بسم الله الرحمن الرحيم
ربّ اشرح لي صدري ويسّر لي أمري

انه - عبد الرحمن بن صخر الدوسي - المكنى بأبي هريرة رضي الله عنه


أبو هريرة رضي الله عنه واحد من أكفأ وأكثرالصحابة حفظا لأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم, ويملك ذاكرة حديدية متقدة نماها له الملى سبحانه وتعالى كي يحفظ ميراث النبي صلى الله عليه وسلم من الضياع والعبث.

لقد هياته موهبته ليكون أكثر الصحابة وعيا وادراكا بميراثه صلى الله عليه وسلم ذلك, ذلك أنه خدم النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنوات متتالية بدقائقها وثوانيها, اللهم الا من الأوقات التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يخلد فيها مع نفسه واهل بيته.

قوة ذاكرته رضي الله عنه

أبو هريرة رضي الله عنه كان متفرغا تفرغا كاملا لخدمته صلى الله عليه وسلم يتلقى منه كل كلمة يتفوّه بها فمه الشريف ويثبتها رضي الله عنه في صدره قبل عقله فلا ينساها أبدا.
كان رضي الله عنه يسمع فيعي, ويقرأ فيحفظ, وكانت يتمتع بذاكرة تجيد فن الحفظ والاختزان كما اليوم الكمبيوتر يختزن كل المعلومات فلا تضيع, واذا كان صنع الانسان قد هيأ جهازا لحفظ المعلومات, فماذا نقول بصنع الله تبارك الذي لا يعجزه ايجاد عقول بشرية تستوعب كل ما تسمع وتخزنها في ذاكرتها, ولا عجب في ارادة الله تبارك وتعالى الذي وهب أبو هريرة رضي الله عنه هذه النعمة الجليلة ليحفظ تراث نبيه صلى الله عليه وسلم, ولولا سنة النبي صلى الله عليه وسلم ما عرفنا شيئا عن ديننا, فالقرآن الكريم ذكر لنا جميع الأحكام والفروض , لكنه لم يفصلها لنا كلها, فجاءت السنة لتبينها لنا بتفاصيلها كاملة, ولنضرب مثلا على ذلك الصلاة, التي هي فرض, أمرنا الله تعالى باقامتها, ولم يبّن لنا أي تفاصيل عن أوقاتها, أو عن أركانها, أو حتى عدد ركعاتها, أو عن أذكارها,أو عن شروطها, فجاءت السنة النبوية وبيّنت لنا كل شيء مفصلا, وعلى الصلاة تقاس كل الأعمال والأركان والفروض.

محاربته للوضاعين رضي الله عنه

عندما جاء عصر الوضّاعين الذين تخصصوا في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم, اتخذوا أبو هريرة رضي الله عنه غرضا سيئا مستغلين سمعته العريضة في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوأ استغلال, ولولا تلك الجهود المخلصة والبارة الخارقة التي بذلها أبرار كبار نذروا حياتهم وكرسوها لخدمة الحديث النبوي, وبقي كل زيف ودخيل عنه لغدت أحاديثه موضع ارتياب وتساؤل, هنالك نجا أبو هريرة رضي الله عنه من أخطبوط الأكاذيب والتلفيقات التي أراد المفسدون أن يتسللوا بها الى الاسلام عن طريقه رضي الله عنه, وأن يحمّلوه وزرها وآذاها.

أبو هريرة رضي الله عنه واحدا من الذين تنعكس عليهم ثروة الاسلام بكل ما أخذته من تغيرات, ومنذ التصق بالنبي صلى الله عليه وسلم, انقلبت حياته رأسا على عقب, فمن أجير الى سيد, ومن تائه في الزحام الى علم وامام, ومن ساجد أمام حجارة مركومة الى مؤمن بالله الواحد القهار, وخير ما يحدثنا عن أبو هريرة هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه فيقول:
نشأت يتيما, وهاجرت مسكينا, وكنت أجيرا ليسرى بن غزوان بطعام بطني, كنت أخدمهم اذا نزلوا, وأحدوا لهم اذا ركبوا, وها أنا وقد زوجنيها الله تعالى, فالحمد لله الذي جعل الدين قواما, وجعل أبو هريرة اماما.

