تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: إنتقادات لا يستغني عنها طالب العلم - للشيخ أبي الوليد الغزي الأنصاري- أرجو المشاركة

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    المشاركات
    2

    افتراضي إنتقادات لا يستغني عنها طالب العلم - للشيخ أبي الوليد الغزي الأنصاري- أرجو المشاركة

    بسم الله الرحمن الرحيم
    إخواني الكرام : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
    هذا موضوع أخذته من الحوليات لشيخ أبي الوليد الغزي الأنصاري أحببت عرضه على إخواني من طلبة العلم للإستئناس بآرائهم وتعليقاتهم وفق الله الجميع إلى ما يحبه ويرضاه .
    نقلا عن كتاب الحوليات الأنصارية الموجود في الموقع الشيخ وهذا هو رابط الكتاب : D:\my data\www.aknafansari.com\1 12 1430\my web\html\kotob al shikh.htm


    15 – وكانُوا هَكَذا!؛ وشَبَّكَ بَيْنَ أَصابِعِهِ.


    عُنْوانُ هَذا الفَصْلِ جُزْءُ مِن حَديثٍ رواهُ أَبُو داودَ فِي السُّنَنِ وَأحْمَدُ فِي المُسْنَدِ وغَيْرُهُ مِن حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بِنِ عَمْروٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما مَرْفُوعا: إِذَا رَأَيْتَ النّاسَ قَدْ مَرَجَتْ عُهُودُهُمْ؛ وَخَفّتْ أَمَانَاتُهُمْ؛ وَكَانُوا هَكَذاَ!؛ وَشَبّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ؛ قَالَ (الرّاوِي): فَقُمْتُ إِلَيْهِ؛ فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ أَفْعَلُ عِنْدَ ذَلكَ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ؟!، قَالَ: الْزَمْ بَيْتَكَ؛ وَ امْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَخُذْ مَا تَعْرِفُ، وَدَعْ مَا تُنْكِرُ؛ وَعَلَيْكَ بِأَمْرِ خَاصَّةِ نَفْسِكَ، وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ العَامّةَ.
    هَكَذا الحالُ فِي زَمانِنا والله!، ولا عِصْمَةَ – بَعْدَ تَوْفِيقِ اللهِ – إلاّ بالعِلْمِ، ومَنْ طالَعَ أَحْوالَ الناسِ فِي اخْتِلافِ آرائِهِمْ وتَنافُرِ عُقُولِهِمْ وَقُلُوبِهِمْ رَأى دَلِيلاً مِن دَلائلِ نُبُوَّتِهِ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسلَّمَ!.

    وَقَدْ أمْعَنْتُ النَّظَرَ فِي ذلكَ فَرَأَيْتُ لَهُ أسْباباً:
    مِنْها: الغَفْلَةُ عَن تَحْرِيرِ مَحَلِّ النِّزاعِ عِنْدَ الخِلافِ، ويَكْثُرُ هَذا إِذا تَبايَنَتْ مَراتِبُ المُتَناظِرِينَ تَبايُنا ظاهِراً، ولِذا جَرَتْ عادَةُ السلَفِ فِي المُناظَرَاتِ باخِتِيارِ الكُفْؤِ فِي المُناظَرَةِ، فَإنْ لَمْ يَكُنْ فَلَيْسَ ثَمَّةَ سِوى سائِلٍ ومَسْئُولٍ، وعالِمٍ وجاهِلٍ، إلاَّ إِذا كانَتْ المُناظَرَةُ لِرُؤُوسِ أَهْلِ البِدَعِ والأَهْواء، وهَذهِ إنّما تَكُونُ علَى رُؤُوسِ الأَشْهادِ لِبَيانِ حالِهِمْ والتَحْذِيرِ مِنْهُمْ، كَما فِي مُناظَرَةِ إبراهِيمَ علَيهِ الصلاةُ والسلامُ قَوْمَهُ فِي بُطْلانِ الشرْكِ وصِحَّةِ التوحِيد، ومُناظَرَةِ ابنِ عَباسٍ للخَوارِج، وَفِي مُناظَرَةِ أَحْمَدَ والشافِعِي رَحِمَهُما اللهُ مَعَ أَهْلِ الأَهْواءِ، ومُناظَرَةِ عَبْدِ العَزِيزِ بِن يَحْيى الكِنانِيِّ مِن أَصْحابِ الشافِعِي؛ مَعَ بِشْرِ المَرِيسِيِّ المُبْتَدِعِ فِي حَضْرَةِ الخَلِيفَةِ المَأمُونِ العباسِيِّ فِي بُطْلانِ القَوْلِ بِخَلْقِ القُرْآنِ، ومُناظَرَةِ ابنِ تَيمِيةَ للبطائِحِيَّةِ الرفاعِيَّةِ؛ وابنِ القيِّمِ لأَحَدِ كِبارِ اليَهُودِ، وغَيرِ هَذا.

    ثُمَّ إنَّ المُناظَرَةَ إنَّما تَكُونُ مَعَ أدِيبٍ عاقِلٍ مُنْصِفٍ طالِبٍ للحَقِّ؛ وقَدْ ذكَرَ الشيْخُ ابنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللهُ فِي دَرْءِ تَعارُضِ العَقْلِ والنقْلِ أنَّ المُناظَرَةَ المَحْمُودَةَ نَوعانِ؛ والمَذْمُومَةَ نَوعان، لأَنَّ المُناظِرَ إِمّا أَنْ يَكُونَ عَالِماً بِالحَقِّ؛ وَإِمّا أَنْ يَكُونَ طَالِباً لَهُ؛ وَإِمّا أنْ لاَ يَكُونَ عَالِماً بِهِ وَلاَ طَالِباً لَهُ!؛ فَهذَا الثالِثُ هُوَ المذْمُومُ بِلاَ رَيْبٍ، ثُمَّ ذكَرَ تَفْصيلَ ذلكَ.

    ومِنْها: غَفْلَةُ المَتْبُوعِ عَنْ تَرْبِيَةِ التابِعِ علَى مَحاسِنِ الأخْلاقِ؛ ومِن ذلكَ قُولُ التِي هِيَ أحْسَنُ لَفْظاً ومَعْنَى، واللفْظُ المُسْتَهْجَنُ أَسْرَعُ عُلُوقاً بالذِّهْنِ مِن اللفْظِ الحَسَنِ!، فَإنَّ هَذا الثانِيَ يَحْتاجُ إلَى طُولِ مُراوَضَةٍ ومِراسٍ كَما نَبَّهَ علَيْهِ الجاحَظُ المَشْهُور، ونَقَلَهُ عَنْهُ الشيْخُ بَكْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ أبو زَيْدٍ فِي تَسْمِيَةِ المَولُود، ومَن تَأمَّلَ ما يَقَعُ بَينَ الأشْياخِ عَلِمَ أنَّ كَثِيراً مِنْهُ راجِعٌ إلَى الأتْباعِ مِن هَذهِ الجِهَةِ!؛ فَإنَّ مُشاحَنَةَ الأَتْباعِ تُوغِرُ صُدُورَ المَتْبُوعِينَ؛ وَتَمْنَعُ النَّصَفَة!، والنُّفُوسُ نَزَّاعَةٌ بِهَوَىً دَفِينٍ!؛ ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إِلاَّ بالله.

    ومِنْها: اصْطِناعُ مَوازِينَ لا قِيمَةَ لَها عِنْدَ التَّحْقِيقِ، كَما لَوْ قِيلَ: إنَّ تَشْرِيعَ القانُونِ الوَضْعِيِّ شِرْكٌ بِاللهِ تَعالَى فِي حُكْمَهِ، فَذلكَ وإنْ كانَ حَقّاً فِي نَفْسِ الأَمْرِ، إلاَّ أنَّ هَذا شَيْءٌ؛ وأنْ يَتَصَدَّرَ للحَدِيثِ فِي هَذهِ النازِلَةِ مَنْ لَمْ يَزَلْ طَرِيَّ العُودِ فِي العِلْمِ!؛ ثُمَّ هُوَ يُفَرِّعُ علَيْها ما يَلْزَمُ مِن الأحْكامِ؛ فَيُعَمّمُ فِي مَوْضِعِ التَّخْصِيصِ!؛ ويُطْلِقُ فِي مَوضِعِ التّقْيِيدِ!، ويَغْفُلُ عَن دَقائِقِ الفُرُوقِ التِي لا يَتَأَتَّى العِلْمُ بِها إلاَّ للفُحُولِ الذينَ أَحْكَمُوا الأُصُولَ قَبْلَ إتْقانِ الفُرُوعِ؛ فَذلكَ شَيْءٌ آخَر، وقَدْ كَثُرَ هَذا الصِّنْفُ مِن الكُتَّابِ فِي المَجامِعِ والمُنْتَدَياتِ !، كَما طالَعْتُ بَعْضَ ذلكَ مَنْشُوراً علَى صَفَحاتِ الشبَكَةِ؛ وهُو كَثِير!، وذلكَ خَطَأٌ عَظِيمٌ، فَإنَّ ما يَجُرُّهُ مِن الفَسادِ يَتَجاوَزُ المَصْلَحَةَ الحاصِلَةَ مِنْهُ بِمَرَّاتٍ ومَراتٍ؛ كَما شاهَدْناهُ ورَأَيْناهُ!!، ولَيْسَ المُطْلُوبُ تَكْثِيرَ الكُتابِ فَإنَّ ذلكَ لا يُكَثِّر!، بلِ المَطْلُوبُ التّعْوِيلُ علَى كِتاباتِ المُحَقِّقِينَ المَشْهُودِ لَهَمْ بالعِلْمِ وطُولِ الباعِ فِيهِ، وَقَدْ رَأَيْتُ فِي بَعْضِ المَواطِنِ مَنْ يَكْتُبُ فِي هَذه النوازِلِ ولَيْسَ لَهُ مِن العِلْمِ كُلِّهِ إلاّ أنَهُ كانَ مُعَلِّماً للتُّحْفَةِ السَّنِيَّةِ!، وللهِ عاقِبَةُ الأُمُور.

    وقَدْ رَأيْتُ فِي (المِعْيارِ المُعْرِبِ) للْوَنْشَرِيسِي ِّ المالِكِيِّ التَّنْبِيهَ عَلَى أَنَّ مُراعاةَ الخُصُوصِيَّاتِ المُثِيرَةِ للفَوارِقِ فِي مَسائلِ النَّوازِلِ مِن أعْظَمِ الأَسْبابِ التِي يَقَعُ بِها الزَّلَلُ فِي الفَتْوى، كَما أنَّ الغَفْلَةَ عَن مَقاصِدِ الشرْعِ مِن أعْظَمِ الأسْبابِ كذلكَ؛ كَما نَبَّهَ علَيْهِ الشاطِبِيُّ رَحِمَهُ الله.

