بسم الله الرحمن الرحيم


دور الهوى في تذكية نار الاختلاف


الشيخ مختار الأخضر طيباوي

الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبيّ بعده.
أما بعد ......
يتهم بعض الناس كل من خالفهم بالبدعة، و اتباع الهوى، و عداوة السنة، ومعلوم أن المبتدعة هم أهل الأهواء، فكأنه يشهد لنفسه بالسلامة من الهوى، أو كأنما عنده أمان من الله بان لا يدخل الهوى قلبه.
و الخلاف قد يكون ناشئا عن الهوى المضل، و قد يكون ناشئا عن تحري قصد الاتباع.
و إذا دخل الهوى أدى إلى اتباع المتشابه حرصا على الغلبة و الظهور، و أدى إلى الفرقة و التقاطع و العداوة و البغضاء، للاختلاف الأهواء و عدم اتفاقها.
و معلوم أن الشرع جاء بحسم مادة الهوى بإطلاق، و المبتدع نوعان: من يتبع الهوى على الإطلاق وهو من لم يصدق بالشريعة رأسا، و أما من صدق بها و بلغ فيها مبلغا، بحيث أكثر أقواله موافقة للحق، لا يقال عنه: انه متبع للهوى بإطلاق، فيوصف بالمبتدع و الضال و عدو السنة وغير ذلك.
كما صدر من الأخوة السالمين من اتباع الهوى !.
و إذا كان دخول الهوى في الأعمال و الأقوال خفيا بالاتفاق، ما حجتهم في تنزيه أنفسهم عنه، و اتهام غيرهم به، إلا أن يكون لهم دليل على موافقتهم الحق و مخالفة غيرهم له، وهم أصلا لم يسوقوا في كلامهم دليلا واحدا، و إنما شبهوا ببعض الكلام الذي حشوه الظن الكاذب، و الغرور بالنفس، و الافتنان بها بالطواف حول حجة التقليد وغيرها.
وعندما نجعل الهوى مقدمة في الدليل ـ كما جعلوا تقليدهم لشيخ حجة والتقليد من الهوى ـ، لم ينتج هذا الدليل إلا ما فيه اتباع الهوى و التعصب له، وهذا مخالف للشرع من جهة الإخلاص و من جهة الاتباع.
فمن يسمونهم مبتدعة وأعداء السنة و تمييعين، من جهة ما وافقوا فيه الحق يجب أن يحصل الائتلاف، ومن جهة ما خالفوه ـ حسب فهمهم ـ يجب أن يحصل الاختلاف، و هم إنما يأمرون بالاختلاف في كل حال، وهذا اتباع للهوى، وتمييع للحق، وغير ذلك.
وقد كره الله لنا الفرقة و حذرنا من الاختلاف، ونهانا عنه، ورضي لنا الطاعة و الألفة و الجماعة، وكما قال عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ:"و إن ما تكرهون في الجماعة و الطاعة هو خير مما تستحبون في الفرقة"، فالألفة رحمة و الفرقة عذاب.
قال ابن عبد البر:" كان يقال:لا خير مع الخلاف، ولا شر مع الائتلاف."
ولم يفرط الله في كتابه من شيء، فجعله لنا بيانا لكل شيء و تفصيلا، وقد تقول:هذا كلام عام في الألفة والوفاق، وليس هذا بصحيح .
فإذا اخبر الله في كتابه أنه قدر وكتب الخلاف على عباده، وعرفنا أن الاختلاف مركوز في فطرنا ومطبوع في خلقتنا، ولا يمكن ارتفاعه وزواله إلا بارتفاع هذه الخلقة، وهي لا ترتفع إلا بالموت، وجب ضرورة أن الله أرشدنا إلى الأمر الشرعي الذي ينجينا مما قدر من شر هذا الاختلاف، وبه نتجاوزه، وهو قوله تعالى:{و تعاونوا على البر و التقوى ولا تتعاونوا على الإثم و العدوان}.
وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم:"اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، أي: اجتمعت، فإذا اختلفتم أي: في فهم معانيه فقوموا عنه أي: تفرقوا لئلا يتمادى بكم الاختلاف إلى الشر"{فتح الباري101/9}.
وقال النبي صلى الله عليه و سلم ـ أيضا ـ:" و إمام قوم وهم له كارهون"، وقد يكون المأمومون من أهل الأهواء و الإمام أفضل منهم، و لكن التأليف أولى.
جاء في" كشف القناع"{484/1}:"و إذا كان بين الإمام و المأموم من جنس معاداة أهل الأهواء و المذاهب لم ينفع أن يؤمهم لعدم الائتلاف و المقصود بصلاة الجماعة إنما يتم بالائتلاف".
والعاقل يجتنب مواقع المنازعة، كالمقالات الدقيقة التي لا يفهمها أكثر الناس، وهذه المقالات التي توجب المنازعة و المعارضة و المنافرة لا يثيرها إلا عند الضرورة، وعليه أن يتمسك بالجمل الثابتة و الأصول العامة الموجبة للألفة.
والدين شيئان:الإخلاص و المتابعة، فإن اختلفنا في المتابعة لأسباب كثيرة بعضها سائغ، و بعضها غير سائغ يلحق به الإثم و التضليل، فإن الأسباب السائغة لا يلحق بها التضليل و التأثيم و التفسيق.
ومع ذلك الاختلاف في المتابعة ممكن ومعروف و مشاهد، ولكنه لا يوجب الاختلاف حول الإخلاص لله، الذي لا يعرفه إلا الله، والإخلاص لله في الدعوة إلى الله هو الإخلاص في الدعوة إلى الإسلام و السنة، قال أبو العالية في قوله تعالى: ولا تفرقوا: لا تعادوا عليه، يقول: في الإخلاص لله وكونوا إخوانا{القرطبي32/4}
و السلام عليكم .
أرزيو/ الجزائر 12/08/2009
مختار الأخضر طيباوي