الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء وإمام المرسلين ،
نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :

فإن الدعوة إلى الله تعالى في موسم الحج سنة نبوية منذ فجر الإسلام ؛ إذ كان
النبي صلى الله عليه وسلم يعرض دعوته على الناس في مواسم الحج ، كما أرسل
العديد من أصحابه - رضي الله عنهم - لذلك . وفي حجة الوداع نصح الأمة غاية
النصح وبلغ البلاغ المبين ، وقد استمر علماء الإسلام ودعاته الصادقون على مر
العصور في استغلال هذا الموسم العظيم دعويًا مستفيدين منه في إيقاظ القلوب
وإنارة البصائر وعرض الإسلام النقي والتحذير من مخاطر الشرك وشوائب البدع
والمنكرات .
وفي عصرنا نرى في الحج جهودًا دعوية مباركة ، وأعمالاً مشكورة يقوم بها
العديد من الجهات والأفراد ؛ ولكنها مع كثرتها لا تزال غير كافية وتحتاج إلى مزيد
لأسباب عديدة أهمها :
1 - توارد الأعداد الضخمة من الحجيج والتي تتزايد موسمًا بعد آخر ، وهو
مما يهيئ لإحداث نقلة دعوية نوعية في العالم الإسلامي متى استغل ذلك .
2 - تفشي الأمية الشرعية وعموم الجهل بعقائد الإسلام وأحكامه ، وانتشار
الشركيات والبدع والخرافات بشكل مذهل في أوساط كثير من الحجاج .
3 - نوعية الحجيج ؛ إذ كثير ممن يأتي للحج من البلدان المتفرقة هم من
ذوي العواطف الدينية الجياشة الذين توفَّرَ لديهم نوع من اليسار النسبي والوجاهة في
أوساط أقوامهم ، مما يرجى أن يكون لدعوتهم أثر على أقوامهم بعد عودتهم .
4 - استعداد الحجيج وتهيؤهم للاستماع والتلقي .
5 - نظرة كثير من المسلمين لأبناء الحرمين نظرة تقدير وإجلال ، وتقليدهم
لهم فيما يرونهم يفعلونه ويدعون إليه ، وهذا مما يضاعف المسؤولية ويزيد العبء
على عاتق الدعاة والمخلصين في بلاد الحرمين .
كل ذلك يحتم إعطاء الدعوة والإرشاد في موسم الحج أولوية تفوق أولوية
الاهتمام بشؤون تغذية الحجيج وإسكانهم وتوفير النقل لهم ، كما يحتم تكثيف البرامج
الدعوية ومراجعة القائم منها ومحاولة إدخال التجديد عليها بما يتلاءم وأهمية الدعوة
في هذا المقام المبارك .
ورغم توفر العديد من الأمور المشجعة على الدعوة في أوساط الحجيج
كخصوصية المكان وإقبال الناس على الخير وتهيئهم لسماع كلام الله والعمل به إلا
أنه يكتنفها العديد من العوائق التي يجب التنبه لها وتلافيها ، ومن أبرزها :
أ - جهود أهل البدع والخرافات في تحصين أتباعهم من التأثر بدعوة الحق
وتحذيرهم إياهم من الأخذ عن علماء أهل السنة .
ب - المشقة البدنية الناتجة عن السفر ، والجهد المبذول في أداء المناسك ،
مما يقلل من الفرص الملائمة للدعاة للالتقاء بالحجاج ما لم يكونوا مخالطين لهم
وعائشين في أوساطهم .
ج - خشونة بعض الدعاة وعدم تلطفهم مع المدعوين وقلة صبرهم عليهم ،
مما يجعل الكثير من الحجيج يتهيبون من سؤالهم والأخذ عنهم ، بل قد توجد لدى
كثير منهم ردود فعل تمنعهم من قبول توجيههم والاستماع إلى نصحهم وإرشادهم .
د - كثرة الكتيبات والمطويات والأشرطة التي في متناول الحجيج بما لا يتفق
مع منهج أهل السنة والجماعة وهدي النبي صلى الله عليه وسلم في هذا النسك
العظيم .
وقبل أن أبدأ باقتراح بعض الوسائل الدعوية في الحج والتي يمكن للجهات أو
الأفراد تطبيق بعضها كلٌ حسب ما يناسبه ويتلاءم مع وضعه أُحِبُّ أن أذكِّر إخواني
العاملين في حقل الدعوة في الحج بالأمور الآتية :
* أهمية قيام الدعاة بمراجعة أحوالهم ومحاسبة أنفسهم من ناحية إخلاصهم في
دعوتهم لله تعالى ومتابعتهم فيها للرسول صلى الله عليه وسلم .
* أهـمية حرص الداعية على فقه أحكام المناسك والتحلي بالأخلاق الفاضلة
من صبر وهدوء وحسن معاشرة ليكون داعية بسلوكه وأخلاقه قبل أن يكون داعية
بلسانه .
* أهمية إدراك العلماء والدعاة - جهات وأفراداً - عظم المسؤولية الملقاة على
عواتقهم والأمانة المنوطة بهم تجاه الحجيج وضرورة جدهم في استغلال هذا الموسم
العظيم ومثابرتهم في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة والدعوة إليها ، وكشف عوار
الباطل والتحذير منه .
* أهمية ترتيب أولويات الدعوة في أوساط الحجيج والبدء بالأهم قبل المهم
بحيث يتم التركيز على بيان العقيدة الصافية ومبادئ الإسلام الأساسية والتحذير من
الشرك والبدع والمعاصي ، والعناية بإيضاح أحكام المناسك وصفة الصلاة والحجاب
الشرعي ونحو ذلك مما تمس الحاجة إليه .
* تنفيذ كثير من الوسائل فوق طاقات الأفراد وكثير من الجهات ؛ ولذا فلا بد
من تضافر الجهود وقيام الجهات الدعوية بالتنسيق فيما بينها للوصول إلى أفضل
النتائج الممكنة .
* كثير من الوسائل الدعوية تحتاج إلى تخطيط وإعداد مسبق قبل موسم الحج
بوقت كافٍ وما لم يتم ذلك فإن تطبيقها لن يؤتي الثمار المنشودة منها .
* الانتباه إلى أن الدعوة ليست توزيع كتاب أو إقامة نشاط أو إلقاء كلمة ، بل
محاولة تأثير على المدعو وسعي لتفهيمه الإسلام النقي ليعمل به ، وتغيير لما يوجد
لديه من معتقدات وسلوكيات مخالفة للشرع .
* الدعوة في الحج جهد ضخم وعمل مضنٍ فوق طاقة كثير من الجهات
والأفراد ؛ ولذا فلا بد من النظرة العالمية والعمل على أساسها بحيث يتم استيعاب
كل صاحب جهد سليم وجاد والاستفادة من علماء أهل السنة ودعاتهم في البلدان
المختلفة .
* أهمية تفهيم الحجيج بواجبهم تجاه دينهم ، وضرورة قيامهم بحمل همِّ هذا
الدين والدعوة إلى الله ومناصرة علماء أهل السنة والجماعة ودعاتهم الصادقين في
مجتمعاتهم ، وإفهامهم بأن الدعوة إلى الإسلام مسؤولية مشتركة بين كافة أبنائه كل
حسب وسعه وطاقته .
* لا بد من مراعاة أحوال الحجيج ونظرة بيئاتهم الثقافية والاجتماعية التي
نشؤوا فيها إلى بعض المنكرات والمواقف التي لا يرتضيها الداعية ، وأن لا يقوم
الداعية باستصحاب خلفيته التربوية والاجتماعية عند دعوته لهم وقيامه بواجب
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بينهم .
* لا بد من الاهتمام بسلامة محتوى الكتيبات والمطويات والأشرطة الموزعة
على الحجيج والتأكد من سلامتها عقديًا وفقهيًا ، كما لا بد من الاهتمام بحسن
العرض والإخراج حتى يكون ذلك أدعى لقبول الحاج لها واستفادته منها .
وأحب أن أشير إلى أن القصد من إيراد هذه الوسائل التمثيل لا الحصر ، وأن
الأمر قابل للتنمية والزيادة خاصة متى توفرت الركائز الأساسية لذلك ، والتي تتمثل
بحمل همِّ الدعوة إلى الله والممارسة الفعلية ، والتنبيه على أن هدف ذلك تفتيح
أذهان الدعاة ولفت انتباههم إلى وجود جوانب دعوية كثيرة في الحج لم تطرق أو
أنها طرقت ولكنها تحتاج إلى المزيد ، والتنويه إلى أن هذه الوسائل تحتاج إلى
تحسين ومراجعة وذلك بعد عرضها على محك التجربة والتطبيق . وقد يلحظ القارئ
الكريم تكرارًا في إيراد بعض الوسائل ، وهذا مما يقتضيه مثل هذا الموضوع سعيًا
إلى جمع الوسائل التي يمكن استخدامها في مقام معين في مكان واحد