بارك الله فيك أخي محمد بن عبدالله
يعني يا أخي أبا مسهر إن اختلفت الروايات عن أبي الأحوص في لفظ الحديث هل يعني ذلك أن إسحاق رواها جميعا بهذا اللفظ أو أن أبا الأحوص أو أحد الرواة عن أبي الأحوص روى الحديث بالمعنى ؟ عندما تتفق مخارج الحديث عن راو معين فلا يمكنك أن تقول أنها أحاديث مختلفة لابد من تحديد اللفظ الصحيح للحديث و في هذا الحديث بالذات يقدم صحيح مسلم لأنه في رتبة أعلى مع كثرة رواة لفظه حديثه عن ابي الأحوص : و هم يحيى بن يحيى ، وقتيبة بن سعيد ، وأبو بكر بن أبي شيبة فهؤلاء ثلاثة ثقات حفاظ و بسند عال بعكس لفظ الطبراني فهو عن معاذ بن المثنى و يوسف القاضى عن مسدد فالسند هابط و الراوي واحد فكيف تجعلهما حديثين !!!!
لن أجادل فى شيء كهذا
ففى جميع الأحوال يكون أبو إسحاق ثقة حجة حتى بعد الإختلاط !
ألا تتفقون معى ؟
لو أنك قلتَ : لا أعلم أن النقاد .....إلخ. لكان خيرا لك من التقحُّم في دعوى تضيق عنها عمائم أُولي العزائم !
وكذا قولك:نعم أنكروا عليه بعض الأخطاء لكن لم يكن سببها اختلاطه أو تدليسه ولم يذكروا ذلك !فهو من تلك البابة التي دونها ما ورائها ؟!
والحق: أني لم أتكلف البحث في ألفاظ النقاد المتقدمين بشأن ما يهدم هذه الدعاوي الصائحة ! وحسبي ما فهمتُه وغيري من تصرفاتهم على صواب ما نزعنا إليه أول مرة.
لكني أزيد في الطنبور نغمة وأقول: نعم قد وقفتُ- عفوا - على ما يفيد إعلال بعض المتقدمين شيئا مما رواه عمرو بن عبد الله الهمداني بعد اختلاطه ! وكذا إعلالهم شيئا أخرا لكونه لم يذكر فيه سماعه !
أما الأول: فهو قول الحافظ أبي عيسى الضرير في ( علله الكبير) : (
حدثنا قتيبة ، وهناد ، قالا : حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله ، قال : خرج النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته فقال : « التمس لي ثلاثة أحجار » قال : فأتيته بحجرين وروثة ، فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال : « إنها ركس »
وقال زهير : حدثنا أبو إسحاق قال : ليس أبو عبيدة ذكره ولكن عبد الرحمن بن الأسود ، عن أبيه قال : قال ابن مسعود : برز النبي صلى الله عليه وسلم للغائط.
وقال زكريا بن أبي زائدة ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن الأسود بن يزيد ، عن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وقال معمر : عن أبي إسحاق ، عن علقمة ، عن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم وتابعه عمار بن رزيق .
فسألت محمدا عن هذا الحديث فقلت : أي الروايات عندك أصح في هذا الباب ؟ فلم يقض فيه بشيء وكأنه رأى حديث زهير أصح ، ووضع حديث زهير في كتاب الجامع .
وسألت عبد الله بن عبد الرحمن عن هذا فلم يقض فيه بشيء
قال أبو عيسى : رواية إسرائيل وقيس بن الربيع ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا هو عندي أشبه وأصح ، لأن إسرائيل أثبت في أبي إسحاق من هؤلاء ، وتابعه على ذلك قيس بن الربيع.
وسمعت محمد بن المثنى يقول : سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول : ما فاتني الذي فاتني من حديث سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق إلا لما اتكلت به على إسرائيل لأنه كان يأتي به أتم .
قال أبو عيسى : وزهير في أبي إسحاق ليس بذاك لأن سماعه من أبي إسحاق بأخرة ، وأبو إسحاق في آخر زمانه كان قد ساء حفظهقلتُ: فتأمل تعليل أبي عيسى لرواية زهير بكونه سمع من أبي إسحاق بآخرة،
وأبو إسحاق في آخر زمانه كان قد ساء حفظه !
