الحلقة الاولى
قال الشيخ أبوعبود عبدالله عبود باحمران – حفظه الله – في التعريف الخامس من كتابه ( تعريف أولي النهى والأحلام بما في تعريف محمود سعيد ممدوح من الأخطاء والأوهام ):
التعريف الخامس
قد تبيَّن – إن شاء الله – خطأ ما يُشَغّب به ممدوح على الشيخ ناصر الدين الألباني – رحمه الله- , وأنَّ عمل الشيخ ناصر الدين بالحكم بالنكارة على رواية الضعيف وغيره هو الذي عليه عمل الأئمة ومتبعيهم بإحسان.

وفي هذا التعريف أُبيِّن – إن شاء الله – خروج ممدوح ومخالفته لأئمةٍٍ من أهل الاستقراء والسبر للمرويات في حكمهم على رواياتٍ بالشذوذ والنكارة فيأتي ممدوح ويردُّ حكمهم.

فحُكْمُ ابن عدي مثلاً على رواية بالنكارة والغلَط ؛ أتى بعد استقراء وسبر وموازنة خرج منها أنَّ هذه الرواية ترجِّح وقوع الخطإ فيها, فيضع هذه الرواية في ترجمة الراوي الذي أخطأ فيها ليستدل بها على ضعف حفظه, وإذا كثرت الروايات الخطأ في مرويات الراوي يستدل بذلك على سوء حفظه وكثرة خطئه, لذلك تجد من عبارات الجرح:
" فلان روى مناكير" وأشدُّ منها : " فلان يروي المناكير", وأشدُّ منها: "فلان في حديثه مناكير", وأشدُّ منها: "فلان له مناكير", وأشدُُّ منها: "فلان منكر الحديث", وأشدُّ منها: " فلان لا يعتبر بحديثه". هذا كله في الراوي.

وتجد : "هذا حديث منكر", " هذا حديث شاذ", " لفظ منكر", " لفظة منكرة", " لفظ شاذ", " لفظة شاذة". هذا كله في المروي.

وهنا يحصل اللَّبَس بين: "حديث منكر" – مثلاً- وعبارات الجرح السابقة المتفاوتة مِنْ : "روى مناكير" إلى " منكر الحديث " حيث يدخل الراوي الذي جُرِح بها في دائرة الاعتبار لأنَّ أشدَّ قول فيها وهو: " منكر الحديث " لا يعني أنَّ كل ما يرويه هو منكر أو متروك. هذا بخلاف قول : " هذا حديث منكر" فهذا لا يدخل في دائرة الاعتبار لماذا؟ لأنَّ الحكم بالنكارة أو الشذوذ لا يكون إلا بعد جمع الطرق والموازنة والمقارنة, فيظهر للحاكم ترجيح الرواية الخطإ فتكون هذه الرواية خطأ شاذة منكرة مردودة لا تدخل في دائرة الاعتبار فلا تتقوَّى بغيرها ولا تقوِّي غيرها.

لذلك قال الامام أحمد : " المنكر أبداً منكر". وقال الإمام الترمذي : "وأن لا يكون شاذاً"

** قال ممدوح في(1/172) : " إنَّ الحديث الضعيف الذي في دائرة الاعتبار داخل في الاحتمال إلا ما كان بسب شذوذ أو نكارة" اهـ.

لماذا ممدوح خالف قوله هذا وأدخل في كتابه (التعريف) كثيراً مِمَّا حكم عليه أئمة من أهل الاستقراء والسبر بالشذوذ أو النكارة؟.

أولاً: ليُحَقِّق غايته ويُفَجِّر غيظه بإثبات الوهم على الشيخ ناصر الدين الألباني ولو على حساب القواعد التي يكتبها ممدوح لتكون عليه حجة يوم القيامة.

ثانياً: دندنته- في المتابعات والشواهد- حول ما يتعلق بحال الراوي وتغافله عن حال المروي.

