بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه، أما بعد
عندما تقلّب بعض الكتب التي صنفت في تراجم أهل القرون المتأخرة تعجب كثيراً كيف يقحمون فيها تراجم لبعض الخرافيين الذين تلاعبت بهم الشياطين ثم يصفونهم بالأولياء والأصفياء وأهل الله، ثم تتساءل كيف خُدع بهم مصنفو تلك الكتب _مع ما بلغوا من العلم والفقه_، وكيف صدّقوا بولايتهم حتى سودوا صفحات كثيرة لهم لم يجعلوها لأكابر الأعلام في قرونهم؟ هذا إن سلم أولئك المصنفون من بعض علائق البدع والخرافات التي تبدو في وصفهم وتعليقهم وقولهم في ذيل كل ترجمة لأولئك: "نفعنا الله ببركاته!"..
وعندها ستستفيد فوائد وعظات جليلة منها:
1) أن أول وأولى ما يجب الاهتمام به في كل زمان ومكان.. الدعوة أمر التوحيد.
2) أن نحذر الحذر كله ممن يهوِّن من شأن الدعوة إلى التوحيد بأي حجة..
3) أن لا نُخدع بانتشار التوحيد ووضوحه وكثرة العلماء، فإن العلماء في تلك الأزمنة كانوا كثراً كذلك، ومع ذلك تسلل الشرك إلى المسلمين بمسميات واصطلاحات حادثة.. وخُدع به الأكابر.. وقليل من العلماء من يجرؤ على المخالفة في أمر عم وطم؟!
4) غربة الإسلام والتوحيد في تلك القرون.
5) أقسم الشيطان بعزة ربه لَيغوين بني آدم، وأعظم الإغواء إيقاعهم في الشرك.
6) فضل دعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وعلماء الدعوة الإصلاحية على المسلمين، فإن المتأمل في ضعف أمر التوحيد وانتشار الشرك قبل قيام الشيخ يعلم فضل هذا الإمام، ومهما دعونا له فلن نوفيه حقه، فنسأل الله أن يغفر له ويرحمه ويعلي منزلته.
7) سؤال الله في كل الأوقات الثبات على التوحيد والموت عليه..
ونعود الآن إلى الشيخ (تش تش).. قال المرادي في سلك الدرر (2/182) في ترجمة سليمان المجذوب:
"المعروف بتش تش... الشيخ المجذوب المعتقَد! المستغرق! الولي! المبارك! كان من المجاذيب أولياء الله تعالى، وله كرامات وأحوال عجيبة، وكانت الناس تعتقده، وإذا مر في الأزقة يسرع في المشي، وإذا رأى أحدا من الناس يطلب منه دانقاً، فبعضهم يقصد مداعبته فيعطيه درهما أو دينارا فيمسح يده منه ويلحقه حتى يعطيه إياه، ولا يقبل سوى الدانق، فيهرب منه المعطي وهو يلحقه مسرعا حتى يعطيه ذلك، وكانت الأولاد تجتمع عليه، وكان يتكلم بسرعة... وكان دائماً مكشوف الرأس محلوق الرأس واللحية والشوارب!، وإذا اجتمعت عليه الأولاد يفر منهم ويصرخ وهم يصرخون عليه تش تش، فصار ذلك لقبا له.... نفعنا الله ببركاته!" انتهى باختصار.
هذا مع كون المرادي فقيهاً كبيراً.. وهذه الترجمة لها مثيلات في كتابه وفي كتب غيره.. لكنها أقل بكثير مما في (النور السافر) للعيدروس مثلاً.. فإن من يقرأ فيه سيضع يده على رأسه ويسترجع من هول المصيبة.. أما ذيله (السنا الباهر) فقد جمع ظلمات كثيرة أربت على أصله..