بعد التحية،
فنحن لا نجيز قول بعض الكتاب اليوم: ( انقرأ- انكتب- انحفظ...إلخ)، ولا نجيز مصطلح( الانقرائية) الذي ابتدعه أساتذة التربية؛ دلالةً على قبول المادة العلمية للقراءة، وهذا المصطلحُ جاءَ ترجمة للمصطلح الغربي: Read ability ، ونفضّل مصطلح( المقروئية) على صيغة المصدر الصناعي من اسم المفعول الذي يُصاغ من الفعل المبني لما لم يسمَّ فاعله( المبني للمجهول)، على هذا النحو:( مقروء+ يّة= مقروئية)؛ فـ( قُرِئَ الكتابُ فهو مقروء)، وإضافة اللاحقة( يّة) نحسُّ أنها منحته معنىً جديداً، وهو بيانُ سهولة الكتاب، أو قابليته للقراءة؛ إمّا لملاءمتهِ لفكرِ قارئه، أو لوقوعه على شيءٍ جديدٍ فيه...إلخ؛ الأمرُ الذي يُشجِّعُ قارئَهُ على الإقبالِ عليهِ، والاستمرارِ في قراءته.
هذا تعليلٌ اجتهادي لتفضيلي مصطلح:( المقروئية)؛ لأنَّ مجيئه على هذهِ الصيغةِ- كما أُحسُّ بفطرتي اللغوية- أوضَحَ معنى العلاجيةِ فيه؛ لذا فإنني أخلص مما سبق إلى تأييد ما جاء في كتاب( سهم الألحاظ في وهم الألفاظ)؛ فالأفعال التي ذكرها ليست علاجية، ولتوضيح الأمر، نقول:
( كَسَرْتُهُ فانكَسَرَ أو تَكَسَّرَ؛ هنا يظهر أنَّ أيّاً من الفعلين( انكسر) و( تكسَّر) جاءَ دالاً على الأثر الذي وقعَ على المكسور؛ فكأنه بهذا التأثرِ الملحوظ حسياً استجابَ لأثرِ الكَسْرِ، وهذا هو معنى المطاوعة، وهو قبول التأثير، ومن هنا كانت تسمية الحديد المطاوع بهذه التسميةِ الدالةِ على قبوله لِلَّيِّ أو المعالجة؛ الأمر الذي لا نحسه البتةَ في( انحفظ) و( انقرأ) و( انكتب)؛ فالمكتوبُ يُكتب بوساطةِ كاتب؛ أيْ بوساطة معالجة خارجية، أما( انكتب) فأستشعر فيه الدلالة على الكتابة الذاتية، وعليه قس: ( قرأتُ النّصّ فَحَفِظْتُهُ)، وليسَ( انحفَظَ)؛ لأنه لا يُحفَظُ ذاتياً، وإنْ كانَ هناكَ ما يدعو إلى البناءِ للمفعول( للمجهول)نقول:( حُفِظَ النصُّ)، والمعنى أنَّ هناك مَنْ حِفِظَ النصَّ، وليس( انحفَظَ) آليّاً؛ لأنه لا يَحْفَظُ ذاتَه.
والله أصدق وأعلم
صادق عبد الله أبو سليمان
جامعة الأزهر في غزة