فها هو أبو عيسى الحافظ: يردُ خطأ رواية زهير إلى كون أبي إسحاق قد ساء حفظه أخيرًا ! فالآفة منه ولا بد !
فهل هذا المثال: يصلح لتقويض دعوى أن النقاد المتقدمين لم يعلوا حديثًا بتغير أبي إسحاق ! أم لا بد من مثال غير هذا ؟
ولا فرق في الإعلال بين المتن والإسناد كما هو معلوم. فالإعلال حاصل حاصل.
وأما الإعلال بعدم تصريح أبي إسحاق بالسماع: فيكفي فيه ما رواه أبو بكر ابن عياش لابن إدريس قال:
حدثنا أبو إسحاق عن أصحابه أن ابن مسعود كان يشرب الشديد - يعني النبيذ المشتد - فقال له عبد الله بن إدريس: استحييت لك يا شيخ من أصحابه؟
وأبو إسحاق إذا سمى من حدث عنه ولم يقل سمعت لم تكن حجةقلتُ: فها هو ابن إدريس قد أعل ما رواه أبو إسحاق بكونه لم يقل فيه: سمعتُ !
فلْيُنْظَر في هذين المثالين بعين الإنصاف. والله المستعان لا رب سواه.
أما الأول فهلا أبرزت لنا وجه الخطأ ؟
لتعرفنا هل هو مؤثر أم لا ؟
و أما الحديث الثانى فالخطأ فيه من المجهول الذى روى عنه أبو إسحاق لا من أبو اسحاق نفسه ؟
و أما سوء حفظه فقد بينت سابقا ما هو بالمثال وافقنى من وافقنى وخالفنى من خالفنى
و إن كنت تريد ألف مثال على أن إختلاط أبو إسحاق لا يقدح أبدا فى صحة حديث أتيتك
و لاحظ أن "ساء حفظه" شيء و "اختلط" شيء آخر
هذا دليل على كونك لم تتمعن في كلام أبي عيسى أصلا ! فأعدْ فيه الكرة يا عبد الله.
وأما قولك:
و أما الحديث الثانى فالخطأ فيه من المجهول الذى روى عنه أبو إسحاق لا من أبو اسحاق نفسه ؟
فليس بجيد ! لأنه ليس ثمة خطأ محقق أصلا !
وإنما هو احتمال تدليس أبي إسحاق في سنده ! لكونه لم يذكر فيه سماعًا !
مع كوني أرى: أن أبا إسحاق لو كان صرح بالسماع من أصحابه الذين حدثوه عن ابن مسعود، ما كنتُ أرى أن ابن إدريس يغمز في روايته !
وذلك لكون: ابن إدريس يدري أن أبا إسحاق إنما يروي عن ابن مسعود بواسطة كبار أصحابه كالأسود والأرقم وعبيدة وعلقمة - إن ثبت منه سماعه - وأبي ميسرة وصلة بن زفر وغيرهم من الثقات الأكابر .
فإذا قال أبو إسحاق: حدثنا أصحابنا عن ابن مسعود ... قوي الظن بصحة الرواية، وهذه الترجمة شبيهة بترجمة إبراهيم عن ابن مسعود تماماً.
فالحاصل: أن الظاهر أن ابن إدريس قد أعل رواية أبي إسحاق بكونه لم يذكر سماعه فيها من أصحابه عن ابن مسعود .
وعلى كل حال: فثمة أمثلة أخرى لدينا نذكرها تباعًا إن شاء الله.
ويشهد له كلام الإمام العلائي السابق
وكنت سأتبع مشاركتي بكلام الشيخ حتى يفهم ذلك لكني شغلت وخرجت
أما ما ذُكر من أمثلة فلا أظنها واردة على كلام الشيخ ومن وافقه وذلك أن مراد الشيخ هو:
أنه لا يعلم عن المتقدمين النقاد جعل ما راوه الراوة عن أبي إسحاق بعد الاختلاط أو ما راوه هو معنعنا = معلولا ولكنهم يجعلون حديث أبي إسحاق حجة مطلقا كالزهري وقتادة ونحوهما من الأئمة إلا ما دلت القرائن على خطئه ونكارته
ومن هذه القرائن وجود الاختلاف فترجح رواية من روى عنه قبل الاختلاط على ما روى عنه بعده
وفي التدليس إذا لم تكن ثمت قرينة أخرى علق سبب التعليل بعنعنة أبي إسحاق
لا أنها علة مستقلة في حديثه
فالأصل عندهم عدم التعليل بذلك لا بتدليسه ولا باختلاطه إلا ما دل الدليل والقرائن على التعليل بذلك
وهو معنى ما ذكرتُ آنفا إذ قلت:
وما ذكرته بعد ذلك في قولي:"4. وهو الأهم: هل يقال بأن الأصل في رواية أبي إسحاق الصحة _سواء كانت الرواية عنه من طريق من سمع منه قبل الاختلاط أو بعده_ إلا ما ثبت تبيُّن تأثير اختلاطه في رواية بعينها".
"فنقطة الخلاف في تحديد الأصل وبيانه في رواية أبي إسحاق المعنعنة والتي بعد الاختلاط.تنبيه : الصواب أن منهج المتقدمين من نقاد السنن والآثار في حكم التدليس أن فيه تفصيلا ولا ترد رواية المدلس مطلقا:
فمثلا : من وصم بالتدليس ولم يكن كثيره فالأصل قبول روايته ما لم يعلم أنه دلس في حديث بعينه
ومن كان مكثرا منه فالأصل الاحتياط والتوقف في روايته ما لم يعلم أنه لم يدلس في رواية بعينها
وهناك تفاصيل أخرى تطلب في مظانها
وكذلك يقال في الاختلاط على التفصيل السابق".
فبعض المتأخرين جعل يعل حديث أبي إسحاق المعنعن بدعوى أنه مدلس
فكلما وقف على حديث معنعن له توقف فيه ولم يقبله بدعوى أن أبا إسحاق مدلس فإذا جمع طرق الحديث ولم يجده صرح بالسماع أو التحديث رده بتلك الدعوى
وكلما وقف على حديث له من رواية من روى عنه بعد الاختلاط أعله بدعوى الاختلاط
وهذا خلاف منهج الأئمة المتقدمين
فلم يعلم ذلك عنهم
بل جعلوا حديث أبي إسحاق حجة مطلقا بعد الاختلاط وقبله معنعنا كان أو غير معنعن
وجعلوا هذا هو الأصل واستنوا من ذلك بعض الأوهام الواقعة في حديثه من الأصل
واستدلوا على تلك الأوهام بما قدمنا ذكره آنفا
فعلم بذلك تفسير كلام الترمذي في قضية الاختلاط وكلام ابن إدريس في التدليس وعلى أي وجه يحمل
وولذلك قال الإمام العلائي:
"ولم يعتبر أحد من الأئمة ما ذكر من اختلاط أبي إسحاق، بل احتجوا به مطلقا، وذلك يدل على أنه لم يختلط في شيء من حديثه.".
وهذا فهم دقيق
ولاشك أن العلائي ومن وافقه قد وقفوا على كلام الترمذي وأبي زرعة وأحمد وغيرهم فإنه قريب ليس ببعيد
لكن الواقع الحديثي وعلمهم بالمنهج التطبيقي لهؤلاء النقاد حملهم على هذا القول وذلك المذهب
وهذا ما حمل الإمام الذهبي أن يفسر كلام النقاد التفسير الذي ارتضاه في كتبه والذي سبق نقله
فالمنهج التطبيقي له دور في فهم كلام الأئمة وتوجيه القول النظري
وأنت إذا ذهبت تبطل أحاديث زهير عن أبي إسحاق
وإسرائيل عن أبي إسحاق
وزكريا عن أبي إسحاق
من أجل أنهم سمعوا منه بعد الاختلاط
أفسدت حديث أبي إسحاق
فالقضية في فهم كلام المتقدمين
فقد أخطأ بعض المتأخرين لما رأى في كلام المتقدمين إتهام أبي إسحاق بالتدليس والاختلاط
ففهم الكلام على غير الوجه الذي أرادوه
فقلب الأصل وجعل القليل النادر والمستثنى من الأصل أصلا
والله أعلم
تم
و هذه الرسالة الجامعية أحاديث أبي إسحاق السبيعي في الكتب الستة والمسند :
http://www.4shared.com/file/fnWzL-2J/_______.html