السلام عليكم ورحمة الله
جزى الله إخواني خيرا على ما قدموا وهكذا فليكن العلم .
ويسرني أن أشاركهم في هذا الخير حفظهم الله ونفع بهم
قال الأشعري نفسه في الإبانة :
"وقال الله تعالى : ( قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ) من الآية ( 109 / 18 ) فلو كانت البحار مدادا للكتبة لنفدت البحار وتكسرت الأقلام ولم يلحق الفناء كلمات ربي ، كما لا يلحق الفناء علم الله تعالى ، ومن فني كلامه لحقته الآفات وجرى عليه السكوت ، فلما لم يجز ذلك على ربنا سبحانه صح أنه لم يزل متكلما ، لأنه لو لم يكن متكلما وجب السكوت والآفات تعالى ربنا عن قول الجهمية علوا كبيرا." الإبانة (68)
وقال :
" وإذا لم يجز أن يكون الله سبحانه وتعالى في قدمه بمرتبة دون مرتبة الأصنام التي لا تنطق فقد وجب أن يكون الله لم يزل متكلما ." الإبانة (71)
وقال الإمام البخاري من قبله في بيان قيام الأفعال الاختيارية بالله وهي أصل المسألة :
" واختلف الناس في الفاعل والمفعول والفعل فقالت القدرية الأفاعيل كلها من البشر ليست من الله وقالت الجبرية الأفاعيل كلها من الله وقالت الجهمية الفعل والمفعول واحد لذلك قالوا لكن مخلوق وقال أهل العلم التخليق فعل الله وأفاعيلنا مخلوقة لقوله تعالى وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور ألا يعلم من خلق يعني السر والجهر من القول ففعل الله صفة الله والمفعول غيره من الخلق ." خلق أفعال العباد (113)
وقال البخاري في صحيحه
"بَاب قَوْله تَعَالَى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ} [الرحمن: 29]
وَ{مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأنبياء: 2]
وَقَوْلِهِ: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1]
وَأَنَّ حَدَثَهُ لا يُشْبِهُ حَدَثَ الْمَخْلُوقِينَ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - : « إِنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ، وَإِنَّ مِمَّا أَحْدَثَ أَنْ لا تَكَلَّمُوا فِى الصَّلاةِ » .
(1)/140 - فيه: ابْن عَبَّاس، قَالَ: كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ كُتُبِهِمْ وَعِنْدَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ أَقْرَبُ الْكُتُبِ عَهْدًا بِاللَّهِ، تَقْرَءُونَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ.
(2)/141 - وَقَالَ مرة: كِتَابُكُمِ الَّذِى أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّكُمْ أَحْدَثُ الأخْبَارِ بِاللَّهِ.[ انتهى كلام البخاري ]
فعقب ابن بطال قائلا
غرضه فى هذا الباب الفرق بين وصف كلام الله بأنه مخلوق، وبين وصفه بأنه محدث، فأحال وصفه بالخلق، وأجاز وصفه بالحدث، اعتمادًا على قوله تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} ا.هـ
وإن تعقبه ابن بطال فالمقصود بيان مراد البخاري
وفي موطن آخر وعن تبويب آخر للبخاري قال الحافظ في الفتح :
" قال بن بطال أراد بهذه الترجمة وأحاديثها ما أراد في الأبواب قبلها أن كلام الله تعالى صفة قائمة به وانه لم يزل متكلما ولا يزال ثم أخذ في ذكر سبب نزول الآية والذي يظهر أن غرضه أن كلام الله لا يختص بالقرآن فإنه ليس نوعا واحدا كما تقدم نقله عمن قاله وانه وان كان غير مخلوق وهو صفة قائمة به فإنه يلقيه على من يشاء من عباده بحسب حاجتهم في الأحكام الشرعية وغيرها من مصالحهم وأحاديث الباب كالمصرحة بهذا المراد . "الفتح (13|475)
وقال ابن عبد البر عن التجلي وهو صفة لله
" وفي قول الله عز و جل فلما تجلى ربه للجبل دلالة واضحة أنه لم يكن قبل ذلك متجليا للجبل وفي ذلك ما يفسر معنى حديث التنزيل ومن أراد أن يقف على أقاويل العلماء في قوله عز و جل فلما تجلى ربه للجبل فلينظر في تفسير بقي بن مخلد ومحمد بن جرير وليقف على ما ذكرا من ذاك ففيما ذكرا منه كفاية وبالله العصمة والتوفيق " ا.هـ
وفي تجليه بعد أن لم يكن متجليا قال ابن أبي حاتم
" ذكر عن محمد بن عبد الله بن أبي الثلج ، ثنا الهيثم بن خارجة ، ثنا عثمان بن حصين بن غلاق ، عن عروة بن رويم ، قال : « كانت الجبال قبل أن يتجلى الله لموسى على الطور صما ملسا ، فلما تجلى الله لموسى على الطور صار الطور دكا وتفطرت الجبال ، فصارت الشقوق والكهوف »
ورجاله محتج بهم
وهناك مقالات أخرى صريحة في المسألة بل نصوص جلية كقوله صلى الله عليه وسلم عن عيسى في حديث الشفاعة :
" إن الله غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله "
وغيرها من النصوص لا تحصى
وقد نقل الحافظ ابن حجر اعتراف الرازي في المطالب العالية بأن قول من قال: أنه تعالى متكلم بكلام يقوم بذاته وبمشيئته واختياره هو أصح الأقوال نقلاً وعقلاً . " الفتح (13|455)
والآمدي كذلك اعترف أن حجج أصحابه ضعيفة في منع قيام الصفات الاختيارية بالله قال: "وقد احتج أهل الحق على امتناع قيام الحوادث به بحجج ضعيفة: الأولى…". ثم ذكرها مضعفا لها درء التعارض (2|195)
ومن أراد معرفة مذهب السلف فيكفيه ما تواتر عنهم من تعليقِ كثيرِِِ من الصفات بالمشيئة ومن أبرزها صفة الكلام ، يتكلم متى شاء أو كما شاء أو لا زال متكلما كما شاء وغيرها من الألفاظ وكذا باقي الصفات المعلقة بالمشيئة في كلامهم
ومن نجاه الله من أمراض القوم فإنه سيجد في قول السلف الشفاء لصدره من الوساوس وسيلمس منه حقيقة الكمال لله ، فأي نقص في وصف الله بالفعل والتصرف والتدبير ، يفعل ذلك بنفسه فعلا قائما به وفق مشيئته وإرادته كما هو مقتضى باقي صفاته أيضا من الحكمة والرحمة والعلم والقدرة بل والملك ونحوها
إن النقص كل النقص في سلبه تعالى صفات الأفعال وتجريده من القيام بما يريد منها وبالتالي تعطيل باقي صفاته أيضا
والناظر بحق في هذا الباب يعلم أن مذهب الأشاعرة قائم في حقيقته على تعطيل الله عن كماله الذي تمدّح به في الوحي ، فأوله تنزيه لله في القِدَم على قصور ظاهر في هذا التنزيه ، بل صوري ، وآخره الحكم عليه سبحانه بأنه ذات هامدة لا تفعل ولا تتصرف كأنه لا يملك ، فليس له أن يفعل منذ أن كان هناك خلق ومنذ أن كان هناك زمان ، فهو قد علم وتكلم وسمع وأبصر وأراد دفعة واحدة أو متواليا حسب ما يقولون ، ثم اكتفى بهذا منذ القدم وتعطل في نفسه فليس الفعل إلا في مفعولاته
حاشاه ربنا تعالى من هذا النقص الذي هو أشبه بالموت السريري تعالى الله عما يقول الظالمون المتنقصون علوا كبيرا
فاللهم لطفك