بسم الله الرحمن الرحيم

مسألة تحريم الزوجة أو غيرها من الاطعمة والالبسة اختلف في حكمها العلماء اختلافا كثيرا حتى وصلت الآراء إلى أكثر من العشرة وأنا أذكر الرأي الراجح فقط هنا للإختصار عدم التطويل فأقول:

أولا / تحريم الزوجة: أ- إن نوى الطلاق وقع الطلاق وهو قول جماهير العلماء.
قال صديق حسن: وأما إذا أراد الطلاق بلفظ التحريم غير قاصد لمعنى اللفظ بل قصد التسريح فلا مانع من وقوع الطلاق بهذه الكناية كسائر الكنايات. الروضة الندية (2/78)
ب- إن نوى الظهار أو التحريم أو لم ينوي شيئا فقال بعض أهل العلم أنه عليه كفارة يمين وهو قول قوي، ولكن الراجح أنه لغو مع الإثم .

ثانيا/ تحريم غير الزوجة كالأمة والطعام والشراب واللباس:
أقوى الأقوال اثنان: الاول أنه يمين يكفرها والثاني وهو الراجح أنه لغو.

فالراجح في التحريم سواء كانت زوجة أو أمة أو طعام أولباس أوغيرها أنه لغو لا كفارة فيه مع حصول الأثم، وهو قول ابن جرير الطبري والشوكاني والصنعاني. ونسبه الالوسي في تفسيره لمسروق وربيعة وأبو سلمة والشعبي وأصبغ.
وهو قول الشافعي إلا تحريم عين الزوجة فقال بالكفارة. (فتح الوهاب:2/126)

قال ابن جرير الطبري في تفسير سورة التحريم: والصواب من القول في ذلك أن يقال: كان الذي حرّمه النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم على نفسه شيئًا كان الله قد أحله له، وجائز أن يكون ذلك كان جاريته، وجائز أن يكون كان شرابًا من الأشربة، وجائز أن يكون كان غير ذلك، غير أنه أيّ ذلك كان، فإنه كان تحريم شيئ كان له حلالا فعاتبه الله على تحريمه على نفسه ما كان له قد أحله، وبين له تحلة يمينه في يمين كان حلف بها مع تحريمه ما حرّم على نفسه.
فإن قائل قائل: وما برهانك على أنه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كان حلف مع تحريمه ما حرم، فقد علمت قول من قال: لم يكن من النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في ذلك غير التحريم، وأن التحريم هو اليمين؟ قيل: البرهان على ذلك واضح، وهو أنه لا يعقل في لغة عربية ولا عجمية أن قول القائل لجاريته، أو لطعام أو شراب، هذا عليّ حرام يمين، فإذا كان ذلك غير معقول، فمعلوم أن اليمين غير قول القائل للشيء الحلال له: هو عليّ حرام. وإذا كان ذلك كذلك صحّ ما قلنا، وفسد ما خالفه. وبعد، فجائز أن يكون تحريم النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ما حرم على نفسه من الحلال الذي كان الله تعالى ذكره، أحله له بيمين، فيكون قوله:( لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ ) معنا: لم تحلف على الشيء الذي قد أحله الله أن لا تقربه، فتحرّمه على نفسك باليمين.
وإنما قلنا: إن النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حرم ذلك، وحلف مع تحريمه، كما حدثني الحسن بن قزعة، قال: ثنا مسلمة بن علقمة، عن داود بن أبي هند، عن الشعبيّ، عن مسروق، عن عائشة قالت: آلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وحرم، فأُمِر في الإيلاء بكفارة، وقيل له في التحريم( لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ).انتهى

قال الصنعاني في سبل السلام (3/1091):والمسألة اختلف فيها السلف من الصحابة والتابعين والخلف من الأئمة المجتهدين حتى بلغت الاقوال الى ثلاثة عشر قولا اصولا وتفرعت الى عشرين مذهبا (الاول) أنه لغو لا حكم له في شيء من الاشياء وهو قول جماعة من السلف وقو الظاهرية والحجة على ذلك ان التحريم والتحليل الى الله تعالى كما قال ( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام ) وقد قال لنبيه صلى الله عليه وسلم(لم تحرم ما أحل الله لك) وقال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ) قالوا ولأنه لا فرق بين تحليل الحرام وتحريم الحلال فلما كان الاول باطلا فليكن الثاني باطلا ثم قوله هي حرام إن اراد الانشاء فانشاء التحريم ليس إليه وان اراد الاخبار فهو كذب قالوا ونظرنا الى ما سوى هذا القول فوجدناها اقولا مضطربة لا برهان عليها من الله فتعين القول بهذا وهذا القول يدل عليه حديث ابن عباس وتلاوته لقوله تعالى ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) فإنه دال على انه لا يحرم بالتحريم ما حرمه على نفسه فان الله تعالى انكر على رسوله تحريم ما احل الله له وظاهره انها لا تلزم الكفارة وأما قوله تعالى ( قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ) فإنها كفارة حلفه صلى الله كما أخرجه الطبري بسند صحيح عن زيد بن أسلم التابعي المشهور قال: أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أم ابراهيم ولده في بيت بعض نسائه فقالت يا رسول الله في بيتي وعلى فراشي فجعلها عليه حراما فقالت كيف تحرم الحلال فحلف بالله لا يصبها ، والحديث وان كان مرسلا فقد اخرج النسائي بسند صحيح عن انس رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم كانت له امة يظؤها فلم تزل به حفصة وعائشة حتى حرمها فأنزل الله ( يا أيها النبي لم تحرم ) وهذا أصح طرق سبب النزول والمرسل عن زيد قد شهد له هذا فالكفارة لليمين لا لمجرد التحريم وقد فهم هذا زيد بن أسلم فقال بعد روايته القصة: يقول الرجل لامرأته انت على حرام لغو وأنما يلزمه كفارة يمين ان حلف، وحينئذ فالاسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم الغاء التحريم والتكفير ان حلف وهذا أقرب الأقوال المذكورة وأرجحها عندي فلم أسرد شيئا منها. انتهى

وروى الطبري بسنده عن الشعبي قوله : أن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حرم جاريته، قال الشعبيّ: حلف بيمين مع التحريم، فعاتبه الله في التحريم، وجعل له كفارة اليمين.