** ففي (التعريف) (1/309-317) تكلم في " متى يرتقي الضعيف إلى مرتبة الحسن", وردَّد كلامه هذا في (التعقيب اللطيف)(ص35-41) في " حول تقوية حديث الراوي الضعيف".

ففيهما : نقل قول الإمام الترمذي : " كل حديث يُروى لا يكون في إسناده متهم بالكذب , ولا يكون الحديث شاذَّاً, ويُروى من غير وجه نحو ذلك, فهو عندنا حديث حسن" اهـ. ودندن حوله.

فالإمام الترمذي بَيَّن أنَّه: ليس كل حديث يُرْوَى من غير وجه يتقوَّى ويكون حسناً لغيره حتى يتحقق فيه شرطان:

الأول : " لا يكون في إسناده متهم بالكذب". وهذا الشرط يتعلق بحال الراوي.
الآخر: " ولا يكون الحديث شاذاً". وهذا الشرط يتعلق بحال المروي.

ممدوح دندن – مع ما فيها- في الشرط الأول فقط, وتغافل عن الشرط الآخر فلم يذكر فيه شيئاً أبداً غيرتفسيره قول الإمام : " المنكر ابداً منكر" فقال في (التعقيب اللطيف)(ص40) :" فقوله:" المنكر منكر" معناه أنَّه فرد, ولذا يظلُّ على فرديته" اهـ.

إذا كان ممدوحاً يعني بالفرد هنا هو الجرح والرد, فلا كلام.

وإن أراد الفرد المقبول, فيكون مذهب الإمام أحمد- حسب تفسير ممدوح – لا يجوز كتابة الفرد المقبول. كيف ذلك؟

** قال ابن هاني في (مسائل الامام أحمد) (2/167/رقم 1925 و 1926) " قيل له: فهذه " الفوائد" التي فيها المناكير, ترى أن يكتب الحديث المنكر؟ قال: المنكر أبداً منكر.
قيل له: فالضعفاء؟ قال: قد يحتاج إليهم في وقت. كأنه لم ير بالكتابة عنهم بأسًا." اهـ.

فالأمام أحمد لا يرى بأسًا من كتابة حديث الراوي الضعيف, ويمنع من كتابة الحديث المنكر.

فيأتي ممدوح ويقول: " فقوله: " المنكر منكر" معناه أنَّه فرد, ولذا يظل على فرديته" فيكون مذهب الأمام أحمد – حسب تفسير ممدوح – لا يجوز كتابة الحديث الفرد المقبول. أيعقل هذا؟.

والشيخ ناصر الدين الألباني – رحمه الله – يمشي على طريق الإمام أحمد والترمذي قولاً وعملاً- قال في (صلاة التراويح)(ص57) : " .... فثبت أنَّ الشاذ والمنكر مِمَّا لا يعتد به ولا يستشهد به, بل إن وجوده وعدمه سواء" اهـ.

** أمَّا العمل فقال في (الصحيحة)(6/756) : " ... لا يصلح للشهادة لأنَّه منكر أيضاً كما سبق تحقيقه فكيف يقوي منكرٌ منكرًا؟." اهـ.

وقال في الضعيفة(12/373):" والجملة الأخيرة منه وهي .... فلا يصح الاستشهاد به ؛ لأنَّه منكر." اهـ.

لماذا ممدوح تغافل عن هذا؟

الجواب :
ثالثاً: قال الشيخ محمد عوامة في (الدراسة الحديثية) من (فقه أهل العراق) (ص271): " ولابن الهمام طريقة طريفة في تصحيح الأحاديث, هي طريقة المحدثين الفقهاء, وتختلف قليلاً عن طريقة المحدثين.

فالمحدثون يقوُّوْن الحديث إذا وُجد له متابعات أو شواهد أو كلاهما, ولا يلتفتون إلى تقويته من معاني أحاديث أخرى بعيدة عن لفظه.
أمّا الفقهاء منهم فيعتبرون هذا العاضد ويقوون الحديث به" اهـ.

وقد سبق أنَّ ممدوحاً سلك طريق ابن الهمام الذي خالف طريق الحافظ الزيلعي الحنفي.

