في يوم صائف قائظ يكاد حَرُّهُ يُذيب الجبال اطل عثمان بن عفان (t) من بناية له بالعالية ... فرأى رجلاً يسوق أمامه بعيرين صغيرين والهواء الساخن يغشاه كلفح السموم.
فقال محدثاً نفسه: ما على هذا الرجل لو أقام بالمدينة حتى يبرد ؟ وأمر خادمه أن ينظر من هذا الرجل القادم من بعيد والذي تخفي الزوبعة والرمال الساميات معالمه.
ونظر الخادم من فرجة الباب فقال: أرى رجلاً معمماً بردائه يسوق بكرين أمامه وانتظر حتى اقترب الرجل فعرفه الخادم وصاح : انه عمر ... انه أمير المؤمنين فاخرج عثمان رأسه من كوة صغيرة متوقياً سخونة الريح ... ونادى ما أخرجك هذه الساعة يا أمير المؤمنين ؟
أجاب عمر : بكران من ابل الصدقة تخلفّا عن الحمى وخشيت أن يضيعا فيسألني الله عنهما قال عثمان ... هلمّ إلى الظل والماء ونحن نكفيك هذا الأمر ...
فقال له عمر : عد إلى ظلك يا عثمان ... قال: عندنا من يكفيك هذا الأمر يا أمير المؤمنين.
قال مرة أخرى ك عد إلى ظلك يا عثمان ... ومضى لسبيله والحر يصهر الصخر .
الا بوركت حبات تلك الرمال التي كانت تخفي معالمك الجليلة يا أمير المؤمنين لأنها لم تكن في الحقيقة الا شذرات من نور شعت على التاريخ فجعلت معالمه وأنارت سطوره ... اسمعوا كم هي مؤثرة تلك الكلمات الكبيرة : (عد إلى ظلك يا عثمان)
اجل ... يا ذي النورين عد ودع التاريخ يحدث ودع العظمة تتجلى ... عد يا ذي النورين اتهتز أركان التاريخ كلما ذكر حدث من هذا الطراز ورجال من أمثال عمر بن الخطاب (t) .