    ومُراعاةُ هَذهِ الفَوارِقِ؛ والعِنايَةُ بِمَقاصِدِ الشرعِ لا يَتِمُّ للعالِمِ إلا بِأُمُور:

    الأوّل: أنْ يُلِمَّ مِن عُلُومِ الآلَةِ بِما لا بُدُّ لَهُ مِنْهُ؛ علَى ما بَيّنَهُ الأئمَّةُ رَحِمَهُمُ اللهُ فِي مَواضِعِهِ.
    الثانِي: أنْ يُطالِعَ كُتَبَ تَخْرِيجِ الفُرُوعِ علَى الأُصُول، وكُتُبَ الأشْباهِ والنظائرِ؛ وكُتُبَ الفُرُوقِ.
    الثالث: أنْ تَحْصُلَ لَهُ الدُّرْبَةُ بِمُمارَسَةِ المُطَوَّلاتِ مِنْ كُتُبِ الفُقَهاءِ لا المُخْتَصراتِ، فَإنَّ هَذه للحِفْظِ وتِلْكَ لِما ذَكَرْناه، ومَن اعْتَنَى بِهَذه الثلاثَةِ مَعَ الصبْرِ والجَلَدِ علَى ذلكَ حَصَلتْ لَهُ مَلَكَةُ الفِقْهِ والاسْتِنْباطِ، ويَزِيدُ اللهُ من شاءَ ما شاءَ وفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيم.

    فَباللهِ علَيكَ؛ أَهُؤلاءِ الكُتَّابُ يَدْرُونَ مِن هَذا شَيْئاً؟!، وكَمْ مِنْ حَسَنِ النِّيَّةِ قَصَدَ إلَى إِصْلاحٍ شَيْءٍ فَأفْسَدَهُ!!، والضعِيفُ فِي العِلْمِ لا يَمْلِكُ فِي التّصْنِيفِ إلاَّ حَشْوَ الكُتُبِ بِالعُمُوماتِ مِن الأَدِلَّةِ!، ثُمَّ تَرَ الغِرَّ الحَدَثَ إِذا طالَعَ ذلكَ ظَنَّهُ الشحْمَ فِيمَنْ شَحْمُهُ وَرَمُ!؛ فاسْتَسْمَنَ كُلَّ هَزِيلَةٍ عَجْفاءَ!، ويَحْسَبُ أنَّ كُلَّ ما أَتَى بِهِ الكاتِبُ اعْتِقادٌ واجِبٌ علَيهِ لا يَسَعُ الناسَ خِلافُهُ!، ويَرَى الأمْرَ هَيِّنا يَسِيراً علَيْهِ، فَما الفَتْوى إلاّ أَنْ يَسْتَشْهِدَ بالدلِيلِ حَيْثُ أَرادَ!؛ كما صَنَعَ الكاتِبُ المُتَعالِمُ حَذْوَ القَذَّةِ بالقُذةِ!، فَإذا سَمِعَ مِنْ بَعْدُ كَلامَ الفَحُولِ أَنْكَرَهُ!؛ وصالَ علَى كَلامِ العالِمِ بِجَهْلِهِ فَجْنَدَلَهُ وقَطَّرَه!!، فَما لَهُ وللعامِّ والخاصِّ؛ والمُطْلَقِ والمُقَيَّدِ؛ والمُجْمَلِ والمُبَيَّنِ؛ والمُحْكَمِ والمُتَشابِهِ؛ والناسِخِ والمَنْسُوخِ؛ والظاهِرِ والمُؤَوَّلِ؛ والمَنْظُوقِ والمَفْهُوم!، فَكُلُّ ذلكَ لا وِزانَ لَهُ عِنْدَهُ ولا يَدْرِيهِ!!، والرَّجُلُ مِن وَراءِ ذلكَ نابِذٌ للتَّقْلِيدِ، وكَأنَّ الاجْتِهادَ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِن حَبْلِ الوَرِيدِ!، لا جَرَمَ إِذا اطّلَعَ عَلَى كلامِ المُحَقِّقِينَ عارَضَهُ بِما اسْتَقَرَّ عِنْدَهُ؛ وطالَبَ المُخالِفَ بالدَّلِيلِ!، لأَنّهُ لا يَعْرِفُ مِن الدّلِيلِ غَيْرَ حِكايَتِهِ، أما طُرُقُ الاسْتِدْلالِ ومَراتِبُ الأدِلَّةِ فَما طَرَقَتْ سَمَعْهُ دَعْ عَنْكَ أنْ يَدْرِيَها!، ولذلكَ أَصْبَحَ المِيزانُ عِنْدَ أمْثالِ هَؤلاءِ أنْ يَعُدُّوا كُلَّ مُوافِقٍ لَهُمْ – ولَوْ فِي بَعْضِ المَسائلِ - مِن (إِخْوانِ المَنْهَجِ) كَما يَقُولُون!؛ حَتَّى ولَو كانَ (المُوافِقُ) فِي مِيزانِ العِلْمِ لا يَزِنُ جَناحَ بَعُوضَةٍ!، كَما يَعُدُّونَ كُلَّ مُخالِفٍ - ولَو فِي مَسْألَةٍ أو فِي بَعْضِ المَسائِلِ التِي يَسَعُ فِيها الاجْتِهادُ – مِنْ (أَعْداءِ المَنْهَجِ)!؛ حَتَّى وإنْ كانَتْ أُصُولُ مَنْ خالَفُوهُ أُصُولَ أهْلِ السَّنَّةِ والحَماعَةِ وَقْعَ الحافِرِ علَى الحافِر!، وقَدْ مارَسْتُ هَؤلاءِ ومارَسُونِي؛ فَمُعْوَجٌّ عَلَيَّ ومُسْتَقِيمٌ، وللهِ الأمْرُ مِن قَبْلُ ومِن بَعْد.