وممدوح في (التعريف) هجم هجوم جائع على تقوية ما حكم أهل الاختصاص عليه بالنكارة أو الشذوذ من معاني أحاديث أخرى- كثيرة منها منكرة أو شاذة – بعيدة عن لفظ الحديث- الشاذ أو المنكر أو الضعيف- الذي يريد تقويتة فيحقق هدفه- وهذا بعيدا جدَّاً – أنَّ ناصر الدين الألباني وهم.

** ويؤكد هذا, قال ممدوح في (التعريف) (1/187) : " ولأهل الفقه والأصول نظر في قبول وردِّ الأحاديث. فدائرة القبول عندهم أوسع منها عند المحدثين." اهـ.

ودائرة القبول الأوسع هذه هي التي مشى عليها ممدوح ثمَّ هو بعد ذلك يقول: "كتاب عِلَل".

** وبين هذه الدائرة قبلُ فقال في (1/181): " وأهل الفقه يختلفون عن أهل الحديث في النظر للقوادح" اهـ.

وقد سبق أنَّ القدح بالشذوذ والنكارة خالف فيه الفقهاءُ أهلَ الحديث. وبهذا وَضُح الأمر.
وفي إثبات خروج ممدوح في:
1) ردّه حكم أهل السبر والموازنة بالنكارة أو الوهم في السند أو في المتن.
2) تقوية المنكر بالمنكر وغيره.

في هذا الإثبات اعتمدُ غالبًا على كتب الضعفاء خاصة (الكامل) لابن عدي و (المجروحين) لابن حبان.

فابن عدي وابن حبان ومعهم العقيلي ما يخرجونه في كتبهم من الأحاديث إنَّما يوردونه ليستدلوا به على ضعف الراوي لنكارة الحديث أو وهمه في متنه أو إسناده, فكل الأحاديث المُخَرَّجة فيها منكرة مردودة إلا القليل النادر الذي لم يصيبوا فيه من الاستشهاد به على ضعف الراوي أو الذي أوردوه خارجاً عن موضوع استدلاله.

لذلك مطلق العزو إلى هذه الكتب معلن بأن الحديث ضعيف كما صنع السيوطي في (الجامع الكبير).

وما يوردونه في ترجمة الراوي فهم يرون تحمله النكارة أو الوهم لا غيره وإن كان في السند مَنْ هو مثله في الضعف أو أعلى أو أدنى.

وإليك مِنْ قول ممدوح ما يؤكِّد مجمل ما قلتُ عن كتب العقيلي وابن عدي وابن حبان:

** قال ممدوح في (1/391) : " فبإشارة ابن حبان إلى تاريخه الكبير تعلم أنَّه مشى فيه على الاستقراء الذي تبعه معاصرة ابن عدي في الكامل" اهـ.

** قال ممدوح في (2/191): " وذكر له ابن عدي ما أنكر عليه (الكامل6/387, 389)." اهـ.

** قال ممدوح في (2/210): " ذكر ابن عدي في ترجمة بكير بن عامر البجَلي من الكامل (2/33) الحديث المذكور ثمَّ قال: " وبكير بن عامر هذا ليس بكثير الرواية, ورواياته قليلة ولم أجد له متنًا منكرًا, وهو مِمَّن يُكْتَبُ حديثه".

فهذا نصٌّ من حافظ كبير هو ابن عدي على عدم نكارة أيٍّ من ألفاظ الحديث المذكور." اهـ.

تأمَّل : فرحة ممدوح الواضحة في رَدِّ حكم الشيخ ناصر الدين الألباني اعتمادًا على قول الحافظ ابن عدي.

لكن كيف يكون موقف ممدوح مِنْ قول الحافظ الكبير ابن عدي إذا وافقه الشيخ ناصر الدين الألباني؟ الجواب معروف لأنَّ ممدوحاً هو ممدوح.

** قال ممدوح في (2/222) : " ولم يذكر ابن عدي فر ترجمته (6/198, 199) حديث الباب فتنبه." اهـ.

انتبهت, ولكن عندما يذكر ابن عدي في ترجمة الراوي حديث الباب هل تنتبه أم الغاية المستحكمة؟

** قال ممدوح في (2/240): " وقد أخرج ابن عدي الحديث في الكامل (2/250) في ترجمة سُليمان بن أرقم," اهـ.

وعمل ابن عدي هذا لم يقبله ممدوح.

** قال ممدوح في (2/388) : " فالحديث حديث الطويل, وأخرجه ابن عدي في ترجمته من الكامل (3/301), وأخرجه ابن حبان في المجروحين (1/339) في ترجمة سَلَّام الطويل" اهـ.

وردَّ ممدوح ذكرهما الحديث في ترجمة الطويل.

** قال ممدوح في (3/75) : "أمَّا ما أنكر عليه فذكر العقيلي له حديث "...."." اهـ.

وردَّ ممدوح قول العقيلي.

** قال ممدوح في (3/107) : " رحم الله ابن عدي, فكلامه كلام الناقد العارف" اهـ.

قطعاً وجد ممدوح ما يبحث عنه.

** قال ممدوح في (3/451) : " وابن عدي من أهل الاستقراء التام, وليس الخبر كالمعاينة." اهـ.

كم وكم خالف ممدوح وردّ حكم ابن عدي.

** قال ممدوح في (4/31) : " وقال ابن عدي في االكامل (6/2077): " لم أرَ له حديثًا منكرًا جدًّا فأذكره, وأرجو انَّه لا بأس به", ولم يذكر هذا الحديث في ترجمته." اهـ.

كم وكم ذكر ابن عدي, وأعرض ممدوح.

** قال ممدوح في (5/48): " أمَّا عن المنكرات فلم أرَ حديثاً منكراً ألصق به في الكتب التي ترجمت له, .... فقد ذكر له ابن عدي حديثاً واحداً وبرأه منه" اهـ.

كم وكم ذكر ابن عدي حديثاً وحمَّله الراوي, وأعرض ممدوح.

** قال ممدوح في (5/191) : " فإن ابن عدي قال : " لم أر له حديثاً منكراً", وهو من أهل الاستقراء التام, وقد تأخر وعرف الوجوه والطرق فقوله يكون بعد الفحص والنظر." اهـ.

كم وكم ردّ ممدوح حُكْم مَنْ حَكَم بعد الفحص والنظر.

** قال في (5/265) : " ودرّاج أبو السمح, تكلموا فيه بسبب مناكير له رواها عن أبي الهيثم, وهذه المناكير معروفة قد ذكرها ابن عدي في الكامل, فالواجب تحاشي هذه المناكير وقبول غيرها." اهـ.

كم وكم لم تتحاشَ يا ممدوح مناكير ذكرها ابن عدي وقَبِلْتَها.
** قال في (5/322): " وعمر بن يزيد قال ابن عدي: منكر الحديث , وذكر الذهبي هذا الحديث في الميزان (3/231) على أنَّه من منكراته تبعاً لابن عدي. " اهـ.

** قال في (6/179): " وما يقول ابن عدي هذه الجمل المتتابعة إلا بعد تعرف واعتبار, فقول ابن عدي هو أعدل الأقوال لأنَّ البحث والتدبر ظاهر عليه" اهـ.

إنا لله وإنا إليه راجعون, ممدوح يتحكم في أقوال ابن عدي فهذا أعدل وذاك يرده, بأي ميزان؟.

أقوال ممدوح هذه تدل على أنَّه معنا في مجمل ما سبق وذكرته, وبقيت أشياء أنقلها عن غيره.

** قال الشيخ أحمد الغماري في (المداوي) (1/630): " فابن عدي له كتاب الكامل في الضعفاء من الرجال لا في الأحاديث. وفي الترجمة يورد المتون التي انفرد بها الراوي والتي يستدل بها على ضعفه و وعزو الحديث لابن عدي وأمثاله مِمَّن ألف في الضعفاء خاصة والعقيلي وابن حبان يؤذن بأن الحديث ضعيف" اهـ.

** قال الشيخ أحمد الغماري في (المداوي) (3/530): " كتاب ابن عدي في الرجال الضعفاء, فكل ما فيه وأغلبه فهو مردود منكر, والعزو إليه مؤذن بذلك" اهـ.
وبهذا يكون –إن شاء الله- وضح ما مهدتُ به لبيان مخالفة ممدوح في الأمرين معًا.

وأبدأ –إن شاء الله- في إثبات مخالفة ممدوح في حديث أو أحاديث الباب فقط.
وأختار عدداً –من الجزء الثاني إلى السادس- تثبت بها-إن شاء الله- مخالفة ممدوح.

وأذكر رقم الحديث وسنده دون متنه إلا فيما لابدَّ منه.

1) الحديث (3): عند الترمذي - (1/ 17- شاكر), وابن ماجة(308) من حديث عبد الكريم بن أَبي المخارق, عن نافع, عن ابن عمَرَ, عن عمر.
وحديثه هذا ذكره ابن عدي في ترجمته من (الكامل) ثُمَّ قال (5/341)
”ولعبد الكريم بن أمية من الحديث غير ما ذكرتُ, والضعف بيِّن على كل ما يرويه" اهـ.

فهذا من مناكيره, ووضّح النكارة فيه الإمام الترمذي: "وإنما رفع هذا الحديث عبد الكريم بن أبي المخارق, وهو ضعيف عند أهل الحديث.

وروى عبيد الله عن نافع, عن ابن عمر قال: قال عمر رضي الله عنه: ما بلت قائمًا منذ أسلمت, وهذا أصح من حديث عبد الكريم" اهـ. من (ضعيف سنن الترمذي) (ص2-3).
وممدوح نقل مِنْ قول الترمذي : " وإنْما رفع هذا ..... منذ أسلمت" وترك عامدًا متعمدًا- حكم الإمام الترمذي : " وهذا أصح من حديث عبد الكريم" أهذا خُلُق أهل الحديث؟.

** قال ممدوح في (2/29): " فتبين أنَّ المرفوع ضعيف لأمرين, لضعف ابن أبي المخارق ومخالفته عبيدالله بن عمر الثقة الحافظ الذي أوقفه."اهـ.

ضعيف خالف ثقة أليس هذا هو المنكر حتى عند ممدوح نفسه؟

والنكارة هنا في الرفع, والمرفوع فيه نهيُ عمر عن البول قائماً والموقوف فيه إخبار عمر عن نفسه بترك البول قائمًا, وهذا لا يلزم منه النهي عن البول قائمًا.

ويظهر قبح هذه المخالفة ثبوت بول عمر وهو قائم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم, قال ابن أبي شيبة في (المصنف) (1/155/1311):" حدثنا ابن إدريس عن الأعمش عن زيد قال:
"رأيت عمر بال قائمًا". وعند ابن المنذر في (الأوسط) (1/334) من طريق الأعمش عن زيد بن وهب بأزيد مِمََّا هنا.

وإسناده صحيح كما قاله الشيخ ناصر الدين الألباني في (الضعيفة) (2/338-339).

ورؤية زيد بن وهب لعمر وهو يبول قائمًا قطعًا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

ويزيد نكارة ما أخرجه مالك في (الموطأ), والبيهقي من طريقه في (السنن) (1/102) عبد الله بن دينار؛ أنَّه قال: "رأيت عبد الله بن عمر يبول قائمًا". وقال عقبه البيهقي : "وهذا يضعف حديث عبد الكريم" اهـ.
وذلك لأنَّ حديث عبد الكريم هو من طريق عبد الله بن عمر عن أبيه عمر رضي الله عنهما وليس من خلق ابن عمر يبلغه النهي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أمر ثُمَّ يخالفه.

بعد هذا كله يقول ممدوح عن حديث عبد الكريم : "بل صحيح".

هل أتى ممدوح بمتابع لعبد الكريم؟ هذا لا يمكن بعد حكم أئمتنا.

هل أتى ممدوح بشاهد لحديث عبد الكريم في نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عمر رضي الله عنه من البول قائمًا؟.

لا يوجد شيء مِنْ ذلك, وإنِّما ذكر شاهِدَيْن في النهي عن البول قائمًا.

رواية فيها نهي عام تقوَّى بها رواية فيها نهي لشخص معين, أليست هذه التقوية هي التي ذكرها عوامة وسبق نقلها؟.

البحث ليس في النهي عن البول قائمًا, إنِّما البحث هل ثبت أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهي عمر عن البول قائمًا؟.

وبهذا ثبتت مخالفة ممدوح في الأمرين.

** قال ممدوح في (2/49) : " وهذا الموقوف الصحيح له حكم الرفع, فقوله "منذ أسلمت" مشعر بتلقيه هذا الأدب من النبي صلى الله عليه وآله وسلم, فهذا المرفوع حكمًا فيه غنية لتقوية حديث الباب" اهـ.
الرواية التي ثبتت المخالفة فيها نقويها ونرفع المخالفة عنها بالدليل الذي به أثبتنا وجود المخالفة. أهذه طريقة علل يا ممدوح؟.

الوقف على عمر هي العلة التي بها عللنا رواية عبد الكريم المرفوعة في نهي عمر عن البول قائمًا, فكيف ينقلب الأمر وتكون العلة هي المقوّية للمعلول وهي سبب علته.

ومع هذا نمشي مع صاحب (كتاب عِلَل) :
في رواية عبدالكريم المنكرة المردودة –القوية عند ممدوح-:
"رآني النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنا أبول قائمًا فقال: " يا عمر لا تَبُلْ قائمًا" فما بُلْتُ قائمًا بعد". نأخذ منها:
1- أنَّ عمر بال قائمًا بعد إسلامه.
2- نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عمر عن البول قائمًا بعد أسلامه.
3- بعد نهيه قال: " فما بلتُ قائمًا بعد".

فرواية عبد الكريم –المنكرة- تفيد أن عمر يخبر عن نفسه أنَّه لم يبل قائمًا بعد نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم له عن ذلك.

أمَّا الرواية الموقوفة الصحيحة ففيها " ما بلت قائمًا منذ أسلمت" فهل هذه تقوّي تلك أم هي مخالفة لها تمام المخالفة وتزيد بها نكارة رواية عبد الكريم؟.

ثُمَّ ثبوت بول عمر قائمًا-قطعًا- بعد إسلامه, فهل عمر رضي الله عنه ترك الأدب الذي تلقاه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أم أنَّ الأمر لا تعلق له بالأدب الذي به تمحك ممدوح وقال: " له حكم الرفع" وإنَّما هو الأمن من رشاش البول فقط؟.

** قال الحافظ في (فتح الباري) (1/330) : "وقد ثبت عن عمر وعلي وزيد بن ثابت وغيرهم أَنَّهم بَالوا قيامًا وهو دال على الجواز من غير كراهة إذا أمن الرشاش, والله اعلم, ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النهي عنه شيء" اهـ.

تأمل :" دال على الجواز مِنْ غير كراهة إذا أَمن الرشاش".

تأمل : "لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النهي عنه شيء".
** هذا قول مَنْ وصفه ممدوح فقال في (2/42) : " فللَّه دَرُّ الحافظ ابن حجر الذي فاق في معرفته وتذوقه للفن عدداً من أكابر الحفاظ المتقدمين" اهـ.

وممدوح خالف الإمام الترمذي و ابن عدي وابن حجر ومتبعهم بإحسان الشيخ ناصر الدين الألباني –رحمه الله-فقال في حديث عبد الكريم هذا في (2/28) : "بل صحيح, وإطلاق الضعف على لمرفوع والموقوف فيه نظر" اهـ.

مع قوله في (2/28) : " وقد تفرد به عبد الكريم بن أبي المخارق"اهـ.

فهو منكر لتفرُّد عبد الكريم الضعيف. وهذا منكر عند ممدوح أيضًا.