تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 13 من 13

الموضوع: حكم تلقين المتهم ما يدرأ عنه الحد .

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    656

    افتراضي حكم تلقين المتهم ما يدرأ عنه الحد .

    الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده . أما بعد :
    فإنَّ من المسائل المهمة التي تشكل على فضيلة القضاة وأعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام من حيث شرعيتها ، وضوابطها ، وأحكامها = تلقين المتهم الحجة أو ما يدرأ عنه الحد ، أو التعريض له بالرجوع عن إقراره .
    وهذه المسألة تتجاذبها الأدلة والأصول العامة الشرعية المختلفة ، وليس فيها نَصٌّ صحيحٌ صريحٌ فيها يقطع النزاع أو على الأقل يَحُدُّ منه .
    وبهذه المسألة وما يدورُ في فلك ( درء الحدود بالشبهات ) و ( لأن أخطئ في العفو خير من أنْ أخطئ في العقوبة ) و ( لعلك ... لعلك .. ) لا نكاد نسمعُ بكثيرٍ من الحدود الشرعية تقام على من يقعُ فيها ؛ بل أَدَّت بعضُ الأحكام إلى تجرؤ المجرمين ، وضعفِ الأحكام الرادعة لهم والزاجرة لغيرهم .
    وهذه المسألة من المسائل الدقيقة في باب الحدود والقضاء ؛ ولذا لم أجد مَنْ تَطَرَّقَ لها بتوسُّعٍ وأطال النفس في بحثها ، وجمع الأقوال والأدلة .
    ولهذه الأسباب وغيرها ؛ تقحمتُ لُجَّةَ بحث هذه المسألة من الناحيتين الشرعية والنظامية ، وتتبعتُ – قَدْرَ الطاقةِ – مظانَّها ، وأدلةَ الأقوال ومناقشتها .
    وقد جعلتُ هذا البحث مُقَسَّمًا إلى بابين :
    الباب الأول : تلقين المتهم ما يدرأ عنه الحد من الناحية الفقهية ، وفيه ثلاثة فصول :
    الفصل الأول : تحرير محلِّ النزاع .
    الفصل الثاني : تلقين المتهم ما يدرأ عنه الحد في حقوق اللهِ غير المالية .
    الفصل الثالث : الترجيح .
    الباب الثاني : تلقين المتهم ما يدرأ عنه الحد من الناحية النظامية ، وفيه ثلاثةُ فصولٍ :
    الفصل الأول : تلقين رجال الضبط المتهم ما يدرأ عنه الحد .
    الفصل الثاني : تلقين أعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام المتهم ما يدرأ عنه الحد .
    الفصل الثالث : تلقين القاضي المتهم ما يدرأ عنه الحد .
    وأسأل الله أن يجعلَ عملي لوجههِ خالصًا ، وأن يوفقني فيهِ للصواب ، وما كان فيه من زَلَلٍ أو خطأ فمن نفسي والشيطان ، والله ورسوله منه بريئان .


    كتبه


    عبد الله بن محمد المزروع

    23 / 1 / 1430
    وهكذا الواقع في الحقيقة : أنه ما اتهم أحد دليلا للدين إلا وكان المتهم هو الفاسد الذهن ، المأفون في عقله وذهنه ؛ فالآفة من الذهن العليل لا في نفس الدليل .
    وإذا رأيت من أدلة الدين ما يشكل عليك ، وينبو فهمك عنه ؛ فاعلم أنه لعظمته وشرفه استعصى عليك ، وأن تحته كنزًا من كنوز العلم ولم تؤت مفتاحه بعد - هذا في حق نفسك - .
    وأما بالنسبة إلى غيرك : فاتهم آراء الرجال على نصوص الوحي ، وليكن ردها أيسر شيء عليك للنصوص ؛ فما لم تفعل ذلك فلست على شيء ولو .. ولو ..
    مدارج السالكين 2 / 334

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    656

    افتراضي رد: حكم تلقين المتهم ما يدرأ عنه الحد .

    الباب الأول
    تلقين المتهم ما يدرأ عنه الحد من الناحية الفقهية
    وفيه ثلاثة فصول :



    الفصل الأول :
    تحرير محلِّ النزاع .
    اتفق العلماء – رحمهم الله – على ما يلي :
    1 – أَنَّ الحدود المشروعة لحقِّ الآدميين لا يجوز فيها تلقين المتهم لأنَّ مبناها على المشاحة ، ولا يحق للقاضي أو غيره إسقاط حقوق الآخرين .
    2 – وكذلك حقوق الآدميين [1] .
    3 – حقوق الله – تعالى – المالية كالزكاة والكفارات ونحوها = لا يجوز التلقين فيها [2] .
    4 – وكذلك التعازير .
    واختلفوا في تلقين المتهم ما يدرأ عنه الحدود الخالصة لحقِّ اللهِ أو في حقوق الله غير المالية [3] .
    ____________



    [1] قال ابن بطال في شرح البخاري ( 4 / 446 ) : وأما التلقين الذي لا يحل فتلقين الخصمين في الحقوق وتداعي الناس .

    [2] شرح مسلم للنووي ( 11 / 195 ) .

    [3] مع أنَّ النووي – رحمه الله – في شرح مسلم ( 11 / 195 ) نَقَلَ اتفاق العلماء على تلقين المتهم الرجوع عن الإقرار بالحدود ؛ وفي نقل الاتفاق نظر – كما سيأتي – .
    وهكذا الواقع في الحقيقة : أنه ما اتهم أحد دليلا للدين إلا وكان المتهم هو الفاسد الذهن ، المأفون في عقله وذهنه ؛ فالآفة من الذهن العليل لا في نفس الدليل .
    وإذا رأيت من أدلة الدين ما يشكل عليك ، وينبو فهمك عنه ؛ فاعلم أنه لعظمته وشرفه استعصى عليك ، وأن تحته كنزًا من كنوز العلم ولم تؤت مفتاحه بعد - هذا في حق نفسك - .
    وأما بالنسبة إلى غيرك : فاتهم آراء الرجال على نصوص الوحي ، وليكن ردها أيسر شيء عليك للنصوص ؛ فما لم تفعل ذلك فلست على شيء ولو .. ولو ..
    مدارج السالكين 2 / 334

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    656

    افتراضي رد: حكم تلقين المتهم ما يدرأ عنه الحد .

    الفصل الثاني :


    تلقين المتهم ما يدرأ عنه الحد في حقوق اللهِ غير المالية .


    اختلفَ أهلُ العلمِ في تلقين المتهم ما يدرأ عنه الحد في حقوقِ اللهِ غير المالية على ثلاثةِ أقوال ، وهي كما يلي :
    القول الأول : يجوز تلقين المتهم بما يدرأ الحدَّ عنه .
    وهذا هو قول الحنفية والمالكية والحنابلة وقول عند الشافعية [1] ، وهو قول إسحاق بن راهويه [2] .
    واستدلوا بما يلي :
    الحديث الأول : ما ورد عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : لما أتى ماعز بن مالك النبي - صلى الله عليه وسلم – قال له : " لعلك قبلت ، أو غمزت ، أو نظرت " قال : لا يا رسول الله ! قال : " أنكتها " لا يكني . قال : فعند ذلك أمر برجمه .
    وما ورد عن أبي هريرة قال : أتى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رجل من الناس وهو في المسجد ، فناداه : يا رسول الله ، إني زنيت – يريد نفسه – فأعرض عنه النبي – صلى الله عليه وسلم – فتنحى لشق وجهه الذي أعرض قبله ، فقال : يا رسول الله ، إني زنيت ؛ فأعرض عنه . فجاء لشق وجه النبي – صلى الله عليه وسلم – الذي أعرض عنه ؛ فلما شهد على نفسه أربع شهاداتٍ ، دعاه النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال : " أبك جنون ؟ " قال : لا يا رسول الله . فقال : " أحصنت ؟ " قال : نعم يا رسول الله . قال : " اذهبوا به فارجموه " . قال ابن شهاب أخبرني من سمع جابرًا قال : فكنت فيمن رجمه ، فرجمناه بالمصلى ، فلما أذلقته الحجارة جَمَزَ حتى أدركناه بالحرة فرجمناه .
    يرد عليه :
    1 – أنَّ هذا ليس تلقينًا لما يدرأ عنه به الحد ، وإنما من باب التثبت عند إقامة الحد ، فلعله يحسِبُ ما ليس بحدٍّ حدًا ، وللتثبت من صحةِ إقراره بالنظر هل بهِ جنون أم لا .
    2 - على القول بأنه تلقينٌ ؛ فهذا تلقينٌ لرجلٍ أقبلَ تائبًا نادمًا ، فمثلُهُ يلقن ما يدرأ عنه الحد لأنَّ التوبةَ الصادقةَ تَجُبُّ ما قبلها ، أما أنْ يتِم تلقين المتهم على إطلاقِهِ فيشمل مَنْ عُرِفَ بالفساد فهذا بعيدٌ .
    ويدلُّ لذلك : أنَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – عندما بعثَ أُنيسًا لم يَقُل له : فإن اعترفت فلقنها الإنكار ، وإنما قال : " فإن اعترفت فارجمها " .
    3 – أو أنَّ هذا الأمر خاصٌ بمن أقبل تائبًا ويريد أن يعرف ما يجب عليه ، لا فيمن يقبض عليه متلبسًا بجرمه أو دلت على ارتكابه لهذه الجريمة قرائن أَدَّت إلى اعترافه .
    يجاب عنه :
    أنَّ هذا الرجل جاء يُرِيدُ إقامةَ الحدِّ عليه ؛ بدليل قوله : أصبتُ حدًّا فطهرني ، وهذا واضحٌ في مراده .
    4 – أنَّ الرسول – صلى الله عليه وسلم – له مقامات ؛ كمقام النبوة ، ومقام الحاكم ، ومقام المفتي ... فلعله لم يُرِد أنْ يجعل نفسه في مقام الحاكم في ذلك الوقت ، وإنما في مقام المفتي والمُعَلِّم .

    الدليل الثاني : ما ورد عن بُريدة – رضي الله عنه – أنه قال : كنَّا – أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم – نتحدث أنَّ الغامدية وماعز بن مالك لو رجعا عن اعترافهما . أو قال : لو لم يرجعا بعد اعترافهما لم يطلبهما ، وإنما رجمهما عند الرابعة [3] .
    يرد عليه :
    1 – أنَّ هذا الحديث ضعيف لا يصح .
    2 – أنَّ الغامدية لم يرددها كما ردد ماعزًا ، بدليل أنها قالت للنبي – صلى الله عليه وسلم – : أتريدُ أن تردني كما رددت ماعزًا ، والله إني لحبلى من الزنا ، ولم يمنعه من رجمها إلا ولدها الذي في بطنها .
    3 – جميع ما ذُكِرَ من إيرادات على الدليل الأول .

    الدليل الثالث : أنَّ أبا أمية المخزومي ذكر : أنَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أُتِيَ بلصٍّ ، فاعترف اعترافًا ، ولم يوجد معه المتاع . فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : " ما إخالك سرقت " . قال : بلى . ثم قال : " ما إخالك سرقت " . قال : بلى . فأمر به فقطع . فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – : " قل : أستغفر الله ، وأتوب إليه " . قال : أستغفر الله ، وأتوب إليه . قال : " اللهم تب عليه " مرتين [4] .
    يرد عليه :
    1 – أنَّ هذا الحديث لا يصح .
    2 – يحتمل أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم – شكَّ في كونه سارقًا حقيقةً ، وخاصةً أنه لم تظهر قرينة تدل على كونه سارقًا من وجود متاع ونحو ذلك .
    3 – قال ابن حزم في المحلى ( 12 / 51 ) : وحتى لو صحَّ الخبرُ لَمَا كانَ لهم فيهِ حجة ، لأنه ليس فيه إلا " ما إخالك سرقت " ورسولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – لا يقولُ إلا الحق ؛ فلو صحَّ أنَّ رسولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – قال للذي سيق إليه بالسرقة " ما إخالك سرقت " لكُنَّا على يقين من أنه – عليه السلام – قد صَدَقَ في ذلك ، وأنه على الحقيقةِ يظُن أنه لم يسرق ، وليس في هذا تلقين له ، ولا دليل على أنَّ الستر أفضل = فبطل تعلقهم بهذا الخبر جملةً .

    الدليل الرابع : أنَّ هذا القول هو ما كان يقضي به الخلفاء الراشدون ، وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم – : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي " [5] ،
    وقد ورد عنهم ما يلي :

    أ – عن أبي واقدٍ الليثي أنَّ عمر بن الخطاب أتاهُ رجلٌ وهو بالشام ، فَذَكرَ له أنه وَجَدَ مع امرأتِهِ رجلًا ، فبعث عمر بن الخطاب أبا واقدٍ الليثي إلى امرأته يسألها عن ذلك ، فأتاها وعندها نسوةٌ حولها ، فذكرَ لها الذي قال زوجها لعمر بن الخطاب ، وأخبرها أنها لا تُؤخذ بقوله ، وجَعَلَ يُلَقِّنُهَا أشباه ذلك لِتَنْزِعَ ، فَأَبَت أنْ تَنزع ، وتَمَّت على الاعتراف ، فَأَمر بها عمرُ فَرُجِمَت [6] .
    يرد عليه :
    1 – أنَّ هذا اجتهادٌ من أبي واقدٍ الليثي – رضي الله عنه – يُعَارضُهُ الآثار الأخرى ، ولا نعلم هل عَلِمَ بذلكَ عمرُ أم لا ؛ فلا يَرِدُ علينا أنَّ عُمَر من الخلفاء الراشدين الذي أُمرنا باتباع سنتهم ، وهو المُلْهَمُ الذي وافق رأيه حُكْمَ اللهِ في مسائل معلومة .
    2 – أنَّ اللفظ الثاني الوارد عن أبي واقدٍ – رضي الله عنه – يدلُّ على خلاف هذا ؛ حيث قال : إني لَمَعَ عمر بن الخطاب إذ جاءه رجل فقال : عبدي زنى بامرأتي ، وهي هذه تعترف . قال أبو واقد : فأرسلني إليها ... فقال : سل امرأة هذا عما قال . قال : فانطلقت فإذا جارية حديثةُ السِّنِّ قد لبست ثيابها قاعدة على فنائها . فقلت لها : إنَّ زوجك جاء أمير المؤمنين فأخبره أنك زنيت بعبده ، فأرسلني أمير المؤمنين لنسألك عن ذلك . فقال أبو واقد : فإن كنتِ لم تفعلي فلا بأس عليك ، فصمتت ساعة . ثم قلت : اللهم افرخ [7] فاها عما شئت اليوم – أبو واقد القائل – فقالت : والله لا أجمع فاحشةً وكذبًا ، ثم قالت : صدق ؛ فَأَمَرَ بها عمر فرجمت [8] . وهذا ليس فيه تلقين المرأة .
    ومما يُضعف رواية سليمان بن يسار المستدلُّ بها أنَّ فيها ما يستنكر من كونه ذكرَ لها ما ذكرَهُ زوجها أمام نِسوةٍ كُنَّ عندها .
    كما أنَّ عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أخرج روايته عن أبي واقد الإمام مسلم في صحيحه وأصحاب السنن ، بخلاف سليمان بن يسار فلم يخرج له أصحاب الكتب الستة عن أبي واقدٍ شيئًا .
    كما أنَّ سليمان بن يسار أرسل عن جماعةٍ من الصحابة أكثر من عبيد الله بن عبد الله ، وذلك لكون عبيد الله أقدم مولدًا من سليمان .
    وهذا – أيضًا – يجعلنا نرجح رواية عبيد الله من جهة أنه سمعها من أبي واقد قديمًا بخلاف سليمان فلم يسمعها إلا بعد ذلك مما يمكن معه نسيان شيءٍ من القصة أو زيادة فيها أو نقص . والله أعلم .

    ب – ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ( 28830 ) : قال : حدثنا حفص بن غياث ، عن حجاج ، عن الحسن بن سعد [9] ، عن عبد الله بن شداد : أنَّ امرأة رفعت إلى عمر أقرَّت بالزنا أربع مرات ، فقال : إنْ رجعت لم نُقم عليها الحد ، فقالت : لا يجتمع عليَّ أمران : آتي الفاحشة ولا يُقام عليَّ الحد ! قال : فأقامه عليها [10] .
    يرد عليه :
    أنَّ هذا الأثر بهذا اللفظ ضعيفٌ لا يصح .

    ج – ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ( 28831 ) قال : حدثنا حفص ، عن حجاج ، عن نافع ، عن سليمان بن يسار : أنَّ أبا واقدٍ بعثه عمر إليها ، فذكر مثله [11] .
    يرد عليه :
    أنَّ هذا الأثر بهذا اللفظ ضعيفٌ لا يصح .

    د – ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ( 28579 ) قال : حدثنا محمد بن بكر ، عن ابن جريج ، عن عكرمة بن خالد قال : أُتِيَ عمر بسارق قد اعترف . فقال عمر : إني لأرى يدَ رجلٍ ما هي بيد سارق . قال الرجل : والله ما أنا بسارق ! فأرسله عمر ولم يقطعه . [12]
    يرد عليه :
    1 – أنَّ هذا الأثر ضعيفٌ لا يصح .
    2 – على التسليم بصحته : يحتمل أنَّ المتهم لم يُقِرَّ أمام عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – بالسرقة .
    3 – ثم ثانيًا : هذا دليل على أنَّ الحاكم إذا شكَّ في صحة إقرار المتهم – بفراسته أو قرينة – فعليه أن يتأكد من صحة هذا الإقرار ، فإذا تبيَّن له عدم صحته اعتبر هذا الإقرار لاغيًا ، وهذا لا نخالفكم فيه ؛ لكنه ليس موطن النزاع بيننا .

    هـ – عن نافعٍ ، أنَّ رجلًا من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – زَوَّجَ أَمَةً له من غلامٍ له ، وكان يُخَالِفُ عليها ؛ فأرسلَ عمرُ إلى الرجل ، فقال : ما فعلتَ بأَمَتِكَ فلانة ؟ فقال : زوجتها من غلامٍ لي . قال : فهل تَنَالُ منها ؟ فأوحى إليه القومُ من خَلْفِ عمرَ : أَنْ قُلْ لا . فقال أحدهما – أي أحد الرواة عن نافع – : لو قلتَ : نعم ، لجعلكَ نكالًا للعالمين . وقال الآخر : لو قلتَ : نعم لرجمك [13] .
    يرد عليه :
    أنَّ هذا الأثر ضعيفٌ لا يصح .

    و - ما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه ( 18919 ) : عن ابن جريج قال : سمعت عطاء يقول : كان من مضى يؤتى أحدهم بالسارق فيقول : أسرقت ؟ قل : لا ! أسرقت قل : لا ! علمي أنه سمى أبا بكر وعمر .
    وأخبرني : أن عليًا أُتِيَ بسارقين معهما سرقتهما ، فخرج فضرب الناس بالدِّرَّة حتى تفرقوا عنهما ولم يدع بهما ، ولم يسأل عنهما . [14]
    يرد عليه :
    1 – أنَّ هذا الأثر ضعيفٌ لا يصح .
    2 – على التسليم بصحته : فليس فيه أنَّ هذا السارق أقرَّ بسرقتِهِ ، وإنما الذي يظهر أنَّ هذا اشتبِهَ في كونهِ سارقًا ؛ فهذا إنْ دلَّ فإنما يَدُلُّ على جواز تلقين المتهم الحجة إذا لم يظهر عليه أمارةٌ تدل على ارتكابه الجريمة من نحو وجود المسروق معه وغيرها .
    3 – أما الشطر الثاني فهذا يُنَزَّهُ عنه فعلِهِ علي بن أبي طالبٍ – رضي الله عنه – فكيف يضربُ الناسِ بدون وجهِ حقٍّ إلا تعطيلَ حدودِ اللهِ ؟!

    ز – ما أخرجه أبو يعلى في مسنده ( 328 ) قال : حدثنا عبيد الله : حدثنا عثمان بن عمر : حدثنا هذا الشيخ أيضا أبو المحياة التيمي قال : قال أبو مطر : رأيت عليًا أتي برجل فقالوا : إنه قد سرق جَمَلاً فقال : ما أُرَاكَ سرقت ! قال : بلى ! قال : فلعله شُبِّهَ لك ؟ قال : بلى قد سرقت ! قال : اذهب به يا قُنْبُر فشد أصبعه وأوقد النار وادع الجزار يقطعه ، ثم انتظر حتى أجيء ، فلما جاء قال له : سرقت ؟ قال : لا ! فتركه . قالوا : يا أمير المؤمنين لم تركته وقد أقر لك ؟ قال : أخذته بقوله وأتركه بقوله ، ثم قال علي : أتي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – برجلٍ قد سرق فأمر بقطعه ثم بكى . فقيل : يا رسول الله لم تبكي ؟ فقال : وكيف لا أبكي وأمتي تقطع بين أظهركم ؟ قالوا : يا رسول الله أفلا عفوت عنه ؟ قال : " ذاك سلطان سوء الذي يعفو عن الحدود ، ولكن تعافوا بينكم " [15] .
    يرد عليه :
    1 – أنَّ هذا الأثر لا يصح .
    2 – على التسليم بصحة هذا الأثر : أنَّ استدلال علي – رضي الله عنه – بحديث النبي – صلى الله عليه وسلم – في غير مَحَلِّهِ ، وذلك لأنَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – أَمَرَ بقطعه ولم يلقنه الرجوع ، ولا طَلَبَ ممن سيقطع يده أن يخيف المتهم قبل إقامة الحدِّ عليه لعله يرجع ؛ بل قصارى حديث النبي – صلى الله عليه وسلم – يدل على مشروعية العفو عن العقوبة فيما فيه حقٌّ خاص وعام ، قبل بلوغ الإمام .
    3 – أنَّ هذا اجتهاد من صحابي مخالفٌ لفعل النبي – صلى الله عليه وسلم – وإقرارهِ لصحابته – رضوان الله عليهم – ، والله سبحانه يقول : " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول " فلم نؤمر بطاعة من خالفهما كائنًا مَنْ كانَ .

    ح – عن يزيد أبي داود الأودي قال : كنت عند علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – بعد العصر إذ أُتِيَ برجلٍ فقالوا : وجدنا هذا في خَرِبَةِ مرادٍ ، ومعه جارية قد اختضبَ قميصها بالدم ، فقال له علي : ويحك ؛ ما هذا ؟ ما صنعت ؟ قال : أصلح الله أمير المؤمنين ، كانت ابنة عمي ويتيمة في حجري ، وهي غنية من المال ، وأنا رجلٌ قد كَبِرْتُ ، وليس لي مال ، فخشيتُ إنْ هيَ أدركت مدركَ النساء أن ترغب عني ، فتزوجتها ؛ وهي تبكي . فقال لها : تزوجتِهِ ؟ فقائلٌ من القوم عنده يقول لها : قولي : نعم . وقائل يقول لها : قولي : لا . فقالت : نعم ، تزوجته . فقال : خذ بيد امرأتك [16] .
    وجه الاستدلال : أنَّ مَنْ حَضَرَ مجلس علي – رضي الله عنه – من الصحابة والتابعين قاموا بتلقين المرأة بما يراه أصلح .
    يَرِد عليه :
    1 – أنَّ مَنْ لَقَّنَ المرأة أن تصدق الرجل فيما ذَكَرَ لأنه خَشِيَ أنْ تُنْكِرَ الزواجَ لسببٍ من الأسباب كَكُرْهِهَا لَهُ أو غيره ؛ فيقام عليه حَدُّ الرجم وهو غيرُ زانٍ .
    ومَنْ لَقَّنَ المرأة إنكارَ كلامِهِ لأنَّهُ لا يَعلم عن زواجِهِ بِهَا وخَشِيَ أنْ يُفلتَ هذا المتهم من العقاب بإقرارها بصحةِ كلامِهِ .
    وليس في كلا الأمرين تلقينٌ بِخِلافِ الواقع .
    2 – أنَّ هذا ليس فيه ما يَدُلُّ على رضا عليٍّ بِهِ أو عِلْمِهِ ولا أنَّ مَنْ حَضَرَ الواقعةَ من الصحابة ليقال : أنَّ هذا قولًا لصحابة ولا يُعلم لهم مخالف أو أنَّه سنةُ أحدِ الخلفاء الراشدين .

    ط – عن عبد الله بن عون قال : حدثني مسكين – رجل من أهلي – قال : شهدتُ عليًّا أُتِيَ برجلٍ وامرأةٍ وُجِدا في خَرِبَةٍ ، فقال له علي : أقربتها ؟ فجعل أصحاب علي يقولون له : قل : لا . فقال : لا ؛ فخلَّى سبيله [17] .
    يَرِد عليه :
    أنَّ هذا الأثر لا تعرف صحته لجهالة حال مسكين راويه عن علي – رضي الله عنه – .

    ي – عن الشعبي ، أنَّ عليًا قال لشراحة : لعلكِ استكرهتِ ، لعل زوجك أتاكِ ، لعلكِ ، لعلكِ ؟ قالت : لا . قال : فلمَّا وضعت ما في بطنها جَلدَها ، ثم رجمها . فقيل له : جدلتها ثم رجمتها ؟ قال : جلدتها بكتاب الله ، ورجمتها بسنةِ رسولِ الله – صلى الله عليه وسلم – [18] .
    يرد عليه :
    1 – أنَّ هذه الزيادة التي فيها مراجعة علي لشراحة لا تصح .
    2 – على التسليم بصحتها : أنَّ هذا من قبيل الاستثبات من وقوع الزنا بالإيلاج المحرم ، وليس لتلقين شراحة الإنكار .

    ك – عن حُجَيَّةَ بن عدي ، أنَّ امرأةً جاءت إلى علي بن أبي طالب ، فقالت : إنَّ زوجها وقعَ على جاريتها . فقال : إنْ تكوني صادقةً نَرْجُمْهُ ، وإنْ تكوني كاذبةً نَجْلِدْكِ . فقالت : يا ويلها غيري نَغِرَة [19] . قال : وأقيمت الصلاة فذهبت [20] .
    يَرِدُ عليه :
    أنَّ هذا الأثر ضعيفٌ لا يصح .

    ل – عن ميسرةَ قال : جاء رجلٌ وأُمُّهُ إلى علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – فقالت : إنَّ ابني هذا قتلَ زوجي . فقال الابن : إنَّ عبدي وقعَ على أُمِّي . فقال علي : خبتما وخسرتما ! إنْ تكوني صادقةً يقتل ابنك ، وإنْ يكن ابنك صادقًا نرجمك . ثم قام عليٌّ للصلاة ، فقال الغلام لأمه : ما تنظرين أنْ يقتلني أو يرجمك ، فانصرفا ؛ فلمَّا صلَّى سألَ عنهما ، فقيل له : انطلقا [21] .
    يَرِدُ عليه :
    أنَّ هذا الأثر ضعيفٌ لا يصح .

    م – عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود قال : جاء رجلٌ إلى علي فقال : إني سرقت ؛ فَرَدَّهُ . فقال : إني سرقتُ . فقال : شهدتَ على نفسك مرتين ، فقطعه ، قال : فرأيت يَدَهُ في عُنُقِهِ معلَّقة [22] .
    يَرِدُ عليه :
    أنَّ هذا الأثر ضعيفٌ لا يصح .

    ن – عن زاذان ، أنَّ رجلين أتيا عليًّا برجلٍ زعما أنه سرقَ ، فقال الرجل : إني والله ما سرقتُ يا أميرَ المؤمنين ، ولو كانَ رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – حيًّا ما قطعني . قال : فكأنه صدقه ، فقال للشاهدين : لأفحصنَّ عن هذا الأمر ولأنظرنَّ ، فإن كنتما كاذبين لأفعلنَّ ، ثم قام فأخذ الدرَّةَ فضربَ الناس حتى ماجوا ، ثم جاء فقعد ، وذهب الرجلان ، فقال عليٌّ : قم فاذهب حيث شئتَ [23] .
    يَرِدُ عليه :
    أنَّ هذا الإسناد ضعيفٌ لا يصح .

    س – عن خُلَيدٍ الثوري ، أنَّ رجلًا أتي عليًّا فقال : إني أصبتُ حدًّا ، فقال عليٌّ : سلوهُ ما هوَ ؟ فلم يخبرهم ، فقال علي : اضربوه حتى ينهاكم [24] .
    يَرِد عليه :
    أنَّ هذا الأثر ضعيفٌ لا يصح .

    ع - قال إسحاق بن راهوية : أبنا جرير ، عن مسلم الأعور ، عن حَبَّة بن جوين ، عن علي : أنَّ امرأةً أتته فقالت : إني زنيت . فقال : لعلك أتيت وأنت نائمة في فراشك أو أكرهت ؟ قالت : أتيت طائعة غير مكرهة . قال : لعلك غُصِبْتِ على نفسك ؟ قالت : ما غُصبتُ . فحبسها فلمَّا ولدت وشَبَّ ابنُهَا جَلَدَهَا [25] .
    يَرِد عليه :
    أنَّ هذا الأثر ضعيفٌ لا يصح .

    ف – عن أبي عمرو الشيباني قال : أُتِيَ عليٌّ بشيخٍ كان نصرانيًا ، فأسلم ، ثم ارتدَّ عن الإسلام . فقال له علي : لعلك إنما ارتددت لأنْ تُصيبَ ميراثًا ثم تَرجع إلى الإسلام ؟ قال : لا . قال : فلعلك خطبتَ امرأةً فأبوا أن يزوجكها ، فأردتَ أنْ تَزَوَّجَهَا ، ثم تعودَ إلى الإسلام ؟ قال : لا . قال : فارجع إلى الإسلام ! . قال : لا ، أمَّا حتى ألقى المسيح فلا . قال : فأمر به ، فضربت عنقه ، ودفعَ ميراثه إلى ولده المسلمين [26] .
    يَرِد عليه :
    أنَّ هذا الأثر ضعيفٌ لا يصح .

    الدليل الثالث : أنَّ الحدود تدرأ بالشبهات ، وكون ( المتهم / المدعى عليه ) ينكر شبهةٌ تجعلنا نتوقف عن تطبيق الحد عليه ؛ وقد قال – عليه الصلاة والسلام – : " ادرءوا الحدود بالشبهات " [27] .
    يَرِدُ عليه :
    1 – أنَّ هذا الحديث ضعيفٌ لا يصح .
    يجاب عنه :
    بما قاله صاحب رد المحتار ( 4 / 19 ط . العلمية ) : وطعن بعض الظاهرية في الحديث بأنه لم يثبت مرفوعًا . والجواب : أنَّ له حكم الرفع ; لأن إسقاط الواجب بعد ثبوته بالشبهةِ خلاف مقتضى العقل .
    وأيضًا : في إجماع فقهاء الأمصار على الحكمِ المذكورِ كفايةٌ , ولذا قال بعضهم : إنَّ الحديث متفق عليه .
    وأيضًا : تلقته الأمة بالقبول , وفي تتبع المروي عن النبي – صلى الله عليه وسلم – ، وعن أصحابه من تلقين ماعزٍ وغيرِهِ الرجوعَ احتيالًا للدرء بعد الثبوت ما يفيد القطع بثبوت الحكم .

    2 – أنَّ الأخذ بهذا الحديث على إطلاقه يؤدي إلى إبطال الحدود جملةً على كل حال ، وهذا خلافُ إجماع أهل الإسلام ، وخلافُ الدينِ ، وخلافُ القرآنِ والسننِ ، لأنَّ كلَّ أحدٍ هو مستطيعٌ على أن يدرأَ كلَّ حَدٍّ يأتيهِ فلا يُقيمه [28] .

    3 – أنَّ قولَه في الحديث : " بالشبهات " ليس مبينًا ما هي الشبهةُ التي تُسقطُ الحدَّ ، فليس لأحدٍ أن يقولَ في شيءٍ ما يريد أن يُسْقِطَ بِهِ حدًّا هذا شبهة إلا كانَ لغيرِهِ أن يقول : ليس بشبهةٍ وكذلكَ العكس ، ومثل هذا لا يَحِلُّ استعمالُهُ في دينِ اللهِ – تعالى – ، لأنه لم يأتِ بِهِ قرآنٌ ولا سنةٌ صحيحةٌ ولا سقيمةٌ ولا قولُ صاحبٍ ولا قياس ولا معقول = مع الاختلاط الذي ذكرنا [29] .


    _________




    [1] بدائع الصنائع ( 5 / 530 ) ، المبسوط ( 9 / 163 ، 168 ) ، تبيين الحقائق ( 3 / 166 وَ 4 / 208 ) ، مجمع الأنهر ( 2 / 336 ) ، حاشية ابن عابدين ( 6 / 14 ) ، شرح ميارة ( 1 / 45 ) ، مغني المحتاج ( 4 / 175 ) ، البيان للعمراني ( 12 / 375 ) ، شرح النووي على مسلم ( 11 / 195 ) ، روضة الطالبين ( 10 / 145 ) ، فتح الباري ( 12 / 126 ) ، مسائل الإمام أحمد للكوسج ( 2 / 253 ) ، الشرح الكبير ( 26 / 561 ) ، شرح منتهى الإرادات ( 6 / 255 ) ، الفروع ( ) ، سبل السلام ( 4 / 23 ) ، السيل الجرار ( 4 / 333 ) ، فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم ( 12 / 149 ) .

    [2] قال الكوسج ( 2 / 253 ) : 2491 - قُلْتُ : تلقين الإمام السارق إذا أُتي به ؟ قَالَ : لا بأسَ ( به ) ، وأرد السارق مرتينِ ، وفي الزنا أربع مرات . قَالَ إسحاقُ : كمَا قَالَ ، ولكن إذا رده في مقامٍ واحد في كلِّ مرة يولي حتى يعرض عنه ، ثم يرجع .

    [3] أخرجه أبو داود في سننه ( 4434 ) ، وضعفه الألباني في الإرواء ( ح 2359 ) .

    [4] أخرجه أبو داود ( 4380 ) ، وابن ماجه ( 2597 ) ، والبيهقي في شعب الإيمان ( 7062 ) ، وقال الخطابي في معالم السنن ( 6 / 217 ) : في إسناد هذا الحديث مقال . وقال الزيلعي في نصب الراية ( 4 / 99 ) بعد أن ساق الحديث : وفيه ضعف ، فإن أبا المنذر هذا مجهول لم يرو عنه إلا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ؛ قاله المنذري . وقال ابن حجر في التلخيص ( 4 / 1386 ) : لم أَرَهُ عن النبي – صلى الله عليه وسلم – . وضعفه الألباني .

    [5] أخرجه الترمذي ( 2676 ) وقال : هذا حديث حسن صحيح ، وابن ماجه ( 42 وَ 43 ) .

    [6] أخرجه الإمام مالك في موطئه ( ح 1505 ) - واللفظ له – ، ومن طريقه الشافعي في مسنده ( 336 ) والأم ( 6 / 154 ) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار ( 3 / 141 ) ، والبيهقي في السنن الصغير ( 7 / 227 ) والسنن الكبير ( 8 / 220 ) ومعرفة السنن والآثار ( 6 / 323 ) من طريق سليمان بن يسار ، عن أبي واقدٍ الليثي به . وهذا إسنادٌ صحيح .

    [7] عند الطحاوي وابن عساكر : ( أفرج ) .

    [8] أخرجه عبد الرزاق في مصنفه ( 7 / 349 ) – ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق ( 67 / 270 ) – ، والطحاوي في شرح معاني الآثار ( 3 / 140 ) ، والبيهقي في السنن الكبير ( 8 / 215 ) ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ( 67 / 270 ) من طريق الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن أبي واقدٍ الليثي بنحوه . وهذا إسنادٌ صحيح .

    [9] تصحف اسمه في كتاب ( أقضية الخلفاء الراشدين ) ( ص 809 ) إلى : الحسن بن سعيد ؛ ولذا قال مؤلف الكتاب – جزاه الله خيرًا – لم أجد له ترجمة . وانظر ترجمته في تهذيب الكمال ( 6 / 163 ) .

    [10] وأخرجه مسدد – كما في إتحاف المهرة 3490 – عن حفص ، عن حجاج بن أرطاة ، عن الحسن بن سعد ، عن عبد الله بن شداد : أنَّ امرأةً أقرت عند عمر بالزنا ، فبعث عمر أبا واقدٍ فقال : إن رجعتِ تركناكِ ، فَأَبَتْ فرجمها .
    فيه الحجاج بن أرطاة وهو قد جمع مع سوء الحفظ تدليسًا وقد عنعن هنا ، كما أنه هنا روى هذا الأثر من وجهين ، ومثله لا يحتمل منه هذا .
    قال البوصيري : هذا إسناد ضعيف . وقال في المختصر ( 5 / 225 ) – من الإتحاف – : رواه مسدد موقوفًا بسند فيه الحجاج بن أرطاة .

    [11] فيه الحجاج بن أرطاة ؛ تقدم الكلام عليه في التعليق السابق .

    [12] وأخرجه عبد الرزاق ( 18793 ) وَ ( 18920 ) . والأثر معلول بعلتين :
    الأولى : الانقطاع : فإنَّ عكرمة بن خالد لم يسمع من عمر ؛ قاله الإمام أحمد .
    الثانية : تدليس ابن جريج : فابن جريج مدلس وقد عنعن ؛ لكن يجاب عن هذا التعليل بأن ابن طاوس تابع ابن جريج عند عبد الرزاق في المصنف . فتبقى العلة الأولى دليلاً على ضعف هذا الأثر .
    ولهذا قال في التحجيل : إسناده منقطع .

    [13] أخرجه سعيد بن منصور في سننه ( 2248 ) ، وعبد الرزاق في مصنفه ( 12859 ) كلاهما من طريق أيوب ، عن نافعٍ به . وَقَرَنَ سعيد بن منصور رواية أيوب برواية عبيد الله بن عمر .
    وهذا إسناد ضعيف ، لأنَّ روايةَ نافعٍ عن عمر فيها نظر . قال العراقي في تحفة التحصيل ( 1 / 325 ) : وفي سنن أبي داود روايته عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – وهي واضحة الإرسال ، وصرح بذلك الزكي عبد العظيم في مختصره ، فقال : نافع عن عمر منقطع . اهـ ونقل ابن حجر في التهذيب ( 10 / 369 ) : وقال أحمد بن حنبل : نافع عن عمر منقطع .
    وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه ( 12863 ) فقال : أخبرنا ابن جريج ، عن موسى بن عقبة ، عن نافعٍ ، عن رجلٍ من ثقيف أخبره به .
    وهذا إسناد ضعيف ، وذلك لأمرين :
    الأمر الأول : الرجل من ثقيف هذا مبهم لا يعرف .
    الأمر الثاني : أن رواية موسى بن عقبة عن نافع متكلمٌ فيها ، كيف وقد خالف من هو أوثق منه في نافع كأيوب وعبيد الله بن عمر . ( تهذيب الكمال 29 / 121 ) .

    [14] وأخرج الجزء الأول من الأثر : ابن أبي شيبة في مصنفه ( 28580 ) وإسناده منقطع ؛ فإنَّ عطاءً لم يدرك أبا بكر وعمر – رضي الله عنهما – .
    قال ابن الملقن في البدر المنير ( 8 / 683 ) : غريب عن أبي بكر ، لا أعلم من خَرَّجَهُ عنه ، والمعروف أنه عن أبي الدرداء وأبي مسعود .
    وقال ابن حجر في التلخيص ( 4 / 1386 ) : لم أَرَهُ عن أبي بكر .

    [15] وفي إسناده أبو مطر وهو البصري الجهني . قال أبو حاتم : مجهول لا يعرف . وقال أبو زرعة : لا أعرف اسمه . وقال عمر بن حفص بن غياث : ترك أبي حديثه ؛ فلذا قال الهيثمي في المجمع ( 6 / 397 ) : وأبو مطر لم أعرفه .

    [16] أخرجه ابن أبي شيبة ( 28881 ) من طريق يحيى بن أبي الهيثم ، ( عن أبيه ) ، عن جده أنه شهد عليًا به مختصرًا .
    وأخرجه الدولابي في الكنى ( برقم 955 ) – واللفظ له – ، والطحاوي في شرح مشكل الآثار ( 14 / 424 ) ، وابن حزم في المحلى ( 11 / 242 ) .
    وفي إسناده يزيد بن عبد الرحمن أبو داود الأودي ذكره ابن حبان في الثقات ، وقال العجلي في معرفة الثقات : تابعي ثقة .
    وانظر : أقضية الخلفاء الراشدين ( 2 / 850 ) .

    [17] أخرجه ابن أبي شيبة ( 28581 ) من طريق عيسى بن يونس ، عن ابن عون ، عن مسكين قال : شهدت عليًا به .
    وهذا إسنادٌ رجال ثقات إلا مسكين هذا فلم أجد له ترجمة .

    [18] أخرجه أحمد في مسنده ( 1190 وَ 1316 التراث ) من طريق بهز وعفان ، عن حماد بن سلمة ، عن سلمة بن كهيل ، عن الشعبي به .
    وحماد بن سلمة وإن كان ثقةً صدوقًا إلا أن له أوهامًا ، وقد تفرد بزيادة ( لعلك استكرهت ... لعلك ، لعلك ) ؛ كما أنَّ سماع الشعبي من علي فيه كلام .
    وقد صحح إسناده الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند ، والألباني في إرواء الغليل ( 8 / 6 ) ، وانظر ( أقضية الخلفاء الراشدين ) ( 2 / 810 – 812 ) .

    [19] قال ابن الأثير في النهاية ( 5 / 85 ) : وفي حديث علي : جاءته امرأة فقالت : إن زوجها يأتي جاريتها . فقال إن كنت صادقة رجمناه ، وإن كنت كاذبة جلدناك . فقالت : ردوني إلى أهلي غيري نَغِرَة ؛ أي : مغتاظة يغلي جوفي غليان القدر ، يقال : نَغِرَت القدرُ تَنْغَرُ إذا غَلَت .

    [20] أخرجه عبد الرزاق في المصنف ( 13265 وَ 13437 ) من طريق الثوري ، والبيهقي في السنن الكبير ( 16857 ) من طريق شعبة ، وفي معرفة السنن والآثار ( 5095 ) من طريق ابن مهدي ( وفي سنده إلى ابن مهدي انقطاع حيث قال الربيع : قال الشافعي فيما بلغه عن ابن مهدي ) ، كلهم عن سلمة بن كهيل ، عن حُجّيَّة بن عدي به .
    وهذا إسناد ضعيف ، لحال حُجَيَّة هذا ؛ فقد قال عنه أبو حاتم – كما في الجرح والتعديل 3 / 314 – : شيخ لا يُحتجُّ بحديِثِهِ ، شبيه بالمجهول . وقال ابن سعد في الطبقات ( 6 / 225 ) : وكان معروفًا ، وليس بذاك . وقال ابن المديني – كما في تهذيب التهذيب 2 / 190 – : لا أعلم روى عنه إلا سلمة بن كهيل . وقال العجلي ( 1 / 288 ) : تابعيٌ ثقة . وذكره ابن حبان في الثقات ( 4 / 192 ) ؛ ولذا قال عنه ابن حجر في التقريب ( 1150 ) : صدوق يخطئ . وقال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال ( 2 / 208 ) : روى عنه الحكم ، وسلمة بن كهيل ، وأبو إسحاق ، وهو صدوق – إن شاء الله – قد قال فيه العجلي : ثقة .
    إلا أنَّ حُجَيَّةَ هذا قد توبع في ذكر هذه القصة ، فقد تابعه :
    1 – مدرك بن عمارة ؛ أخرجه سعيد بن منصور في سننه ( 2258 ) عن هشيم ، وابن أبي شيبة في المصنف ( 28536 ) عن وكيع كلاهما عنه به .
    وهذا إسناد ضعيف ؛ فمدرك هذا ؛ ذكره البخاري في التاريخ الكبير ( 8 / 2 ) ، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ( 8 / 327 ) ولم يتكلما عليه بشيء ، وذكره ابن حبان في الثقات ( 5 / 445 ) ، وحديثه عن ابن أبي أوفى مرسلٌ كما قال ذلك ابن معين – انظر : تحفة التحصيل 1 / 297 – ولم يذكر أحدٌ ممن ترجم له أنّ له رواية عن علي ، وعندما ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب ( 3 / 1381 ) وذكر الحديث الذي يستدل به على صحبته قال : في حديثه هذا اضطراب ، وفي صحبته نظر ؛ فإن كان مدرك بن عمارة بن عقبة بن أبي معيط فلا تصح له صحبة ولا لقاء ولا رواية ، وحديثه هذا لا أصل له ، وإنما روي ذلك في أبيه عمارة ولا يصح ذلك أيضًا . وقوله : ( فلا تصح له صحبة ولا لقاء ولا رواية ) هل المقصود العموم أم أنَّ المقصود لا تصح له رواية عن النبي – صلى الله عليه وسلم – ؟
    ثم إنَّ مدركًا هذا إذا كانت روايته عن ابن أبي أوفى مرسلة – وهو قد توفي في عام 87 – فروايته عن علي – وقد توفي في عام 40 – من باب أولى ؛ فكيف له أن يروي عن علي ؟!
    2 – عكرمة مولى ابن عباس ؛ أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ( 28535 ) قال : ابن مسهر ، عن الشيباني ، عن عكرمة جاءت امرأة إلى علي به .
    وهذا إسناد رجاله ثقات إلا أنَّ رواية عكرمة عن علي مرسلة ؛ قاله أبو زرعة – كما في المراسيل 158 – .
    فاتضح أنَّ هذا الأثر لا يصح عن علي – رضي الله عنه – ، وانظر مزيدًا من شواهده في : أقضية الخلفاء الراشدين ( 2 / 857 – 859 ) .

    [21] أخرجه الدارقطني في سننه ( 3 / 103 ) ، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبير ( 17393 ) من حديث أبي هشام الرفاعي ، عن ابن فضيل ، عن عطاء بن السائب ، عن ميسرة به .
    وهذا إسنادٌ ضعيف ، وذلك لما يلي :
    1 – أبو هشام الرفاعي ؛ وهو : محمد بن يزيد قال عنه البخاري : رأيتهم مجمعين على ضعفه ، وتكلم فيه النسائي وغيره ، وقال الذهبي : له مناكير . [ تهذيب الكمال 27 / 24 ، ذكر من تكلم فيه وهو موثق ( رقم 321 ) ]
    2 – عطاء بن السائب ؛ وإن كان ثقة إلا أنه اختلط بأَخَرَةٍ ، ورواية محمد بن فضيل عنه بعد الاختلاط – كما أشار إلى ذلك أبو حاتم في الجرح والتعديل 6 / 333 – .
    3 – ميسرة ؛ ذكره ابن حبان في الثقات ، ولم أجد فيه جرحًا ولا تعديلًا – انظر تهذيب الكمال 29 / 197 – ولذا قال ابن حجر : مقبول .
    وانظر : أقضية الخلفاء الراشدين ( 2 / 871 ) .

    [22] أخرجه عبد الرزاق ( 18783 ) – ومن طريقه ابن حزم ( 11 / 340 ) – عن الثوري ،
    وأخرجه عبد الرزاق ( 18784 ) – ومن طريقه ابن حزم ( 11 / 340 ) – عن معمر ؛ كلاهما ( الثوري ، ومعمر ) عن الأعمش ، عن القاسم بن عبد الرحمن بن مسعود ، عن أبيه به .
    وهذا إسناد صحيح لولا ما يُخشى من عنعنة الأعمش ؛ فهو كما قال الذهبي في ميزان الاعتدال ( 3 / 316 ) : وهو يدلس ، وربما دلس عن ضعيف ولا يدري به ؛ فمتى قال : ( حدثنا ) فلا كلام ، ومتى قال : ( عن ) تطرق إليه احتمال التدليس ، إلا في شيوخ له أكثر عنهم ؛ كإبراهيم ، وابن أبي وائل ، وأبي صالح السمان = فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال .
    وأخرجه عبد الرزاق ( 18783 ) عن الثوري ، عن جابر ( وهو الجعفي ) ، عن القاسم بن عبد الرحمن به .
    وهذا إسناد ضعيفٌ جدًا ؛ فجابر الجعفي ضعيف وهو رافضي ، وروى ما فيه منقبةٌ لعلي بن أبي طالب – رضي الله عنه – .
    وانظر : قضاء علي بن أبي طالب ( ص 133 ) .

    [23] أخرجه محمد بن عمران في ( العفو والاعتذار ) ( ص 80 ) من طريق حماد بن سلمة ، عن عطاء بن السائب ، عن زاذان به .
    وهذا إسناد فيه ضعف ؛ فعطاء بن السائب اختلط ، وقد اختلف في حال حماد بن سلمة هل سمع منه قبل اختلاطه أم لا ؛ ثم إنَّ زاذان فيه تشيعٌ ، وقد روى الشيعة له عن علي من طريق عطاء بن السائب ! [ انظر : تهذيب الكمال 9 / 263 ، الكواكب النيرات ص 61 ] .
    ولهذا الأثر عدة شواهد عن علي منها :
    1 – ما أخرجه ابن أبي شيبة ( 28829 ) عن حفص بن غياث ، عن ابن جريج قال : أُتِيَ علي برجلٍ ، وشَهِدَ عليهِ رجلان أنه سرق ، فأخذه شيءٌ من أمور الناس، وتهدد شهود الزور ؛ فلا أُوتى بشاهدِ زورٍ إلا فعلتُ بِهِ كذا وكذا . قال : ثم طلبَ الشاهدين فلم يجدهما ؛ فخلَّى سبيلَهُ .
    وهذا الإسناد ضعيف ؛ للانقطاع بينَ ابن جريج وعلي . [ انظر : جامع التحصيل ص 229 ] .
    2 – ما أخرجه الأم ( 7 / 181 ) : قال أخبرنا ابن مَهْدِيٍّ ، عن سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عن عَلْقَمَةَ بن مَرْثَدٍ ، عن حُجْرِ بن عَنْبَسٍ قال : شَهِدَ رَجُلَانِ على رَجُلٍ عِنْدَ عَلِيٍّ – رضي اللَّهُ تعالى عنه – أَنَّهُ سَرَقَ . فقال السَّارِقُ : لو كان رسول اللَّهِ – صلى اللَّهُ عليه وسلم – حَيًّا لَنَزَلَ عُذْرِي ، فَأَمَرَ بِالنَّاسِ فَضَرَبُوا حتى اخْتَلَطُوا ، ثُمَّ دَعَا الشَّاهِدَيْنِ فلم يَأْتِيَا فَدَرَأَ الْحَدَّ .
    وهذا إسناد رجاله ثقات ؛ إلا أنه ينظر في سماع علقمة من حجر بن عنبس هل ثبت أم لا ؟ [ تهذيب الكمال 5 / 473 ، سير أعلام النبلاء 5 / 206 ] .
    3 – ما أخرجه عبد الرزاق ( 18779 ) عن معمر ، عن ابن طاووس ، عن عكرمة بن خالد قال : كان علي لا يقطع سارقًا حتى يأتي بالشهداء فيوقفهم عليه ويسجنه ، فإن شهدوا عليه قطعه ، وإن نكلوا تركه . قال : فأُتي مرةً بسارقٍ فسجنه حتى إذا كان الغدُ دعا به وبالشاهدين . فقيل : تَغَيَّبَ الشهيدان ، فَخَلَّى سبيلَ السارقِ ولم يقطعه .
    وهذا إسناد رجاله ثقات ؛ إذا ثبت أنَّ عكرمة هذا هو ابن خالد بن العاص بن هشام القرشي ، ثم ينظر في سماعه من علي بن أبي طالب ، وخاصة أنه نُفِيَ سماعُهُ من عمر وعثمان ؛ بل وابن عباس . [ إكمال تهذيب الكمال 9 / 254 ] .
    4 – ما أخرجه الأصبغ بن نباته في ( قضاء علي بن أبي طالب ) – كما ذكره ابن القيم في الطرق الحكمية 1 / 165 وانظر : 1 / 124 – وفي آخرها : فقال علي : مَنْ يدلني على الشاهدين الكاذبين ؟ فلم يوقف لهما على خبر ؛ فَخَلَّى سبيل الرجل .
    وهذا الشاهد باطل ؛ فالأصبغ بن نباتةَ متكلم فيه ، وخاصةً ما يرويه عن علي فهو غالٍ في تشيعه . [ المجروحين 1 / 174 ، الكامل لابن عدي 2 / 102 ، والمغني في الضعفاء 1 / 93 ] مع أنَّ سياقها أقرب من الشواهد السابقة ! فكيف يترك علي – رضي الله عنه – هذان الشاهدان الكاذبان ؟!

    [24] أخرجه الشافعي ( 7 / 180 ) - ومن طريقه البيهقي في معرفة السنن والآثار 6 / 475 – ، ومسدد – كما في المطالب العالية 9 / 69 – من طريق يحيى كلاهما ( ابن مهدي ويحيى ) عن سفيان ، عن نُسَيرِ بنِ ذُعْلُوق ، عن خويلد الثوري به . واللفظ لمسدد .
    قال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة ( 4 / 245 ) : هذا إسنادٌ رجاله ثقات .
    قلتُ : هذا إسنادٌ ضعيف ؛ فخليد الثوري ترجم له البخاري في التاريخ الكبير ( 3 / 198 ) ، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ( 3 / 383 ) ، وابن حبان في الثقات ( 4 / 210 ) ولم يذكروا في جرحًا ولا تعديلًا أو من روى عنه سوى نسير ؛ فهو مجهول الحال .
    قال الشافعي في الأم ( 7 / 181 ) : وَهُمْ يُخَالِفُونَ هذا وَلَا يَقُولُونَ بِهِ وَلَا أَعْلَمُهُمْ يَرْوُونَ عن أَحَدٍ من أَصْحَابِ النبي خِلَافَ هذا فَإِنْ كَانُوا يُثْبِتُونَ مِثْلَ هذه الرِّوَايَةِ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تعالي عنه فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَقُولُوا بهذا
    وقال البيهقي في معرفة السنن والآثار ( 6 / 475 ) : قال الشافعي : وهم يخالفون هذا ، أورده في إلزام العراقيين في خلاف علي . ولعله أقر بحد هو حق لآدمي . وقد روينا في الحديث الثابت عن أنس : أن رجلاً قال : يا رسول الله ، إني قد أصبت حدًا فأقم عليّ كتاب الله . قال : " أليس قد صليت معنا ؟ " قال : نعم . قال : " فإن الله قد غفر لك ذنبك " .

    [25] قال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة 4 / 245 : هذا إسنادٌ ضعيفٌ ؛ لضعف مسلم بن كيسان الأعور .
    ولهذا الأثر شواهد انظرها في المطالب العالية 9 / 38 إلا أنها تثبت أصل القصة دون محل الشاهد من تلقين المتهم .

    [26] أخرجه عبد الرزاق في مصنفه ( 10 / 169 ) – ومن طريقه ابن المنذر في الأوسط [ بواسطة أقضية الخلفاء الراشدين 2 / 107 ] ، وابن حزم في المحلى 10 / 190 – عن معمر ، عن الأعمش ، عن أبي عمرو الشيباني به .
    وهذا إسناد رجاله ثقات إلا أنَّ رواية معمر عن الأعمش متكلم فيها [ تهذيب التهذيب 10 / 219 ، تقريب التهذيب 6809 ] ، وكذلك ما يُخشى من عنعنة الأعمش – كما تقدم التنبيه عليه – .
    وأخرجه الطبري في تهذيب الآثار من مسند علي ( 3 / 78 ) قال : حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني قال : حدثنا معتمر بن سليمان ، عن أبيه قال : سمعت أبا عمرو الشيباني يقول : بعث عتبة بن فرقد إلى علي برجل تنصر – ارتد عن الإسلام – قال : فقدم عليه رجل على حمار أشعر ، عليه صوف . فاستتابه علي طويلا وهو ساكت ، ثم قال كلمةً فيها هلكته . قال : ما أدري ما تقول غير أن عيسى كذا وكذا ، فذكر بعض الشرك ؛ فوطئه عليٌ ووطئه الناس . فقال : كفوا أو أمسكوا فما كفوا عنه حتى قتلوه ، فأمر به فأحرق بالنار . فجعلت النصارى تقول : شهيذا شهيذا – يقولون : شهيد – ، وجعل أحدهم يأتي بالدينار أو الدرهم يلقيه ، ثم يجيء كأنه يطلبه يعتل به ليصيبه من رماده أو دمه .
    وهذا إسناد صحيح .
    وانظر لمزيد من طرق هذا الأثر : أقضية الخلفاء الراشدين ( 2 / 1071 ) ، وليس فيها موضع الشاهد من تلقين المتهم .

    [27] جاء هذا الحديث عن جماعةٍ من الصحابة وبألفاظٍ متعددة ؛ انظر تفصيلها في : البدر المنير ( 8 / 611 فما بعدها ) ، نصب الراية ( 3 / 333 فما بعدها ) ، التلخيص الحبير ( 4 / 160 فما بعدها ) ، إرواء الغليل ( 7 / 343 ) .

    [28] ذكر هذا الاعتراض ابن حزم في المحلى ( 12 / 59 ) .

    [29] ذكر هذا الاعتراض ابن حزم في المحلى ( 12 / 60 ) .

    وهكذا الواقع في الحقيقة : أنه ما اتهم أحد دليلا للدين إلا وكان المتهم هو الفاسد الذهن ، المأفون في عقله وذهنه ؛ فالآفة من الذهن العليل لا في نفس الدليل .
    وإذا رأيت من أدلة الدين ما يشكل عليك ، وينبو فهمك عنه ؛ فاعلم أنه لعظمته وشرفه استعصى عليك ، وأن تحته كنزًا من كنوز العلم ولم تؤت مفتاحه بعد - هذا في حق نفسك - .
    وأما بالنسبة إلى غيرك : فاتهم آراء الرجال على نصوص الوحي ، وليكن ردها أيسر شيء عليك للنصوص ؛ فما لم تفعل ذلك فلست على شيء ولو .. ولو ..
    مدارج السالكين 2 / 334

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    656

    افتراضي رد: حكم تلقين المتهم ما يدرأ عنه الحد .

    القول الثاني : لا يجوز تلقين المتهم ما يدرأ عنه الحد .
    وهذا هو قول الشافعية ، وابن حزم [1] .
    واستدلوا بما يلي :
    الدليل الأول : أنَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يَرِد عنه تلقين المتهم أو الأمر بِهِ في مواضع منها على سبيل المثال دون استقصاء :

    الحديث الأول : عن أبي هريرة وزيدِ بن خالد الجهني – رضي الله عنهما – أنهما قالا : إنَّ رجلًا منَ الأعرابِ أتى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال : يا رسول الله ، ننشدك الله إلا قضيت لي بكتاب الله . فقال الخصم الآخر – وهو أفقه منه – : نعم ؛ فاقض بيننا بكتاب الله وَأْذَنْ لِي . فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : قل . قال : إنَّ ابني كان عسيفًا على هذا فزنا بامرأته وإني أُخبرتُ أَنَّ على ابني الرجم ، فافتديت منه بمائة شاةٍ ووليدةٍ ، فسألتُ أهلَ العلمِ فأخبروني إنما على ابني جلدِ مائةٍ وتغريبِ عامٍ ، وأَنَّ على امرأةِ هذا الرجم . فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : والذي نفسي بيده ؛ لأقضينَّ بينكما بكتاب اللهِ ، الوليدةُ والغنمُ رَدٌّ وعلى ابنك جلدُ مائةٍ وتغريبُ عامٍ ، واغدُ يا أُنيس إلى امرأةِ هذا ، فإن اعترفت فارجمها . قال : فغدا عليها فاعترفت ، فأمر بها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فَرُجِمَت [2] .

    الحديث الثاني : عن عائشة – رضي الله عنها – : أَنَّ قريشًا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت ، فقالوا : مَنْ يُكَلِّمُ فيها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ؟! فقالوا : وَمَنْ يجترئ عليه إلا أسامة حِبُّ رسولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – ؟! فَكَلَّمَهُ أسامةُ . فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : " أتشفعُ في حَدٍّ من حدود الله ؟! " ثم قام فاختطب فقال : " أيها الناس ؛ إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سَرَقَ فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرقَ فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ؛ وَأَيمُ اللهِ لو أَنَّ فاطمةَ بنتَ محمدٍ سرقتْ لقطعتُ يَدَهَا " [3] .
    الحديث الثالث : ما ورد عن صفوان بن أمية : أنَّ رجلاً سرقَ بردةً له فرفعه إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فَأَمَرَ بقطعه . فقال : يا رسول الله ، قد تجاوزت عنه . فقال : أبا وهبٍ أفلا كان قبل أن تأتينا به ؟! فقطعه رسول الله – صلى الله عليه وسلم[4] .
    وفي روايةٍ : فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم – أسرقتَ رداءَ هذا ؟! قال : نعم . قال : اذهبا به فاقطعا يده . قال صفوان : ما كنتُ أريدُ أنْ تقطعَ يَدَهُ في ردائي . فقال له : فلو ما قبل هذا .

    الحديث الرابع : عن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – قالَ : أقبلتُ إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – ومعي رجلانِ من الأشعريين ؛ أحدهما عن يميني والآخر عن يساري ، فكلاهما سَأَلَ العملَ والنبي – صلى الله عليه وسلم – يستاك . فقال : " ما تقول يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس ؟! " قال : فقلت : والذي بعثك بالحق ، ما أطلعاني على ما في أنفسهما ، وما شعرت أنهما يطلبان العمل . قال : وكأني أنظر إلى سواكه تحت شَفتِهِ وقد قلصت . فقال : " لن أو لا نستعمل على عملنا من أراده ، ولكن اذهب أنت يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس " . فَبَعَثَهُ على اليمن ، ثم أَتْبَعَهُ معاذَ بنَ جبلٍ فلما قَدِمَ عليهِ قال : انزل . وألقى له وسادةً ، وإذا رجلٌ عنده مُوثَقٌ . قال : ما هذا ؟! قال : هذا كان يهوديًا فأسلمَ ، ثم راجع دِينَهُ دينَ السُّوءِ فتهودَ . قال : لا أجلسُ حتى يُقتلَ ، قضاءُ اللهِ ورسولِهِ . فقال : اجلس ، نعم . قال : لا أجلسُ حتى يقتلَ قضاءُ اللهِ ورسولِهِ – ثلاث مرات – . فَأُمِرَ بِهِ فقتلَ ... الحديث [5] .
    وجه الاستدلال : أنَّ أبا موسى ومعاذَ بنَ جبلٍ رسولا رسولِ اللهِ إلى اليمن ، وكانَ هذا الأمر في حياتِهِ – صلى الله عليه وسلم – ولم يقوما بتلقين هذا الرجل الذي ارتدَّ بعد إسلامِهِ ، ولم يُبين – صلى الله عليه وسلم – خطأهما .

    الدليل الثاني : أنَّ جميع ما استدلَّ به أصحاب القول الأول إما أن يكون صحيحًا غير صريح ، أو صريحًا غير صحيح ، وهذا ظاهر في مناقشة أدلتهم .

    الدليل الثالث : أنَّ في تلقين المُقِرِّ ما يدرأُ عنه الحد تعطيل لحدود الله ، و " إقامة حدٍّ من حدود الله خير من مطر أربعين ليلة في بلاد الله " [6] .
    يَرِدُ عليه :
    أنَّ هذا ليس تعطيلاً للحدود ، وإنما عملاً بالنصوص الشرعية ، واقتداءً بهدي النبي – صلى الله عليه وسلم – حيث قام بتلقين ماعز والغامدية وغيرهم ، وعَمِلَ بِهِ من بعده خلفاؤه الراشدون .
    يجاب عنه :
    1 – أنَّ جميع ما ذُكِرَ في ذلك من الأحاديث والآثار لا يخلو من حالين : إما صحيح غير صريح ، أو صريح غير صحيح .
    2 – على التسليم بصحةِ ذلك وكونه تلقينًا ؛ فالنبي – صلى الله عليه وسلم – لم يُذْكَر عنه التلقين في حوادث أُخَر – سَبَقَ ذكرها – مما يَدُلُّ دلالةً واضحةً على أنَّ تلقين المتهم – إنْ صَحَّ – فليس لكلِّ متهمٍ بخلافِ ما تذهبون إليه .

    الدليل الرابع : أنَّ الحكم على المدعى عليه بعد تلقينه الإنكار حكمٌ بما يُعْلَم كَذِبُهُ ؛ فكيف يُصَدِّقُ عليه ناظر القضية وهو يَعْلَم ذلك ؛ بل قد يكون هو من قام بتلقينه ؟! [7]

    الدليل الخامس : أنَّ الواجب على القاضي والحاكم إذا ثَبَتَ لديهِ الحدُّ أنْ يقيمَهُ لا أنْ يبحث عمَّا يمنع إقامته .





    القول الثالث : الجمع بين الأقوال والأدلة ، وأصحاب هذا القول على مذاهب :
    فمنهم من يرى : أنَّ التلقين يكون لمن جاء تائبًا فقط ؛ أما من قبض عليه متلبسًا بِجُرْمِهِ أو كان من أرباب السوابق فلا ، وهذا التفريق ظاهر في تعامل النبي – صلى الله عليه وسلم – مع القضايا التي عُرِضَت عليه وبه تجتمع الأدلة .

    ومنهم من يرى : أنَّ التلقين يكون قبل إقرار المتهم ؛ وبهذا وجَّهَ أبو بكر ابن المنذر في الإشراف ( 7 / 230 ) ما ورد حيث قال : ولعلَّ ما رُوِيَ عن الأوائل في الباب : إنما هو قبل الإقرار ، فإذا جاء الإقرار وَجَبَ إقامةُ ما أوجبه الله - عز وجل – [8] .

    ومنهم من يرى : أنَّ التعريضَ له بالرجوع يكون لمن لا يَعرِف أنَّ له الرجوع ، وإنْ عَلِمَ فلا [9] .

    ________________________

    [1] مغني المحتاج ( 4 / 176 ) ، المحلى ( 12 / 52 – 53 ، 57 – 62 ) ، وقد يُخَرَّجُ هذا القول قولاً لمن رأى عدم صحة رجوع المتهم عن إقراره ، لأنَّه لا فائدةَ من تلقينِهِ إذا كُنَّا نرى عدم صحة رجوعِهِ إذا أَقَرَّ إلا في حالةِ أنْ يُلَقَنَّ قبل الإقرار .

    [2] أخرجه البخاري ( 2695 ) وفي مواضعَ أُخَر ، ومسلم ( 1697 ) .

    [3] أخرجه البخاري ( 3475 ) وفي مواضع أخر ، ومسلم ( 1688 ) .

    [4] أخرجه النسائي في سننه ( 4878 ) وصححه الألباني .

    [5] أخرجه البخاري ( 6923 ) ، ومسلم ( 1733 ) .

    [6] جاء من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أخرجه النسائي ( 4905 ) وقال النسائي عن الرواية الموقوفة في سننه الكبرى ( 7392 ) : وهذا الصواب . وكذلك رجح الدارقطني وقفه في العلل ( 11 / 212 ) ، وحسنه الألباني موقوفاً في حكم المرفوع .
    وأخرجه ابن ماجه ( 2537 ) عن ابن عمر – رضي الله عنهما – وقال البوصيري في الزوائد : في إسناده سعيد بن سنان ضعفه ابن معين وغيره . وقال الدار قطني : يضع الحديث . وحسنه الألباني !

    [7] ولهذا قال الدكتور عبد الله الرحيلي – وفقه الله – في كلامٍ له جميل حول هذا الموضوع في كتابه منهجية فقه السنة النبوية ( ص 90 ) : من الأخطاء في منهجية الفقه : ما شاع بين بعض القضاة من تَبنِّي تلقين الجاني أو المجرم المعترف بجريرته ، حيث يتعمَّد القاضي تلقينه النكوص عن اعترافه ؛ ليدرأ عنه الحد ، وهذه – والله - كارثة ليس لها حد !
    جيء بساحر مجرم ، ثبت أنه كذلك واعترف ، وأضر بالمسلمين كثيرًا ؛ فلما وصلَ الأمر إلى القاضي . قال القاضي : هل اعترفتَ بأنك ساحر ؟ قال : نعم . قال : وهل تعلم حكمك بعد هذا الاعتراف ؟! قال : لا . قال : القتل . فقال الساحر : لا ، أنا لست بساحر ، وأتراجع عن هذا الاعتراف ! وعند ذلك صَدَّق القاضي على الكذب ، ودرأ عنه الحد ! وحسبنا الله ونعم الوكيل .

    [8] وقال أبو المظفر في ( إيثار الإنصاف في مسائل الخلاف ) ( ص 432 ) : وأما حديث المخزومية فنقول : كانَ دَأبُهُ – صلى الله عليه وسلم – تلقينَ الشبهةِ قبل وجوب الحدِّ ، فيحتمل أنَّ أولياءها تَشَفَّعُوا بعدما قضى بالقطعِ ؛ فلذلكَ لم يَدُلَّهُم على الشبهات .

    [9] قال بِهِ بعض الشافعية ؛ انظر : مغني المحتاج ( 4 / 176 ) .
    وهكذا الواقع في الحقيقة : أنه ما اتهم أحد دليلا للدين إلا وكان المتهم هو الفاسد الذهن ، المأفون في عقله وذهنه ؛ فالآفة من الذهن العليل لا في نفس الدليل .
    وإذا رأيت من أدلة الدين ما يشكل عليك ، وينبو فهمك عنه ؛ فاعلم أنه لعظمته وشرفه استعصى عليك ، وأن تحته كنزًا من كنوز العلم ولم تؤت مفتاحه بعد - هذا في حق نفسك - .
    وأما بالنسبة إلى غيرك : فاتهم آراء الرجال على نصوص الوحي ، وليكن ردها أيسر شيء عليك للنصوص ؛ فما لم تفعل ذلك فلست على شيء ولو .. ولو ..
    مدارج السالكين 2 / 334

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    656

    افتراضي رد: حكم تلقين المتهم ما يدرأ عنه الحد .

    الفصل الثالث :
    الترجيح .
    والذي يظهر من استعراض الأدلة ، وما نوقش به استدلال كلِّ قولٍ ، وما يتضحُ مِنْ هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – وصحابتِهِ ، والذي تقتضيه قواعد الشريعة العامة ، والنظر الصحيح = هو القول الثاني ، وللقول الثالث شيءٌ من الوجاهة لا سيما التوجيه الأول .

    وهكذا الواقع في الحقيقة : أنه ما اتهم أحد دليلا للدين إلا وكان المتهم هو الفاسد الذهن ، المأفون في عقله وذهنه ؛ فالآفة من الذهن العليل لا في نفس الدليل .
    وإذا رأيت من أدلة الدين ما يشكل عليك ، وينبو فهمك عنه ؛ فاعلم أنه لعظمته وشرفه استعصى عليك ، وأن تحته كنزًا من كنوز العلم ولم تؤت مفتاحه بعد - هذا في حق نفسك - .
    وأما بالنسبة إلى غيرك : فاتهم آراء الرجال على نصوص الوحي ، وليكن ردها أيسر شيء عليك للنصوص ؛ فما لم تفعل ذلك فلست على شيء ولو .. ولو ..
    مدارج السالكين 2 / 334

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    656

    افتراضي رد: حكم تلقين المتهم ما يدرأ عنه الحد .

    الباب الثاني :
    تلقين المتهم ما يدرأ عنه الحد من الناحية النظامية
    وفيه ثلاثةُ فصولٍ :
    وهكذا الواقع في الحقيقة : أنه ما اتهم أحد دليلا للدين إلا وكان المتهم هو الفاسد الذهن ، المأفون في عقله وذهنه ؛ فالآفة من الذهن العليل لا في نفس الدليل .
    وإذا رأيت من أدلة الدين ما يشكل عليك ، وينبو فهمك عنه ؛ فاعلم أنه لعظمته وشرفه استعصى عليك ، وأن تحته كنزًا من كنوز العلم ولم تؤت مفتاحه بعد - هذا في حق نفسك - .
    وأما بالنسبة إلى غيرك : فاتهم آراء الرجال على نصوص الوحي ، وليكن ردها أيسر شيء عليك للنصوص ؛ فما لم تفعل ذلك فلست على شيء ولو .. ولو ..
    مدارج السالكين 2 / 334

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    656

    افتراضي رد: حكم تلقين المتهم ما يدرأ عنه الحد .

    الفصل الأول :
    تلقين رجال الضبط المتهم ما يدرأ عنه الحد .

    إنَّ المهام التي يقوم بها رجال الضبط الجنائي من المهام العظيمة التي من خلالها يتم ضبط الأمن ، ويستقر المجتمع ، ويأخذ المجرم عقابه .
    وقد قامت الدول والحكومات بتنظيم وزارات وإدارات تابعةٍ لها لضبط المخالفات المختلفة ، وأَوْلَتْ هذه الجهات أهميةً كبيرةً ، ودعمتها بجميع الإمكانيات والوسائل = سعيًا في استقرار المجتمع وأَمْنِهِ وسلامته .
    وفي نظري أنَّه لا ينبغي أنْ نختلفَ في كون رجل الضبط الجنائي لا يَحِقُّ لَهُ أنْ يقبض على مجرم – متلبسًا كان أو غير متلبس – ثم يَسْتُرُ عليهِ دون أنْ يَرفع أَمْرَهُ إلى الجهات القضائية أو على الأقل عَرْضُ موضوعِهِ على رئيسِهِ المباشر لاتخاذ الإجراء المناسب في حَقِّهِ ؛ وذلك لأنَّ مِنْ أَهَمِّ الأمور المنوطةِ بِهِ القيام بإجراء التحري عن المجرمين ، وتعقب مرتكبيها ، وجَمْعِ كُلِّ الأدلةِ التي تُدينُ المجرمَ الحقيقي ، بل إنَّ الأنظمةَ قَدْ خَوَّلَتهُ القبضَ على المجرم حالَ تلبسِهِ بالجريمةِ دون الرجوع إلى هيئة التحقيق والادعاء العام فيما هي مختصةٌ بِهِ .
    فكلُّ ما تقدم يَدُلُّ دلالةً واضحةً على أنَّه لا يَحِقُّ لرجل الضبط الجنائي الستر على المجرم أو حتى تلقينِهِ ، وهو في الحقيقة ليس في مقام النصح والتوجيه لفردٍ من أفراد المجتمع ؛ بل هو مؤتمنٌ على عملِهِ وضَبْطِهِ للمجرمين وتسليمهم للجهة المعنية .
    ولنستعرض بعض الأنظمة المتعلقة بعمل رجال الضبط وتنظيمه وبيان مهامه ، ويمكن نستفيد منها ما له علاقة بموضوع بحثنا :
    فقد نَصَّ نظام الإجراءات الجزائية في المادة ( 24 ) على ما يلي : رجال الضبط الجنائي هم : الأشخاص الذين يقومون بالبحث عن مرتكبي الجرائم ، وضبطهم ، وجمع المعلومات ، والأدلة اللازمة للتحقيق وتوجيه الاتهام .
    فرجل الضبط – إذن – يقوم ( بالبحث ) و ( الضبط ) و ( جمع المعلومات والأدلة اللازمة ) ، وليس من مهامه ( تلقين المتهم ) ، مع أنَّ هذه المادة يراد بها بيان مهام رجال الضبط ، ومع ذلك لم تَنُص على هذا الأمر ؛ بل نصَّت على ما يدل على خلافِهِ من ( البحث ) عن مرتكب الجريمة ( وضبطِهِ ) و ( جمع المعلومات والأدلة ) التي تدينه .
    كما نصَّ نظام الإجراءات في المادة ( 28 ) على ما يلي : لرِجال الضـبط الجنائي في أثنـاء جمع المعلومات ، أن يستمِعوا إلى أقوال من لديهم معلومات عن الوقائع الجنائية ومُرتكِبيها ، وأن يسألوا من نُسِب إليه ارتِكابُها ويُثبِتوا ذلك في محاضِرِهم .
    ولهُم أن يستعينوا بأهل الخِبرة من أطِباء وغيرِهم ، ويطلبوا رأيهُم كتابة .
    وكل هذه الأمور المطلوبة من رجل الضبط تناقض مبدأ ( الستر ) على المتهم من قبلِهِ ، أو حتى ( تلقينه ) ؛ فمن خُوِّلَ بسماع شهادة الشهود ، وسؤال من ارتكب الجريمة ، والاستعانة بأهل الخبرة في القضية = يدلُّ دلالةً واضحةً على منعِهِ من ( تلقين ) المتهم ما يدرأ عنه الحد .
    كما نصت المادة ( 31 ) من نظام الإجراءات الجزائية على أنَّهُ : يجب على رجُل الضبط الجنائي – في حالة التلبُس بالجريمة – أن ينتـقِل فوراً إلى مكان وقوعِها ، ويُعاين آثارِها المادية ويُحافظ عليها ، ويُثبِت حالة الأماكِن والأشخاص ، وكُل ما يُفيد في كشف الحقيقة ، وأن يسمع أقوال من كان حاضِرًا أو من يُمكِن الحصول مِنهُ على معلومات في شأن الواقِعة ومرتكِبُها .
    ويجب عليه أن يُبلِّغ هيئة التحقيق والادِعاء العام فورًا بانتِقالِه .
    ويلاحظ هنا زيادةً على ما تقدم من مطالبة رجل الضبط بتتبع الأدلة والقرائن : أنَّ عليه أن يُبْلِغَ هيئة التحقيق والادعاء العام فورَ انتقالِهِ ، ولم يعطِ النظام فرصةً لرجل الضبط للنظر في هل ( يستر ) على المتهم أو لا ؛ بل مباشرةً عليه أنْ يُبْلِغ هيئة التحقيق ، كما أنَّه مطالبٌ في هذا الوقت بتتبع الأدلة والقرائن .
    وقد تم التأكيد على هذا الأمر – أيضًا – في المادة الثالثة والثلاثون من النظام ذاته .
    ومما يؤكد ما سبق هو ما ورد في المادة الرابعة والثلاثون من نظام الإجراءات الجزائية حيث نصَّ على أنه : يجب على رجُل الضبط الجنائي أن يسمع فورًا أقوال المتهم المقبوض عليه ، وإذا لم يأتِ بما يُـبرِئُه يُرسِلُه خِلال أربع وعشرين ساعة مع المحضر إلى المُحقِّق ، الذي يجب عليه أن يستجوب المتهم المقبوض عليه خِلال أربع وعشرين ساعة ، ثم يأمُر بإيقافِه أو إطلاقِه .
    فأوجبَ النظام على رجل الضبط سماعَ أقوال المتهم ، وفي حالة عدمِ إتيانِهِ بما يُبرؤه يحال إلى هيئة التحقيق ؛ ولم ينص على أنَّ له الحق في تلقينِهِ بما يدفعُ التهمةَ عنه ، ولم يُعطِهِ النظام صلاحيةَ حفظ القضية لعدم كفايةِ الأدلة أو غيرها مما يمكن أنْ يكونَ فيه إشارةٌ إلى ذلك .
    وبالنظر – أيضًا – في مشروع اللائحة التنظيمية لنظام هيئة التحقيق والادعاء العام في المادة ( الثامنة ) الفقرة ( 1 ) والتي تنص على الآتي : بالإضافة إلى الاختصاصات المقررة بموجب الأنظمة على رجال الضبط الجنائي كل حسب اختصاصه القيام بما يلي :
    أ – إجراء التحريات اللازمة للكشف عما ارتكب من الجرائم ، وتعقب مرتكبيها ، وجمع عناصر الإثبات فيها .
    ب – تلقي البلاغات والشكاوى عن جميع الجرائم ، وقيدها فورًا ، وتسجيل تفاصيلها في سجل يُعَدُّ لذلك ، وفحصها ، وجمع المعلومات المتعلقة بها ، وإبلاغ المحقق المختص بذلك فورًا .
    ج – جمع الاستدلالات اللازمة ؛ وذلك باستيفاء جميع القرائن والأدلة والإيضاحات التي تساعد على سهولة التحقيق من المحقق المختص .
    وهذه تؤكد على ما سبقت الإشارة إليه فيما يتعلق بمواد نظام الإجراءات الجزائية ، وأنَّه ليس من حَقِّ رجل الضبط أنْ ( يلقن ) المتهم ما يدرأ عنه الحد ، ولا يَحِقُّ له ( الستر ) كذلك .
    وهكذا الواقع في الحقيقة : أنه ما اتهم أحد دليلا للدين إلا وكان المتهم هو الفاسد الذهن ، المأفون في عقله وذهنه ؛ فالآفة من الذهن العليل لا في نفس الدليل .
    وإذا رأيت من أدلة الدين ما يشكل عليك ، وينبو فهمك عنه ؛ فاعلم أنه لعظمته وشرفه استعصى عليك ، وأن تحته كنزًا من كنوز العلم ولم تؤت مفتاحه بعد - هذا في حق نفسك - .
    وأما بالنسبة إلى غيرك : فاتهم آراء الرجال على نصوص الوحي ، وليكن ردها أيسر شيء عليك للنصوص ؛ فما لم تفعل ذلك فلست على شيء ولو .. ولو ..
    مدارج السالكين 2 / 334

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    656

    افتراضي رد: حكم تلقين المتهم ما يدرأ عنه الحد .

    الفصل الثاني :
    تلقين أعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام المتهم ما يدرأ عنه الحد .
    هيئة التحقيق والادعاء العام منذ إنشائها تقوم على أساس أنها هي الجهة المُخَوَّلَةُ بالتحقيق في الجرائم الجنائية ويدخل فيها جميع الحدود كالزنا والسرقة والردة وغيرها ، كما أنَّهُ من المتعارف عليه في نظيراتها في دول العالم أنَّ الهيئة أو النيابة العامة هي جهةُ اتهام وهذا يعطي دلالةً على أنَّ محاولة إيجاد ما يدفع التهمة عن المتهم ليس من اختصاصها سواءً كانَ هذا بتلقين المتهم أو بغيرِهِ .
    بل إنَّه بالنظر إلى مسمَّى عضو الهيئة والذي يعمل مباشرةً في التحقيق ( محقق ) يجد أنَّ من أساس مهامه أنْ يحاول الوصول إلى الحقيقة أيًّا كانت هذه الحقيقة، وأن يقدم هذه الحقيقة للمدعي العام للترافع أمام المحكمة المختصة .
    ومع ما تقدم فإننا سنستعرض بعض الأنظمة ذات العلاقة لنستشرف منها ما يَخُصُّ موضوعنا ، وهل يَحِقُّ لعضو الهيئة أن يقوم بتلقين المتهم تلميحًا أو تصريحًا أم لا ؟
    وفي هذا الموضوع تشير المادة الأولى بعد المائة من نظام الإجراءات الجزائية على أنَّهُ : يجب على المُحقِّق عند حضور المتهم الأول مرة في التحقيق ، أن يُدوِّنَ جميع البيانات الشخصية الخاصة بِه ويُحيطُه عِلمًا بالتُهمة المنسوبة إليه ، ويُثبِت في المحضر ما يُبديه المتهم في شأنِها من أقوال . وللمُحقِّق أن يواجِهَهُ بغيرِه من المُتهمين أو الشهود . ويوقِع المتهم على أقوالِه بعد تلاوتِها عليه ، فإذا امتنع أثبت المُحقِّق امتِناعُه عن التوقيع في المحضر .
    فهذه المادة والتي تحكي واجب المحقق في القضايا الجنائية أنْ يحيط المتهم بالتهمة المنسوبة له ، ويثبت ما يُبْدِيه المتهم في شأنها فقط دون إيحاء أو إيعاز بشيءٍ ؛ بل عليه أنْ يواجهه ببقية المتهمين والشهود الذين يشهدون بقيامِهِ بالجرمِ ، ومَنْ يَحِقُّ له أنْ يُلقِّن المتهم لا يُطالب بهذه الإجراءات التي قد تدعوه إلى الإقرار أو إثبات التهمة المنسوبة إليه !
    بل إنَّ المادة السادسة والعشرون بعد المائة تنصُّ على أنه : إذا رأى المُحقِّق بعد انتِهاء التحقيق أن الأدِلة كافية ضِد المُتهم تُرفع الدعوى إلى المحكمة المُختصة ، ويُكلَّف المُتهم بالحضور أمامَها .
    فعندما يتضح للمحقق أنَّ المتهم قام بفعل الجريمة بالأدلة الكافية ، فيرفع الدعوى مباشرةً ، فهذه هي مهمته الموكلة إليه .
    ويؤكد هذا ما نصَّ عليه مشروع اللائحة التنظيمية لنظام هيئة التحقيق والادعاء العام في المادة ( الخامسة ) الفقرة ( 2 ) : تشمل اختصاصات المحقق البحث عن الأدلة ، وجمعها ، وتقويمها ، والقيام بكل ما يتطلبُهُ التحقيق من إجراءات لجلاء الحقيقة ؛ وفقًا للأنظمة والتعليمات وما تقضي به هذه اللائحة .
    وهذه الإجراءات لا يُطالب بها إلا من ينبغي عليه البحث عن الحقيقة وإثباتها .
    وهكذا الواقع في الحقيقة : أنه ما اتهم أحد دليلا للدين إلا وكان المتهم هو الفاسد الذهن ، المأفون في عقله وذهنه ؛ فالآفة من الذهن العليل لا في نفس الدليل .
    وإذا رأيت من أدلة الدين ما يشكل عليك ، وينبو فهمك عنه ؛ فاعلم أنه لعظمته وشرفه استعصى عليك ، وأن تحته كنزًا من كنوز العلم ولم تؤت مفتاحه بعد - هذا في حق نفسك - .
    وأما بالنسبة إلى غيرك : فاتهم آراء الرجال على نصوص الوحي ، وليكن ردها أيسر شيء عليك للنصوص ؛ فما لم تفعل ذلك فلست على شيء ولو .. ولو ..
    مدارج السالكين 2 / 334

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    656

    افتراضي رد: حكم تلقين المتهم ما يدرأ عنه الحد .

    الفصل الثالث :
    تلقين القاضي المتهم ما يدرأ عنه الحد .

    مهمة القاضي في الشريعة الإسلامية مهمةٌ صعبة ، ولهذا تتابع السلف على الفرار منها ، فقد سُلِّطَ على رقاب الناس وأبشارهم وأموالهم ، وهذا أمر ليس باليسير .
    ولهذا لجأ بعض القضاة إلى تلقين المتهم ما يدرأ بِهِ الحد خوفًا من إقامة الحدِّ بالقتل أو القطع أو الجلد والتغريب ، وحجتهم في ذلك ( درء الحدود بالشبهات ) ، و ( لأن أخطئ في العفو خير من أن أخطئ في العقوبة ) ، و ( لعلك ... لعلك ... ) ؛ لكن هذه الأمور إنْ لم تؤخذ بضوابطها صارت وسيلةً لضعف الأحكام وكثرة الجرائم .
    وقد سبق الحديث عن هذه المسألة من الناحية الفقهية ؛ أما من الناحية النظامية فقد أشارت بعض النصوص في نظام الإجراءات الجزائية ونظام المرافعات الشرعية إلى هذه المسألة دون تصريحٍ بحكمها .
    فمن ذلك ؛ ما ورد في المادة الخامسة والخمسون بعد المائة من نظام الإجراءات الجزائية : جلسات المحاكِم علنية ، ويجوز للمحكمة – استثناءً – أن تنظُر الدعوى كُلِها أو بعضِها بجلسات سرية ، أو تمنع فئات مُعينة من الحضور، مُراعاة للأمن أو مُحافظة على الآداب العامة أو إذا كان ذلك ضرورياً لظهور الحقيقة .
    إذن ؛ المهم هو ظهور الحقيقة وأيُّ شيءٍ يعيق ذلك فيجب أنْ يزال ؛ ومن باب أولى أن لا يكون هناك تلقين للمتهم بحيث يقول غير الحقيقة .
    وقد ورد في المادة الثانية والستون بعد المائة من النظام ذاته : إذا اعترف المُتهم في أيِّ وقت بالتُهمة المنسوبة إليه ، فعلى المحكمة أن تسمع أقواله تفصيلاً وتُناقِشه فيها . فإذا اطمأنت إلى أن الاعتِراف صحيح ورأت أنهُ لا حـاجة إلى أدِلة أُخرى فعليها أن تكتفي بذلك وتفصِل في القضية ، وعليها أن تستكمِل التحقيق إذا وجِدت لذلِك داعيًا .
    وهذه المادة – في نظري – كالنصِّ في الموضوع ، فالاعتراف إذا وقع صحيحًا فعلى المحكمة أن تكتفي بِهِ وتفصِل في القضية ، وفي حالةِ إنكارِهِ للتهمة المنسوبةِ إليهِ فعلى المحكمة العمل بِما ورد في المادة الثالثة والستون بعد المائة : إذا أنكر المُتهم التُهمة المنسوبة إليه أو امتنع عن الإجـابة ، فعلى المحكمة أن تُسرِع في النـظر في الأدِلة المُقـدَّمة ، وتُجري ما تراه لازِمًا بشأنِها ، وأن تستجوِب المتهم تفصيلاً بشأن تِلك الأدِلة وما تضمنته الدعوى . ولِكُلٍ مِن طرفي الدعوى مُناقشة شهود الطرف الآخر وأدِلتُه .
    وهذا الاستجواب التفصيلي والنظر في الأدلة الأخرى لا تتوافق مع قول من يقول بتلقين المتهم ، فهذه الأدلة قد تجعل المتهم يقر ، وهذا ما لا يرتضيه أصحاب هذا القول .
    وورد في المادة الثمانون بعد المائة : تعتمد المحكمة في حُكمِها على الأدلة المُقدمة إليها في أثناء نظر القضية ، ولا يجوز للقاضي أن يقضي بعلمِه ، ولا بما يُخالِف علمِه .
    ومما يُخالف علمه أنْ يلقن المتهم الإنكار أو ما يدرأ عنه الحد لكي لا يقيم حدَّ اللهِ في أرضِهِ .
    أما نظام المرافعات فقد ورد في المادة المائة إلى المادة الثانية بعد المائة أنَّه يجب على المحكمة أن تستجوب الخصوم ، وهذا يدل على أنَّ المحكمة مطالبة بالبحث عن الحقيقة ؛ بل ورد في المادة الثالثة بعد المائة ما يلي : إذا تخلف الخصم عن الحضور للاستجواب بدون عُذر مقبول أو امتنع عن الإجابة دون مُبرِّر ، فللمحكمة أن تسمع البينة ، وأن تستخلص ما تراه من ذلك التخلُّف أو الامتِناع .
    فاستخلاص شيءٍ من تخلف الخصم أو امتناعِهِ من الحضور ينافي القول بالتلقين .
    والإقرار يجب أن يكون أمام القاضي أثناء السير في الدعوى – كما في المادة الرابعة بعد المائة – ، ويشترط في صِحة الإقرار ، أن يكون المقِر عاقِلاً بالِغًا مُختارًا – كما في المادة الخامسة بعد المائة – .
    وليس في هذا النظام ما يشير إلى تلقين المتهم الإنكار أو ما يدرأ عنه الحد ؛ بل كل هذه النصوص وغيرها تذكر الإقرار والحرص على التأكد منه ، والاستجواب عند وجود الحاجة إلى ذلك ، وسماع الأدلة الأخرى والتي تثبت التهمة .
    ويتضح لنا من خلال هذه النصوص النظامية أنَّ وليَّ الأمر يمنع من تلقين المتهم – حتى وإنْ كان في المسألةِ من الناحية الفقهية خلافٌ – ، ولولي الأمر في مثل هذه القضايا أنْ يختار ما يرى فيه المصلحة ، وعلى مَنْ يتولَّى القضاء أنْ يلتزمَ بما رآه ولي الأمر .
    هذا ما تيسرت كتابته وتحريره ؛ فما كان فيه من صوابٍ فمن الله ، وما كان فيهِ من خطإ فمن نفسي والشيطان ، وأسألُهُ – تعالى – أنْ يغفر لي ما زلَّ بِهِ القلم .
    وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
    وهكذا الواقع في الحقيقة : أنه ما اتهم أحد دليلا للدين إلا وكان المتهم هو الفاسد الذهن ، المأفون في عقله وذهنه ؛ فالآفة من الذهن العليل لا في نفس الدليل .
    وإذا رأيت من أدلة الدين ما يشكل عليك ، وينبو فهمك عنه ؛ فاعلم أنه لعظمته وشرفه استعصى عليك ، وأن تحته كنزًا من كنوز العلم ولم تؤت مفتاحه بعد - هذا في حق نفسك - .
    وأما بالنسبة إلى غيرك : فاتهم آراء الرجال على نصوص الوحي ، وليكن ردها أيسر شيء عليك للنصوص ؛ فما لم تفعل ذلك فلست على شيء ولو .. ولو ..
    مدارج السالكين 2 / 334

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    656

    افتراضي رد: حكم تلقين المتهم ما يدرأ عنه الحد .

    هذا البحث وإن كانت كتابته قاربت العام إلا أني ما زلت أنظر فيه وأزيد وأنقص ، وعرض الموضوع هنا لأستزيد من المناقشات والآراء ... وتأخري في عرضه بسبب أبحاث ومقالات بدأتها ولمَّا أتمها بعدُ !
    وما زال هناك مسائل تحتاج إلى بحث ؛ فمن يرى تلقين المتهم اختلفوا في التصريح والتعريض ... وهل التلقين يكون من القاضي أو ممن يحضر مجلسه ... إلخ ، ولعل الله ييسر بحثها في وقتٍ لاحق .
    وهذا هو البحث بين يديك في المرفقات .
    الملفات المرفقة الملفات المرفقة
    وهكذا الواقع في الحقيقة : أنه ما اتهم أحد دليلا للدين إلا وكان المتهم هو الفاسد الذهن ، المأفون في عقله وذهنه ؛ فالآفة من الذهن العليل لا في نفس الدليل .
    وإذا رأيت من أدلة الدين ما يشكل عليك ، وينبو فهمك عنه ؛ فاعلم أنه لعظمته وشرفه استعصى عليك ، وأن تحته كنزًا من كنوز العلم ولم تؤت مفتاحه بعد - هذا في حق نفسك - .
    وأما بالنسبة إلى غيرك : فاتهم آراء الرجال على نصوص الوحي ، وليكن ردها أيسر شيء عليك للنصوص ؛ فما لم تفعل ذلك فلست على شيء ولو .. ولو ..
    مدارج السالكين 2 / 334

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    656

    افتراضي رد: حكم تلقين المتهم ما يدرأ عنه الحد .

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الله المزروع مشاهدة المشاركة
    القول الثالث : الجمع بين الأقوال والأدلة ، وأصحاب هذا القول على مذاهب :
    فمنهم من يرى : أنَّ التلقين يكون لمن جاء تائبًا فقط ؛ أما من قبض عليه متلبسًا بِجُرْمِهِ أو كان من أرباب السوابق فلا ، وهذا التفريق ظاهر في تعامل النبي – صلى الله عليه وسلم – مع القضايا التي عُرِضَت عليه وبه تجتمع الأدلة .

    ومنهم من يرى : أنَّ التلقين يكون قبل إقرار المتهم ؛ وبهذا وجَّهَ أبو بكر ابن المنذر في الإشراف ( 7 / 230 ) ما ورد حيث قال : ولعلَّ ما رُوِيَ عن الأوائل في الباب : إنما هو قبل الإقرار ، فإذا جاء الإقرار وَجَبَ إقامةُ ما أوجبه الله - عز وجل – [8] .

    ومنهم من يرى : أنَّ التعريضَ له بالرجوع يكون لمن لا يَعرِف أنَّ له الرجوع ، وإنْ عَلِمَ فلا [9] .
    .
    ذكر ابن القطان في الإقناع ( 2 / 152 ) : وأجمعوا أنه لا ينفع التلقين بعد الإقرار .
    وهكذا الواقع في الحقيقة : أنه ما اتهم أحد دليلا للدين إلا وكان المتهم هو الفاسد الذهن ، المأفون في عقله وذهنه ؛ فالآفة من الذهن العليل لا في نفس الدليل .
    وإذا رأيت من أدلة الدين ما يشكل عليك ، وينبو فهمك عنه ؛ فاعلم أنه لعظمته وشرفه استعصى عليك ، وأن تحته كنزًا من كنوز العلم ولم تؤت مفتاحه بعد - هذا في حق نفسك - .
    وأما بالنسبة إلى غيرك : فاتهم آراء الرجال على نصوص الوحي ، وليكن ردها أيسر شيء عليك للنصوص ؛ فما لم تفعل ذلك فلست على شيء ولو .. ولو ..
    مدارج السالكين 2 / 334

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المشاركات
    164

    افتراضي رد: حكم تلقين المتهم ما يدرأ عنه الحد .

    جميل لكن الخلاف واسع جدا في الموضوع.
    و لا تكتب بخطّك غير شيىء
    *********** يسرّك في القيامة أن تراه

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    656

    افتراضي رد: حكم تلقين المتهم ما يدرأ عنه الحد .

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد بن القاسم مشاهدة المشاركة
    جميل لكن الخلاف واسع جدا في الموضوع.

    بارك الله فيك ..
    وهكذا الواقع في الحقيقة : أنه ما اتهم أحد دليلا للدين إلا وكان المتهم هو الفاسد الذهن ، المأفون في عقله وذهنه ؛ فالآفة من الذهن العليل لا في نفس الدليل .
    وإذا رأيت من أدلة الدين ما يشكل عليك ، وينبو فهمك عنه ؛ فاعلم أنه لعظمته وشرفه استعصى عليك ، وأن تحته كنزًا من كنوز العلم ولم تؤت مفتاحه بعد - هذا في حق نفسك - .
    وأما بالنسبة إلى غيرك : فاتهم آراء الرجال على نصوص الوحي ، وليكن ردها أيسر شيء عليك للنصوص ؛ فما لم تفعل ذلك فلست على شيء ولو .. ولو ..
    مدارج السالكين 2 / 334

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •