لم يعرف الاسلام التصوف في زمن الرسول و صحابته و التابعين ، ثم جاء جماعة من الزهاد لبسوا الصوف فاطلقوا هذا الاسم عليهم ، و يتوخى المتصوفة تربية النفس و السمو بها بغية الوصول الى معرفة الله تعالى بالكشف و المشاهدة لا عن طريق اتباع الوسائل الشرعية ، ولذا جنحوا في السمار حتى تداخلت طريقتهم مع الفلسفات الوثنية : الهندية والفارسية واليونانية المختلفة . كدأب أن انحراف يبدأ صغيراً ، ثم ما يلبث إلا أن يتسع مع مرور الأيام فقد تطور مفهوم التصوف في القرن الثاني للهجرة إلى مفهوم لم يكن موجوداً عند الزهاد السابقين من تعذيب للنفس بترك الطعام ، وتحريم تناول اللحوم ، والسياحة في البراري والصحاري ، وترك الزواج ، وذلك دون سند من قدوة سابقة أو نص كتاب أو سنة.
و قد تختلف الصوفية الاوائل عن الصوفية المتاخرة التي انتشرت فيها البدع اكثر من سالفتها ، يقول الامام الجنيد رحمه الله الذي يلقب بشيخ الصوفية: " علمنا مضبوط بالكتاب و السنة ، من لم يحفظ الكتاب، و يكتب الحديث، و لم يتفقه، لا يقتدى به" و قال ايضا " الطرق كلها مسدودة على الخلق الا من اقتفى اثر رسول الله و اتبع سنته و لزم طريقته، فان طرق الخير كلها مفتوحة عليه" و قال الشيخ ابو سعيد الخراز "كل باطن يخالف الظاهر فهو باطل" و قال بعض الصوفية "اصولنا ستة :التمسك بكتاب الله تعالى و الاقتداء بسنة رسول الله و اكل الحلال و كف الاذى و اجتناب الاثام و اداء الحقوق" فيحنئذ يكون التصوف صحيحا موافق لشريعة الاسلام و لا يناقضها ، اما ما احدث فيه من بدع و ضلالات فهذا ما لا يقره الاسلام.
و من ابرز الماخذ التي تاخذ على الصوفية_الحلول والاتحاد ، وحدة الوجود ، الشرك في توحيد الألوهية وذلك بصرف بعض أنواع العبادة لغير الله تعالى ، الشرك في توحيد الربوبية وذلك باعتقادهم أن بعض الأولياء يتصرفون في الكون ويعلمون الغيب ، الغلو في الرسول صلى الله عليه وسلم ، الغلو في الأولياء ، الادعاءات الكثيرة الكاذبة ، كادعائهم عدم انقطاع الوحي ومالهم من المميزات في الدنيا والآخرة ، تساهلهم في التزام أحكام الشرع ، طاعة المشايخ الخضوع لهم ، والاعتراف بذنوبهم بين أيديهم ، والتمسح بأضرحتهم بعد مماتهم ، التجاوزات الكثيرة التي ما أنزل الله بها من سلطان ، في هيئة ما يسمونه الذكر ، وهو هز البدن والتمايل يميناً وشمالاً ، وذكر كلمة الله في كل مرة مجردة ، والادعاء بأن المشايخ مكشوف عن بصيرتهم ، ويتوسلون بهم لقضاء حوائجهم ، ودعاؤهم بمقامهم عند الله في حياتهم وبعد مماتهم و غيرها كثير..._ تلك الاعتقادات و الضلالات و البدع التي تخرج صاحبها من الاسلام، و ذلك عندما اعرضوا عن الكتاب و السنة و منهج السلف الصالح اوحى اليهم الشيطان ما اوحى. يقول الامام ابن القيم رحمه الله " و من كيده _اي الشيطان_ ما القاه الى جهال المتصوفة من الشطح و الطامات و ابرزه لهم في قالب الكشف من الخيالات فاوقعهم في انواع الاباطيل و الترهات و فتح لهم ابواب الدعاوى الهائلات و اوحى اليهم ان وراء العلم طريقا ان سلكوه افضى بهم الى كشف العيان و اغناهم عن التقيد بالسنة و القران فحسن لهم رياضة النفوس و تهذيبها و تصفية الاخلاق و التجافي عما عليه اهل الدنيا و اهل الرياسة و الفقهاءو ارباب العلوم و العمل على تفريغ القلب و خلوه من كل شيئ حتى ينتقش فيه الحق بلا واسطة تعلم فلما خلا من صورة العلم الذي جاء به الرسول نقش فيه الشيطان بحسب ما هو مستعد له من انواع الباطل و خيله للنفس حتى جعله كالمشاهد كشفا و عيانا فاذا انكره عليهم ورثة الرسل قالوا:لكم العلم الظاهر و لنا الكشف الباطن و لكم ظاهر الشريعة و عندنا باطن الحقيقة و لكم القشور و لنا اللباب فلما تمكن هذا من قلوبهم سلخها من الكتاب و السنة و الاثار كما ينسلخ الليل من النهار ثم احالهم في سلوكهم على تلك الخيالات و اوهمهم انها من الايات البينات و انها من قبل الله سبحانه الهامات و تعريفات فلا تعرض على السنة و القران و لا تعامل الا بالقبول و الاذعان.
فلغير الله لا له سبحانه ما يفتحه عليهم الشيطان من الخيالات و الشطحات و انواع الهذيان و كلما ازدادوا بعدا و اعراضا عن القران و ما جاء به الرسول كان هذا الفتح على قلوبهم اعظم"
لقد فتح التصوف المنحرف باباً واسعاً دخلت منه كثير من الضلالات والبدع التي تخرج صاحبها من الإسلام ف التصوف الحق ان صح التعبير هو العمل بالسنة و اتباع ما انزل الله على رسوله . يقول ابراههيم بن محمد " اصل هذا المذهب ملا زمة الكتاب و السنة، و ترك ما احدثه الاخرون و المقام على ما سلك الاولون"
و قد تباينت مواقف المغاربة كغيرهم من التصوف فابطلوه علماء السنة و الكتاب الذين يقتدى بامرهم و يعتبر بعلمهم.فاشتهر جماعة من علماء المغرب بالرد على الصوفية و الرد على بدعهم المخالفة للسنة و شهدوا لائمتهم بالابتداع و الاحداث، و منهم على سبيل المثال لا الحصر:
1- الشيخ العلامة عبد الله بن محمد بن موسى العبدوسي المتوفى سنة 849ه في رسالته" جواب في الرقص و الشطح عند الذكر" ابطل فيها الشطح و الرقص و الصياح و لطم الصدور و هز الرؤوس بالعنق في حالة الذكر المزعوم.
2-العلامة الشيخ محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي في كتابه "معضلات العصر" و هو مقال في الرد على التيجانيين و قد طبعه علامة الجزائر ابن باديس و سماه "الجواب الصريح في بيان مضادة الطريقة التيجانية للاسلام الصحيح".
3- الشيخ العلامة تقس الدين الهلالي له كتاب "الهدية الهادية للطائفة التيجانية" و كان رحمه الله مشهورا بمعادات المتصوفة معروفا بانحرافه عنهم.
4- العلامة الشيخ ابن طوير الجنة احمد بن عمر الوداني المتوفى سنة1266ه في كتابه "فيض المنان في الرد على مبتدعة الزمان" انكر فيه عددا من بدع الصوفية كزعمهم رؤية الله و رؤية النبي و ان النبي يحضر معهم مجالس الذكر و بين ان الكرامات و الفراسة التي يدعيها الصوفية لا حقيقة لها و ان ذلك يقع بين الكافر و المسلم، و ابطل الرقص و التواجد حال الذكر، و ذكر ان اول من احدثه السامري.
5- الشيخ العلامة احمد بن محمد المرنيسي سنة 1277ه في كتابه "انكار الرقص و الطار" انكر في الرقص حال الذكر، كما يفعله ارباب الطرق الصوفية بشتى انواعها.
6- الشيخ العلامة ابو عبد الله الغالي بن محمد الحسني العمراني اللجائي الفاسي المتوفى سنة1289ه في كتابه "ابطال الشبه و رفع الالباس في الرد على من صوب في تقييد له خطا الناس" انكر فيه على المتصوفة اجتماعهم على الذكر و الرقص، و عد من البدع، اجتماع الصوفية على الرقص و الذكر على صوت واحد الى غير ذلك من البدع التي نص عليها.
7- الشيخ العلامة محمد بن العربي العلوي المتوفى سنة1384ه في كتابه "فتوى لعلماء القرويين بادانة صلاة الفاتح لمحمد الفاطمي التيجاني".
8- السلطان العلوي المولى عبد الحفيظ في كتابه "كشف القناع عن اعتقاد طوائف الابتداع المتقولين الذين حادوا عن منهاج السنة و احدثوا اعتقادات لم ترد عمن شرح الدين و السنة".
9-الشيخ العلامة ابو عبد الله محمد بن المدني كنون المتوفى سنة 1302ه في كتابه "الزجر و الاقماع بزواجر الشرع المطاع لمن يومن بالله و رسوله و يوم الاجتماع عن الات اللهو و السماع" و هو في ابطال الذكر الصوفي و الرقص و الذكر جماعة و غير ذلك من البدع.
10-العلامة المورخ احمد بن خالد الناصري المتوفى سنة1315ه في كتابه "تعظيم المنة في نصرة السنة" تكلم فيه على عدد من بدع الصوفية ،منها:رقص الفقراء حول الميت بعد تغسيله و الشطح و الرقص الصوفي و اتخاذ الشيخ للتربية و الذكر الجماعي و الذكر بالاسم المفرد، و ذكر من مصطلحاتهم الحادثة الفناء و البقاء و الغوث و الاقطاب و الابدال.
11-العلامة ابي الحسين الصغير المكناسي السوسي في رسالة له ابطل فيها البدع التي احدثها المتصوفة كالذكر الجماعي و الشطح و اتخاذ الشيخ في التربية و التسابيح و احداث الطرق الصوفية.
12- العلامة الشيخ عبد الله بن ادريس السنوسي الفاسي المتوفى سنة1350ه و قد اشتهر بمعاداة المتصوفة الكاذبين مقرعا لهم، مسفها احلامهم، مبطلا ارائهم ،مبالغا في تقريعهم، و لم يرجع عن ذلك منذ ان اعتقده و لا قل من عزمه كثرة معاداتهم له.
13- العلامة عبد الحفيظ بن محمد الفاسي الفهري المتوفى سنة1383ه في كتابه "رياض الجنة" و قد اكثر من التشنيع على تقي الدين النبهاني احد اقطاب الصوفية و المتصوفة عموما.
14- العلامة محمد كنوني المذكوري مفتي رابطة علماء المغرب ،كان شديدا على المتصوفة و كان يفتي بمعاداتهم و انكار بدعهم .
15- الشيخ العلامة عبد الرحمن محمد النتيفي الجعفري الزياني المتوفى سنة 1385ه فقد الف كتبا عديدة في انكار بدع الصوفية منها :"حكم السنة و الكتاب في وجوب هدم الزوايا و القباب" و "تنبيه الرجال في نفي القطب و الغوث و الابدال" و "الدكر الملحوظ في نفي قراءة اللوخ المحفوظ" و "الارشاد و السداد في فضل ليلة القدر على ليلة الميلاد" و "القول الفائز في عدم التهليل وراء الجنائز" و "القول الجلي في عدم تطور الولي" و "الميزان العزيز في الرد على كتاب الابريز " و "تحفة الاماني في الرد على اصحاب التيجاني" و "الزهرة في الرد على غلو البردة" و "الحجج العلمية في رد غلو الهمزية" و "اصفى الموارد في الرد على غلو المطربين المادحين لرسول الله و اهل الموائد" و "الدلائل البينات في البحث في دلائل الخيرات و شرحه مطالع المسرات" كل هذه الكتب و غيرها كثير جدا لا زالت مخطوطة عند احد طلبته بمدينة تارودانت.
16- العلامة الاديب ابو عبد الله محمد بن اليمني الناصري الجعفري المتوفى سنة 1391ه في كتابه "ضرب نطاق الحصار على اصحاب نهاية الانكسار" و هو كتاب صاعقة على المتصوفة و الاهم فيه انه قرظه15 عالما و اديبا و شاعرا مغربيا و اثنوا على مؤلفه و تاليفه ثناءا عطرا.
17- الشيخ العلامة محمد المكي الناصري المفسر المعروف و وزير الاوقاف سابقا في كتابه "اظهار الحقيقة و علاج الخليقة".
18- العلامة السلفي احمد الخريصي المتوفى سنة 1403ه في كتابه "المتصوفة و بدعة الاحتفال بمولد النبي " تحدث فيه نشا التصوف و تطوره عبر التاريخ ،و تسارع المتصوفة الى البدع و المبتدعات و اغراقهم في ذلك.
19- العلامة الشيخ محمد الجزولي سنة 1393ه في رسالته "لاطرق في الاسلام" كتبها لشيخ الطائفة التيجانية بالرباط .
و لو ظفرت بمن شئت من علماء المغرب المعادين للتصوف لعدوا و ما احصوا و لكن طلبا للاختصار انقل اليك بعض اقوال فحول المغاربة في التصوف:
ا- العلامة المفسر الكبير ابو عبد الله القرطبي الاندلسي المغربي، يقول في تفسيره: " و على التفسيرين ففيه رد على الجهال من الصوفية الذين يرقصون و يصفقون و يصعقون و ذلك كله منكر يتنزه عن مثله العقلاء و يتشبه فاعله بالمشركين فيما كانوا يفعلونه عند البيت".
ب- و يقول العلامة المغربي الاندلسي قاهر المبتدعة الامام ابو اسحاق الشاطبي في كتابه الاعتصام "و ذلك انه وقع السؤال عن قوم يتسمون بالفقراء_اي المتصوفة_يزعمون انهم سلكوا طريق الصوفية فيجتمعون في بعض الليالي و ياخذون في الذكر الجهري على صوت واحد ثم في الغناء و الرقص الى اخر ذلك و يحضر معهم بعض المتسمين بالفقهاء ،يترسمون برسم الشيوخ الهداة الى سلوك ذلك الطريق هل هذا العمل صحيح في الشرع ام لا.
فوقع الجواب : بان ذلك كله من البدع و المحدثات المخالفة طريقة رسول الله و طريقة اصحابه و التابعين لهم باحسان".
واختم الكلام بما ذكره الشيخ العلامة الفقيه ابو بكر الطرطوشي محمد بن الوليد الفهري المغربي الاندلسي المالكي :" مذهب الصوفية بطالة و جهالة و ضلالة ، و ما الإسلام إلا الكتاب الله ،و سنة رسوله ، و أما الرقص و التواجد، فأَوّل مَنْ أَحثه أصحاب السامريّ ،لما اتخذ لهم عجلاً جسداً له خوار,قاموا يرقصون حواليه ويتواجدون,فهو دين الكفار,وعبّاد العجل. وأما القضيب فأوّل مَن اتخذه الزَّنادقة ،ليشغلوا به المسلمين عن كتابِ الله تعالى.وإنما كان يجلس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع أصحابه،كأنما على رؤوسهم الطير من الوقار،فينبغي للسلطان ونوّابه أن يمنعهم من الحضور في المســاجد وغيرها،ولا يحلّ لأَحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم،ولا يعينهم على باطلهم ،هذا مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة المسلمين".
فهؤلاء جميعا ردوا على التصوف و على عقائدهم ففي ذلك عبرة و اعظم دليل على ان علماء المغرب لا زالوا مناهضين لبدع المتصوفة ،رادين اباطيلهم مبطلين خرافاتهم.
و لا يغرنك كثرة المتصوفة المغاربة في العصور المتاخرة، لان عصور الانحطاط لا عبرة بها في ميزان النقد و الاعتبار. و لو ظفرت بمن شئت من المغاربة المتاخرين ممن اثنوا على التصوف لم يعشروا معشار مثل ابي بكر الطرطوشي و ابي عبد الله القرطبي و غيرهم ،فهؤلاء علية القوم و جلة علماء المغرب في ذلك العصر.
--------------------------------------------------
المراجع :
- اغاثة اللهفان من مصائد الشيطان لابن قيم الجوزية
- ما هي الصوفية و ما دورها في الجهاد الاسلامي للدكتور طارق الطواري عن موقع صيد الفوائد.
- معلومات مهمة من الدين لا يعلها كثير من المسلمين للشيخ محمد بن جميل زينو
- علماء المغرب و مقاومتهم للبدع و التصوف و القبورية و المواسم للشيخ مصطفى باحو و قد استفدت كثيرا من هذا الكتاب فجزى الله الشيخ خير جزاء.
- سير اعلام النبلاء للامام ابو عبد الله الذهبي.
- جريدة السبيل العدد 51و53.
جمع واعداد
الياس الهاني