 11 ]
ـ (( فإذا هم خامدون )) [ ص : 13 ] .
ـ (( وهو كلٌّ على مولاه )) [ ص : 15 ] .
ـ (( وأنا لمسنا السماء )) [ ص : 22 ] .
ـ (( وعلمناه صنعة لبوس لكم )) [ ص : 48 ] .
ومن الملاحظ أنه قليل الاسشتهاد بالقراءات حيث لم يستشهد في المقدار المقرر للدراسة إلا بقراءتين اثنتين إحداهما :
ـ (( أمرنا مترفيها )) وقرئ ( آمرنا ) [ ص : 51 ] .
8ـ الاستشهاد بالأمثال
ـ مطلا كنعاس الكلب . [ ص : 12 ] .
ـ أنوم من فهد . [ ص : 12 ] .
ـ المرء يعجز لا محالة . [ ص : 13 ]
ـ الأكل سرطان والقضاء ليان . [ ص : 21 ] .
ـ ربّ صلَف تحت الراعدة . [ ص : 30 ] .
ـ جاء كخاصي العير [ ص : 33 ] .
9ـ الإشارة إلى أمثال العامة وأشعارهم وبعض تجاوزاتهم
( البيت لأبي الأسود وأراد أن ينفي عنه العجمة )
ـ " وشمّام بناء المبالغة أي يشمِّم الأشياء وربما جعل للمفعول ي كلام العامة ، على هذا قولهم : ( شمّامة كافور ) " [ ص : 22 ] .
ـ " ومن أمثال العامة : المغبون لا محمود ولا مأجور " [ ص : 40 ] .
10ـ الإشارة أحيانا إلى الفروق اللغوية
ـ تفريقه بين الغبطة والحسد [ ص : 12 ] .
ـ تفريقه بين ارفضوا وانفضوا ، " وحكي عن بعضهم ... أنه قال : انفضوا : تفرقوا ، وارفضوا : ترك بعضهم بعضا " [ ص : 36 ] .
11ـ تعليل التسميات
ـ " والحرص التقدير ... ومنه قيل لعَرْصة الدار : الحَرْصة ؛ لأنها مقدرة تقديرا [ ص : 13 ] .
ـ " وحكي أن الزَّرْد عصر الحلق عند البلع ولذلك قيل للحبل الذي يشد به عنق البكر عند الرياضة المزرد والزِّراد " [ ص : 21 ] .
ـ " والشمول في الخمر ، قيل : هو منه أيضا لأنها تشتمل على العقل " [ ص : 24 ]. " وقيل سميت الخمر شمولا لأن عصفتها كعصفة الشمال " [ ص : 28 ] .
12ـ عنايته بذكر المصادر واختلاف المعنى باختلافها
ـ " وقفْتُ الدابة : إذا حبستَها ، ومصدره الوقف ، ووقف أيضا هو ، ومصدره الوقوف " [ ص : 31 ] .
ـ " عُنِيت بحاجتك ... ومصدره العناية ، فرقا بينه وبين العناء : التعب " [ ص : 38 ]
.
ـ " أمِر القوم : كثروا يأمَرون أمَرا ... فأما قولهم أمَر علينا أي ولي فقد حكي أمُر بضم الميم أيضا ، ومصدره الإمارة والإمرة ... فأما أمَرت الغلام فمصدره الأمْر " [ ص : 51 ] .
13ـ إشارته إلى اختلاف معنى الفعل باختلاف حرف التعدية
ـ " نكل عن الشيء نكولا إذا جبن وهاب الإقدام عليه ، وكذلك نكل عن اليمين ، فأما نكل به فمن النكال الذي هو العقوبة ، يقال : نكَل به نُكْلة قبيحة " [ ص : 15 ] .
14ـ الإشارة إلى المعاني المجازية أو الناشئة عن التوسع
ـ " سبحت أي عمت ... ويستعار السبح للتصرف والسعي جميعا ، على ذلك قوله تعالى : (( إن لك في النهار سبحا طويلا )) " [ ص : 15 ] .
ـ " كسب المال واكتسبه : جمعه ... ويقال : هو مرهون بما كسبت يداه على التوسع " [ ص : 18 ] .
ـ " ربط الشيء شده ، ومصدره الربط ، ومنه قيل على التوسع : ربط الله على قلبه " [ ص : 18 ] .
ـ " ويسمى ما يغتص به غصة ويقال على التوسع في الذم : هو غصة في حلوق الناس " [ ص : 23 ] .
ـ " علفتُ الدابة أعلفها علْفا ، والعلَف الاسم ... وتوسعوا فيه فقالوا : لا تعلف فلانا ما يكرهه " [ ص : 32 ] .
ـ " وتوسعوا فيه حتى قالوا جبرت الحساب جبرا " [ ص : 66 ] .
ـ " وتوسعوا فيه فقالوا : فلان عرضة للدهر يرميه بقوارعه ، ورمته المرأة بطرفها إذا فتنته " [ ص : 67 ] .
15ـ إشارته إلى ماجاء شاذا أو قليلا
ـ " وإذا كانا متحركين فلا بد من الإدغام فيهما ، وذلك كلجّ ، وإذا كان سكون الثاني غير لازم جاز الإظهار والإدغام ، وذلك كالججْ ولجَّ . فأما ضبِب البلد : إذا كثرت ضبابه ، وألِل السقاء إذا تغيرت ريحه ، ولحِحت عينه ، فشواذ " [ ص : 25 ] .
ـ " وفعلته ففعل قليل " [ ص : 31 ] . " وقال العجاج : قد جبر الدين الإله فجَبَر . وهذا مما جاء على فعَلته ففعَل " [ ص : 66 ] .
ـ " فُلج الرجل فهو فالج ، وهذا اسم الفاعل وضع موضع المصدر ، ومثله عوفي عافية ، وقم قائما ، وما أباليه بالية وبالة " [ ص : 43 ] .
16ـ قلة استشهاده بالحديث
ـ (( ما أذن الله تعالى لشيء كأَذَنه لنبي يتغنى بالقرآن )) [ ص : 54 ] .
17ـ محاولة إيجاد معنى مشترك بين أفعل وفعل في باب الفرق بينهما
ـ " أكننت الشيء إذا أضمرته ... وكننته إذا سترته بكن ... وكأن أكن وكن يرجعان إلى التغطية والستر والصيانة " [ ص : 62 ] .
المحور الثالث : مؤاخذات وملاحظات
1ـ تحدث المرزوقي عن الفعل الصحيح الذي جاء على فعِل يفعِل بالكسر فيهما ، وذكر أنه قليل ، ومثل له بـ : ( يبس ييبس ، ويئس ييئس ، ويسر ييسر ) [ ص : 19 ] ، ومن الواضح أنهما أفعال معتلة .
2ـ رجح فيما جاء على فعِل يفعُل أنه من باب تداخل اللغات [ ص : 20 ] .
3ـ بصريته :
في ململته ومللته : " وأصحابنا البصريون يجعلونه بناء على حدة وإن كان مؤديا لمعناه " [ ص : 51 ] .
4ـ خرج قول العرب في صفة المرأة المتبرجة سافر بأنه على معنى ذات سفور [ ص : 55 ] مع أن الأصل أن مجيء فاعل في النسبة لا يكون إلا فيما لم يرد ثلاثيه بمعناه ، وهذا خلاف ما هنا .
5ـ " الصَّداق كوفية ، ولهذا اختارها أبو العباس ، والصِّداق بالكسر بصرية " [ ص : 69 ] . هل يقال في ضبط اللغة بصري وكوفي ؟ هذا عجيب !

====
الإشارة إلى درجة الاستعمال اللغوي
17، 27 .

المصدر:
http://www.uqu.edu.sa/page/ar/16271