قال ابن القيم في كتابه " طريق الهجرتين وباب السعادتين " (1/516) :
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية [قدس الله روحه] يقول: قال لى بعض شيوخ هؤلاءِ : " المحبة نار تحرق من القلب ما سوى مراد المحبوب ، والكون كله مراده ، فأى شيء أبغض منه " ، قال : فقلت له : فإذا كان المحبوب قد أبغض بعض ما فى الكون ، فأبغض قوماً ومقتهم ولعنهم وعاداهم فأحببتهم أنت وواليتهم ، تكون موالياً للمحبوب موافقاً له ، أو مخالفاً له معادياً له ؟ قال : فكأنما أُلقم حجراً . ويبلغ الجهل والكفر ببعض هؤلاءِ إلى حد بحيث إذا فعل محظوراً يزعم أنه مطيع لله سبحانه وتعالى ، ويقول أَنا مطيع لإرادته ، وينشد فى ذلك :
أصبحتُ منفعلاً لما يختاره *** منى ففعلى كله طاعات
ويقول أحدهم : إبليس وإن عصى الأمر ، لكنه أطاع الإرادة ، يعنى أن فعله طاعة لله من حيث موافقة إرادته ، وهذا انسلاخ من ربقة العقل والدين ، وخروج عن الشرائع كلها، فإن طاعة الله إنما هى موافقة الأمر الدينى الذى يحبه الله ويرضاه ، وأما دخوله تحت القدر الكونى الذى يبغضه ويسخطه ويكفر فاعله ويعاقبه ، فهى المعصية والكفر ومعاداته ومعاداة دينه . ولا ريب أن المسرفين على أنفسهم المنهمكين فى الذنوب والمعاصى المعترفين بأنهم عصاة مذنبون أقرب إلى الله من هؤلاءِ العارفين المنسلخين عن دين الأنبياءِ كلهم، والذين لا عقل لهم ولا دين . فنسأل الله أن يثبت قلوبنا على دينه " .
وفي شفاء العليل (1/5) :
وأخبرني شيخ الإسلام قدّس الله رُوحه أنه لام بعض هذه الطائفة على محبة ما يبغضه الله ورسوله ، فقال له الملوم : المحبة نار تحرق من القلب ما سوى مراد المحبوب ، وجميع ما في الكون مراده ، فأي شيء أبغض منه ؟ قال الشيخ : فقلت له : إذا كان قد سخط على أقوام ولعنهم وغضب عليهم وذمّهم فواليتهم أنت وأحببتهم وأحببت أفعالهم ورضيتها تكون موالياً له أو معادياً ؟ قال : فبهت الجبري ولم ينطق بكلمة .