    والذِي أَعْظُ بِهِ نَفْسِي أَوّلاً وإخْوانِي مِنْ أَهْلِ العِلْمِ مِمّنْ تَصَدَّى لِبَيانِ هَذهِ النَّوازِلِ وأحْكامِها؛ أنْ يَسْلُكُوا فِيما يَكْتُبُونَ مَسالكَ المُحَقِّقِينَ مِن العُلَماءِ، وأنْ يُكْثِرُوا مِن مَطالَعَةِ مُطَوَّلاتِ أكابِرِ الفُقَهاءِ كَمْجُمُوعِ النّوَوِيِّ؛ وحاوِي المَاوَرْدِيّ؛ ومُغْنِي ابْنِ قُدامَةَ؛ ومَبْسُوطِ السرَخْسِيِّ؛ وحاشِيَةِ ابْنِ عابِدينَ الحَنَفِي؛ والبَيانِ والتَّحْصِيلِ لابْنِ رُشْدٍ رَحِمَهُ الله؛ وغَيرِها مِن مَثِيلاتِها، فَإنَّها تُكْسِبُهُمْ مَلَكَةَ التَّحْرِيرِ للمَسائلِ؛ والتَّدْقِيقِ فِي العِبارَةِ، والوُقوفِ طَوِيلاً عِنْدَ دَلالاتِ الألْفاظِ؛ حَتّى يَعْتادَ الناشِئَةُ والأَتْباعُ مِنْهُمْ علَى ذلكَ، فَإنّ المُتْبُوعَ إنْ كانَ فَقِيهَ النَّفْسِ أَثَّرَ ذلكَ فِي التابِعِ ولاَ بُدَّ، أَما التَّعْوِيلُ عَلَى النُّقُولاتِ مِن فَتاوِي ابْنِ تَيْمِيَةَ والدُّرَرِ السَّنِيَّةِ ونَحْوها مِن الكُتُبِ؛ فَإنَّها - وإنْ حَوَتْ خَيْراً عَظِيماً - إِلاّ أَنَّها لا تُكْسِبُ الطالِبَ مَلَكَةَ الفِقْهِ والدُّرْبَةَ علَى الاسْتِنْباطِ، لأنَّ الفَتْوَى لا يُذْكَرُ فِيها عادَةً إلاّ ما صارَ إلَيْهِ المُفْتِي مِن الراجِحِ عِنْدَهُ؛ دُونَ الإشارَةِ إلَى شَيءٍ مِمّا أَشَرْنا إلَيْهِ سابِقاً، ومَن لَمْ تَكُنْ لَهُ مَلَكَةٌ فِي الفِقْهِ رُبّما ظَنَّ فِي واقِعَةٍ أَنّها نَظِيرُ واقِعَةِ الفَتْوى؛ وغَفِلَ عَن دَقائقَ مِن الفُرُوقِ تُوجِبُ تَبَايُناً ظاهِراً بَيْنَ الحُكْمَينِ.

    ثُمّ إنّ هَذا المسْلَكَ فِي التَّحْقِيقِ قَيْدٌ للأهْواءِ؛ كَما أنَّ الإيمانَ قَيْدٌ للفَتْكِ!، وهُوَ أَيْضاً دِرْعٌ واقٍ مِن الوُقُوعِ فِي الشُّبُهات، مَعَ ما يُكْسِبُ المَرْءَ مِن سَعَةِ الصَّدْرِ التِي هِيَ ثَمَرَةُ سَعَةِ الفِقْهِ والتَّبَحُّرِ فِيهِ، وقَدْ كُنْتُ فِي حَداثَةِ السِّنِّ أوَائِلَ الطَّلَبِ تُنازِعُنِي نَفْسِي إلَى نَحْوِ ما يَصْنَعُ أَنْصافُ الكُتَّابِ مِمَّنْ ذكَرْتُ سابِقاً؛ كَما كَانَتْ تُرَاوِدُنِي عَلَى صَنْعَةِ التَّصْنِيفِ مُنْذُ أكْثَرَ مِن عِشْرِينَ عاماً!؛ إلاّ أنَّ اللهَ تعالَى بِمَنِّهِ وكَرَمِهِ عَصَمَنِي مِنْهُ؛ وعَوّضَنِي بالصَّبْرِ عَنْهُ الجِدّ فِي المُطالَعَةِ والطَّلَبِ؛ وتَقْيِيدَ ما يَقَعُ لَي مِن الفوائدِ فِي مَظانِّها وغَيْرِ مَظانِّها، ولَمْ أشْتَغِلْ بِحَمْدِ اللهِ فِي شَيءٍ مِن التّصانِيفِ إلا بَعْدَ بُلُوغِ الأَرْبَعِينَ، ولَمْ أكْتُبْ أيامَ الطلَبِ سِوَى مَقالاتٍ يَسيرَةٍ إِذا قارَنْتُها بِما كَتَبْتُهُ بَعْدَ الأرْبَعِينَ وجَدْتُنِي لَسْتُ رَاضِياً عَنْ كَثِيرٍ مِنْها، وأسْألُ اللهَ أنْ يُعِينَنِي علَى مُراجَعَتِها والنظَرِ فِيها ثانِياً، وأَوَّلُ كِتابٍ مِن التّصانِيفِ أَخْرَجْتُهُ هُو (سلُّ الحُسام)، فَما شَرَعْتُ فِي ذلكَ حَتّى كانَ بَينَ يَدَيَّ آلافٌ مِن الفَوائِدِ؛ وَوَجَدْتُ الفَرْقَ بَيْنَ ما كُنْتُ عَلَيْهِ أوائلَ الطَلَبِ وبَينَ وَقْتِ الشرُوعِ فِي التّصْنِيفِ كالفَرْقِ بَينَ سِرَاجٍ يُنَوْنِصُ فِي حالكِ الليْلِ وسَوادِهِ؛ وبَينَ شَمْسِ الصائِفَةِ فِي يَومِ صَحْوٍ إِذا تَوَسَّطَتْ كَبِدَ السّماءِ، {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}.

    وأَعِظُ إِخْوانِي مِن أَهْلِ العِلْمِ ثانِياً؛ أن لاَْ يَعْتَمِدُوا فِي إرْشادِ المُبْتَدِئِينَ والناشِئَةِ إلاَّ علَى كُتُبِ الثِّقاتِ مِن أَهْلِ العِلْمِ؛ ومَن عُرِفُوا بِدَقِيقِ النَّظَرِ ورُسُوخِ القَدَمِ فِي مَسائِلِ العِلْمِ، دُونَ كُتُبِ مَن سِواهِمْ مِمّنْ أشَرْنا إلَيْهِ.

    وأعِظُهُمْ ثالِثاً؛ أنْ يَحْرِصُوا عَلَى غَرْسِ رُوحِ الإنْصافِ – مَعَ المُخالِفِ قَبْلَ المُوافِقِ - فِي نُفُوسِ تَلامِذَتِهِمْ وأتْباعِهِم؛ ولا يَكُونُ ذلكَ إِلاّ بِلُزومِ المُتْبُوعِ مَوْضِعَ القُدْوَةِ للأتْباعِ، ومُنْذُ سِنِينَ تَناقَلَ بَعْضُ الشبابِ فَتْوى لأحَدِ المَشايِخِ بِجَوازِ العَمَلِ فِي الجَيْشِ والشُّرَطَةِ المُوالِيَةِ للعَدُّوِّ الصائِلِ فِي بَعْضِ البِلادِ!، وعَلَّقَ علَيْها بَعْضُ طلَبَةِ العِلْمِ تَعْلِيقاً يَتَناسَبُ مَعَ إطْلاقِ القَولِ بِجَوازِ ذلكَ؛ وتَحامَلُوا عَلَى صاحِبِ الفَتْوى بِسَبِبِ ذلكَ تَحَامُلاً ظاهِراً؛ حَتّى صارَ عُرْضَةً لكُلِّ سَهْمٍ جارِحٍ بِحَقٍّ وغَيْرِ حَق!، فَلَما رَجَعْتُ إلَى الفَتْوى المَذكُورَةِ؛ رَأَيْتُ الرَّجُلَ قَدْ سُئِلَ عَنِ المَواطِنِ التِي يَكْثُرُ فِيها الروافِضُ؛ وهَؤلاءِ يَدْخُلُونَ فِي وَظائِفِ الجَيْشِ والشُّرَطَةِ فَيَعْظُمُ أَذاهُمْ وعُدْوانُهُمْ علَى أَهْلِ السُّنّةِ فِي تِلْكَ البِلاد، فَكانَ السؤالُ عَن جَوازِ ذلكَ حِمايَةً لأَهْلِ السُّنَّةِ ورَدّا لِعادِيَةِ الرّافِضَةِ عَنْهم!، وسَواءٌ أَصابَ الشيْخُ فِي جَوَابِهِ أمْ أخْطَأَ؛ فَلَيْسَ هَذا مَوْضِعَ تَحْرِيرِ المَسْألَةِ والجَوابِ عَنْها، لَكِنَّ الذِي يَهُمُّنا هُنا هِي الطَّرِيقَةُ التِي تَعامَلَ بِها الناقِلُونَ للفَتْوى والمُعَلِّقُونَ علَيْها!، فَبَيْنَ ما نُقِلَ مِن الإفْتاءِ بالجَوازِ مُطْلَقاً؛ وما وَقَعَ السُّؤالُ عَنْهُ مِن الجَوازِ للضَّرُورَةِ فَرْقٌ ظاهِرٌ، حَتّى وَإِنْ قُلْنا بالمَنْعِ فِي الحالَتَينِ، ومِثْلُ هَذا التَّهاوُنِ والتّساهُلِ لا يُرَبّي فِي الأُمَّةِ أجْيالاً تَحْمِلُ الأَمانَةَ؛ وتَكُونُ فِي مَحَلِّ الثِّقَةِ مِنْها؛ وتَرِثُ عَنْ سَيِّدِ الأنْبِياءِ والمُرْسَلِينَ خُلُقَيِ الرَأْفَةِ والرَّحْمَةِ بالمُؤْمِنِينَ؛ اللذَيْنِ هُما مِن لازِمِ العِلْمِ الذِي وَرّثَهُ لِمَنْ يَحْمِلُهُ مِن العُدُولِ فِي أُمّتِهِ صَلُواتُ اللهِ وسلامُهُ علَيْهِ، وفَوقَ هَذا كُلِّهِ؛ فَإنَّهُ مِن الظُّلْمِ الذي حَرَّمَهُ اللهُ تعالَى، واللهُ لا يُحْبُّ الظالِمِين، وأَيُّ عائِقٍ عَن النّصْرِ والتَّمْكِينِ - مِن بَعْدُ - أعْظَمُ مِن هَذا؟!.