قدم أبو هريرة رضي الله عنه من خيبر الى المدينة سنة سبع للهجرة, فأسلم راغبا مشتاقا, ومنذ أن رأى النبي صلى الله عليه وسلم وبايعه على الاسلام وهو رضي الله عنه لم يفارقه قط الا في ساعات النوم, أربع سنوات عاشها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, كانت سنوات الخير كله, وحدها كانت عمرا كاملا, كانت طويلة عريضة مليئة بكل صالح من القول والعمل والصحبة.

لماذا أبو هريرة أكثر رواة الحديث؟

انّ ابطال الحرب في الصحابة كثيرون, والفقهاء والدعاة والمعلمون كثيرون, ولكن البنية التحتية للمجتمع تفتقد للكتابة, وفي تلك العصور كانت الجماعة الانسانية كلها لا تهتم بالكتابة, ولم تكن الكتابة من علامات التقدم في ذلك الزمان, لذا كان كثير من رجالها ونساءها أميون لا يدركون شيئا من القراءة والكتابة, ورغم أنّ ابو هريره رضي الله عنه كان من تلك العصور, الا أنه نال حظا وافرا من العلم والتعلم , شأنه شان كتاب الوحي رضي الله عنهم, ورغم قلتهم الا أنهم كانوا, وأبو هريرة بحدسه العريض وبذكاءه الشديد وبفطرته السديدة أدرك حاجة المجتمع الجديد الذي يبنيه الاسلام لبنة لبنة,الى من يحفظ تراثه وتعاليمه, كان هناك يومئذ من الصحابة كتاب الوحي يكتبون ما يتنزل به الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم من القرآن الكريم, وما كان لهم أن يكتبوا أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا يختلط عليهم كلام رب العزة تبارك وتعالى بكلام نبيه صلى الله عليه وسلم, لأجل هذا رأى أبو هريرة رضي الله عنه أن يستوعب بقلبه وعقله ما ينطقه الفم الشريف من أحاديث, ووجد نفسه أهلا لحفظ الأحاديث نظرا للوهبة الجليلة التي يملكها, ونظرا للتفرغ الكامل لخدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم, ونظرا للفراغ الطويل الذي أهّله الى ما يمكنه من ادرك كل ما كلمة ينطق به فمه الشريف صلى الله عليه وسلم.

لم يكن أبو هريرة رضي الله عنه كاتبا, بل كان حافظا, وكان يملك من الفراغ ما يمكنه من ادراك كل أحاديثه صلى الله عليه وسلم, وهذه موهبة الهية خصّها به الله تبارك وتعالى بعبده هذا الصحابي الجليل, وانعم به عليه بدعوة نبيه صلى الله عليه وسلم حين دعا له دعوة فتحت لها أبواب السماء ومادام النبي صلى الله عليه وسلم قد دعا, اذن لم لا يكون واحدا من النجباء الذين يأخذون على عاتقهم هذا التراث ومن ثم نقله للأجيال القادمة.

لماذا منعه عمر رضي الله عنهما من رواية الحديث؟

هناك بعض الشكوك كانت قد راودت بعض الصحابة رضوان الله عليهم من كثرة ما حدّث أبو هريرة من أحاديث بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم, جعلهم يرتابوا بصحتها, الا أنّ أبو هريرة رضي الله عنه قد دافع عن نفسه وقال لهم: انكم تتقوّلون بأنّ ابو هريرة قد أكثر في حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم, وتقولون أن المهاجرين الذين سبقوه الى الاسلام لا يحدّثون هذه الأحاديث, ان أصحابي من المهاجرين كانت هناك ما تشغلهم صفقاتهم بالوق, وانّ لأصحابي من الأنصار كانت تشغلهم أرضهم وزروعهم, واني كنت أميرا مسكينا أكثر مجالسة للنبي صلى الله عليه وسلم, أحضر اذا غابوا, وأحفظ اذا نسوا, وقد حدثنا النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال: من يبسط رداءه حتى يفرغ من حديثي ثمّ يقبضه اليه فلا ينسى شيئا كان قد سمعه مني, فبسطت ثوبي , فحدّثني ثم ضممته اليّ , فوالله ما كنت نسيت شيئا سمعته منه, وايم الله لولا آية في كتاب الله ما حدّثتكم بشيء أبدا, قوله تعالى:

ان الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيّناه للناس في الكتاب, أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون.

لأجل هذا كان أبو هريرة يحدّث بالناس كي لا يطوله اثم اذا هو كتم حديثا, وكان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه قال له يوما بعدما اشتكاه بعض الصحابة: لتتركنّ الحديث عن رسول الله أو لألحقنك بأرض دوس
وهذا النهي من أمير المؤمنين رضي الله عنه لا يشكل اتهاما لأبي هريرة رضي الله عنه, بل هو دعم لنظرية عمر رضي الله عنه يتبناها ويؤكدها, تلك هي أنّ على المسلمين في تلك الفترة بالذات يجب ألا يحفظوا سوى القرآن الكريم حتى يستقر ويثبت في الصدور والعقول, فالقرآن كتاب الله تبارك وتعالى, ودستور الاسلام, وقاموس الدين, وكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الفترة التي أعقبت وفاته صلى الله عليهوسلم, والتي كان القرآ ن الكريم يجمع فيها, قد تسبب بلبلة وتداخلات الأحاديث مع نصوص آيات القرآن الكريم, ولو أنّ أبو هريرة رضي الله عنه صرّح بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بعد جمع القرآن الكريم لما اعترض عمر رضي الله عنه ولا غيره على روايتها.
من أجل ذلك كان عمر رضي الله عنه يقول: اشتغلوا بالقرآن فانه كلام الله.
وكان يقول: أقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليبه وسلم,الا فيما يعمل به.
وأبو موسى الأشعري لم ينكر على أبو هريرة رضي الله عنه رواية الحديث, ولكن رأيه من ذلك كان يقترب من رأي عمر رضي الله عنه, اذ قال لأبو هريرة رضي الله عنه: انك تأتي قوما لهم في مساجدهم دوي القرآن كدوي النحل, فدعهم على هم عليه ولا تشغلهم بالحديث وأنا شريكك في ذلك.
كان القرآن الكريم قد جمع بطريقة مضمونة دون أن يتسرّب اليه ما ليس فيه, وحكمة عمر وأبو موسى الأشعري رضي الله عنهما كانت عاملا مساعدا وقويا على ذلك, فالقرآن الكريم من المحال أن يحرّف أو يزوّر, ذلك أن الله تعالى قد تكفل بحفظه, بينما الأحاديث فهي قابلة للتحريف والتبديل والتزوير, وقابلة لأن تتخذ سبيلا في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم والنيل من الاسلام, وكان أبو هريرة يقدّر وجهة نظرعمر رضي الله عنه ويحترمها, رغم أنه واثقا من نفسه ومن صحة رواياته ومن أمانته,لأجل هذا كان لا يريد أن يكتم الحديث والعلم اللذين بنظره أمانة يجب أن تؤدى.

وهناك ثمة سبب آخروجوهريا هاما كان له دور كبير في اثارة المتاعب حول أبو هريرة رضي الله عنه لكثرة تحدثه وحديثه, ذلك أنه كان هناك يومئذ محدّث آخر يحدّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان يكثر ويسرف, ولم يكن المسلمون يطمئنون اليه كثيرا, ذلكم هو كعب الأحبار الذي كان يهوديا.

نصيحة الشيطان لأبو هريرة

روى الامام البخاري رحمه الله بسنده الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال:

وَكَّلَنِي رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام، فأخذته وقلت: والله لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إني محتاج وعليَّ عيالٌ ولي حاجةٌ شديدة، قال: فخليت عنه، فأصبحت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟ قال: قلت: يا رسول الله! شكا حاجةً شديدة وعيالاً فرحمته فخليت سبيله، قال: أما إنه قد كذبك وسيعود، فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه سيعود. فرصدته فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: دعني فإني محتاج وعلي عيالٌ ولن أعود، فرحمته فخليت سبيله، فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة ما فعل أسيرك؟ قلت: يا رسول الله! شكا حاجةً شديدةً وعيالاً فرحمته فخليت سبيله، قال: أما إنه قد كذبك وسيعود. فرصدته الثالثة فجاء يحثو من الطعام، فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذه ثلاث مرات تزعم أنك لا تعود ثم تعود، قال: دعني وسوف أعلمك كلماتٍ ينفعك الله بها، قلت: ما هي؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي – {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم } [البقرة:255]- حتى تختم الآية، فإنه لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربنك شيطانٌ حتى تصبح؛ فخليت سبيله. فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت: يا رسول الله! زعم أنه يعلمني كلماتٍ ينفعني الله بها، فخليت سبيله، قال: وما هي؟ قلت: قال لي: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية: - {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم} [البقرة:255]- وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطانٌ حتى تصبح -وكانوا أحرص شيءٍ على الخير- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما إنه قد صدقك وهو كذوب، أتعلم من تخاطب منذ ثلاث ليالٍ يا أبا هريرة ؟ قال: لا. قال: ذاك الشيطان

ميراث رسول لله صلى الله عليه وسلم

ذات يوم مرّ أبو هريرة رضي الله عنه في سوق المدينة اذ وقف وقال: ذاك ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسّم وأنتم ههنا؟ ألا تذهبون فتأخذون نصيبكم منه؟ قالوا: وأين يقسّم؟ قال رضي الله عنه: في المسجد, فخرجوا من السوق مسرعين الى المسجد, ثم ما لبثوا أن عادوا وأبوهريرة رضي الله عنه لا زال مكانه, فلما أبصرهم قال: مابكم عدتم؟ قالوا: أتينا المسجد فدخلناه, فلم نر فيه شيئا يقسّم, بل رأينا أقواما تصلي, وأقواما تقرأ القرآن,وأقواما تتذاكر الحلال والحرام, فقال رضي الله عنه: ويحكمّ فذاك هو ميراثه صلى الله عليه وسلم.
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: انّ أعمال بني آدم تعرض على الله تبارك وتعالى عشية كل خميس ليلة الجمعة, فلا يقبل عمل قاطع رحم.

مروان بن الحكم وأبو هريرة رضي الله عنه

أراد مروان الحكم يوما أن يختبر قوة ذكاء أبو هريرة رضي الله عنه ليقف على أمر كان بعض الصحابة قد تداوله حول ارتيابهم فيالأحاديث التي يرويها عن النبي صلى الله عليه وسلم, فاسدعاه الى قصره وطلب منه أن يحدثه بما يحفظ من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان مروان قد أخفى أحد كتابه من وراء حجاب طلب منه أن يدوّن كل كلمة يقولها أبو هريرة, وفي العام التالي استدعاه ثانية وطلب منه أن يحدثه بالآحاديث التي ذكرها له العام الماضي, وبعد أن انتهى قال له كاتبه: ما نسي أبو هريرة كلمة واحدة مما قاله اليوم عما قاله العام الماضي.

أبو هريرة الهجّاد رضي الله عنه

كان رضي الله عنه هجادا, عابدا, زاهدا, أوابا, يتناوب مع زوجته وابنته على قيام الليل, فيقوم هو ثلثه, وزوجته تقوم ثلثه, وابنته تقوم ثلثه, وهكذا كانت لا تمر ساعة من ليلة الا وفي بيته عبادة وذكر وصلاة.

فرحته باسلام أمه رضي الله عنهما

لما أسلم أبو هريرة رضي الله عنه لم يكن هناك أحدا ينغص عليه حياته سوى أمه التي عارضت بشدة دخوله في الاسلام, وليس ذلك فحسب بل كانت تؤذيه وتذكره بسوء, وكان رضي الله عنه يبتجنّب مجلسها كي لا يعقها, ونترك الحديث لعبد الرحمن الدوسي رضي الله عنه ليحدثنا بذلك:
فجئت رسول الله وأنا أبكي, وقلت له: يا رسول الله لطالما دعوت أمي الى الاسلام فتأبى علي, واليوم دعوتها فأسمعتني فيك ما أكره, فادع الله أن يهديها, فقال صلى الله عليه وسلم: اللهم اهد أم أبو هريرة, فخرجت من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أتلمّس طريقي الى البيت وما أن وصلت حتى سمعت خضخضة ماء ونادتني أن يا أباهريرة مكانك, ثم لبست درعها, وعجّلت خمارها , وخرجت الي وهي تقول: أشهد أن لا اله الا الله وأن محمد رسول الله, فهرعت أسعى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبكي من الفرح كما بكيت من الحزن من قبل, وقلت: أبشر يا رسول الله, لقد استجاب الله لدعوتك, وهدى الله أمي الى الاسلام, ثم قلت: يا رسول الله, ادع الله أن يحببني وأمي الى المؤمنين والمؤمنات, فقال صلى الله عليه وسلم: اللهم حبّب عبيدك هذا وامه الى كل مؤمن ومؤمنة..

توليه مقاليد امارة البحرين رضي الله عنه

عاش أبو هريرة عابدا زاهدا لا يتخلف عن غزوة ولا عن طاعة, وفي خلافة عمر رضي الله عنهما ولاه امارة البحرين, وكان من وراء وجوده في البحرين قد ادخر مالا, ولما علم عمر رضي الله عنه دعاه الى المدينة , ودار بينهما الحديث التالي بدأه أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه فقال:
يا عدو الله وعدو كتابه, أسرقت مال الله؟
ما أنا بعدو الله ولا بعدو كتابه , ولست من يسرق مال الله.
اذن من أين اجتمعت لك عشرة آلاف؟
خيل لي تناسلت وعطايا تلاحقت.
فادفعها الى بيت مال المسلمين!
ودفعها الىعمر رضي الله عنهما, ثم رفع يديه الى السماء وقال: اللهم اغفر لأمير المؤمنين.
وبعد حين من الزمن دعاه عمر رضي الله عنه اليه وعرض عليه الولاية من جديد, الا أن أبو هريرة وبأدب شديد اعتذر له عنها, وعندما سأله عمر رضي الله عنه عن السبب, أجاب رضي الله عنه: حتى لا يشتم عرضي, ويؤخذ
مالي ويضرب ظهري, وأخاف أن أقضي بغير علم, وأقول بغير حلم.

تسميته بأبو هريرة ؟

كان اسمه في الجاهلية عبد شمس وبعد الاسلام سمّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد الرحمن, ولشدة عطفه على الحيوان ورفقه به فقد كان يربي هرة كانت تلازمه كظله, ولأجل ذلك سمي بأبو هريرة رضي الله عنه.

وفاته رضي الله عنه

في مرضه الذي توفي فيه رضي الله عنه وبينما كان أصحابه يتمنون له الشفاء كان يلح على الله تعالى قائلا: اللهم اني أحب لقاءك فاحبب لقائي, وعن 78 عاما , وفي العام ال 59 هجرية لبى أبو هريرة رضي الله عنه نداء المولى عزوجل.

فرضي الله عن أبو هريرة وعن صحبه وصلى الله وبارك وسلم على من رباهم