هاكم نصوصا في تداخل الجمع والمثنى في سياقاتهما.

1- المخصص لابن سيده
أ- الرِّحال وما فيها
صاحب العين الرَّحْلُ مَرْكَبٌ للبعير
غير واحد رَحْلٌ وأَرْحُلٌ ورِحَالٌ وحكى سيبويه عن يونس ضَعْ رِحَالَهُما يَعْنِي رَحْلَي الناقتين
عليّ إنما استغرب سيبويه ذلك لأن إخراج المثنى على لفظ الجمع إنما يكون في المُرَكَّبات كقوله ضربت رؤوسهما وما أَحْسَنَ عَزَالِيهَما وأما الرَّحْلُ فليس بجزء من الناقة لكن لما كان الرَّحْل يُلْزِمُونه الظهرَ ويُقْبِطُونَه عليه صار كالجزء من الجُمْلة فأخرجوا التثنية على لفظ الجمع كما فعلوا ذلك بما كان جزءًا من الجملة.

ب- باب ما جاء مثنى من المصادر
وذلك قولك لبَّيك وسَعدَيك وحَنانيك ودوالَيك وهذاذَيْك وحَجازَيْك وخيالَيك . وأنا أذكر تعليلها ووجه نصبها وتثنيتها وما الذي يجوز فيها . الذي يجوز في المصدر المثنى المحمول على الفعل المتروك إظهاره إذا كانت الحال حال تعظيم في خطاب رئيسٍ وكان اللفظ يُنبئ عن جنس الفعل حَمْلُ المصدر على الفعل المتروك إظهاره للمبالغة في التّعظيم إلى أعلى منزلة على طريق المعنى النّادر فأُجري اللفظ على ما يقتضيه ذلك المعنى من ترك التّصرف والتّثنية لتضعيف فعل التّعظيم حالا بعد حال كقولهم لبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ ففيه مبالغة تعظيم مما عومل به مما يقتضي ذلك مع أن معناه من طريق حقيقته يقتضي التّعظيم وتقدير نصبه كتقدير متابعةً لأمرِكَ وإسعاداً لكَ إلاّ أنه جعل لبَّيك وسعديك مَوْضِع تقدير المصدرين وعومل بما يقتضي المبالغة من التّثنية وترك التّصرف على طريق النّادر لينبئ عن علوّ المنزلة ولا يجوز في مثل هذا أن يكثر في التّقدير لأنه ينافي المعنى الذي هو حقه من مجيئه نادراً في بابه ليدل على الخروج إلى علو المنزلة والانفراد بجلالة الحالة وإنما جازت التّثنية للمبالغة ولم يجز الجمع لأن التّثنية أولى بالتّفضيل شيئاً بعد شيء من الجمع إذ كانت التّثنية لا تكون إلاّ على الواحد والجمع قد يكون على غير الواحد نحو نفَر ورَهْطٍ فهذه المبالغة تقتضي تضعيفَ المعنى كما قال سيبويه في حَنانَيْكَ كأنه قال تَحَنُّنا بعد تَحَنُّنٍ وحَناناً بعد حنانٍ والتّثنية أدلُّ على هذا التّفضيل من الجمع لما بيَّنّا فكلّما قلّ النّظير في معنى التّعظيم فهو أشدُّ مبالغة لأنه إذا قلَّ النّظير قلَّ من يُسْتَغنَى بغيره عنه أي من يُحتاج إليه ولا يُسْتَغنى بغيره عنه فهو أجلُّ في التّعظيم مما ليس فوق تعظيمه تعظيم ، وهذه الصفة لا تكون إلاّ لله تعالى.

ج- وقال جرير أيضاً :
لَمَّا أَتَى خَبَرُ الزُّبَيْرِ تَواضعتْ
سُورُ المدينةِ والجبالُ الخُشَّع
فأنَّث تواضعتْ والفعلُ للسُّور لأنه لو قال تواضعت المدينةُ لصح المعنى الذي أراده بذكر السُّور وأبو عبيدة مَعْمَرُ بن المُثَنَّى يقولُ : إن السُّورَ جمع سُورةٍ وهي كلُّ ما علا وبها سُمِّيَ سُورُ القرآنِ سُوراً فزعم أن تأنيث تواضعت لأن السُّورَ مؤنث إذ كان جمعاً ليس بينه وبين واحده إلا الهاء وإذا كان الجمع كذلك جاز تأنيثه وتذكيره قال الله تعالى : ) كأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ ( [ القمر : 20 ] فَذَكَّرَ.

2- كتاب الكليات لأبى البقاء الكفومى
أ- وإطلاق المفرد على المثنى نحو { والله ورسوله أحق أن يرضوه } أي يرضوهما وعلى الجمع نحو { إن الإنسان لفي خسر } أي الأناسي بدليل الاستثناء منه وإطلاق المثنى على المفرد نحو { ألقيا في جهنم } أي ألق وعلى الجمع نحو { ثم أرجع البصر كرتين } أي كرات لأن البصر لا يحسر إلا بها وإطلاق الجمع على المفرد نحو { قال رب ارجعون } أي أرجعني وعلى المثنى نحو { فقد صغت قلوبكما } أي قلباكما.

ب- وأدنى الجمع لغة يتصور في الاثنين لأن فيه جمع واحد مع واحد وأدنى كمال الجمع ثلاثة لأن فيه معنى الجمع لغة واصطلحا وشرعا والجمع المعرف إذا انصرف إلى الجنس جاز أن يراد به الفرد والكل لا المثنى بخلاف المنكر منه فإن إرادة المثنى منه جائزة لأنه كالجمع في بعض اللغات وحكم الجمع المعرف غير المعهود حكم المفرد المعرف غير المعهود في أن المنصرف إليه الواحد أو الكل ولفظ الجمع في مقام الإفراد يدل على التعظيم كقوله ألا فارحموني يا إله محمد وكذا لفظ الإفراد في مقام الجمع قد يدل عليه كما في حديث أبي موسى الأشعري إذا مرت بك جنازة يهودي أو نصراني أو مسلم فقوموا لها وما ورد بلفظ الجمع في حقه تعالى مرادا به التعظيم ك { نحن الوارثين } فهو مقصور على محل وروده فلا يتعدى فلا يقال { الله رحيمون } قياسا على ماورد قال بعض المحققين ما يسنده الله سبحانه وتعالى إلى نفسه بصيغة ضمير الجمع يريد به ملائكته كقوله تعالى { فإذا قرأناه فاتبع قرآنه } و { نحن نقص عليك } ونظائرهما والجمع أخو التثنية فلذلك ناب منابها كقوله تعالى { فقد صغت قلوبكما } واشترط النحويون في وقوع الجمع موقع التثنية شروطا من جملتها أن يكون الجزء المضاف مفردا من صاحبه نحو { قلوبكما } و { رؤوس الكبشين } لأمن الإلباس بخلاف العينين واليدين والرجلين للبس ومن الجمع الذي يراد به الاثنان قولهم { امرأة ذات أوراك } وقد تذكر جماعة وجماعة أو جماعة وواحد ثم يخبر عنهما بلفظ الاثنين نحو قوله تعالى { إن السموات والأرض كانت رتقا ففتقناهما } وقولهم الجمع المضاف من قبيل الفرد حكما منقوض بما إذا حلف لا يكلم إخوة فلان فإنه لا يحنث ما لم يكلم جميعهم والمخلص منه بحديث العهد وكذا.

ج- بما إذا حلف لا يكلم عبيد فلان هذه فإنه لا يحنث ما لم يكلم ثلاثة منهم وإن كان له غلمان والمخلص منه أيضا بأن يقال الإضافة عدم عند الإشارة فبقي مجرد الجمع المنكر ولا يكون الجمع للواحد إلا في مسائل منها أنه وقف على أولاده وليس له إلا واحد بخلاف بنيه أو على أقاربه المقيمين في بلد كذا ولم يبق منهم إلا واحد أو حلف لا يكلم إخوة فلان وليس له إلا واحد أو لا يأكل ثلاثة أرغفة من هذا الحب وليس فيه إلا واحد أو لا يكلم الفقراء أو المساكين أو الرجال حنث بواحد في تلك الصورة ولا فرق عند الأصوليين والفقهاء بين جمع القلة والكثرة في الأقارير وغيرها على خلاف طريقة النحويين كما في التمهيد والجميع قد يكون بمعنى الكل الإفرادي وقد يكون بمعنى المجموع وليس في اللغة جمع ومثنى بصيغة واحدة إلا { قنوان } جمع { قنو } و { صنوان } جمع { صنو } ولم يقع في القرآن لفظ ثالث.

د- كما قد يشار بها للواحد إلى الاثنين كقوله تعالى { عوان بين ذلك } وإلى الجمع نحو { كل ذلك كان سيئه } بتأويل المثنى والمجموع بالمذكور.