    وأعِظُهُمْ رَابِعاَ؛ بِتَعْوِيدِهِمْ كَفَّ اللسانِ عَنِ العُلَماءِ والأكابِرِ مِنَ الأُمَّةِ الذِينَ لا يَخْفَى فَضْلُهُمْ؛ وإِنْ جانَبَهُمْ الصَّوابُ فِي مَسائِلَ لا نَرْتَضِيهَا، فَإنَّ غايَتَهُمْ فِي هَذا أنْ تَكُونَ وقَعَتْ عَن اجْتِهادٍ مِنْهُمْ، وما أَحْسَنَ ما أَجابَنِي بِهِ شَيْخُنا أَبُو مُحَمِّدٍ الراشِدِيُّ السنْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ؛ لَما سَأَلْتُهُ عَنْ الإمامِ العَلامَّةِ أبِي مُحَمَّدٍ بنِ حَزْمٍ؛ فقال: حَسْبُكَ بِابْنِ حَزْمٍ أنْ يَكُونَ رَجُلاً مِن الرَّجالِ يُخْطِئُ ويَصِيبُ!، فَأَيْنَ كَلِمَتُهُ هَذهِ مِن كَلامِ مَنْ يَتَحامَلُ علَى ابْنِ حَزْمِ بِجَوارِحِ الأَلْفاظِ وأقْذَعِ السِّبابِ؛ مِن مُتَعَصِّبَةِ الحَنَفِيَّةِ وغَيْرِهِم!، عَلَى أَنَّ فِي ابْنِ حَزْمٍ -رَحِمَهُ اللهُ - مِن الخُرُوجِ عَن طَرِيقَةِ أهْلِ السُّنَّةِ والجَماعَةِ فِي الأسْماءِ والصفاتِ؛ ومِن المُبالَغَةِ فِي الجُمُودِ علَى الظاهِرِ؛ ومِن التَّحامُلِ علَى الأَئِمَّةِ والوُقُوعِ فِيهِمْ؛ ما يَصْلُحُ عُذْراً لِِهَؤُلاءِ المُتَعَصِّبَةِ أَيْضاً؛ إنْ كانَ ما يَقَعُ فِيهِ هَؤُلاءِ الأكابِرُ عَذْراً لإطْلاقِ أَلْسِنَةِ الجارِحِين!.

    وقَدْ يَغْلِبُ علَى العَالِمِ العِنايَةُ بِفَنٍّ دُونَ آخَرَ؛ فَيَكُونُ بَيْنَ كَلامِهِ فِي الفَنَّيْنِ فَرْقٌ ظاهِر، وحَسْبُنا إنْ وَقَعَ مِثْلُ هَذَا أنْ نُنَبِّهَ علَى خَطَأِ مَن أَخْطَأَ مِنْهُمْ؛ فَإِنَّما شُرِعَ الجَرْحُ للضَّرُورَةِ؛ والضّرُورَةُ تُقَدَّرُ بِقَدْرِها؛ فَإنِ انْدَفَعَتِ الضَّرُورَةُ وحَصَلَ المَقْصُودُ مِنْ غَيرِ التّصْرِيحِ باسْمِ المُخْطِئِ فَلا حَاجَةَ لِذِكْرِهِ؛ حِرْصاً علَى صاحِبِ الفَضْلِ لَعَلَّهُ يُراجِعُ عَنْ قَرِيبٍ؛ وحَذَرَ تَهْيِيجِ العامَّةِ والأَتْباعِ مِمّا يُفْضِي إلَى شَرٍّ عَرِيضٍ، وهَذا البُخارِيُّ رَحِمَهُ اللهُ إمامُ هَذهِ الصَّنْعَةِ؛ لَما تَعَرّضَ فِي صَحِيحِهِ لِرَدِّ أَقْوالِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللهُ فِي نَحْوِ عِشْرِينَ مَوْضِعاً؛ كانَ يَقُول: وقالَ بَعْضُ النّاسِ؛ ولا يُصَرِّحُ بِذِكْرِ اسْمِهِ!.

    فَإِنِ احْتِيجَ إلَى التّصْرِيحِ بِاسْمِهِ لِضَرُورَةِ داعِيَةٍ فَلْيَتَأَمَّلِ الجارِحُ فِيما يَقُولُ؛ وليَتَّقِ اللهِ تَعالَى فِي جَرْحٍ يَنْتَقِلُ فِي أَصْلابِ الآباءِ وأَرْحامِ الأُمَّهاتِ!، ولَيْسَتْ أَلْفاظُ الجَرْحِ رُتَبَةً واحِدَةً فَيَتَخَيَّرُ ما يَشاءُ!؛ بَلْ يَشْرَعُ بِأَخَفِّهِنَّ لِزاماً علَيْهِ؛ ولا يَعْدِلُ عَنْها إلَى التِي تَلَيها إلاّ لِمُوجِبٍ، فَإنْ ذَكَرَ شَيئاً مِن هَذا فَلا يُغْفِلْ ذِكْرَ مَحاسِنِهِ؛ فَإنّ الناسَ قَدْ غلَبَتْ علَيْها الأًهْواءُ؛ والإنْصافُ عازِبٌ عَنْهُمْ إلاّ ما نَدَرَ!.

    ثُمَّ - وهُوَ مِلاَكُ الأَمْر – أَنْ لا يَذْكُرَ ذَلكَ إِلاّ عِنْدَ مَن كانَ أَهْلاً لَهُ؛ فَإنّكَ لا تُحَدِّثُ أحَداً بِكَلِمَةٍ لا يَبْلُغُها عَقْلُهُ إلاّ كانَتْ فِتْنَةً لَهُ، وَوَضْعُ الكَلامِ عِنْدَ مَنْ لا يَعْقِلُهُ ويُحْسِنُ فَهْمَهُ؛ مِن قَبِيلِ وَضْعِ الأَمانَةِ عِنْدَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَخُونُها!؛ أَوْ مِنْ قَبِيلِ إهْداءِ البِكْرِ إلَى عِنِّين!، أمّا فَتْحُ بابِ التّجْرِيحِ عَلَى مِصْرَاعَيْهِ أَمامَ كُلِّ مَنْ دَبَّ ودَرَجَ!؛ وعلَى مَسامِعِ كُلِّ مَن وَلَجَ وخَرَجَ!؛ فَإِنّنا رَأَيْنا الأَحْداثَ الأَغْرَارَ لا يَحْفَظُونَ إِلاّ أَلْفاظَ الجَرْحِ دُونَ الالْتِفاتِ إلَى شَيءٍ سِوَاها؛ ولَو ذكَرَ الجارِحُ مِن مَحاسِنِ المَجْرُوحِ ما ذَكَر!، لأنّ هَؤلاءِ إِنَّما يَنْقُلُونَ ما وَافَقَ الهَوَى؛ وذلكَ حَالُ الأَصاغِرِ فِي العِلْمِ!، ثُمَّ تَرَى هَؤلاءِ الأَصاغِرَ وقَدْ جَعَلُوا ذلكَ اللفْظَ الذي حَفِظُوهُ مِيزاناً للجَرْحِ!؛ وَلا تَسَلْ عَن الحالِ إِذا كَثُرَتِ المَباضِعُ فِي أَيْدِي الجَهَلَةِ المُتَطَبِّبِين َ!، وإلَى اللهِ تَعالَى المَآب؛ وإنْ علَيْنا إلا البَلاغُ وعَلَيْهِ جَلَّ وعَلا الحِساب.

    وأَعِظُهُمْ خامِساً؛ كُلَّما مَرَّ بِأَحَدِهِمْ دَهْرٌ فازْدادَ مَعَهُ عِلْماً وفَهْماً؛ أنْ يَكِرَّ علَى ما أَلِفَهُ واعْتادَهُ مِنَ الألْفاظِ والعِباراتِ؛ وَلْيَعْرِضْ مَسْلَكَهُ فِي بَحْثِ مسائلِ العِلْمِ علَى مَسالكِ الأَئِمَّةِ النُّقادِ، فَإنَّ ذلكَ يُوجِبُ لَهُ تَقْيِيدَ ما أَهْمَل؛ وبَيانَ ما أَجْمَل؛ وإِيضاحَ ما أَشْكَل، وَاسْتِدْراكَ ما عَساهُ يَكُونُ قَدْ خَرَجَ فِيهِ عَنْ طَرِيقَةِ المُحَقِّقِينَ مِن العُلَماء، وحالُ المَرْءِ مَعَ ما يَأْلَفُهُ مِن أَعْجَبِ الأَحْوالِ!؛ وقَدْ قِيلَ: العادَةُ طَبِيعَةٌ ثانِيةٌ!، ولِذا تَرَى الناسَ يَتَتابَعُونَ علَى الأَمْرِ الواحِدِ تَتابُعَ القَطْرِ!، حَتّى إِنَّهُ لَتَتَعاقَبُ الأجْيالُ علَيْهِ ولا يَحِيدُونَ عَنْهُ!، وقَلَّ أنْ يَخْرُجَ فِيهِمْ مَنْ يُعِيدُ النّظَرَ فِي صَوابِهِ ونفْعِهِ!، ولَرُبَّما كانَ غَيْرُهُ أنْفَعَ مِنْهُ؛ أو كانَ صالِحاً لِزمانٍ دَونَ آخَر!.

    وقَدْ قُلْتُ مَرَّةً لِبَعْضِ كِبارِ عُلَماءِ الحَنَفِيَّةِ؛ ماذا تَصْنَعُونَ بِتَدْرِيسِ المَنْطِقِ وعِلْمِ الكَلامِ وعُلُومِ الآلَةِ للطَّلَبَةِ أَعْواماً طِوَالاً؛ وتَتَرُكُونَ تَدْرِيسَ الحَدِيثِ إلَى السنَةِ الأَخِيرَةِ للبَرَكَةِ!؛ ولَو عَكَسْتُمُ الأَمْرَ لأَحْيَيْتُمْ مِن هَذا العِلْمِ ما انْدَرَسَ مِن مَعالِمِهِ التِي هِي مِن مَنارَاتِ التارِيخِ فِي هَذهِ البِلادِ!؛ فَقالَ لِي: صَدَقْتَ؛ ولكِنَّ العادَةَ جِدارٌ مَنِيعٌ!!.

    ورَأَيْتُ العُلَماءَ فِي مَدارِس أَهْلِ الحَدِيثِ قَدْ تَوارَثُوا مَنْذُ زَمَنٍ بَعِيدٍ تَدْرِيسَ مَقاماتِ الحَرِيرِيِّ، فَقُلْتُ لِبَعْضِ المَشايِخِ: مَقاماتُ الحَرِيرِيِّ وإنْ حَصَلَ بِدِراسَتِها نَفْعٌ فِي الجُمْلَةِ للطالِبِ؛ إِلاّ أنَّنِي أرَى غَيْرَها أَولَى مِنْها وأَكْثَرَ نَفْعاً، ولَو أنّكُمْ عَدلْتُمْ عَنها إلَى كُتُبِ فَنِّ الإنْشاءِ وفِقْهِ اللغَةِ ورَاعَيتُمْ تَعْوِيدَ الطلاّبِ علَى ما يُناسِبُ لُغَةَ العَصْرِ مِن ذلكَ لَكانَتْ فائِدَتُهُ فِي الدّعْوَةِ إلَى اللهِ وتَبْلِيغِها إلَى الناسِ مِن أَعْظَمِ الفَوائِدِ، لأَنَّ التّمَكُّنَ مِن اللغُةِ مَعَ حَلاوَةِ العِبارَةِ وفَصاحَةِ الألفاظِ أَرَقُّ فِي السمْعِ وأنْفَذُ فِي القَلْبِ!، فَأطْرَقَ إِطْراقَةَ المُتَأَمِّلِ فِيما قُلْتُهُ؛ وَوَافَقَنِي علَيْه.

    ثُمَّ فِي هَذا الذِي ذَكَرْناهُ تَعْوِيدُ الطلَبَةِ والأَتْباعِ عَمَلِيّاً علَى المِيزانِ الصَّحِيحِ الذِي يُوزَنُ بِهِ الصَّوابُ والخَطَاُ؛ وهُوَ العِلْمُ وَحْدَهُ؛ ولاَ شَيءَ سِوى العِلْم، ولا نَزالُ نَرَى العُلَماءَ يَنْقُلُونَ عَنْ أكابِرِ الأَئِمَّةِ رَحِمَهُمُ اللهُ فِي المَسْألَةِ القَوْلَ والقَوْلَينِ والثَلاثَةَ وأكَثَر!؛ وهَذا شَأنُ العالِمِ أنْ يَقُولَ القَوْلَ ويَرْجِعَ عَنْهُ غَداً، فَإِذا لَمْ يَألَفِ الأَتْباعُ مِن المَتْبُوعِ هَذا؛ وَأنّهُ قَدْ يَقَعُ مِنْهُ كَما يَقَعُ مِن غَيرِهِ؛ وإلاّ عَدُّوا رُجُوعَهُ عَن شَيْءٍ مِمّا قالَهُ نُكُوصاً عِن الحَقِّ وخُذْلاناً لَهُ؛ كَما يَعُدُّونَ كُلَّ مُخالِفٍ لِما اعْتادُوا سَماعَهُ مِن المُتْبُوعِ كَذلكَ!.

    ولُزُومُ العُلَماءِ جَادَّةَ الوَسَطِ والعَدْل؛ مَعَ العَمَلِ عَلَى تَوْسِيعِ مَدارِكِ الطُّلابِ؛ مِما يَحْفَظُ الإنْسانَ مِن الإفْراطِ والتَّفْرِيطِ، وقَدْ تَأمَّلْتُ حالَ كَثِيرِينَ مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إِلَى العِلْمِ؛ مِمّنْ كانَ عَلى نَهْجٍ لا يُرْتَضَى مِن العَنَتِ فِي مَسائِلِ العِلْمِ والغُلُوِّ فِيها؛ ثُمَّ صارَ إلَى عَكْسِ هَذا جُمْلَةً واحِدَةً!، فَخانَهُ التَّوَسُّطُ فِي الحالَيْنِ!، فَرَأَيْتُ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبابِهِ التّصَدُّرَ للعِلْمِ قَبْلَ النُّضْجِ فِيهِ؛ مَعَ الغَفْلَةِ عَنْ مُراقَبَةِ ما أَلِفَهُ واعْتادَهُ؛ وعَرْضِهِ عَلَى ما جَدَّ عِنْدَهُ مِن أُصُولِ أَهْلِ العِلْمِ وقَواعِدِهِمْ، وإِلاَّ فَمَنْ وُفِّقَ إلَى لُزُومِ جادَّةِ الوَسَطِ فِي مَبادِئِ الطَّلَبِ؛ واهْتَدَى بِما ذَكَرْناهُ سابِقاً؛ واسْتَعانَ باللهِ أَوّلاً وَآخِراً؛ وسَألَهُ سُبْحانَهُ الهِدايَةَ والثّباتَ والتَّوْفِيقَ؛ كانَ ذلكَ عِصْمَةً لَهُ مِن الإفْراطِ والتَّفْرِيطِ، وباللهِ وحْدَهُ التَّوْفِيق.
    وقَدْ أطلْنا فِي هَذا الفَصْلِ لِشِدَّةِ الحاجَةِ إلَيْهِ، والحَمْدُ للهِ أوّلاً وآخِراً.
    الملفات المرفقة الملفات المرفقة

  2. #2

    افتراضي رد: إنتقادات لا يستغني عنها طالب العلم - للشيخ أبي الوليد الغزي الأنصاري- أرجو المشار

    يقول العلامة إبن باديس الجزائري رحمه الله :( فالّذين أحدثوا في الّدين ما لم يعرفه السّلف الصّالح لم يقتدوا بمن قبلهم فليسوا أهلا لأن يقتدي بهم من بعدهم , فكلّ من اخترع في الدّين ما لم يعرفه السلف فهو ساقط عن رتبة الإمامة ) مجلة الإصلاح 17

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •