من أقوال السلف في العيد

فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أمَّا بعد:
فلكل أُمَّة من الأمم أعيادها الخاصة بها، وللمسلمين عيدان: عيد الفطر، وعيد الأضحى، ومما يُميز المسلمين عن غيرهم في الاحتفال بالأعياد، أنهم يحتفلون بالعيد قربةً وطاعةً لله عز وجل، أما غيرهم فيحتفلون بأعياد بُنيَتْ على الخرافة والأساطير، وعلى الشهوة والهوى، ينالون منها لذَّاتٍ عاجلةً، عاقبتها آلام وحسرات في الدنيا والآخرة.
سُمِّي العيد بهذا الاسم لتكرُّره كلَّ عام، وقيل: لعود السرور بعوده، وقيل: لكثرة عوائد الله على عباده فيه.
للسلف أقوال في العيد، اخترتُ بعضًا منها، أسأل الله الكريم أن ينفع بها الجميع.
تعريف العيد:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: العيد اسم لِما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد عائد، إما بعود السنة، أو بعود الأسبوع، أو الشهر، أو نحو ذلك، فالعيد يجمع أمورًا:
منها: يوم عائد؛ كيوم الفطر، ويوم الجمعة.
ومنها: اجتماع فيه،
ومنها: أعمال تتبع ذلك من العبادات والعادات، وقد يختص العيد بمكان بعينه، وقد يكون مطلقًا، وكل من هذه الأمور تُسمَّى عيدًا.
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله: العيد ما يُعتاد مجيؤه وقصده من مكان أو زمان.
وقال الإمام البغوي رحمه الله: العيد يوم السرور، وسُمِّي به للعود من الفرح إلى الفرح.
قال الإمام الشوكاني رحمه الله: قيل ليوم الفطر والأضحى عيدان؛ لأنهما يعودان في كل سنة.
الأعياد الشرعية:
قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: الأعياد الشرعية ثلاثة: عيد الفطر، عيد الأضحى، عيد الجمعة، ليس هناك عيد سواها.
قال العلامة صالح الفوزان: قال صلى الله عليه وسلم: ((قد أبْدَلَكم اللهُ بهما خيرًا: يوم النَّحْر، ويوم الفطر)) فلا يجوز الزيادة على هذين العيدينِ بإحداث أعياد أخرى.
كل يوم لا يُعْصَى اللهُ فيه فهو عيد:
قال الحسن رحمه الله: كل يوم لا يُعْصَى الله فيه فهو عيد، كل يوم يقطعه المؤمن في طاعة مولاه وذكره وشكره فهو له عيد.
العيد لمن غفرت ذنوبه وطاعته وتزيد:
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: ليس العيد لمن لبس الجديد إنما العيد لمن طاعاته تزيد...ليس العيد لمن تجمَّل باللباس والركوب إنما العيد لمن غُفِرت له الذنوب.
العيد مُذكِّر بفضل الله وإحسانه على عبيده:
قال العلَّامة عبدالرحمن السعدي رحمه الله: جعل الله تعالى أعياد المسلمين ومناسكهم مُذكِّرة لآياته، ومنبهًا على سنن المرسلين وطرقهم القويمة، وفضله وإحسانه عليهم.
إظهار الفرح والسرور في العيد:
قال الإمام الخطَّابي رحمه الله: إظهار السرور في العيد من شعار الدين.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين.
قال الإمام الصنعاني رحمه الله: إظهار السرور في العيد مندوب.
العيد موسم فرح وسرور بإكمال طاعة الله:
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: العيد هو موسم الفرح والسرور، وأفراح المؤمنين وسرورهم في الدنيا إنما هو بمولاهم، إذا فازوا بإكمال طاعته، وحازوا ثواب أعمالهم بوثوقهم بوعده لهم عليها بفضله ومغفرته؛ كما قال تعالى: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس: 58].
قال العلامة صالح الفوزان: سُمِّي العيد عيدًا؛ لأنه يعود ويتكرَّر كُلَّ عام بالفرح والسرور بما يسَّر الله من عبادة الصيام والحج اللذين هما ركنان من أركان الإسلام.
من سنن العيدين:
قالت أُمُّ الدرداء رضي الله عنها: كُلْ قَبْل أن تغدو يوم الفطر ولو تمرة.
عن نافع رحمه الله عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه كان يغدو يوم العيد، ويكبر، ويرفع صوته، حتى يدخل الإمام.
عن ابن المسيب، ونضرة رحمهما الله قالوا: الغُسْل في يوم العيدينِ سُنَّة، وقال ابن المسيب: كغُسْل الجنابة.
كتب عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: من استطاع منكم أن يأتي العيد ماشيًا فليفعل.
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: وقد كان السلف يلبسون الثياب المتوسِّطة لا المرتفعة ولا الدون، ويتخيَّرون أجودهما للجمعة والعيد ولقاء الإخوان، ولم يكن تخير الأجود عندهم قبيحًا.
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: يستحبُّ أن يتطهَّر بالغُسْل للعيد.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: هَدْيه صلى الله عليه وسلم في العيدين: كان يلبس للخروج إليهما أجمل ثيابه.
غض البصر يوم العيد:
عن وكيع رحمه الله قال: خرجنا مع الثوري في يوم عيد، فقال: إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا غض البصر.
خرج حسان بن أبي سنان رحمه الله يوم العيد، فلما رجع قالت له امرأته: كم من امرأة حسنة نظرت إليها اليوم ورأيتها، فلما أكثرت عليه، قال: ويحك، ما نظرت إلا في إبهامي منذ خرجت من عندك حتى رجعت إليك.
رجاء الخير من حضور الناس يوم العيد:
قال العلامة العثيمين رحمه الله: يُرجى الخير من حضور الناس يوم العيد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((وليشهدن الخير)) وذلك أن المسلمين يجتمعون لأداء صلاة تُعتبَر شكرًا لله عز وجل على ما أنعم به من إتمام الصيام في عيد الفطر ومن إتمام العشر الأوائل من ذي الحجة في عيد الأضحى.
خروج المرأة إلى صلاة العيد متسترة:
عن عبدالرزاق عن عبدالله عن سعيد عن منصور عن إبراهيم رحمهم الله، قال: كانت امرأة علقمة جليلة وكانت تخرج في العيدين.
عن نافع رحمه الله قال: كان عبدالله بن عمر رضي الله عنهما يُخرج إلى العيدين من استطاع من أهله.
قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: قالوا يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب، قال: ((لتُلبِسها أختُها من جلبابها))، الجلباب مثل العباءة، فدَلَّ ذلك على أن المرأة لا تخرج كما يخرج الرجال؛ بل لا بُدَّ لها من شيء تتجلبب به حتى تستر بذلك عورتها.
تشبيه بروز الناس للعيد ببروزهم للبعث:
قال الإمام النووي رحمه الله: تُسَنُّ القراءة بهما في العيدين- يقصد: سورتي القمر وق- قال العلماء: الحكمة في قراءتهما لما اشتملتا عليه من الأخبار بالبعث، والأخبار عن القرون الماضية، وإهلاك المكذبين، وتشبيه بروز الناس للعيد ببروزهم للبعث، وخروجهم من الأجداث كأنهم جراد منتشر.
الإنصات للخطبة يوم العيد:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: وجب الإنصات في أربعة مواطن: الجمعة، والفطر، والأضحى، والاستسقاء.
الزينة يوم العيد:
عن علي بن أبي حميد أن طاووسًا كان لا يَدَعُ جاريةً له سوداء ولا غيرها إلا أمرهن فيخضبن أيديهن وأرجلهن ليوم الفطر ويوم الأضحى، يقول: يوم عيد.
اللعب أيام العيد:
قال العلامة العثيمين رحمه الله: لا حرج على الإنسان أن يجعل أيام العيد أيام لعب؛ لكن بشرط ألَّا يخرج هذا اللعب عن الحدود الشرعية، فإن كان لعبًا فيه اختلاط رجال ونساء، فإنه يكون حرامًا، وكذلك إن اشتمل على صور مُحرَّمة أو اشتمل على أغانٍ مُحرَّمة...فإنه لا يجوز.
قال العلامة ابن باز رحمه الله: الرجال فلا يجوز لهم لا الدُّفُّ ولا الطبل ولا غير ذلك؛ لأنها من آلات الملاهي...اللعب بالدفوف والطبول والأغاني عليها، هذا لا يجوز.
إحياء ليلتي العيدين:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: لا يصحُّ عنه في إحياء ليلتي العيدين شيء.
أعياد المؤمنين في الجنة:
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: أعياد المؤمنين في الجنة؛ فهي أيام زيارتهم لربِّهم عز وجل، فيزورونه ويكرمهم غاية الكرامة، ويتجلَّى لهم وينظرون إليه، فما أعطاهم شيئًا هو أحبُّ إليهم من ذلك، وهو الزيادة التي قال الله تعالى فيها: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس: 26]، ليس للمُحِبِّ عيد سوى قرب محبوبه.
وختامًا: فالاحتفال والابتهاج بالعيد لا يعني نَبْذ الأخلاق، وترك الآداب، وعصيان الرحمن، فكم من فرح مسرور وهو مطرود مهجور، قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: عباد الله، إن يومكم هذا يوم العيد، قد ميِّز فيه الشقي والسعيد، فكم فرح بهذا اليوم مسرور وهو مطرود مهجور....كيف تقر بالعيد عين مطرود عن الصلاح....كيف يضحك سن مردود عن الفلاح، كيف يُسرُّ من يُصِرُّ على الأفعال القباح....كيف يُسرُّ بعيده مَنْ تابَ ثُمَّ عادَ، كيف يفرح بالسلامة مَنْ آثامُه في ازدياد.