«تربية المرأة والحجاب» كتاب لطلعت حرب يرد فيه علي تحرير المرأة لقاسم أمين
كتب - عبدالوهاب عيسي:


شهدت نهاية القرن العشرين ومطلع القرن الواحد والعشرين حراكًا ثقافيًا كبيرًا حول قضية رئيسية هي كيفية النهوض بمصر تبعها إثارة قضايا فرعية كثيرة دار حولها النقاش، بل ربما الجدل والخصومة أهمها قضايا المرأة، فقد رأي البعض أنه لتحقيق النهضة المنشودة للأمة المصرية لابد من دور أكبر للمرأة لا يكون إلا عبر تغيير نظرة المجتمع لها ومنحها موقعها الذي تستحقه في المجتمع بحصولها علي التعليم ورفض الربط بين أخلاق المرأة وحجابها أو سفورها وكان من أبرز من تبني هذه القضية قاسم أمين والذي خصص لها كتابيه «تحرير المرأة» والمرأة الجديدة «اللذان نشرا علي التوالي في العامين الأخيرين من القرن التاسع عشر. وبعد نشر الكتاب الأول ثارت ضجة هائلة وواجه أمين عاصفة شديدة من النقد والردود فتبعه بالكتاب الثاني ليؤكد إصراره علي موقفه وبين الكتابين كان أحد الردود

كتابا لطلعت حرب باشا «أبو الاقتصاد الوطني» كما لقبه المصريون سماه «تربية المرأة والحجاب» الذي أعادت مكتبة ومطبعة الغد طبعه مع دراسة وتحقيق للأستاذ ممدوح الشيخ وقد جاء الكتاب سلسا في أسلوبه فرغم مخالفته لأمين فإن الكتاب كان بعيدا عن التشنج في الرد الذي كان سمة هذا العصر فطلعت حرب باشا كان محافظا في أفكاره مقدسا لتقاليد الآباء والأجداد وقد أوضح رؤيته للخلاف في مقدمة الكتاب فقال «لقد انقسم الناس حول الكتاب الذي وضعه حضرة قاسم بك أمين إلي حزبين: حزب يري رأي المؤلف وهم قلائل يعدون علي الأصابع والحزب الآخر وهو الأعظم عددا أجمع علي استهجان ما ورد بالكتاب، وكلا الحزبين مسلم والحمد لله بأن الدين لا يمنع مطلقا تعليم المرأة وتربيتها ولكنهما يختلفان فيما ينبغي أن تعلمه المرأة وفي طريقة التعليم والتهذيب». وبالبحث عن أسباب هذا الرفض الجماهيري لكتاب قاسم أمين بدأ طلعت حرب كتابه وكانت نتيجة بحثه «أن الناس يرفضون الكتاب لأن رفع الحجاب والاختلاط أمنية تتمناها أوروبا من قديم الزمان وأن الكتاب جاء بمثابة هدية للأوروبيين» وقد وافق طلعت حرب الناس الرأي وزاد عليه ما يعد بمثابة القنبلة المدوية فقد اتهم حرب الخديو إسماعيل بأنه عرض علي الأوروبيين استقلال مصر مقابل «تبديل» أحكام القرآن وليس الحجاب فقط ونقل عن رسالة أرسلها حاكم مسلم معاصر للخديو إسماعيل، أكد طلعت حرب أنه اطلع عليها بنفسه، ما نصه «بلغنا أنكم كاتبتم ملوك أوروبا وتوجهتم بأنفسكم إليهم تطلبون منهم الإعانة علي الاستقلال بملك مصر والاستبداد بالسلطنة ليقال لكم ملك مصر أو فرعون مصر ولم يقنعكم لقب الخديو الذي شرفكم به سلطاننا في هذه المدة الأخيرة وذكرتم للمشار إليهم أنكم تضمنون لهم إن وقعت منهم الإعانة التي تطلبونها تبديل أحكام القرآن وفصل السياسة عن الدين بالمرة وتبيحون لنساء الأمة الجديدة التي تكـوِّنونها ما تبيحه العادات الإفرنجية وقوانينها من الحضور في مجامع الرجال ومواكبهم وغير ذلك ولا تظلمونهن بمثل ما ظلمتهن الشريعة الإسلامية....» أ. هـ ثم ناقش طلعت باشا حرب من خلال الكتاب عددًا من القضايا فقال عن خطته في كتابه «نبحث في المرأة ووظيفتها في العالم وفي حقيقة التربية الصحيحة والتعليم الحق اللازمين للبنين والبنات وفيما يجب أن يتخلق به النساء ثم نتبع ذلك بالكلام عن الحجاب أهو شرعي يأمر به الدين ويقضي به العقل أم هو بدعة وعادة سيئة ضرت ولم تنفع؟ ولكي يطابق الاسم مسماه سمينا الكتاب «تربية المرأة والحجاب» وهو اسم كنا نتمني أن يجعله حضرة قاسم بك أمين عنوانا لكتابه فإنه أليق به من اسم تحرير المرأة، حيث إن المرأة المسلمة بشهادة حضرته قد خولت لها الشريعة السمحة من نحو ثلاثة عشر قرنا حقوقا وامتيازات لم يحصل زميلاتها الفرنجيات علي جزء يسير منها إلا من عهد قريب».