مَن كان موافقًا لأهل السنة في أصول الاستدلال وهي : الاستدلال بالكتاب والسنة والإجماع والقياس فهو من أهل السنة ، فإن أخطأ في استدلاله فهو يخرج عن دائرة الصواب لكنه لا يخرج عن دائرة أهل السنة كما يقول الشيخ الددو .
من وافق أهل السنة في أصول الاستدلال سواء في الفقه أو العقيدة فهو من أهل السنة وإن أخطأ في النتيجة .. ما المُشكلة في هذه العبارة ؟
وهل في الاعتقاد قياس؟
القياس إنّما يصحّ إذا تحقّقت شروطه سواءٌ في الفقه أو العقيدة .. ولا يصح قياس عالم الغيب على عالم الشهادة ..
قال ابن تيمية : ((الله سبحانه وتعالى يستعمل في حقه قياس الأولى كما جاء بذلك القرآن وهو الطريق التي يسلكها السلف والأئمة كأحمد وغيره من الأئمة فكل كمال ثبت للمخلوق فالخالق أولى به وكل نقص ينزه عنه مخلوق فالخالق أولى أن ينزه عنه)) شرح الأصبهانية (١٥١)
هذا النوع من القياس اختلف العلماء في تسميته قياسًا، وهو المعروف بمفهوم الموافقة، وفحوى اللفظ، ومنهم من سماه بدلالة النص، ويسمى بفحوى الخطاب، ولحن الخطاب، وبالقياس الجلي، وبالتنبيه، ومن سماه قياسًا سماه تجوزًا، قال الطوفي -بعد أن ذكر أدلة الفريقين- قلت: دليل المسألة متجاذب، وكأن ما قاله الآمدي أرجح" شرح المختصر "2/ 720" فكأنه يريد أن يقول: إن الخلاف في المسألة خلاف لفظي، وإن كان يرجح ما ذهب إليه القائلون بأن هذا المفهوم ليس من باب القياس، وإنما هو من قبيل فحوى الدلالة اللفظية.
قال عبد الله بن صالح الفوزان في شرحه: (تيسير الوصول إلى قواعد الأصول ومعاقد الفصول): (صـ 318): (والعقائد فقد اتفق أهل السنة على أن القياس لا يجري فيها إن أدى إلى البدعة والإلحاد، وتشبيه الخالق بالمخلوق، وتعطيل أسماء الله وصفاته وأفعاله، وإنَّما يصح القياس في باب التوحيد إذا استُدل به على معرفة الخالق وتوحيده، ويستخدم في ذلك قياس الأولى، لئلا يدخل الخالق والمخلوق تحت قضية كلية يستوي أفرادها، ولئلا يتماثلا في شيء من الأشياء، قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]، بل كل كمال ـ لا نقص فيه بوجه ـ ثبت للمخلوق فالخالق به أولى، وكل نقص وجب نفيه عن المخلوق فالخالق أولى بنفيه عنه).
قال الجيزاني في كتابه: (معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة): (صـ 451): (حجيته، ونوع دلالته
مفهوم الموافقة حجة بإجماع السلف (1) .
قال ابن تيمية: «بل وكذلك قياس الأولى وإن لم يدل عليه الخطاب، لكن عرف أنه أولى بالحكم من المنطوق بهذا، فإنكاره من بدع الظاهرية التي لم يسبقهم بها أحد من السلف، فما زال السلف يحتجون بمثل هذا وهذا» (2) .
وإنما وقع الخلاف في دلالته: هل هي لفظية أو قياسية؟ (3) .
وقد نقل الشافعي هذا الخلاف فقال: «وقد يمتنع بعض أهل العلم من أن يسمي هذا قياسًا، ويقول: هذا معنى ما أحل الله وحرم، وحمد وذم؛ لأنه داخل في جملته فهو بعينه، لا قياس على غيره.
......ويقول غيرهم من أهل العلم: ما عدا النص من الكتاب أو السنة فكان في معناه، فهو قياس. والله أعلم» (4) .
وعلى كل فالخلاف كما هو واضح يرجع إلى التسمية لحصول الاتفاق على أن دلالته قد تكون قاطعة (5) .
(1) انظر: "الرسالة" (513) ، و"جامع بيان العلم وفضله" (2/74) ، و"روضة الناظر" (2/254) ، و"مختصر ابن اللحام" (150) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/483، 4/207، 208) ، و"مذكرة الشنقيطي" (250) .
(2) "مجموع الفتاوى" (21/207) .
(3) انظر: "روضة الناظر" (2/200) "قواعد الأصول" (68) ، و"مختصر ابن اللحام" (132) ، و"القواعد والفوائد الأصولية" (286، 287) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/483) ، و"مذكرة الشنقيطي" (237) .
(4) "الرسالة" (515، 516) .
(5) ذكر بعضهم أن من فوائد هذا الخلاف: تجويز النسخ بمفهوم الموافقة عند من يقول: إن دلالته لفظية، ومنع النسخ به عند من يقول: إنها قياسية. والصحيح أن تسميته قياسًا لا تضر وأن النسخ يجوز به إن كانت علته منصوصة. انظر: "روضة الناظر" (1/232، 233، 2/202) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/486) ، و"نزهة الخاطر العاطر" (1/233) ، و"مذكرة الشنقيطي" (89، 90) .
من وافق أهل السنة في أصول الاستدلال ؛ بأيّ حقّ نُخرجه من أهل السنة والجماعة ؟
قال الإمام البربهاري -رحمه الله تعالى- في كتابه شرح السنة:
(ولا يحل لرجل مسلم أن يقول: فلان صاحب سنة, حتى يعلم منه أنه قد اجتمعت فيه خصال السنة, لا يقال له: صاحب سنة, حتى تجتمع فيه السنة كلها).
وقال الإمام البربهاري الحنبلي في كتابه (شرح السّنة) ص 113، 114: " وإذا رأيت الرجل يدعو على السلطان، فاعلم أنه صاحبُ هوى، وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح، فاعلم أنه صاحب سنة ".
فانظر كيف حكم البربهاري على الرجل بأنه صاحب هوى لمجرد أنه يدعو على السلطان بغض النظر عن باقي ما يعتقده من أصول وطرق استدلال قد يكون موافقاً فيها لأهل السنة.
وأنصحك أن تشاهد من اليوتيوب شرح الشيخ صالح بن فوزان الفوزان على شرح السنة للبربهاري فهو من أفيد الشروح المسموعة وهو - أي كتاب البربهاري - من أفضل كتب العقيدة التي مَن تعلمه تَعَلّم منهج السلفية الصحيحة.
وهل رأي الإمام البربهاري معصوم .. وهل هو حجة على غيره !!
هذا هو الكلام الذي يجب ان يلتزم، و اما عن اعتراض الشيخ ابي البراء فيقال ان الاشاعرة و غيرهم لم يوافقوا اهل السنة في أصول الاستدلال ذلك أنهم حكموا المنطق الارسطي علي الكتاب و السنة و نبذوا الحكم العربي، و إن قيل إن الخوارج لم يعرفوا لسان ارسطوطاليس فيقال أن الخوارج حادوا عن الكتاب و السنة جملة، لم يأخذوها بلسان عربي و لا غير عربي و لذلك نقل العلماء انهم لم يكن لهم إرث علمي يعرف به حالهم أو مقالهم
العقل له مدخلٌ في الاستدلال، والجميع متّفق على أنّ النقل الظنّي إذا خالف العقل القطعي اليقيني، فإنّه يُؤخذ باليقيني وليس بالظنّي، فاليقين مُقدّمٌ على الظنّ، فإذا اجتهد مجتهدٌ من الأشاعرة وأخطأ فجعل بعض العقليّات الظنّية محل قطعٍ ويقين وقدّمها على النصوص الظنّية، هل نُخرجُه من أهل السنّة مع أنّه يصرّح بأنّ النقل القطعي لا يمكن أن يتعارض من العقل القطعي!
أنا لم يتبين لي إلي الآن وجه الاعتراض علي قول الأخ أبي البراء الجهني (من وافق أهل السنة في أصول الاستدلال سواء في الفقه أو العقيدة فهو من أهل السنة وإن أخطأ في النتيجة) و إلي أي فرقة ينسب من قال بالتفويض أو تأول حديث النزول من أئمة أهل السنة كالنووي وغيره و كيف يوجه اختلاف الشيخين ابن تيمية و ابن القيم في تأويل قول الله تعالي (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) و كذلك اجتهاد الشيخ ابن باز في حديث ظل العرش ، ثم ان العالم ببدعته الداعي اليها ليس كالمقلد الجاهل فيما أعلم، و مقصد الأخ أبي البراء الجهني – فيما أري - مقصدٌ حسنٌ إن شاء الله؛ فجمع كلمة المسلمين ضرورة شرعية في زمان تكالبت علينا الامم فيه تكالب الاكلة علي قصعتها، و جمع الكلمة هذا سهل ميسور بإذن الله بالضوابط الشرعية، أما الكلام عن المنطق و ما فيه فلست أهلا لذلك و لكن لعلي أساعد ان شاء الله في هذا، و الله يهدي من يشاء الي صراطٍ مستقيم