وفيك بارك.. ولكنِّي -يا أخي- ما زلتُ أحيلك على ما تقدَّم ذكره مرارًا ممَّا تسأل عنه وقد تكرَّر تقريره وبيانه.
فالدليل -كما تقدَّم- على أنَّ الأذى يقوم أويلحق الخالق تعالى قوله تعالى في الحديث القدسي: (يؤذيني ابنُ آدم)؛ فابن آدم هو الفاعل لفعل الأذى، وياء يؤذيني هي المفعول به الأذى، إن أعربته نحوًا وبيَّنتُ معناه.
فإنَّ الذي وقع به الأذى هو الخالق، والذي وقع منه الأذى هو المخلوق.
كما بيَّنتُ لك في الغضب: الذي وقع منه الإغضاب هو المخلوق، والغضب قام بالخالق.
ولهذا لو لم يكن المعنى كذلك لكان الواجب أن يقال -بكلام عربيٍّ مبينٍ-: يحاول ابن آدم أذيَّتي ولا يقدر، أو لا أتأذَّى، أو نحو ذلك من وجوه البيان الذي يحصل به الإفهام، تمامًا كما قال في نفي الضَّرر في قوله تعالى: (لن تبلغوا ضرِّي فتضرُّوني).
أمَّا مسألة التَّلازم بين قيام صَفة (التأذِّي) بالخالق، وفعل سببها من قبل المخلوق، فقد تقدَّم أنَّه لا مانع من ذلك ولا إشكال فيه إذا فُهم أنَّ ذلك من تقدير الله وتسبيبه، ولو شاء أن لا يكون لقدَّره تعالى.
أمَّا سؤالك عن ذلك بـ( لماذا؟) فلأنَّ الله قدَّر ذلك وشاءه، أن لا يغضب إلَّا حين يغضبه عباده، ولا يتأذَّى إلَّا حين يؤذيه عباده... وهكذا.
والقاعدة عند أهل السُّنَّة السَّلفيَّة أنَّه لا يُقال -على وجه الاعتراض لا التعلُّم والسُّؤال- في أفعال الله: (لِمَ؟)، ولا في صفاته: (كيف؟).
والاستشكال في مثل هذا قد يجرُّ إلى استشكاله في صفاتٍ أخرى كثيرةٍ مضاهيةٍ له، وهذا ما هوى بالجهميَّة ومن نحا طريقتهم من المتكلِّمين في نفي بعض صفات الفعل؛ بحجَّة كون المخلوق يؤثِّر أويتسبَّب في فعل الخالق، وهذا نقصٌ له بزعمهم!
وتقدَّم الرَّدُّ على هذه الشُبَيهة من وجوهٍ أربعة، من مختصر الصَّواعق، فراجعه تستفد، والسَّلام عليكم.