إثبات صفة العينين للباري جلّ جلاله
بقلم » أبو عبدالله أسامة الطيبي
الحمد لله المتصف بصفات الجلال والكمال، والصلاة والسلام على خير الرجال، نبيّنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن من منهج أهل السنة والجماعة ـ السلفيين ـ إثبات ما أثبته الله لنفسه، وما أثبته له نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ من غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير تشبيه ولا تعطيل، وقد وصف الله ـ عزّ وجلّ ـ نفسه بصفات الجلال، والجمال، والكمال، ومن هذه الصفات التي أثبتها الله لنفسه، وأثبتها له نبيّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ صفة العينين على ما يليق بجلاله، وعظمته، وسلطانه.
ومن الأدلة التي استدل بها أهل السنة لإثبات هذه الصفة العظيمة ـ ولا يستدلون في هذا المقام إلا بنصوص الوحيين الشريفين ـ.
أولا : الأدلة من كتاب الله ـ عزّ وجلّ ـ:
قال الله ـ تعالى ـ: «وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي» [طه:39] ، وقال ـ جلّ ثناؤه ـ: «وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا» [الطور:48]، وقال ـ سبحانه ـ: «تَجْرِي بِأَعْيُنِناَ» [القمر:14].
ففي هذه الآيات الكريمات ـ وغيرها كثير ـ إضافة صفة العين لله ـ عزّ وجلّ ـ مفردة ومجموعة؛ ففهم أهل السنة السنيّة من هذه الآيات وما شابهها أن لله ـ تعالى ـ عينين اثنتين، ولم يقل أحد من السلف أن لله ـ سبحانه ـ عيناً واحدة، أو عدة أعين؛ ف«ذكر العين مفردة لا يدل على أنها عين واحدة فقط؛ لأن المفرد المضاف يراد به أكثر من واحد؛ مثل قوله ـ تعالى ـ: «وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا»، فالمراد نعم الله المتنوعة التي لا تدخل تحت الحصر والعدّ. وقوله ـ تعالى ـ: «أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ« فالمراد بها جميع ليالي رمضان. ولو قال قائل: نظرت بعيني، أو وضعت المنظار على عيني. لا يكاد يخطر ببال أحد ممن سمع هذا الكلام أن هذا القائل ليست له إلا عين واحدة. هذا ما لا يخطر ببال أحد أبداً. قال الإمام ابن القيم: إذا أضيفت العين إلى اسم الجمع ظاهراً، أو مضمراً فالأحسن جمعها مشاكلة للفظ؛ كقوله تعالى: «تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا»، و«فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا »، وهذا نظير المشاكلة في لفظ اليد المضافة إلى المفرد؛ كقوله ـ تعالى ـ: «بِيَدِكَ الْخَيْرُ«، و«بِيَدِهِ الْمُلْكُ«. وإن أضيفت إلى جمع جمعت كقوله تعالى: «مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا».
«الصفات الإلهية في الكتاب والسنة النبوية»(ص317 ـ 318).
ومما يجدر التنبيه عليه في هذا الصدد ما وقع فيه ابن حزم ـ رحمه الله ـ من الخطأ الجسيم في هذا الباب؛ إذ يقول في كتابه «المحلى«(1/33): «وأن لله ـ عزّ وجلّ ـ عزاً وعزة، وجلالاً وإكراماً، ويداً ويدين وأيدياً، ووجهاً، وعيناً وأعين«.
فهذه زلة عظيمة من مثل هذا العالم، لا يتابع عليها، وما حمله على هذا إلا أنه من نفاة الصفات، مع تعظيمه ـ غفر الله له ـ للحديث والسنة، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في «منهاج السنة النبوية«(2/584).
ثانياً: الأدلة من السنة النبوية:
أخرج البخاري في «صحيحه«(7407) من حديث عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: ذُكر الدجال عند النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: «إن الله لا يخفى عليكم، إن الله ليس بأعور ـ وأشار بيده إلى عينه ـ وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية«.
فهذا الحديث وما جاء في معناه حجة لأهل الحق ـ أهل السنة ـ في إثبات العينين لله ـ تبارك وتعالى ـ وقد نصص على هذه العقيدة العلماء المتقدمين منهم والمتأخرين لا خلاف بينهم في ذلك؛ مثل: عثمان بن سعيد الدارمي، وإمام الإئمة أبو بكر بن خزيمة، وأبو إسماعيل الهروي، وابن قتيبة الدينوري، وأبو الحسن الأشعري، واللالكائي, وأبو عمرو الداني, وشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن قيم الجوزية، وغيرهم كثير.
قال الإمام ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ وقد سئل عن إثبات العينين لله ـ تعالى ـ، ودليل ذلك؟
فأجاب بقوله: الجواب على ذلك يتحرر في مقامين:
المقام الأول:
أن لله تعالى عينين، فهذا هو المعروف عن أهل السنة والجماعة، ولم يصرح أحد منهم بخلافه فيما أعلم. وقد نقل ذلك عنهم أبو الحسن الأشعري في كتابه: «اختلاف المصلين ومقالات الإسلاميين«. قال: «مقالة أهل السنة وأصحاب الحديث« فذكر أشياء ثم قال: «وأن له عينين بلا كيف كما قال: «تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا« [القمر:14] «. نقله عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتوى الحموية(ص 90/5) من مجموع الفتاوى لابن قاسم، ونقل عنه أيضاً مثله في(ص92) عن كتابه: «اختلاف أهل القبلة في العرش«. ونقل عنه أيضاً مثله في(ص94) عن كتابه : «الإبانة في أصول الديانة« . وذكر له في هذا الكتاب ترجمة باب بلفظ : «باب الكلام في الوجه، والعينين، والبصر، واليدين«. ونقل شيخ الإسلام في هذه الفتوى (ص99) عن الباقلاني في كتابه: «الإبانة«. قوله: «صفات ذاته التي لم يزل ولا يزال متصفاً بها هي الحياة والعلم«، إلى أن قال: «والعينان واليدان«.
ونقل ابن القيم(ص 118، 119، 120) في كتابه : «اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية« عن أبي الحسن الأشعري، وعن الباقلاني في كتابيه: «الإبانة« و«التمهيد« مثل ما نقل عنه شيخ الإسلام، ونقل قبل ذلك في(ص114) عن الأشعري في كتابه: «الإبانة« أنه ذكر ما خَالفتْ به المعتزلة كتاب الله ـ تعالى ـ، وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وإجماع الصحابة إلى أن قال: «وأنكروا أن يكون لله عينان مع قوله ـ تعالى ـ: «تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا« [القمر:14].
وقال الحافظ ابن خزيمة في «كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب«(ص30): «بيان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي جعله الله مبيناً عنه في قوله ـ عزّ وجلّ ـ: «وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ« [النحل:44] فبين النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن لله عينين، فكان بيانه موافقاً لبيان محكم التنزيل، ثم ذكر الأدلة، ثم قال في(ص35): «نحن نقول: لربنا الخالق عينان يبصر بهما ما تحت الثرى«.
وقال في(ص 55، 56): «فتدبروا يا أولي الألباب ما نقوله في هذا الباب في ذكر اليدين؛ ليجري قولنا في ذكر الوجه والعينين تستيقنوا بهداية الله إياكم، وشرحه ـ جلّ وعلا ـ صدوركم للإيمان بما قصه الله ـ عزّ وجلّ ـ في محكم تنزيله، وبينه على لسان نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ من صفات خالقنا ـ عزّ وجلّ ـ وتعلموا بتوفيق الله إياكم أن الحق والصواب والعدل في هذا الجنس مذهباً مذهب أهل الآثار ومتبعي السنن، وتقفوا على جهل من يسميهم مشبهة« ا.هـ.
فتبين بما نقلناه أن مقالة أهل السنة والحديث أن لله تعالى عينين تليقان بجلاله وعظمته لا تُكيّفان، ولا تشبهان أعين المخلوقين، لقوله ـ تعالى ـ: « لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ« [الشورى:11].
روى عثمان بن سعيد الدارمي(ص47) من رده على المريسي بسنده عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قرأ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِير«. فوضع إصبعه الدعاء على عينيه، وإبهامه على أذنيه.
المقام الثاني:
في ذكر الأدلة على إثبات العينين:
1- قال البخاري ـ رحمه الله تعالى ـ: باب قول الله ـ تعالى ـ: «وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي« [طه:39] . وقوله ـ جل ذكره ـ: «تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا« [القمر:14] ثم ساق بسنده حديث عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: ذكر الدجال عند النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: «إنه لا يخفى عليكم أن الله ليس بأعور ـ وأشار بيده إلى عينه ـ وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية »
2-وقد استدل بحديث الدجال على أن لله تعالى عينين عثمان بن سعيد الدارمي في كتابه: «الرد على بشر المريسي» الذي أثنى عليه شيخ الإسلام ابن تيمية. وقال: «إن فيهما من تقرير التوحيد والأسماء والصفات بالعقل والنقل ما ليس في غيرهم« ـ يعني ـ هذا الكتاب وكتابه الثاني : «الرد على الجهمية»
قال الدارمي في الكتاب المذكور(ص 43 ـ ط: أنصار السنة المحمدية )، بعد أن ساق آيتي صفة العينين: «ثم ذكر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الدجال فقال: إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور. قال: والعور عند الناس ضد البصر، والأعور عندهم ضد البصير بالعينين«.
