بسم الله والصلاة والسلام على أشرفِ خلقِ الله ..
وبعد.
حضرتُ صلاة َ المغرب في مسجدِنَا .. فقلت : سأتفكر - ولو لمرّة - بمَ يقرأ ُ الإمام .؟!.
فأول ما بدأت ُ إذْ به يقرأ { إن رحمت الله قريب من المحسنين } فقلت : لِمَ لمْ يقلْ {قريبة}؟!
فوجدت ُ كلاما ً رائعا ً لبعض المفسّرين .. وإليكم :
قوله تعالى: (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) ولم يقل قريبة.
وفيه سبعة أوجه:
أولها أن الرحمة والرحم واحد، وهي بمعنى العفو الغفران، قاله الزجاج واختاره النحاس. وقال النضر بن شميل: الرحمة مصدر، وحق المصدر التذكير، كقوله:" فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ ". وهذا قريب من قول الزجاج، لأن الموعظة بمعنى الوعظ.
وقيل: أراد بالرحمة الإحسان،
ولأن ما لا يكون تأنيثه حقيقيا جاز تذكيره، ذكره الجوهري.
وقيل: أراد بالرحمة هنا المطر، قاله الأخفش. قال: ويجوز أن يذكر كما يذكر بعض المؤنث. وأنشد:
فلا مزنة ودقت ودقها ... ولا أرض أبقل إبقالها
وقال أبو عبيدة: ذكر" قَرِيبٌ" على تذكير المكان، أي مكانا قريبا.
قال علي بن سليمان: وهذا خطأ، ولو كان كما قال لكان" قَرِيبٌ" منصوبا في القرآن، كما تقول: إن زيدا قريبا منك.
وقيل: ذكر على النسب، كأنه قال: إن رحمة الله ذات قرب،
كما تقول: امرأة طالق وحائض.
وقال الفراء: إذا كان القريب في معنى المسافة يذكر مؤنث، إن كان في معنى النسب يؤنث بلا اختلاف بينهم. تقول: هذه المرأة قريبتي، أي ذات قرابتي، ذكره الجوهري.
وذكره غيره عن الفراء: يقال في النسب قريبة فلان، وفي غير النسب يجوز التذكير والتأنيث، يقال: دارك منا قريب، وفلانة منا قريب. (1)نفسير القرطبي ج:1 ص:227
قال الله تعالى:" وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً «2»". وقال من احتج له: كذا كلام العرب، كما قال امرؤ القيس:
له الويل إن أمسى ولا أم هاشم ... قريب ولا البسباسة ابنة يشكرا
قال الزجاج: وهذا خطأ، لأن سبيل المذكر والمؤنث أن يجريا على أفعالهما.
(لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً) أي في زمان قريب. وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بعثت أنا والساعة كهاتين) وأشار إلى السبابة والوسطى، خرجه أهل الصحيح.
وقيل: أي ليست الساعة تكون قريبا، فحذف هاء التأنيث ذهابا بالساعة إلى اليوم، كقوله:" إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ" [الأعراف: 56] ولم يقل قريبة ذهابا بالرحمة إلى العفو، إذ ليس تأنيثها أصليا. وقد مضى هذا مستوفي «2».
وقيل: إنما أخفى وقت الساعة ليكون العبد مستعدا لها في كل وقت ..(2) تفسير القرطبي : ج: 16 : ص:17
..
أخوكم : أبو الهمام البرقاوي ..