تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 32

الموضوع: القول الفصل الأغر في وضع الجريدة على القبر

  1. #1

    افتراضي القول الفصل الأغر في وضع الجريدة على القبر

    القول الفصل الأغر في وضع الجريدة على القبر
    الملفات المرفقة الملفات المرفقة

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    1,699

    افتراضي

    بارك الله فيكم ونفع بكم

    ليتكم تضعون البحث هنا مباشرة ـ ولو بدون حواشي ـ ويضاف المرفق ، ليسهل الاطلاع عليه والتعليق أو السؤال أو ...

    قلتم وفقكم الله :
    نصوص أصحاب القول الثاني :
    قال ابن مفلح والبهوتي بعد ما ذكرا سنية وضع الجريد الرطب على القبر : وقد أنكره جماعة من العلماء ( )
    قال الشيخ العلامة بن باز يرحمه الله : الصواب في هذه المسألة ما قاله الخطابي من استنكار الجريد ونحوه على القبور لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله إلا في قبور مخصوصة اطلع على تعذيب أهلها ولو كان مشروعاً نفعله في كل القبور ، وكبار الصحابة -كالخلفاء - لم يفعلوه وهم أعلم بالسنة من بريـدة رضي الله عـن الجميع فتنبه ( ) .
    قلت : لم أقف على اسم من أنكر ذلك من العلماء إلا الخطابي والطرطوشي والشيخ عبد العزيز بن باز يرحمهم الله جميعاً حيث قالوا : إن ذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم . اهـ


    أقول:
    وممن قال بالمنع ورد على من جوزه :
    1- الشيخ المحدث أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على الترمذي .
    2- الشيخ المحدث الألباني في عدد من كتبه منها :
    إرواء الغليل 1/313
    وأحكام الجنائز ص200، ونقل كلام الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي.
    3- الشيخ السيد سابق في كتابه فقه السنة .
    4و5و6و7- اللجنة الدائمة في السعودية: ووقع على الفتيا المشايخ :عبد العزيز بن عبد الله بن باز وعبد الرزاق عفيفي وعبد الله بن غديان وعبد الله بن منيع .
    8- الشيخ الفقيه محمد العثيمين وعده من البدع كما في فتاواه .
    9- وهو الظاهر من تصرف صاحب عون المعبود حين نقل قول الخطابي وزاد ما يؤيده .

    هذا ما وقفت عليه في عجالة ممن قال بالمنع ولعل هناك غيرهم لمن تقصى وبحث زيادة .

    ولهؤلاء العلماء كلام محرر نفيس في بيان وجه ما ذهبوا إليه وغلط مخالفهم . والله أعلم .

  3. #3

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته قولك : ولهؤلاء العلماء كلام محرر نفيس في بيان وجه ما ذهبوا إليه وغلط مخالفهم " ليتك تذكر لنا هذا الكلام بنصه ، وكذلك نصوص العلماء المعاصرين الذين ذكرتهم من أحمد شاكر إلى آخر من ذكرت وذلك تكميلاً للفائدة ، مع أن المسألة لا تحتاج إلى كلام من المعاصرين لأنه شيء فعله النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعون والأئمة الأربعة وعامة العلماء إلا ما روي عن الخطابي والطرطوشي ويكفي في ذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم فالواجب الوقوف عنده والتسليم به وكما قال ابن شهاب الزهري رحمه الله : من الله الرسالة وعلى رسوله البلاغ وعلينا التسليم " رواه البخاري رقم ( 7529 ) والمسألة بحثت من جميع أطرافها حسب ظني ونقلت فيها أقوال جمع من العلماء من الفقهاء والمحدثين والمفسرين وبما أنك طلبت وضع المسألة هنا ولو بدون حواشي ليسهل الأطلاع عليها وها هي المسألة كاملة :

    القول الفصل الأغر** في حكم وضع الجريد على القبر



    تأليف أبي عبد الله محمد بن
    محمد المصطفى الأنصاري
    المدينة النبوية ،
    مكتبة المسجد النبوي
    قسم البحث والترجمة
    1424 هـ














    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسـول الله  القائل إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث :صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له ( ). والقائل: ( اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ) ( ) .

    وبعد فهذا تلخيص لأقوال بعض أهل العلم في مسألة وضع الجريدة الرطبة على القبر أو نحوها هل ذلك خاص بالنبي  أم أنه حكم عام للمسلمين ، وسأذكر مذاهب العلماء ونصوصهم وأدلتهم وأقارن بينها ، وأرجح ما هو الراجح عندي في هذه المسألة بالدليل إن شاء الله تعالى ، أسأل الله عز وجل أن يفقهنا في دينه ، وأن يهدينا لما اختلف فيه الحق إلى صراط مستقيم إنه على كل شيء قدير ، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم ، وأن ينفع به من قرأه إنه ولي ذلك والقادر عليه إنه على كل شيء قدير .
    حكم وضع الجريدة الرطبة أو نحوها على القبر
    اختلف العلماء في ذلك على قولين :
    القول الأول :
    أن وضع الجريدة الرطبة أو نحوها على القبر جائز ومسنون ،
    وهو مذهب أبي حنيفة ( ) ، ومالك ( ) ، والشافعي ( ) ، وأحمد( ) .
    نصوص بعض علماء المذاهب الأربعة
    مرتبة على حسب تاريخ وفيات الأئمة الأربعة وترتيبهم السابق .
    الحنفية :
    قال ابن عابدين وغيره : مطلب في وضع الجريد ونحو الآس على القبور :
    تتمة يكره أيضا قطع النبات الرطب والحشيش من المقبرة دون اليابس كما في البحر و الدرر و شرح المنية وعلله في الإمداد بأنه ما دام رطباً يسبح الله تعالى فيؤنس الميت وتنزل بذكره الرحمة . ونحوه في الخانية أقول ودليله ما ورد في الحديث من وضعه عليه الصلاة والسلام الجريدة الخضراء بعد شقها نصفين على القبرين اللذين يعذبان ، وتعليله بالتخفيف عنهما ما لم يبيسا أي يخفف عنهما ببركة تسبيحهما إذ هو أكمل من تسبيح اليابس لما في الأخضر من نوع حياة وعليه فكراهة قطع ذلك وإن نبت بنفسه ولم يملك لأن فيه تفويت حق الميت ، ويؤخذ من ذلك ومن الحديث ندب وضع ذلك للاتباع ويقاس عليه ما اعتيد من وضع أغصان الآس ونحوه ( ) .
    المالكية :
    قال القرطبي : قوله عليه الصلاة والسلام : لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا : إشارة إلى أنهما ما داما رطبين يسبحان فإذا يبسا صارا جماداًً والله أعلم ، قال : وفي مسند أبي داوود الطيالسي فوضع على أحدهما نصفاً وعلى الآخر نصفاً وقال لعله أن يهون عليهما العذاب ما دام فيهما من بلولتهما شيء قال علماؤنا : ويستفاد من هذا جواز غرس الأشجار على القبور ، والحمد لله على ذلك ( ) .
    الشافعية :
    قال الشربيني وغيره من علماء الشافعية : ويسن وضع الجريد الأخضر على القبر وكذا الريحان ونحوه من الشيء الرطب ولا يجوز للغير أخذه من على القبر قبل يبسه لأن صاحبه لم يعرض عنه إلا عند يبسه لزوال نفعه الذي كان فيه وقت رطوبته وهو الاستغفار ، ولأنه يخفف عنه ببركة تسبيحها ، وقيس بها ما اعتيد من طرح نحو الريحان الرطب ، ويحرم أخذ شيء منهما ما لم ييبسا ، وينبغي إبدال ما ذكر من الجريدة الخضراء ومن الرياحين كلما يبس لتحصل له بركة مزيد تسبيحه وذكره كما في الحديث ، ويحرم أخذ شيء منهما أي من الجريدة الخضراء ومن نحو الريحان الرطب ، وظاهره أنه يحرم ذلك مطلقا أي على مالكه وغيره ، وفي النهاية ويمنع مالكه أخذ من على القبر قبل يبسه ، وفصل ابن قاسم بين أن يكون قليلاً كخوصة أو خوصتين فلا يجوز لمالكه أخذه لتعلق حق الميت به وأن يكون كثيراً فيجوز ( ) .
    الحنابلة :
    قال ابن مفلح في كتابه الفروع والبهوتي في كتابه كشاف القناع :
    وسن فعل لزائره ما يخفف عنه ولو بجعل جريدة رطبة في القبر للخبر ، وفي معناه غرس غيرها ( ) .
    القول الثاني :
    أن ذلك خاص ببركة يد النبي  .
    وهو قول الخطابي ، والطرطوشي من المالكية : ( ) .
    وبه قال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز يرحمه الله ( ) .
    نصوص أصحاب القول الثاني :
    قال ابن مفلح والبهوتي بعد ما ذكرا سنية وضع الجريد الرطب على القبر : وقد أنكره جماعة من العلماء ( )
    قال الشيخ العلامة بن باز يرحمه الله : الصواب في هذه المسألة ما قاله الخطابي من استنكار الجريد ونحوه على القبور لأن الرسول  لم يفعله إلا في قبور مخصوصة اطلع على تعذيب أهلها ولو كان مشروعاً نفعله في كل القبور ، وكبار الصحابة -كالخلفاء - لم يفعلوه وهم أعلم بالسنة من بريـدة رضي الله عـن الجميع فتنبه ( ) .
    قلت : لم أقف على اسم من أنكر ذلك من العلماء إلا الخطابي والطرطوشي والشيخ عبد العزيز بن باز يرحمهم الله جميعاً حيث قالوا : إن ذلك خاص بالنبي  كما تقدم .
    استدل أصحاب القول الأول بما يأتي :
    الدليل الأول : عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: مرَّ النبي بحائط من حيطان المدينة أو مكة، فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما، فقال النبي يعذبان وما يعذبان في كبير ثم قال: بلى، كان أحدهما لا يستتر من بوله ، وكان الآخر يمشي بالنميمة ، ثم دعا بجريدة فكسر كسرتين فوضع على كل قبر منهما كسرة، فقيل له: يا رسول الله لم فعلت هذا ؟ قال: لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا أو: إلى أن ييبسا ( ) .
    وفي رواية من حديث جابر بن عبد الله الطويل ..في قصة أخرى مشابهة وفيها فقمت فأخذت حجراً فكسرته وحسرته فانذلق لي فأتيت الشجرتين فقطعت من كل واحدة منهما غصناً ثم أقبلت أجرهما حتى قمت مقام رسول الله  أرسلت غصناً عن يميني وغصناً عن يسارى ثم لحقته فقلت :قد فعلت
    يا رسول الله فعم ذاك قال : إني مررت بقبرين يعذبان فأحببت بشفاعتي أن يرفه عنهما ما دام الغصنان رطبين ( ) .
    الدليل الثاني :
    أوصى بريدة بن الحصيب الأسلمي  أن يجعل على قبره جريدتان ،
    ومات بأدنى خراسان ( ) .
    الدليل الثالث :
    عن حماد بن سلمة عن عاصم الأحول أن أبا العالية أوصى إلى مورق العجلي وأمره أن يضع في قبره جريدتين ( ) .
    وجه الدلالة:
    دلت هذه النصوص على أن الجريدة الرطبة وما في معناها من رطب من أي شجر تسبح وتستغفر للميت ما لم تيبس ، قال ابن كثير : قال بعض من تكلم على هذا الحديث من العلماء : إنما قال ما لم ييبسا أنهما يسبحان ما دام فيهما خضرة فإذا يبسا انقطع تسبيحهما والله أعلم ( ) .
    قال ابن دقيق العيد : الخامس : قيل في أمر الجريدة التي شقها اثنتين فوضعها على القبرين وقوله  لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا : إن النبات يسبح ما دام رطباً فإذا حصل التسبيح بحضرة الميت حصلت له بركته فلهذا اختص بحالة الرطوبة ( ) .
    قال الشوكاني : روي عن عكرمة والحسن البصري أنهما خصا تسبيح النباتات بوقت نموها لا بعد قطعها وقد استدل لذلك بحديث أن النبي  مر على قبرين وفيه ثم دعا بعسيب رطب فشقه اثنين وقال إنه يخفف عنهما ما لم ييبسا ( ) ، ولذلك قال الفقهاء : يستحب وضع الجريدة الرطبة وما في معناها من أي نبات رطب على القبر لفعل النبي  ذلك ( ) .
    استدل أصحاب القول الثاني : بما يأتي
    الدليل الأول :
    أن جعل الرياحين على القبر تخليق له وذلك منهي عنه ( ).
    الدليل الثاني :
    أن ذلك خاص ببركة يد النبي  ( ) .
    الدليل الثالث :
    لأن الرسول  : لم يفعله إلا في قبور مخصوصة اطلع على تعذيب أهلها ولو كان مشروعاً نفعله في كل القبور ، وكبار الصحابة -كالخلفاء لم يفعلوه وهم أعلم بالسنة من بريدة رضي الله عن الجميع فتنبه ( ) .

    المناقشــــــــ ـــــــــــــة والترجيح:
    بعد النظر في أدلة أصحاب القولين تبيَّن لي ما يأتي:
    الأول: أن ما استدل به أصحاب القول الأول صحيح صريح وهو نص في محل النزاع .
    الثاني: أن ما استدل به أصحاب القول الثاني فيه نظر لما يأتي :
    الأول : قولهم بأنه بدعة غير صحيح ، كيف يكون بدعة وقد فعله النبي  بوضعه الجريدة الرطبة على القبر كما في الصحيحين وغيرهما ؟؟
    الثاني : ادعاء الخصوصية يحتاج إلى دليل ، ولم أقف على دليل هنا يدل على الخصوصية ، لأن : الأصل عدم الخصوصية ، وكونه  أطلعه الله على تعذيب هذين القبرين لا يدل على الخصوصية ، لأن سائر القبور إما منعمة أو معذبة ، فإن كانت منعمة ليس ذلك بمانع من الدعاء أو الاستغفار لها ، وإن كانت معذبة فلعله يخفف عنها بوضع ذلك الجماد الرطب ما لم ييبس ، كما قال رسول الله  ، قال الحافظ ابن حجر : لا يلزم من كوننا لا نعلم أيعذب أم لا أن لا نتسبب له في أمر يخفف عنه العذاب أن لو عذب ، كما لا يمنع كوننا لا ندري أرحم أم لا أن لا ندعو له بالرحمة ، وليس في السياق ما يقطع على أنه باشر الوضع بيده الكريمة بل يحتمل أن يكـون أمر به وقد تأسى بريدة بن الحصيب الصحابي  بذلك فأوصى أن يوضع على قبره جريدتان ( ).
    الثالث : قولهم بأنه لم ينقل عن أحد من الصحابة غير بريدة  لا عن الخلفاء الراشدين ولا عن غيرهم من كبار الصحابة رضي الله عنهم أجمعين . الجواب عنه : كما أنه لم ينقل عنهم فكذلك لم ينقل عنهم النهي عنه ،
    ولا الاعتراض عليه ، ويكفي بأنه فعله رسول الله  ، وأوصى به بريدة بن الحصيب  وأبو العالية من غير نكير من الصحابة والتابعين ، ولم ينقل إلينا أن أحداً من الصحابة والتابعين خالفهما في ذلك ولا اعترض عليهما لا من كبار هم ولا من صغارهم ، وقد يكون ذلك إجماعاً سكوتياً منهم على السنية أو الجواز ، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ ، وعلى افتراض أنه لم ينقل عن أحد من الصحابة ، لا يجوز لنا العدول عن فعل رسول الله  أو قوله  إلى قول أحد كائناً من كان لا من الصحابة ولا من غيرهم إذ الحجة فيما قاله رسول الله  ، أو فعله ، أو أقر عليه  فنتعبد الله بما صح ووصل إلينا لا بما هو مسكوت عنه كما هو الحال هنا في هذه المسألة في فعل الصحابة غير بريدة رضي الله عنهم أجمعين . وقد بوب البخاري في صحيحه باب الجريد على القبر ، وهذا يدل على أنه يراه لأن المعروف أن فقه البخاري في تراجمه .
    قال الحافظ ابن حجر : وأما ما رواه مسلم في حديث جابر الطويل المذكور في أواخر الكتاب أنه الذي قطع الغصنين فهو في قصة أخرى غير هذه فالمغايرة بينهما من أوجه منها أن هذه كانت في المدينة وكان معه  جماعة وقصة جابر كانت في السفر وكان خرج لحاجته فتبعه جابر وحده ومنها أن في هذه القصة أنه  غرس الجريدة بعد أن شقها نصفين كما في الباب الذي بعد هذا من رواية الأعمش وفي حديث جابر أنه  أمر جابراً بقطع غصنين من شجرتين كان النبي  استتر بهما عند قضاء حاجته ثم أمر جابراً فألقى الغصنين عن يمينه وعن يساره حيث كان النبي  جالساً وأن جابراً سأله عن ذلك فقال إني مررت بقبرين يعذبان فأحببت بشفاعتي أن يرفع عنهما ما دام الغصنان رطبين ولم يذكر في قصة جابر أيضاً السبب الذي كانا يعذبان به ولا الترجى الآتي في قوله لعله فبان تغاير حديث بن عباس وحديث جابر وانهما كانا في قصتين مختلفتين ولا يبعد تعدد ذلك وقد روى بن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة أنه  مر بقبر فوقف عليه فقال ائتوني بجريدتين فجعل إحداهما عند رأسه والأخرى عند رجليه فيحتمل أن تكون هذه قصة ثالثة ويؤيده أن في حديث أبي رافع كما تقدم فسمع شيئاً في قبر وفيه فكسرها باثنين ترك نصفها عند رأسه ونصفها عند رجليه وفي قصة الواحد جعل نصفها عند رأسه ونصفها عند رجليه وفي قصة الإثنين جعل على كل قبر جريدة أنها كسرتين بكسر الكاف والكسرة القطعة من الشيء المكسور وقد تبين من رواية الأعمش أنها كانت نصفاً وفي رواية جرير عنه باثنتين قال النووي الباء زائدة للتوكيد والنصب على الحال قوله فوضع وفي رواية الأعمش الآتية فغرز وهي أخص من الأولى قوله فوضع على كل قبر منهما كسرة ( ) .
    قال العيني : في متن هذا الحديث ثم دعا بجريدة فكسرها كسرتين يعني أتي بها فكسرها ، وفي حديث جابر رضي الله تعالى عنه رواه مسلم
    أنه الذي قطع الغصنين فهل هذه قضية واحدة أم قضيتان ؟ الجواب أنهما قضيتان والمغايرة بينهما من أوجه الأول أن هذه كانت في المدينة وكان مع النبي  جماعة وقضية جابر كانت في السفر وكان خرج لحاجته فتبعه جابر وحده الثاني : أن في هذه القضية أنه عليه الصلاة والسلام غرس الجريدة بعد أن شقها نصفين كما في رواية الأعمش الآتية في الباب الذي بعده وفي حديث جابر أمر عليه الصلاة والسلام جابراً فقطع غصنين من شجرتين كان النبي  استتر بهما عند قضاء حاجته ثم أمر جابراً فألقى غصنين عن يمينه وعن يساره حيث كان النبي  جالساً وأن جابراً سأله عن ذلك فقال إني مررت بقبرين يعذبان فأحببت بشفاعتي أن يرفع عنهما ما دام الغصنان رطبين الثالث لم يذكر في قصة جابر ما كان السبب في عذابهما الرابع لم يذكر فيه كلمة الترحبي فدل ذلك كله على أنهما قضيتان مختلفتان ، بل روى ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة أنه  مر بقبر فوقف عليه فقال ائتوني بجريدتين فجعل إحداهما عند رأسه والأخرى عند رجليه فهذا بظاهره يدل على أن هذه قضية ثالثة فسقط بهذا كلام من ادعى أن القضية واحدة كما مال إليه النووي والقرطبي ( ) .
    وقد فرق الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في الدرر السنية في الأجوبة النجدية : بين الجريدة الرطبة والرياحين ، فقال في الرياحين أنه بدعة منهي عنه بخلاف الجريدة الرطبة أنها من السنة وذكر الحديث ( ).
    ولاشك أن العبرة بالعمل الصالح وهو الذي ينفع الميت في قبره ، كما قال رسـول الله  إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث :صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له ( ) .
    وكما قال عبد الله بن عمر  حين رأى على قبر عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق  فسطاطاً فقال : أنزعه يا غلام فإنما يظله عمله ( ). ولكن ما يمنع كونه انقطع عمله أو أنه يظله عمله أن ذلك لا يمنع انتفاعه لأن منطوق الحديث انقطع عمله ، ولم يقل انقطع انتفاعه ، لأن انتفاع الميت باق ، ينتفع بعمل الحي من صدقة ودعاء وقضاء دين عنه بإجماع الأمة ، وقد أخبرنا رسول الله  أن وضع تلك الجريدة الرطبة على القبر تخفف عنه العذاب ما لم تيبس ، وفي ذلك منفعة له لأن : تخفيف العذاب من أعظم المنفعة ، وقياس كل نبات رطب سواء الريحان أو غيره على الجريدة الرطبة التي وضعها رسول الله  على القبرين وقال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا، قياس صحيح وسليم وليس هنالك ما يعارضه إلا أن يكون هناك مانع شرعي أو مفسدة تترتب على ذلك ، أو كان ذلك ذريعة لأي مخالفة شرعية ، وحينئذ درء المفاسد مقدم على جلب المصالح .
    قال الحافظ ابن حجر : وقال الكرماني : شبه لعل بعسى فأتى بأن في خبره قوله يخفف بالضم وفتح الفاء أي العذاب عن المقبورين قوله ما لم تيبسا كذا في أكثر الروايات بالمثناة الفوقانية أي الكسرتان وللكشميهني إلا أن تيبسا بحرف الاستثناء وللمستملى إلى أن ييبسا بإلى التي للغاية والياء التحتانية أي العودان قال المازري : يحتمل أن يكون أوحي إليه أن العذاب يخفف عنهما هذه المدة . وعلى هذا فلعل هنا للتعليل قال : ولا يظهر له وجه غير هذا وتعقبه القرطبي بأنه لو حصل الوحي لما أتى بحرف الترجي كذا قال ولا يرد عليه ذلك إذا حملناها على التعليل ، قال القرطبي : وقيل إنه شفع لهما هذه المدة كما صرح به في حديث جابر لأن الظاهر : أن القصة واحدة وكذا رجح النووي كون القصة واحدة وفيه نظر لما أوضحناه من المغايرة بينهما وقال الخطابي : هو محمول على أنه دعا لهما بالتخفيف مدة بقاء النداوة لا أن في الجريدة معنى يخصه ولا أن في الرطب معنى ليس في اليابس ، قال وقد قيل إن المعنى فيه أنه يسبح ما دام رطباًًًًًًًًًً فيحصل التخفيف ببركة التسبيح وعلى هذا فيطرد في كل ما فيه رطوبة من الأشجار وغيرها ، وقال الطيبي : الحكمة في كونهما ما دامتا رطبتين تمنعان العذاب يحتمل أن تكون غير معلومة لنا كعدد الزبانية وقد استنكر الخطابي ومن تبعه : وضع الناس الجريدة ونحوه في القبر عملا ًبهذا الحديث ، وقال الطرطوشي : بأن ذلك خاص ببركة يده  ،
    وقال القاضي عياض : لأنه علل غرزهما على القبر بأمر مغيب وهو قوله ليعذبان ( ).
    التعقيب : قال الحافظ ابن حجر: لا يلزم من كوننا لا نعلم أيعذب أم لا أن لا نتسبب له في أمر يخفف عنه العذاب أن لو عذب كما لا يمنع كوننا لا ندري أرحم أم لا أن لا ندعو له بالرحمة وليس في السياق ما يقطع على أنه باشر الوضع بيده الكريمة بل يحتمل أن يكون أمر به وقد تأسى بريدة بن الحصيب الصحابي بذلك فأوصى أن يوضع على قبره جريدتان وهو أولى أن يتبع من غيره ، وكذلك أبو العالية من التابعين ( ).
    قلت:وأما وقت وضع الجريد على القبر هل هو وقت الدفن أو وقت الزيارة ؟
    الجواب : لا شك أن الذي يدل عليه الحديث وكلام فقهاء المذاهب السابق أنه وقت الزيارة لا وقت الدفن : لأن النبي  مر على قبرين وقال إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير .. الحديث ( ) .
    قال ابن مفلح ، والبهوتي : وسن فعل لزائره ما يخفف عنه ولو بجعل جريدة رطبة في القبر للخبر ، وفي معناه غرس غيرها ( ) .
    وهذا كله يدل على أن وضع الجريد على القبر وقت الزيارة لا وقت الدفن .
    وبهذا يتبيَّن لي رجحان ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من جواز وضع الجريدة الرطبة أو نحوها من أي نباتٍ رطبٍ على القبر رجاء أن يستغفر ذلك الجماد الرطب لذلك العبد الذي في قبره مبتلى للأدلة التي استدلوا بها ،
    إلا أن يكون هناك مانع شرعي أو مفسدة تترتب على ذلك ، أو كان ذلك ذريعة لأي مخالفة شرعية ، وحينئذ درء المفاسد مقدم على جلب المصالح . والله تعالى أعلم . أسأل الله عز وجل أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم ، وأن يهدينا لما اختلف فيه من الحق إلى صراط مستقيم ، وأن ينفع به من قرأه إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
    جمعه وكتبه أبو عبد الله محمد بن
    محمد المصطفى الأنصاري
    المدينة النبوية في 15 / 4 / 1424 هـ

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    1,699

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو عبد الله محمد مصطفى مشاهدة المشاركة
    " ليتك تذكر لنا هذا الكلام بنصه ،
    لا أجد وقتا لذلك لكن من قصد إلى الكتابة في مثل هذه المسألة كان ينبغي له أن يوسع البحث وينقل قول المخالف وحجته؛ ليرى القارئ أيهم أسعد بالدليل،وصحة الفهم عن الله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم .


    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو عبد الله محمد مصطفى مشاهدة المشاركة
    مع أن المسألة لا تحتاج إلى كلام من المعاصرين لأنه شيء فعله النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعون والأئمة الأربعة وعامة العلماء إلا ما روي عن الخطابي والطرطوشي
    لكن الشأن في صحة ما دل عليه الدليل، أما قولك : إنه فعله الصحابة والتابعون وعامة العلماء والأئمة الأربعة ... فلا شك أنه غلط ومجازفة في النقل.

  5. #5

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته قولك جزاك الله خيرا : ( فلا شك أنه غلط ومجازفة في النقل ) لعلك ترجع إلى متن الرسالة وتقرأه بتأمل أليس فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين وغيرهما وأوصى من الصحابة بريدة ومن التابعين أبو العالية ونقل عن الحسن البصري وغيره منهم وهو مذهب الأئمة الأربعة بنصوصهم المستفيضة والمثبتة في الرسالة المرفقة ، ولم ينقل عن أي شخص لا من الصحابةولا من التابعين خلافه ، وكذلك عامة العلماء إلا ما نقل عن الخطابي والطرطوشي وللحافظ ابن حجر في فتح الباري رد عليهم والكل موجود في الرسالة المرفقة ، وأما الرجوع إلى كلام العلماء المعاصرين فلا شك أنهم مشائخنا رحم الله من مات منهم وحفظ الله الأحياء منهم ولكن نرجع لهم في الأمور التي ليس فيها نص أو فيها نصوص متعارضة لنستعين بما لديهم فيها أما مثل هذه المسألة فقد كفاهم سلف الأمة مئونتها ويكفي بأنها من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وعامة الأمة كما سبق ، وجزاك الله خيراً لو نقلت لنا كلامهم النفيس الذي ذكرته في تعليقك السابق لنستفيد منه جميعاً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

  6. #6

    افتراضي رد: القول الفصل الأغر في وضع الجريدة على القبر

    بسم الله الرحمن الرحيم
    غريبٌ كلام الشيخ السديس حفظه الله ، فهو يرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلَه بما لو قاله غيرُه لنسبه إلى الضلال والانحلال، والتجرِّي على سيِّد الرجال، وليس له من المتعلَّق إلا كلام بعض الأئمة على قلتهم، وشبهةُ الخصوصية التي يعلم الشيخ أنها على خلاف الأصل، لكنْ إنْ كان المانعون أسعد بالدليل ، فما الحجة للقائل بالبدعة والتضليل ، نسأل الله العفو والعافية .

  7. #7

    افتراضي رد: القول الفصل الأغر في وضع الجريدة على القبر

    من الغريب وجود الخلاف في مثل هذه المسألة لأنها ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين وغيرهما وأوصى بها من الصحابة بريدة ومن التابعين أبو العالية ونقل عن الحسن البصري وغيره وهو مذهب الأئمة الأربعة ، ولم ينقل عن أي شخص لا من الصحابة ولا من التابعين خلافه ، ولا شك أن العبرة بما ثبت عن المشرع صلى الله عليه وسلم ولا عبرة بما خالف أو اعترض على ذلك وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه .
    رأس مال المسلم دينه فلا يخلفه في الرحال ولا يأتمن عليه الرجال .

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    1,699

    افتراضي رد: القول الفصل الأغر في وضع الجريدة على القبر

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الحسن المقدسي الشافعي مشاهدة المشاركة
    بسم الله الرحمن الرحيم



    غريبٌ كلام الشيخ السديس حفظه الله ، فهو يرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلَه بما لو قاله غيرُه لنسبه إلى الضلال والانحلال، والتجرِّي على سيِّد الرجال، .
    أين رددت فعل سيد الخلق يا أخي ؟!
    ولا زلت أكرر أن من الإنصاف أن يذكر الباحث الذي يؤلف مثل هذه الرسالة في مثل هذه المسألة قول المخالفين ويبين حجتهم واعتراضهم كاملا = ليرى القارئ ما هو الرجح من ذلك .
    لا أن يطلب ممن يعلق على موضوعه أن ينقل ذلك له.
    ولا أن يقول ووجود الخلاف غريب وهي ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ...
    فهل أنكروا صحة النقل حتى يقال هذا ، أليس من الأجدى أن تدع الحكم لمن يقرأ فهو يقرر هل الخلاف ضعيف أو قوي ، وهل ما ذكر من إطلاقات في النقول في كلامك صح أو لا ..

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    1,125

    افتراضي رد: القول الفصل الأغر في وضع الجريدة على القبر

    عندي هذا الإشكال:
    كم من القبور مرَّ عليها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يضع عليها جرائد!
    أليست هذه قرينة على تعليق وضع الجريدة بمعرفة التعذيب؟
    أي الخصوصية؟
    أستاذ جامعي (متقاعد ولله الحمد)

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    1,699

    افتراضي رد: القول الفصل الأغر في وضع الجريدة على القبر

    لا زلت أطالب الأخ محمد مصطفى أن يذكر في بحثه كلام المخالفين وهو كثير ولهم حجج قوية جدا .
    أما إظهار قولهم على أنه نشار وشذوذ بمثل هذه الطريقة فليس من العدل .
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو عبد الله محمد مصطفى مشاهدة المشاركة
    ولم ينقل عن أي شخص لا من الصحابة ولا من التابعين خلافه .
    ولو قال من يخالفك:
    يفعله النبي إلا في قبر علم أن صاحبه يعذب وهي وقائع أعيان لا عموم فيها، ولذا لم يفعله مع عامة القبور مع كثرة القبور التي مر عليها ومن دفن من أصحابه في حياته.
    ولم يأمر بها.
    ثم لم يفعله من أصحابه أحد مع أنهم بعشرات الألوف إلا وصية بريدة في وصيته في قبره.
    وكذا لم يفعله أحد من التابعين مع كثرتهم ومعرفتهم بالحديث إلا ما ذكرته عن أبي العالية وصيته .
    وكذا أتباع التابعين لم تذكر أن أحدا منهم فعله أو أمر به.
    فهل يعقل أن يترك كل هؤلاء هذه السنة مع أنهم أحرص الناس على الاتباع ؟!
    ولم أرك نقلت عن أحد من الأئمة الأربعة وإنما نقلت عن بعض متأخري أصحابهم.

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    1,699

    افتراضي رد: القول الفصل الأغر في وضع الجريدة على القبر

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الحسن المقدسي الشافعي مشاهدة المشاركة
    فهو يرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلَه بما لو قاله غيرُه لنسبه إلى الضلال والانحلال، والتجرِّي على سيِّد الرجال، وليس له من المتعلَّق إلا كلام بعض الأئمة على قلتهم، وشبهةُ الخصوصية التي يعلم الشيخ أنها على خلاف الأصل،
    لاشك أنك تسرعت ولن تجد في مشاركاتي ما يشفع لتهمتك .
    وبما أن معنى كلامك هو تهمة لمن ذكر من أهل العلم فسأبين وجه غلطك فيه.
    فالذي يرد فعله هو من يقول: إن فعله عبث أو لا فائدة منه أو نحوها.
    أما الذي يقول إنه فعل ذلك؛ لأن الله أطلعه بأن صاحب القبر يعذب ولم يطلعنا على ذلك، ولم يأمرنا أن نفعل ذلك ويحتج بعدة حجج ، فلا يصح أن يقال فيه مثل هذا الكلام .
    وإلا فما من إمام إلا وقد ترك العمل بشيء من النصوص لوجود معارض عنده، أفيحسن أن يقول مسلم في أئمة الإسلام مثل هذا ؟
    ومن يخالف لم يدع أن الخصوصية هي الأصل حتى يقال مثل هذا .
    بل يبين وجه كلامه كاملا ويرد عليه .

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Sep 2007
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    3,215

    افتراضي رد: القول الفصل الأغر في وضع الجريدة على القبر

    منقول من ملتقى اهل الحديث
    قال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي ( 1 / 103 ) عقب هذا:

    (( وصدق الخطابي، وقد ازداد العامة إصرارا على هذا العمل الذي لا أصل له، وغلوا فيه، خصوصا في بلاد مصر، تقليدا للنصارى، حتى صاروا يضعون الزهور على القبور، ويتهادونها بينهم، فيضعها الناس على قبور أقاربهم ومعارفهم تحية لهم، ومجاملة للأحياء، وحتى صارت عادة شبيهة بالرسمية في المجاملات الدولية، فتجد الكبراء من المسلمين إذا نزلوا بلدة من بلاد أوربا ذهبوا إلى قبور عظمائها أو إلى قبر من يسمونه ( الجندي المجهول ) ووضعوا عليها الزهور، وبعضهم يضع الزهور الصناعية التي لا نداوة فيها تقليدا للإفرنج، واتباعا لسنن من قبلهم، ولا ينكر ذلك عليهم العلماء أشباه العامة، بل تراهم أنفسهم يضعون ذلك في قبور موتاهم، ولقد علمتُ أن أكثر الأوقاف التي تسمى أوقافا خيرية موقوفٌ ريعها على الخوص والريحان الذي يوضع على القبور, وكل هذه بدع ومنكرات لا أصل لها في الدين، ولا سند لها من الكتاب والسنة، ويجب على أهل العلم أن ينكروها وأن يبطلوا هذه العادات ما استطاعوا ))

    قلت : ويؤيد كون وضع الجريد على القبر خاصاًّ به ، وأنَّ التخفيف لم يكن من أجل نداوة شقها أمور:

    أ - حديث جابر رضي الله عنه الطويل في ( صحيح مسلم ) ( 8 / 231 - 236 ) وفي قال : (( إني مررت بقبرين يعذبان ، فأحببت بشفاعتي أن يرد عنهما ما دام الغصنان رطبين )).
    فهذا صريح في أن رفع العذاب إنما هو بسبب شفاعته ودعائه لا بسبب النداوة ، وسواء كانت قصة جابر هذه هي عين قصة ابن عباس المتقدمة كما رجحه العيني وغيره ، أو غيرها كما رجحه الحافظ في ( الفتح ) ، أما على الاحتمال الأول فظاهر ، وأما على الاحتمال الآخر ، فلأن النظر الصحيح يقتضي أن تكون العلة واحدة في القصتين للتشابه الموجود بينهما ، ولأن كون النداوة سببا لتخفيف العذاب عن الميت مما لا يعرف شرعا ولا عقلا ، ولو كان الامر كذلك لكان أخف الناس عذابا إنما هم الكفار الذين يدفنون في مقابر أشبه ما تكون بالجنان لكثرة ما يزرع فيها من النباتات والأشجار التي تظل مخضرة صيفا شتاء.

    يضاف إلى ما سبق أن بعض العلماء كالسيوطي قد ذكروا أن سبب تأثير النداوة في التخفيف كونها تسبح الله تعالى ، قالوا : فإذا ذهبت من العود ويبس انقطع ، تسبيحه فإن هذا التعليل مخالف لعموم قوله تبارك وتعالى : وإن من شئ إلا يسبح بحمده ، ولكن لا تفقهون تسبيحهم .

    ب - في حديث ابن عباس نفسه ما يشير إلى أن السر ليس في النداوة ، أو بالأحرى ليست هي السبب في تخفيف العذاب ، وذلك قوله ( ثم دعا بعسيب فشقه اثنين ) يعني طولا ، فإن من المعلوم أن شقه سبب لذهاب النداوة من الشق ويبسه بسرعة ، فتكون مدة التخفيف أقل مما لو لم يشق ، فلو كانت هي العلة لابقاه بدون شق ولوضع عل كل قبر عسيبا أو نصفه على الأقل ، فإذا لم يفعل دل على أن النداوة ليست هي السبب ، وتعين أنها علامة على مدة التخفيف الذي أذن الله به استجابة لشفاعة نبيه كما هو مصرح به في حديث جابر ،
    وبذلك يتفق الحديثان في تعيين السبب ، وإن احتمل اختلافهما في الواقعة وتعددها . فتأمل هذا ، فإنما هو شئ انقدح في نفسي ، ولم أجد من نص عليه أو أشار إليه من العلماء ، فإن كان صوابا فمن الله تعالى وإن كان خطأ فهو مني ، وأستغفره من كل ما لا يرضيه .

    ج - لو كانت النداوة مقصودة بالذات ، لفهم ذلك السلف الصالح ولعملوا بمقتضاه ، ولوضعوا الجريد والآس ونحو ذلك على القبور عند زيارتها ، ولو فعلوا لاشتهر ذلك عنهم ، ثم نقله الثقات إلينا ، لأنه من الأمور التي تلفت النظر ، وتستدعي الدواعي نقله ، فإذا لم ينقل دل على أنه لم يقع ، وأن التقرب به إلى الله بدعة ، فثبت المراد .
    وإذا تبين هذا ، سهل حينئذ فهم بطلان ذلك القياس الهزيل الذى نقله السيوطي في ( شرح الصدور ) عمن لم يسمعه : ( فإذا خفف عنهما بتسبيح الجريدة فكيف بقراءة المؤمن القرآن ؟ قال : وهذا الحديث أصل في غرس الاشجار عند القبور ) قلت : فيقال له : ( أثبت العرش ثم انقش ) ، ( وهل يستقيم الظل والعود أعوج ) ؟

    ولو كان هذا القياس صحيحا لبادر إليه السلف لأنهم أحرص على الخير منا .

    فدل ما تقدم على أن وضع الجريد على القبر خاص به ، وأن السر في تخفيف العذاب عن القبرين لم يكن في نداوة العسيب بل في شفاعته ودعائه لهما ، وهذا مما لا يمكن وقوعه مرة أخرى بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى ولا لغيره من بعده ، لأن الاطلاع على عذاب القبر من خصوصياته عليه الصلاة والسلام ، وهو من الغيب الذي لا يطلع عليه إلا الرسول كما جاء في نص القرآن عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول

    واعلم أنه لا ينافى ما بينا ما أورده السيوطي في ( شرح الصدور ) ( 131 ) : ( وأخرج ابن عساكر من طريق حماد بن سلمة عن قتادة أن أبا برزة الأسلمي كان يحدث أن رسول الله مر على قبر وصاحبه يعذب ، فأخذ جريدة فغرسها في القبر ، وقال : عسى أن يرفه عنه ما دامت رطبة . وكان أبو برزة يوصي : إذا مت فضعوا في قبري معي جريدتين . قال : فمات في مفازة بين ( كرمان ) و( قومس ) ، فقالوا : كان يوصينا أن نضع في قبره جريدين وهذا موضع لا نصيبهما فيه ، فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم ركب من قبل ( سجستان ) ، فأصابوا معهم سعفا ، فأخذوا جريدتين ، فوضعوهما معه في قبره . وأخرج ابن سعد عن مورق قال : أوصى بريدة أن تجعل في قبره جريدتان ) .
    قلت : ووجه عدم المنافاة ، أنه ليس في هذين الأثرين - على فرض التسليم بثبوتهما معا - مشروعية وضع الجريد عند زيارة القبور ، الذي ادعينا بدعيتة عدم عمل السلف به ، وغاية ما فيهما جعل الجريدتين مع الميت في قبره ، وهي قضية أخرى ، وإن كانت كالتي قبلها في عدم المشروعية لأن الحديث الذي رواه أبو برزة كغيره من الصحابة لا يدل على ذلك ، لا سيما والحديث فيه وضع جريدة واحدة ، وهو أوصى بوضع جريدتين في قبره.

    على أن الأثر لا يصح إسناده ، فقد أخرجه الخطيب في تاريخ ( بغداد ) ( 1 / 183 182 ) ومن طريقه أخرجه ابن عساكر في ( تاريخ دمشق ) في آخر ترجمة نضلة بن عبيد بن أبي برزة الأسلمي عن الشاه بن عمار قال : ثنا أبو صالح سليمان بن صالح الليثي قال : أنبأنا النضر بن المنذر بن ثعلبة العبدي عن حماد بن سلمة به .

    قلت : فهذا إسناد ضعيف ، وله علتان : الأولى : جهالة الشاه والنضر فإني لم أجد لهما ترجمة . والأخرى : عنعنة قتادة فإنهم لم يذكروا له رواية عن أبي برزة ، ثم هو مذكور بالتدليس فيخشى من عنعنته في مثل إسناده هذا .

    وأما وصية بريدة ، فهي ثابتة عنه ، قال ابن سعد في ( الطبقات ) ( ج 7 ق 1 ص 4 ) : أخبرنا عفان بن مسلم قال : ثنا حماد بن سلمة ، قال : أخبرنا عاصم الأحول قال : قال مورق : أوصى بريدة الأسلمي أن توضع في قبره جريدتان . فكان أن مات بأدنى خراسان فلم توجد إلا في جوالق حمار . وهذا سند صحيح ، وعلقه البخاري ( 3 / 173 ) مجزوما .

    قال الحافظ في شرحه : ( وكأن بريدة حمل الحديث على عمومه ، ولم يره خاصا بذينك الرجلين ، قال ابن رشيد : ويظهر من تصرف البخاري أن ذلك خاص بهما ، فلذلك عقبه بقول ابن عمر : إنما يظله عمله ) .

    قلت : ولا شك أن ما ذهب إليه البخاري هو الصواب لما سبق بيانه ، ورأي بريدة لا حجة فيه ، لأنه رأى والحديث لا يدل عليه حتى لو كان عاما ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يضع الجريدة في القبر ، بل عليه كما سبق . و( خير الهدى هدى محمد )) . أحكام الجنائز 253- 258


    وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله :
    وهذا الفعل إساءة ظن بالميت ، فإن كونه يعذب أو لا يعذب هذا من أمور الغيب التي لا يعلمها أحد إلا الله ،ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يضع الجريدة على كل قبر ، إنما وضعها على من كشف له أنها يعذبان ، ولم يكن من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم كلما دفن ميتاً أن يضع عليه جريدة ، وأما وضع الزهور فليس كوضع الجريدة لكن قد يكون فيه تشبيه بالنصارى وهذا أخبث
    قال الامام المنذري رحمه الله :
    وناسخ العلم النافع :
    له أجره وأجر من قرأه أو كتبه أو عمل به ما بقي خطه ،
    وناسخ ما فيه إثم :
    عليه وزره ووزر ما عمل به ما بقي خطه .

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Sep 2007
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    3,215

    افتراضي رد: القول الفصل الأغر في وضع الجريدة على القبر

    وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله :
    ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يضع الجريدة على كل قبر ، إنما وضعها على من كشف له أنها يعذبان
    اخي الكريم قلت : وأما الرجوع إلى كلام العلماء المعاصرين فلا شك أنهم مشائخنا رحم الله من مات منهم وحفظ الله الأحياء منهم ولكن نرجع لهم في الأمور التي ليس فيها نص أو فيها نصوص متعارضة لنستعين بما لديهم فيها
    اقول:عتدي نصوص ظاهرها التعارض يترتب عليها سؤال محدد
    ارجو الاجابة عنه
    الم يمت غير هما ممن وقع في شي من المعاصي او الكبائرفي حياته صلى الله عليه وسلم فلماذا لم يفعله معهم ؟؟
    وقتل شهداء ومات من فضلاء الصحابة في حياته صلى الله عليه وسلم الكثير فلماذا لم يفعله معهم ؟؟
    قال الامام المنذري رحمه الله :
    وناسخ العلم النافع :
    له أجره وأجر من قرأه أو كتبه أو عمل به ما بقي خطه ،
    وناسخ ما فيه إثم :
    عليه وزره ووزر ما عمل به ما بقي خطه .

  14. #14

    افتراضي رد: القول الفصل الأغر في وضع الجريدة على القبر

    هذا الكلام لا يخصص النصوص ، والنص قائم ولا يخصص إلا بنص مثله وأما العقل لا يخصص النصوص وفعل وقول المعصوم لا يخصص بكلام من ليس بمعصوم لأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى فالواجب على المسلم الوقوف عند النص والعمل به والإيمان به قال الله تعالى وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ، وقال فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم والنصوص من الكتاب والسنة في هذا كثيرة .
    رأس مال المسلم دينه فلا يخلفه في الرحال ولا يأتمن عليه الرجال .

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    الدولة
    بلاد الحرمين
    المشاركات
    3,043

    افتراضي رد: القول الفصل الأغر في وضع الجريدة على القبر

    العبرة بالنص
    أما هذا على إطلاقه = فمجازفة أخي لاتليق بشخصكم وقد تربعتم للتأليف.. وأما موضوع النقاش فلعل الله يمد في العمر على الصحة والعافية والطاعة وأعود إليه في وقت آخر أوسع إن شاء الله.

    تقبل الله من الجميع ما أخلصوا
    حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالقوم أعداءٌ له وخصوم
    كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسداً وبغضاً إنه لذميم

  16. #16

    افتراضي رد: القول الفصل الأغر في وضع الجريدة على القبر

    قولك : ( أما هذا على إطلاقه = فمجازفة أخي لاتليق بشخصكم ؟؟؟؟ )
    ما معنى هذا الكلام حفظك الله ؟؟ ؟؟
    إذا كان قصدك تخصيص النصوص فالنص المطلق يبقى على إطلاقه حتى يرد النص الذي يقيده والعام يبقى على عمومه وحتى يرد النص الذي يخصصه ، ولم يأتي نص واحد يخصص تلك النصوص القاضية بجواز وضع الجريد الرطب على القبر وأوصى بها من الصحابة بريدة ومن التابعين أبو العالية ونقل عن الحسن البصري وغيره وهو مذهب الأئمة الأربعة ، ولم ينقل عن أي شخص لا من الصحابة ولا من التابعين خلافه ، ولا شك أن العبرة بما ثبت عن المشرع صلى الله عليه وسلم ولا عبرة بما خالف أو اعترض على ذلك مهمى كان وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه .
    رأس مال المسلم دينه فلا يخلفه في الرحال ولا يأتمن عليه الرجال .

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    الدولة
    بلاد الحرمين
    المشاركات
    3,043

    افتراضي رد: القول الفصل الأغر في وضع الجريدة على القبر

    رحمك الله.. ما دمت قلت:
    ما معنى هذا الكلام حغظك الله ؟؟ لأني لم أفهم مرادك منه
    فما الداعي لتسطير ما بعده!!!

    على العموم دراسة علم الحديث ومصطلحه لها دور كبير جداً في تحرير مسألتك.. فأرجوا ألا تكون بضاعتك فيه مزجاة.

    وما زلت على قولي:
    وأما موضوع النقاش فلعل الله يمد في العمر على الصحة والعافية والطاعة وأعود إليه في وقت آخر أوسع إن شاء الله.
    حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالقوم أعداءٌ له وخصوم
    كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسداً وبغضاً إنه لذميم

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    الدولة
    بلاد الحرمين
    المشاركات
    3,043

    افتراضي رد: القول الفصل الأغر في وضع الجريدة على القبر

    الحمد لله وحده.. والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.. ثم أما بعد..

    هنا وقفات مهمة أخي الكريم يحسن التنبيه عليها حتى تستوفى جميع جهات البحث ومن ثم تكون النتيجة السليمة النهائية في تقرير حكم المسألة.

    أولاً: اعلم رحمني الله تعالى وإياك والمسلمين أن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إما أفعال، وإما أقوال، وإما تقريرات.. ثم هذه إما أحكام عبادات، أو أحكام عادات، أو أحكام ذوات.. ثم هي إما مضطردة عامة، أو حالات فردية خاصة.. وكل هذا يعرف بالقرائن الحافة، والأسباب الحاصلة، وبالتكرار، وبصيغة الخطاب وفحواه.

    ثانياً: وجدنا هذا الحديث من أحاديث الأفعال.. في أحكام الذوات.. في حالة فردية خاصة.. فلم يرد أنه صلى الله عليه وسلم فعل نفس ما فعل في قبر غيرهما إلا من كان في مثل حالهما.. وهي حالات نادرة قليلة لمن تتبع السنة النبوية. فتأمل
    ثم وجدنا القرائن الحافة في الحديث بينت فعلاً أنها حالة خاصة غير مضطردة في جميع الأموات لا يمكن أن نستنتج منها حكماً عاماً في كل ميت؛ فمن ذلك:
    1) لم يرد أنه عليه الصلاة والسلام فعل ما فعل في غير قبر هاذين إلا ما كان مثل حالهما في معرفة أن صاحب القبر يعذب.. وهي حالات قليلة جداً معدودة.
    2) أنه عليه الصلاة والسلام ما فعل ما فعل إلا لما طلب منه الشفاعة لهما.. ولكن لما أن كان هذا الأمر بيد الله وأن شفاعته عليه الصلاة والسلام في التخفيف من العذاب مختصة بيوم القيامة = فعل ما فعل لمجرد التخفيف المؤقت فقط جبراً لمن سأله ذلك لهما.. وهذا التخفيف المؤقت ما دامت الجريدتان اللتان وضعهما عليه الصلاة والسلام على قبريهما خضراوان.. وسيأتي بيان هذا إن شاء الله.
    3) أن هذه من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم وبركة دعائه وشفاعته.. وليس هذا الأمر مما يحق ويصلح لكل أحد. فتنبه

    ثالثاً: النقل عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه لا يستلزم منه أن الأمر مما هو سنة في كل من مات.. ولا أكبر دليل على أنه هو رضي الله عنه قد عرف ذلك = أنه أوصى بذلك طمعاً وتبركاً.. وما ذاك إلا بعلمه أن السنة خلاف ذلك وإلا لو كانت هي العادة المتبعة لما أوصى؛ لأنه من العبث والحالة هذه.

    رابعاً: ذكر الإمام مسلم رحمه الله تعالى في آخر الكتاب في الحديث الطويل؛ حديث جابر في صاحبي القبرين: "فأحببت بشفاعتي أن يُرفَّه عنهما ما دام الغصنان رطبين".
    فعرف بما لا يقبل الشك أن هذا الحديث حالة خاصة قد قامت قرائنها.. وإن كانت قضية أخرى فيكون المعنى فيهما واحدا.

    خامساً: قول الإمام الخطابي: (لا أصل له ولا وجه له).. والله إنه لقول عارف بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وكيف يشك أصلاً بالإمام الخطابي وهو يعرف هذا الحديث ولا يخفاه.. بل وقد شرح صحيح البخاري أيضاً.. لكنه عرف رحمه الله الصواب في هذه الحالة = وأنها حالة خاصة فردية مختصة لا يؤخذ منها حكم شرعي عام إطلاقاً.. فكان فعلاً عملٌ لا أصل له عام مضطرد ولا وجه له من فعل السلف الصالح وخاصة الخلفاء الراشدين المهديين. فتنبه
    قال القاضي عياض رحمه الله: (جعل الجريدة والخوص اليوم استناناً بهذا الحديث لا يصح؛ لأنه عليه السلام علل غرزهما على القبر بعلة معينة لا يُطّلع عليها؛ وهي قوله: "إنهما ليعذبان" وعلم عليه السلام إنهما ليعذبان فلذلك فعل ما فعل، ولا نفعله نحن الآن، لأنا لا نعلم هل الميت يعذب أو هو ممن غفر له).
    وقال ابن الحاج رحمه الله: (فليحذر من غرس شجرة أو ريحان أو غيرهما عند قبره.. وما نقل عن أحد الصحابة فلم يصحبه عمل ما، فهم إذ لو فهموا ذلك لبادروا بأجمعهم إليه ولكان يقتضي أن يكون الدفن في البساتين مستحباً).
    وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: (الصواب في هذه المسألة ما قاله الخطابي من استنكار الجريد ونحوه على القبور؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله إلا في قبور مخصوصة اطلع على تعذيب أهلها، ولو كان مشروعاً لفعله في كل القبور، وكبار الصحابة كالخلفاء لم يفعلوه، وهم أعلم بالسنة من بريدة، رضي الله عن الجميع. فتنبه).

    سادساً: هذا الحديث يعد من أحاديث بدايات الهجرة تقريباً.. والناظر إلى أحداث الحديث وسماع الرسول صلى الله عليه وسلم لعذابهما وكونهما مسلمين على الصحيح الصواب ليستنتج الداعي والغاية من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فعل لهما.. ولا يخفى مثل هذا الأمر لمن عرف أحاديث تلك الفترة. فتأمل
    وبريدة بن الحصيب رضي الله عنه ممن تقدم إسلامه فهو من المهاجرين الأولين؛ فلا يبعد أنه اطلع على الحدث ووقف عليه.
    ويؤيد هذا ما قاله غير واحد من أهل العلم: أن فعله صلى الله عليه وسلم لما فعل لهما هو عن وحي من الله تعالى.. ولا يستبعد.. وهو معنى الشفاعة منه لهما؛ فلا بد لها من إذن، والآذن الله. فتأمل
    وقد أتى في رواية الإمام أحمد أن مكانهما في بقيع الغرقد.. وبقيع الغرقد جبانة المسلمين في المدينة، والقبران فيها، ودفنهما حديث لا قديم.

    سابعاً: جعل الجريد ما دام أخضراً هو سبب تخفيف العذاب تكلف لا ينبغي وفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فكأن من قال بهذا القول قد ألغى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبركته ووساطته في الشفاعة ودعائه لهما. وهذا لا يليق.
    وما يفعله بعض الناس من فعل ذلك تبركاً بنفس الجريد فهو عمل بدعي مخالفٌ لا يصح.
    بل ما وقع في هذا الحديث من تخفيف إنما هو بفضل بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعائه بالتخفيف عنهما.. فغاية الجريدتين هنا هو فقط تحديد الوقت الذي يستمر فيه تخفيف العذاب برطوبتهما وخضارهما.. لا أكثر ولا أقل. فتنبه

    ثامناً: من ذهب من أهل العلم إلى استحباب وضع الجريد على القبر فإنما هو من أجل أنهم جعلوا هذا الفعل من النبي صلى الله عليه وسلم تشريعاً عاماً، والعلة عند هؤلاء مفهومه، وهي أن الجريدة تسبح عند صاحب القبر ما دامت رطبة، فلعله يناله من هذا التسبيح ما ينور عليه قبره.. وقد تقدم تفنيد هذا القول.

    بينما ذهب طرفٌ آخر إلى عدم مشروعية ذلك؛ لأنه شرع عبادة، وهو يحتاج إلى دليل، وليس في الشرع ما يثبته، أما هذه القضية فقضية عين، حكمتها مجهولة؛ ولذا لم يفعلها النبي إلا في حالات خاصة جداً جداً، وكذلك لم يفعله من أصحابه أحد إلا ما روي عن بريدة بن الحصيب من أنه أوصى أن يوضع على قبره جريدتان.. وقد تقدم توضيح ذلك.
    أما التسبيح فلا يختص بالرطب دون اليابس.. وقد مر بيان ذلك.

    عاشراً: الأحاديث المنحصرة ذات الأسباب = لا يصح فيها أن نقول كما تفضلتم: (ولم يأت نص يخصص تلك النصوص).. بل الصحيح فيها الصواب _ وهو المقرر في قواعد علم الحديث _ أن مثل هذه الأحاديث نطلب ما يعممها ويجعلها مضطردة.. ولم نجد ذلك هنا.

    الحادي عشر: قولك: (القاضية بجواز وضع الجريد الرطب على القبر) = قول من لم يعرف ملابسات الحديث وقصته بالمرة.. وقد أوضحنا فيما سبق بيان ذلك بالتفصيل فلا مجال رحمك الله لتقرير حكم شرعي من مجرد المفهوم وتعميمه على أنه الفصل في المسألة؟ فتنبه

    الثاني عشر: قولك: (وهو مذهب الأئمة الأربعة) فلا أعتقد أن هذا قول منصفٍ عارفٍ لأقوال الأئمة وأصحابهم.. ولو قُلتُ أنه من كيسك لأنصفتك.. وهذه الكتب غاصة ومشبعة بكلامهم حول المسألة = لم نجد فيها التعميم المتيقن الذي قلته غفر الله لك.

    الثالث عشر: أرجو منك عند قراءة هذا الكلام السابق كله أن تقرأه بعين الإنصاف والعدل.. بعيدا عن التعصب ومتجرداً من الهوى.. فاتحاً له عقلك وقلبك.

    هذا ما أراد الله سبحانه كتابته وتسطيره.. ويعلم الله قد تركت أضعافه.. وما ذلك إلا لضيق الوقت ومزاحمة الأشغال.. وما كتب فيه خير لمن تدبر.

    والحمد لله رب العالمين.. والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين
    حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالقوم أعداءٌ له وخصوم
    كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسداً وبغضاً إنه لذميم

  19. #19

    افتراضي رد: القول الفصل الأغر في وضع الجريدة على القبر

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الأخ السكران التميمي حفظك الله
    أولاً ( من ناحية المداعبة والطرفة أذكرك بأن من السنة تغيير الأسماء إلى ما هو أحسن وأنسب وأفضل ، ومن ناحية ما سطرته في ردك لابد للكاتب أن يتأدب بأدب الحوار ويبتعد عن العاطفية والألفاظ النابية ولتعلم بأنك ترد على أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما فهون عليك فالنصوص قائمة ومحفوظة ولا يخصصها كلام أي أحد كائناً من كان ومهما نقلت من كلام البشر فهو لا يقدم ولا يؤخر فالنص قائم لا يخصص إلا بنص مثله وسأنقل إليك بعض ألفاظك النابية التالية قولك : ( الثاني عشر: قولك: (وهو مذهب الأئمة الأربعة) فلا أعتقد أن هذا قول منصفٍ عارفٍ لأقوال الأئمة وأصحابهم.. ولو قُلتُ أنه من كيسك لأنصفتك ... )
    وقولك ( الثالث عشر: أرجو منك عند قراءة هذا الكلام السابق كله أن تقرأه بعين الإنصاف والعدل.. بعيدا عن التعصب ومتجرداً من الهوى.. فاتحاً له عقلك وقلبك ) .
    وسأنقل إليك أقوال علماء المذاهب الأربعة حتى يتضح عندك هل هو من كيسي الخاص على حد تعبيرك ورؤيتك مع أن العبرة بما قاله المشرع عليه الصلاة والسلام ولو لم يقل به أحد ، ومما هو معلوم أن كلام فقهاء المذاهب رحمهم الله محسوب على أئمتهم ، ولا يمكن أن تجد في كل مسألة فيها نصاً عن الإمام نفسه بل فقهاء كل مذهب جمعوا نصوص أئمتهم وقعدوا القواعد على أصول أئمتهم وخدموها وبحثوا واجتهدوا وألحقوا بالمذهب مسائل كثيرة على أصوله ، مثلاًَ كلام الشيرازي أو النووي أو العمراني أو الغزالي أو الجويني أو غيرهم من فقهاء الشافعية محسوب على مذهب الإمام الشافعي ، وكلام ابن قدامة أو المرداوي أو ابن مفلح أو البهوتي أو غيرهم من فقهاء الحنابلة محسوب على مذهب الإمام أحمد ، وكلام السرخسي أو الكاساني أو ابن عابدين من فقهاء الحنفية محسوب على مذهب الإمام أبي حنيفة ، وكلام سحنون أو ابن القاسم أو ابن وهب أو ابن عبد البر أو القاضي عبد الوهاب أو الحطاب أو الدسوقي أو غيرهم من فقهاء المالكية رحمهم الله جميعاً محسوب على مذهب الإمام مالك لأن هؤلاء العلماء لم يتكلموا من فراغ ولا عن هواء بل تكلموا عن علم ودراسة وإخلاص فالواجب حسن الظن بهم ، ورد أقوالهم وأقوال أئمتهم قبلهم إلى الكتاب والسنة فما وافق الكتاب والسنة فهو الحق ، وما خالف الكتاب والسنة فهو الباطل.
    وإليك نصوص علماء المذاهب الأربعة مرتبة على حسب تاريخ وفيات الأئمة الأربعة وترتيبهم السابق .
    المذهب الحنفي :
    قال ابن عابدين وغيره : مطلب في وضع الجريد ونحو الآس على القبور :
    تتمة يكره أيضا قطع النبات الرطب والحشيش من المقبرة دون اليابس كما في البحر و الدرر وشرح المنية وعلله في الإمداد بأنه ما دام رطباً يسبح الله تعالى فيؤنس الميت وتنزل بذكره الرحمة . ونحوه في الخانية أقول ودليله ما ورد في الحديث من وضعه عليه الصلاة والسلام الجريدة الخضراء بعد شقها نصفين على القبرين اللذين يعذبان ، وتعليله بالتخفيف عنهما ما لم يبيسا أي يخفف عنهما ببركة تسبيحهما إذ هو أكمل من تسبيح اليابس لما في الأخضر من نوع حياة وعليه فكراهة قطع ذلك وإن نبت بنفسه ولم يملك لأن فيه تفويت حق الميت ، ويؤخذ من ذلك ومن الحديث ندب وضع ذلك للاتباع ويقاس عليه ما اعتيد من وضع أغصان الآس ونحوه .
    حاشية ابن عابدين 2 / 245 ، وحاشية الطحطاوي 1/414.

    المذهب المالكي :
    قال القرطبي : قوله عليه الصلاة والسلام : لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا : إشارة إلى أنهما ما داما رطبين يسبحان فإذا يبسا صارا جماداًً والله أعلم ، قال : وفي مسند أبي داوود الطيالسي فوضع على أحدهما نصفاً وعلى الآخر نصفاً وقال لعله أن يهون عليهما العذاب ما دام فيهما من بلولتهما شيء قال علماؤنا : ويستفاد من هذا جواز غرس الأشجار على القبور ، والحمد لله على ذلك . تفسير القرطبي 10 / 267 .
    المذهب الشافعي :
    قال الشربيني وغيره من علماء الشافعية : ويسن وضع الجريد الأخضر على القبر وكذا الريحان ونحوه من الشيء الرطب ولا يجوز للغير أخذه من على القبر قبل يبسه لأن صاحبه لم يعرض عنه إلا عند يبسه لزوال نفعه الذي كان فيه وقت رطوبته وهو الاستغفار ، ولأنه يخفف عنه ببركة تسبيحها ، وقيس بها ما اعتيد من طرح نحو الريحان الرطب ، ويحرم أخذ شيء منهما ما لم ييبسا ، وينبغي إبدال ما ذكر من الجريدة الخضراء ومن الرياحين كلما يبس لتحصل له بركة مزيد تسبيحه وذكره كما في الحديث ، ويحرم أخذ شيء منهما أي من الجريدة الخضراء ومن نحو الريحان الرطب ، وظاهره أنه يحرم ذلك مطلقا أي على مالكه وغيره ، وفي النهاية ويمنع مالكه أخذ من على القبر قبل يبسه ، وفصل ابن قاسم بين أن يكون قليلاً كخوصة أو خوصتين فلا يجوز لمالكه أخذه لتعلق حق الميت به وأن يكون كثيراً فيجوز .
    الإقناع للشربيني 1/208، وإعانة الطالبين 2/119-120، ومغني المحتاج 1/364، وفتح المعين 1 /119 .

    المذهب الحنبلي :
    قال ابن مفلح في كتابه الفروع والبهوتي في كتابه كشاف القناع :
    وسن فعل لزائره ما يخفف عنه ولو بجعل جريدة رطبة في القبر للخبر ، وفي معناه غرس غيرها .
    كشاف القناع 2/165، والفروع 2/239.

    وقد لاحظت أنك لم تطلع على ما حوته الرسالة أنقل إليك هنا هذه المناقشـــة التي في آخر البحث
    بعد النظر في أدلة أصحاب القولين تبيَّن لي ما يأتي:
    الأول: أن ما استدل به أصحاب القول الأول صحيح صريح وهو نص في محل النزاع .
    الثاني: أن ما استدل به أصحاب القول الثاني فيه نظر لما يأتي :
    الأول : قولهم بأنه بدعة غير صحيح ، كيف يكون بدعة وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم بوضعه الجريدة الرطبة على القبر كما في الصحيحين وغيرهما ؟؟
    الثاني : ادعاء الخصوصية يحتاج إلى دليل ، ولم أقف على دليل هنا يدل على الخصوصية ، لأن : الأصل عدم الخصوصية ، وكونه صلى الله عليه وسلم أطلعه الله على تعذيب هذين القبرين لا يدل على الخصوصية ، لأن سائر القبور إما منعمة أو معذبة ، فإن كانت منعمة ليس ذلك بمانع من الدعاء أو الاستغفار لها ، وإن كانت معذبة فلعله يخفف عنها بوضع ذلك الجماد الرطب ما لم ييبس ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الحافظ ابن حجر : لا يلزم من كوننا لا نعلم أيعذب أم لا أن لا نتسبب له في أمر يخفف عنه العذاب أن لو عذب ، كما لا يمنع كوننا لا ندري أرحم أم لا أن لا ندعو له بالرحمة ، وليس في السياق ما يقطع على أنه باشر الوضع بيده الكريمة بل يحتمل أن يكـون أمر به وقد تأسى بريدة بن الحصيب الصحابي رضي الله عنه بذلك فأوصى أن يوضع على قبره جريدتان .
    الثالث : قولهم بأنه لم ينقل عن أحد من الصحابة غير بريدة رضي الله عنه لا عن الخلفاء الراشدين ولا عن غيرهم من كبار الصحابة رضي الله عنهم أجمعين . الجواب عنه : كما أنه لم ينقل عنهم فكذلك لم ينقل عنهم النهي عنه ،
    ولا الاعتراض عليه ، ويكفي بأنه فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأوصى به بريدة بن الحصيب رضي الله عنه وأبو العالية من غير نكير من الصحابة والتابعين ، ولم ينقل إلينا أن أحداً من الصحابة والتابعين خالفهما في ذلك ولا اعترض عليهما لا من كبار هم ولا من صغارهم ، وقد يكون ذلك إجماعاً سكوتياً منهم على السنية أو الجواز ، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ ، وعلى افتراض أنه لم ينقل عن أحد من الصحابة ، لا يجوز لنا العدول عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قوله صلى الله عليه وسلم إلى قول أحد كائناً من كان لا من الصحابة ولا من غيرهم إذ الحجة فيما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو فعله ، أو أقر عليه صلى الله عليه وسلم فنتعبد الله بما صح ووصل إلينا لا بما هو مسكوت عنه كما هو الحال هنا في هذه المسألة في فعل الصحابة غير بريدة رضي الله عنهم أجمعين . وقد بوب البخاري في صحيحه باب الجريد على القبر ، وهذا يدل على أنه يراه لأن المعروف أن فقه البخاري في تراجمه .
    قال الحافظ ابن حجر : وأما ما رواه مسلم في حديث جابر الطويل المذكور في أواخر الكتاب أنه الذي قطع الغصنين فهو في قصة أخرى غير هذه فالمغايرة بينهما من أوجه منها أن هذه كانت في المدينة وكان معه صلى الله عليه وسلم جماعة وقصة جابر كانت في السفر وكان خرج لحاجته فتبعه جابر وحده ومنها أن في هذه القصة أنه صلى الله عليه وسلم غرس الجريدة بعد أن شقها نصفين كما في الباب الذي بعد هذا من رواية الأعمش وفي حديث جابر أنه صلى الله عليه وسلم أمر جابراً بقطع غصنين من شجرتين كان النبي صلى الله عليه وسلم استتر بهما عند قضاء حاجته ثم أمر جابراً فألقى الغصنين عن يمينه وعن يساره حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً وأن جابراً سأله عن ذلك فقال إني مررت بقبرين يعذبان فأحببت بشفاعتي أن يرفع عنهما ما دام الغصنان رطبين ولم يذكر في قصة جابر أيضاً السبب الذي كانا يعذبان به ولا الترجى الآتي في قوله لعله فبان تغاير حديث بن عباس وحديث جابر وانهما كانا في قصتين مختلفتين ولا يبعد تعدد ذلك وقد روى بن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم مر بقبر فوقف عليه فقال ائتوني بجريدتين فجعل إحداهما عند رأسه والأخرى عند رجليه فيحتمل أن تكون هذه قصة ثالثة ويؤيده أن في حديث أبي رافع كما تقدم فسمع شيئاً في قبر وفيه فكسرها باثنين ترك نصفها عند رأسه ونصفها عند رجليه وفي قصة الواحد جعل نصفها عند رأسه ونصفها عند رجليه وفي قصة الإثنين جعل على كل قبر جريدة أنها كسرتين بكسر الكاف والكسرة القطعة من الشيء المكسور وقد تبين من رواية الأعمش أنها كانت نصفاً وفي رواية جرير عنه باثنتين قال النووي الباء زائدة للتوكيد والنصب على الحال قوله فوضع وفي رواية الأعمش الآتية فغرز وهي أخص من الأولى قوله فوضع على كل قبر منهما كسرة
    قال العيني : في متن هذا الحديث ثم دعا بجريدة فكسرها كسرتين يعني أتي بها فكسرها ، وفي حديث جابر رضي الله تعالى عنه رواه مسلم أنه الذي قطع الغصنين فهل هذه قضية واحدة أم قضيتان ؟ الجواب أنهما قضيتان والمغايرة بينهما من أوجه الأول أن هذه كانت في المدينة وكان مع النبي صلى الله عليه وسلم جماعة وقضية جابر كانت في السفر وكان خرج لحاجته فتبعه جابر وحده الثاني : أن في هذه القضية أنه عليه الصلاة والسلام غرس الجريدة بعد أن شقها نصفين كما في رواية الأعمش الآتية في الباب الذي بعده وفي حديث جابر أمر عليه الصلاة والسلام جابراً فقطع غصنين من شجرتين كان النبي صلى الله عليه وسلم استتر بهما عند قضاء حاجته ثم أمر جابراً فألقى غصنين عن يمينه وعن يساره حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً وأن جابراً سأله عن ذلك فقال إني مررت بقبرين يعذبان فأحببت بشفاعتي أن يرفع عنهما ما دام الغصنان رطبين الثالث لم يذكر في قصة جابر ما كان السبب في عذابهما الرابع لم يذكر فيه كلمة الترحبي فدل ذلك كله على أنهما قضيتان مختلفتان ، بل روى ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم مر بقبر فوقف عليه فقال ائتوني بجريدتين فجعل إحداهما عند رأسه والأخرى عند رجليه فهذا بظاهره يدل على أن هذه قضية ثالثة فسقط بهذا كلام من ادعى أن القضية واحدة كما مال إليه النووي والقرطبي.
    وقد فرق الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في الدرر السنية في الأجوبة النجدية : بين الجريدة الرطبة والرياحين ، فقال في الرياحين أنه بدعة منهي عنه بخلاف الجريدة الرطبة أنها من السنة وذكر الحديث .
    ولاشك أن العبرة بالعمل الصالح وهو الذي ينفع الميت في قبره ، كما قال رسـول الله e إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث :صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له .
    وكما قال عبد الله بن عمر رضي الله عنه حين رأى على قبر عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه فسطاطاً فقال : أنزعه يا غلام فإنما يظله عمله ولكن ما يمنع كونه انقطع عمله أو أنه يظله عمله أن ذلك لا يمنع انتفاعه لأن منطوق الحديث انقطع عمله ، ولم يقل انقطع انتفاعه ، لأن انتفاع الميت باق ، ينتفع بعمل الحي من صدقة ودعاء وقضاء دين عنه بإجماع الأمة ، وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن وضع تلك الجريدة الرطبة على القبر تخفف عنه العذاب ما لم تيبس ، وفي ذلك منفعة له لأن : تخفيف العذاب من أعظم المنفعة ، وقياس كل نبات رطب سواء الريحان أو غيره على الجريدة الرطبة التي وضعها رسول الله e على القبرين وقال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا، قياس صحيح وسليم وليس هنالك ما يعارضه إلا أن يكون هناك مانع شرعي أو مفسدة تترتب على ذلك ، أو كان ذلك ذريعة لأي مخالفة شرعية ، وحينئذ درء المفاسد مقدم على جلب المصالح .
    قال الحافظ ابن حجر : وقال الكرماني : شبه لعل بعسى فأتى بأن في خبره قوله يخفف بالضم وفتح الفاء أي العذاب عن المقبورين قوله ما لم تيبسا كذا في أكثر الروايات بالمثناة الفوقانية أي الكسرتان وللكشميهني إلا أن تيبسا بحرف الاستثناء وللمستملى إلى أن ييبسا بإلى التي للغاية والياء التحتانية أي العودان قال المازري : يحتمل أن يكون أوحي إليه أن العذاب يخفف عنهما هذه المدة . وعلى هذا فلعل هنا للتعليل قال : ولا يظهر له وجه غير هذا وتعقبه القرطبي بأنه لو حصل الوحي لما أتى بحرف الترجي كذا قال ولا يرد عليه ذلك إذا حملناها على التعليل ، قال القرطبي : وقيل إنه شفع لهما هذه المدة كما صرح به في حديث جابر لأن الظاهر : أن القصة واحدة وكذا رجح النووي كون القصة واحدة وفيه نظر لما أوضحناه من المغايرة بينهما وقال الخطابي : هو محمول على أنه دعا لهما بالتخفيف مدة بقاء النداوة لا أن في الجريدة معنى يخصه ولا أن في الرطب معنى ليس في اليابس ، قال وقد قيل إن المعنى فيه أنه يسبح ما دام رطباًًًًًًًًًً فيحصل التخفيف ببركة التسبيح وعلى هذا فيطرد في كل ما فيه رطوبة من الأشجار وغيرها ، وقال الطيبي : الحكمة في كونهما ما دامتا رطبتين تمنعان العذاب يحتمل أن تكون غير معلومة لنا كعدد الزبانية وقد استنكر الخطابي ومن تبعه : وضع الناس الجريدة ونحوه في القبر عملا ًبهذا الحديث ، وقال الطرطوشي : بأن ذلك خاص ببركة يده صلى الله عليه وسلم ،
    وقال القاضي عياض : لأنه علل غرزهما على القبر بأمر مغيب وهو قوله ليعذبان .
    التعقيب : قال الحافظ ابن حجر: لا يلزم من كوننا لا نعلم أيعذب أم لا أن لا نتسبب له في أمر يخفف عنه العذاب أن لو عذب كما لا يمنع كوننا لا ندري أرحم أم لا أن لا ندعو له بالرحمة وليس في السياق ما يقطع على أنه باشر الوضع بيده الكريمة بل يحتمل أن يكون أمر به وقد تأسى بريدة بن الحصيب الصحابي بذلك فأوصى أن يوضع على قبره جريدتان وهو أولى أن يتبع من غيره ، وكذلك أبو العالية من التابعين .
    قلت:وأما وقت وضع الجريد على القبر هل هو وقت الدفن أو وقت الزيارة ؟
    الجواب : لا شك أن الذي يدل عليه الحديث وكلام فقهاء المذاهب السابق أنه وقت الزيارة لا وقت الدفن : لأن النبي صلى الله عليه وسلم مر على قبرين وقال إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير .. الحديث . قال ابن مفلح ، والبهوتي : وسن فعل لزائره ما يخفف عنه ولو بجعل جريدة رطبة في القبر للخبر ، وفي معناه غرس غيرها ، وهذا كله يدل على أن وضع الجريد على القبر وقت الزيارة لا وقت الدفن .
    وبهذا يتبيَّن لي رجحان ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من جواز وضع الجريدة الرطبة أو نحوها من أي نباتٍ رطبٍ على القبر رجاء أن يستغفر ذلك الجماد الرطب لذلك العبد الذي في قبره مبتلى للأدلة التي استدلوا بها ،
    إلا أن يكون هناك مانع شرعي أو مفسدة تترتب على ذلك ، أو كان ذلك ذريعة لأي مخالفة شرعية ، وحينئذ درء المفاسد مقدم على جلب المصالح . والله تعالى أعلم . أسأل الله عز وجل أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم ، وأن يهدينا لما اختلف فيه من الحق إلى صراط مستقيم ، وأن ينفع به من قرأه إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
    رأس مال المسلم دينه فلا يخلفه في الرحال ولا يأتمن عليه الرجال .

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    الدولة
    بلاد الحرمين
    المشاركات
    3,043

    افتراضي رد: القول الفصل الأغر في وضع الجريدة على القبر

    من أولها خروج عن الموضوع.. ومحاولة إلزاق تهمة أنا منها بريء!!
    وأقسم بالله الذي لا إله إلا هو لو قلت أنك أصلاً لم تفتح قلبك وحواسك لما كتبت لك؛ أو أنك لم تأتِ عليه كله لما كنت حانثاً بحلفي وقسمي هذا!!!


    على العموم كلامي وكلامك أمام القراء.. ومن كان منهم منصفاً فسيعلم أين الصواب من السراب.. ويعلم الله لولا المشاغل وضيق الوقت لأعدتُّ نقض كلامك بتوسعٍ واستيعاب واسهاب أكبر وأكثر.. ولكن عزائي أرباب العقول وأصحاب الأفهام.

    كن منصفاً وأعد القراءة بتمهل غفر الله لك.. فلسنا ملزمين لك بأمر من الأمور جبراً وغصباً؛
    ولعل الله ييسر عودة لكلامك
    حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالقوم أعداءٌ له وخصوم
    كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسداً وبغضاً إنه لذميم

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •