الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
أخي أسامة:
وفّقني الله وإياك إلى الصواب بإذنه.
لم أستبن بعدُ ما الذي جعلك تعتبر هذه الصيغة في الدعاء أثناء الحوار من باب سوء الأدب مع الله تعالى.
أمّا إن كانت بقصد سليم ونيّة خالصة، فلا ريب أنّه لا وجه لمنعها أو الاعتراض عليها. وشواهد ذلك كثيرة في كتب السلف. ولا وجه أيضًا للنصح بإخفائها، لا سيما إذا لمس قائلها من محاوره جدالا بغير علم أو إصرارًا على باطل من القول؛ بل قد يكون التلفّظ بها تذكيرًا للمحاور بالتماس سبيل الهداية والصواب.
وأمّا إن كانت بقصد التعالي أو التنقيص من المحاوِر، فهذا ممّا يتعلّق بسرائر الناس، والله وحده يعلمه. ولا يصحّ لنا أن نتهم المحاور في نيّته، إذا ما استعمل هذه الصيغة، أو نحملها محمل التضليل.
والحوار الخلافي السجالي بين اثنين، إذا لم يكن –ابتداءًا- ناشئا عن اعتقاد كلٍّ منهما أنّ الصواب إلى جانبه، فقَد هذه التسمية. وما من مناظرة إلاّ وسبب وقوعها اعتقاد كلٍّ من الطرفين أنّه على حق. فإذا قال أحدهما للآخر: "هداك الله" أو "وفّقك الله"، لم يسئ الأدب، لا مع الله –جلَّ شأنه- ولا مع محاوره؛ بل هو يسأل الله أن يهدي محاورَه إلى الحقِّ الذي يراه.
وصيغة الدعاء في المخاطبات والمراسلات ليست حشوًا، بل هي ممّا يزان به البيان. واستخدامها في الحوار قد يلطِّف مِن حدَّته، ولو كانت نية قائلها غير ذلك. فالعبرة بالمستمع، لا بالقائل. ومثال ذلك: استخدام بعضنا لعبارة "اتَّق الله" في الحوار يتقبّله العقلاء على أنّه نصيحة، ولو كان قصد قائله التعريض بالمحاوِر؛ ويرفضه بعض الجهلة بشدّة ويعتبرونه انتقاصًا، ولو كانت نية قائله سليمة. ولهذا كان من الأدب ألاّ تستعمل مثل هذه العبارات أثناء الخصومات أو أن يخاطَب بها الغضبان، خشيةَ أن يسيء المخاطَب بها إلى الله تعالى أو إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وإن كان اللوم والإثم يقعان على المسيء لا على القائل.
فاستعمال بعضهم لمثل هذه العبارات للطعن لا يعني أنها مطعون فيها؛ بل المطعون هو الطعن نفسه، سواء كان بصيغة الدعاء أو غيره.
وإذا كان فيها إشعار بخطأ المحاور وحيدته عن الصواب، فما الذي يضير في ذلك؟ وما الفرق بين قولنا "هداك الله إلى الصواب" وقولنا "أخطأت"؟
وقديمًا أجرى بعض الشعراء هذه العبارة على لسان الذئب، فجاءت على النحو الذي أشرتُ إليه، إذ قال:
فقلتُ له: يا ذئبُ هل لك في فتى --- يواسِي بلا مَنٍّ عليكَ ولا بخلِ
فقال: هداكَ الله للرُّشد إنّما --- دعوتَ لما لمْ يأتِه سبُعٌ قبْلِي
والأنسب المحبَّذ في هذا الباب: أن يبدأ المرء بالدعاء لنفسه قبل محاوره، كأن يقول: "هداني الله وإياك" أو "هدانا الله إلى الصواب" وما إلى ذلك... وكنتُ قرأت هذا المعنى لبعض السلف، لكنه لا يحضرني الآن.
والله أعلم.