وقال في(ص 48): «ففي تأويل قول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «إن الله ليس بأعور« بيان أنه بصير ذو عينين خلاف الأعور«.
واستدل به أيضاً الحافظ ابن خزيمة في «كتاب التوحيد« كما في(ص31) وما بعدها.
ووجه الاستدلال به ظاهر جداً؛ فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أراد أن يبين لأمته شيئاً مما ينتفي به الاشتباه عليهم في شأن الدجال في أمر محسوس، يتبين لذوي التفكير العالمين بالطرق العقلية وغيرهم، بذكر أن الدجال أعور العين، والرب ـ سبحانه ـ ليس بأعور، ولو كان لله ـ تعالى ـ أكثر من عينين لكان البيان به أولى لظهوره، وزيادة الثناء به على الله ـ تعالى ـ؛ فإن العين صفة كمال، فلو كان لله أكثر من اثنتين كان الثناء بذلك على الله أبلغ.
وتقرير ذلك أن يقال: ما زاد على العينين فإما أن يكون كمالاً في حق الله ـ تعالى ـ أو نقصاً، فإن كان نقصاً فهو ممتنع على الله ـ تعالى ـ لامتناع صفات النقص في حقه، وإن كان كمالاً فكيف يهمله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع كونه أبلغ في الثناء على الله تعالى!! فلما لم يذكره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ علم أنه ليس بثابت لله ـ عزّ وجلّ ـ وهذا هو المطلوب.
3- فإن قيل: ترك ذكره من أجل بيان نقص الدجال بكونه أعور.
قلنا:
يمكن أن يذكر مع بيان نقص الدجال فيجمع بين الأمرين حتى لا يفوت ذكر كمال صفة الله ـ عزّ وجلّ ـ.
واعلم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذكر هذه العلامة الحسية ليبين نقص الدجال، وأنه ليس بصالح لأن يكون رباً، ولظهورها لجميع الناس لكونها علامة حسية بخلاف العلامات العقلية، فإنها قد تحتاج إلى مقدمات تخفى على كثير من الناس، لا سيما عند قوة الفتنة، واشتداد المحنة، كما في هذه الفتنة فتنة الدجال، وكان هذا من حسن تعليمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث يعدل في بيانه إلى ما هو أظهر وأجلى مع وجود علامات أخرى.
3- وقد ذكر ابن خزيمة ـ رحمه الله ـ في «كتاب التوحيد«(ص31) حديثاً ساقه في ضمن الأدلة على أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين أن لله ـ تعالى عينين ـ، فساقه بسنده إلى أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنه يقرأ قوله ـ تعالى ـ:«إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا« إلى قوله: «سَمِيعاً بَصِير« فيضع إبهامه على أذنه، والتي تليها على عينه. ويقول : هكذا سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقرؤها ويضع أصبعيه.
وقد سبقت رواية الدارمي له بلفظ التثنية، وذكر الحافظ ابن حجر في الفتح (ص373/13 ـ ط: خطيب) أن البيهقي ذكر له شاهداً من حديث عقبة بن عامر ـ رضي الله عنه ـ سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول على المنبر: «إن ربنا سميع بصير، وأشار إلى عينيه« وسنده حسن ا.هـ.
وقد ذكر صاحب مختصر الصواعق (ص359 ـ ط: الإمام)، قبيل المثال السادس حديثاً عن أبي هريرة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : «إن العبد إذا قام إلى الصلاة فإنه بين عيني الرحمن«. الحديث لكنه لم يعزه، فلينظر في صحته.
وبهذا تبين وجوب اعتقاد أن لله ـ تعالى ـ عينين؛ لأنه مقتضى النص، وهو المنقول عن أهل السنة والحديث.
رد شبهات :
1- فإن قيل: ما تصنعون بقوله تعالى: «أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا«. وقوله: «تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا« حيث ذكر الله ـ تعالى ـ العين بلفظ الجمع؟
قلنا:
نتلقاها بالقبول والتسليم، ونقول: إن كان أقل الجمع اثنين ـ كما قيل به إما مطلقاً أو مع الدليل ـ فلا إشكال لأن الجمع هنا قد دل الدليل على أن المراد به اثنتان فيكون المراد به ذلك، وإن كان أقل الجمع ثلاثة فإننا نقول جمع العين هنا كجمع اليد في قوله تعالى:«أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا «. يراد به التعظيم والمطابقة بين المضاف والمضاف إليه، وهو ـ نا ـ المفيد للتعظيم دون حقيقة العدد، وحينئذ لا يصادم التثنية.
2-فإن قيل: فما تصنعون بقوله تعالى يخاطب موسى: «وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي«. حيث جاءت بالإفراد؟
قلنا:
لا مصادمة بينها وبين التثنية، لأن المفرد المضاف لا يمنع التعدد فيما كان متعدداً، ألا ترى إلى قوله تعالى: «وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا«. وقوله تعالى: «وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ«. فإن النعمة اسم مفرد، ومع ذلك فأَفرادها لا تحصى.
الخلاصة :
وبهذا تبين ائتلاف النصوص واتفاقها وتلاؤمها، وأنها ـ ولله الحمد ـ كلها حق، وجاءت بالحق، لكنها تحتاج في بعض الأحيان إلى تأمل وتفكير بقصد حسن، وأداة تامة، بحيث يكون عند العبد صدق نية بطلب الحق، واستعداد تام لقبوله، وعلم بمدلولات الألفاظ، ومصادر الشرع وموارده، قال الله تعالى: «أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيرا « [النساء:82].
فحث على تدبر القرآن الكريم، وأشار إلى أنه بتدبره يزول عن العبد ما يجد في قلبه من الشبهات، حتى يتبين له أن القرآن حق يصدق بعضه بعضاً. والله المستعان. «مجموع فتاوى ابن عثيمين«(1/146 ـ 153).
قلت: الحديث الذي طلب الشيخ التحقق من صحته: «إن العبد إذا قام إلى الصلاة فإنه بين عيني الرحمن«، لا يصح، ولا تقوم به حجة؛ فانظر غير مأمور «السلسلة الضعيفة«(1024)و(4399) .
وقال الإمام ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ: «ونؤمن بأن لله تعالى عينين اثنتين حقيقيتين؛ لقوله ـ تعالى ـ: «وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا« [هود:37]. وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه«.
وأجمع أهل السنة على أن العينين اثنتان؛ ويؤيده قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الدجال: «إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور«. «مجموع فتاوى ابن عثيمين«(3/234 ـ 235).
وقال الإمام ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ: «مذهب أهل السنة والجماعة أن لله عينين اثنتين، ينظر بهما حقيقة على الوجه اللائق به. وهما من الصفات الذاتية الثابتة بالكتاب، والسنة.
فمن أدلة الكتاب قوله تعالى: «تَجْرِي بِأَعْيُنِنَ« [القمر:14]. ومن أدلة السنة قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: « إن ربكم ليس بأعور «، « ينظر إليكم أزلين قنطين«، «حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه«. فهما عينان حقيقيتان لا تشبهان أعين المخلوقين. «مجموع فتاوى ابن عثيمين«(4/58).
رد الإمام الألباني
وقال الإمام الألباني ـ رحمه الله ـ: «المنقول في كتب التوحيد، وكتب العقائد أن له عينين، وبعض العلماء القدامى يستدلون بحديث الدجال: «أنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، وإن أحدكم لا يرى ربه حتى يموت«. ليس عندنا نص صريح بأن له أكثر من عينين، والمتوارث عن عقيدة السلف هو إثبات العينين على ظاهر حديث الدجال على كثرة طرقه، فالذي يتبادر من هذا الحديث، ولا يخطر في البال سواه أن الدجال إحدى عينيه طافية, وهو أعور، وإن ربكم ليس بأعور؛ معنى ذلك: أن الله موصوف بالعينين، وليس بالثلاثة أو أكثر؛ لأنه ما عندنا نص بالأكثر، وكما نقول دائماً وأبداً: الأمور الغيبية ـ وبخاصة ـ ما يتعلق بغيب الغيوب؛ وهو رب العالمين ـ تبارك وتعالى ـ لا ينبغي أن نصفه بالأقيسة والعمومات وما شابه ذلك؛ وإنما بالشيء الذي جاءنا عن سلفنا الصالح، وجاءت به الأحاديث. «سلسلة الهدى والنور« شريط رقم(183).
قلت: ومن يَنقل عن الإمام الألباني ـ رحمه الله ـ خلاف هذه العقيدة السلفية إما مخطئ أو كاذب؛ فقد قال له قائل كما في شريط رقم(189) من «سلسلة الهدى والنور : « «بلغنا أنك تقول أن لله عيناً واحدة».
فقال الإمام الألباني ـ رحمه الله ـ بعد أن كان قد فصل عقيدة السلف في إثبات العينين الاثنتين لله ـ سبحانه: «ظهرت الكذبة، لا، هذا كذب». (11)
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات