الرواية بين التجريد، والخيال
دراسة توفيقية بين منهج علماء الحديث، وأرباب البيان

امرأة في وادي الجن (قصة واقعية قصيرة جدا):
اضطُرَّت لزيارة أهلها لأمر هام بلَغَها، فتهيأت، وركبت، ثم ولَّت وجهها شطرَ ديار العشيرة، حتى إذا لفَّها الليلُ، وأيقنت أن قد ضلَّت، ضربت خباءَها على رَهْوٍ بين أشجار الأراك، في وادٍ لا أنيسَ به، بعد أن عجَزت عن الاهتداء بالنجم إلى حيث تريد.

وما كادت جفونُها تلتقي حتى ناداها من تحتها قائلٌ: ((لقد آذيتِني يا بنت قسيوي، فأنا حاملٌ منذ تسعة، وقد كُرِبَت النِّسْعة[1])). فلم ترتعب بنت قسيوي برغم أنها أدركت - وفي الوهلة الأولى - أن محدثها من الجن، فقامت وتركت ذلك الموضع إلى موضع آخر. وغيرَ بعيد وضعت متاعَها مرة أخرى، وفرشت وتهيأت للنوم، ولم تكد عيناها تغمضان حتى سمعت الكلمات نفسها من تحتها أيضا. فانتقلت مرة أخرى لمكان قريب.

ثم تكررت الكلمات في سمعها للمرة الثالثة، وعندها أقسمت بنت قسيوي بلعنة أبيها إن هي قامت من مكانها مرة أخرى قبل أن يبزغ الفجر، لتعلم أين هي من ديار العشيرة.

(انتـهت)

الدراسة التوفيقية للقصة:
تلك قصةٌ سمعتها في الصغر من والدتي - رحمها الله - وهي قصة واقعية حدثت في منطقتنا[2]، قصَّتها عليَّ أمي الحبيبة بالعامية المحلية التي يضرب كثير من مفرداتها في عمق الكلام العربي الفصيح، بل يوجد في كثير من مفرداتها أيضاً ما هو من غريب الفصيح، الذي قد يُضطَرُّ بعضُ القراء للاستعانة بالمعاجم الرئيسة لمعرفة معناه، مثل جملة: ((وقد كربتُ النِّسْعة))، التي نطقتها أمي كأنها تقول: ((وقد شربتُ اللبن))، مما لا يجهله ناطقٌ بالعربية. بل لن أجازف إن قلتُ: إن كثيراً من المفردات العامية عندنا يدل تركيبها على أنها من غريب الفصيح، ولكن لم تسعفنا المعاجم بذكره، وسأدلِّل في هذا السياق، وأبرهن على قولي هذا في أكثرَ من موضع إن شاء الله.

وقد كان من مدعاة تفكيري في تدوين هذه القصة أن أستخدمها في تنمية مدارك النشء، وربطهم بتلك المفردات الموغلة في الفصاحة، والتي صار جيلُ اليوم لا يعرفُ منها إلا النزرَ اليسير، حتى إذا ما ألفوا التعاملَ مع اللغة العربية الفصحى، حملهم هذا الإلفُ على محبة أفصح الفصيح؛ القرآن العظيم، والحديث النبوي الصحيح، فيقودهم ذلك للتفقه في الدين الحنيف.

وقد صعب عليَّ جداً أن اعتمد في سردها منهج أرباب البيان من أهل العربية، ممن يركبون الخيال في صوغ وإنشاء القصص، لأن إطلاق العنان للقلم في مسارات الخيال لا تضمن معه السلامة من الكذب، خاصة وأن الخيال فرس جموح، وبحر طموح. ففضلت أن أنقل القصة كما سمعتها دون تزيُّدٍ، متبعاً في ذلك منهج علماء الحديث النبوي الشريف ممن يذهبون لقبول الرواية بالمعنى، مع الصرامة في التزام الدقة والصدق في النقل، مستخدماً الكلمات الفصيحة التي ذكرتها أمي، معرباً لبعض كلامها العامي الآخر، غير زائد في المضمون.

ويؤيد مذهبي هذا ما دونه الشيخ علي الطنطاوي - رحمه الله - في مذكراته، إذ قال: ((ولي كتاب اسمه "قصصٌ من التاريخ" آخذُ فيه أسطُراً معدودةً، أو حادثةً محدودةً, فأُعمل فيها خيالي، وأجيل فيها قلمي، حتى أجعل منها قصة.

بدأت بهذا العمل من سنة 1930م، من حين كنت أشتغل في جريدة "فتى العرب"، والقصص الأولى منشورة في كتابٍ لي نفِد من دهرٍ طويلٍ كان اسمه "الهيثميات".
من هذه القصص ما ذكره المؤرخون من أن امرأة من دمشق رأت انقسامَ المسلمين، وتقاعسَهم عن قتال الصليبيين، وأرادت المشاركة في الجهاد، فعمِلت ما تقدر عليه؛ قصَّت ضفائرَها، وبعثت بها إلى سِبط ابن الجوزي (أي ابن ابنته) خطيب الجامع الأموي في دمشق؛ ليكون منها قيدٌ لفرسٍ من خيول المجاهدين.

ويقول المؤرِّخون: إنه خطب خطبةً عظيمة ألهبت الدماء في العروق، وأسالت الدموع من العيون، وأثارت الحماسة، وأيقظت الهِمَم، فلما كتبتُ القصة على طريقتي، ألَّفتُ أنا خطبةً قلتُ: إنها التي ألقاها على الناس.
وحَسِبَ الناسُ أن هذه هي الخطبة الحقيقية، حتى إن خطيب المسجد الحرام الرجل الصالح الشيخ عبد الله خياط نقل فقرات منها في خطبة الجمعة على أنها خطبةُ سِبط ابن الجوزي)).اهـ.

ثم أورد الشيخ الطنطاوي عقب هذه مباشرة قصة أخرى قال فيها: ((وكتبتُ مرةً قصصاً متخيلةً، عن أعرابي صحبنا في رحلة الحجاز، منها: ((أعرابي في الحمَّام))، ((أعرابي في سينما))، ((أعرابي ونقد الشعر))، وكلُها في كتابي ((صورٌ وخواطر))، قلت في الأخيرة منها: إن قبيلة على حدود اليمن اسمها السوالم لا تزال تنطق الفصحى، لم يدخل ألسنتها اللحن، ولا بلغتها العُجمة، وكان ذلك خيالاً مني، فأخذ ذلك الأستاذ وحيد جباوي، فوضعه في بحثٍ له عن الفصحى وعن اللحن، ونشر خلاصة منه في مجلة مجمع اللغة العربية[3])).اهـ.
والشيخ علي الطنطاوي من المعروفين بالورع والتقوى، والدعوة إلى الله على بصيرة، ولا شك أنه قد فعل ذلك في بدايات عمره بسلامة صدر، ولو كان يعلم أن قَصَصَه سيُفهم منه أنه قَصَصٌ واقعيٌ لما أقدم على ذلك. إذ أن ذلك سيحسب عليه، ولو أنه استقبل من أمره ما استدبر لما وقع في مثل هذا، لأنه أمرٌ له خُطُورتُه عند أهلِ العلم بالحديث وغيرِهم ممن يتوخون الصدق في القول والنقل، وهذا ما علمه الشيخ بعد أن تقدمت سنه، ولعل ما ورد في كتاب الذكريات اعتذار منه عن هذا التصرف.

على أنني وجدت في المنهج التحليلي للفقهاء من أهل الحديث، ما يمكن استخدامه في تحليل النص الأدبي، وهو كابحٌ قوي لجموح الخيال، وانسياقه وراء السَّرَاب، ومخرجٌ جيدٌ لأرباب البيان، ليُعْمِلوا فكرهم دون أن يقعوا في مزالق الكذب. وقد سلكت هذا المسلك لأضع القارئ الكريم أمام صور مختلفة يمكن أن تكون إحداها مطابقةً لواقعِ الحياة الإنسانية، في عصر من العصور القريبة الماضية. لألفت نظر القارئ الكريم للفرق بين منهج المحدثين، وحرصهم البالغ على تحرى الصدق في نقل الرواية، وسعة أفق الفقهاء منهم ومقدرتهم على التحليل من ناحية، وبين منهج القُصَّاص من أهل البيان والأدب العربي، الذين قد تنخرم عند كثير منهم قاعدةُ الالتزام بالصدق، وتحري الدقة، من ناحية أخرى.

فبدأت أول ما بدأت - إمعاناً في التحقق من واقعية هذه القصة بعد وفاة أمي - رحمها الله - بسؤال إحدى خالاتي - أطال الله عمرها في طاعته - عن بطلة القصة، فأكَّدت لي أنها معروفة، وذكرت بأن لنا بها صلةً، وأنها من جيل جداتِها، ولم تكن أمي قد ذكرتْ من القصة إلا ما ذكرتُ. ولم تكترث للتفاصيل الدقيقة لسير المرأة، وأسباب سفرها، وأين كانت تقْطُن، وهل كانت وقتذاك شابة في النساء، أو هي بَرْزة مُتَجالَّة[4]، أو أنها كانت عجوزاً طحنتها رحى السنين، وهل كان لها زوج، وولد؟

وكذلك لم تكترث أمي لوصف هيئتها، ووصف دابتها، والطريق التي سلكت، وما سبب سفرها، وضلالها، ومتى وصلت لأهلها، وكيف كانت حفاوتهم بها؟ وفوق كل ذلك لم تهتم حتى بذكر اسمها، فلعلها لم تكن تعرفه، أو ربما لأنها اشتهرت بنسبتها إلى أبيها، فاختفى بذلك اسمُها، ولعل أمي لم يَعْنِها من هذه القصة إلا شجاعةُ تلك المرأة، إذْ قصَدت أن ترسخ هذه الفضيلةُ في ذهني منذ الصغر، خاصة وأنها قد وُجِدت في امرأة لا يُتوقع أن تصل لهذا المستوى من رباطة الجأش، فعساها كانت تأمُل أن ينال ابنُها من الشجاعة نصيباً.

وقد أثارت هذه القصةُ عجبي منذ ذلك الوقت وحتى كتابة هذه السطور، ولم يدر بخَلَدي يومئذ - وأنا صبي لا أعرف من شؤون التربية والتعليم والأدب ما يعرفه الكبار - أن مادتها يمكن أن تكون سبباً من أسباب النفع العلمي والتربوي، ولم تكن تهمني - آنذاك - تلك التفاصيلُ التي قد يحتاجها الرواة ذوو الأهداف، من الملتزمين بضوابط النقل والرواية.
فلما أدركتُ هذا قادني ذلك إلى الركون لتحليتها، وتزيينها بالبيان العذب، على منهج أرباب البيان، حتى كدت أتقوَّل رجماً بالغيب، فأضيف في المضمون ما يخالف المروي، فأتخيل من أي النساء كانت بنت قسيوي، فأقول: إنها كانت امرأة متجالة، وإن لها من البنين والبنات كذا، وكذا.
ثم أحاول أن أرسُم الهيئة التي خرجت بها من ديارها، وكيف كانت ترتدي الثوب، ومن تحته القرقاب[5]، ومدى توافق هيئتها مع ما أمر الله به نساء المؤمنين من إدناء الجلابيب، وضرب الخُمر على الجيوب، وهل كانت تلبس من الزينة الخفية الحجول الفضية، أو العاجية، أو أنها جمعت بينها، وزادت على ذلك أسوِرةً ذهبية، وكأني بها تشبه مَن قال فيها الأعشى:
تَسْمَع للحَلْيِ وَسْواساً إِذا انْصَرَفَتْ = كما استعان بريحٍ عِشْرِقٌ زَجِلُ
أو أنها لا تملك من الزينة الخفية شيئاً؟ أو أن انشغالها بما أتاها من خبر أهلها شغلها حتى عن الزينة الظاهرة، فخرجت في مِبْذلٍ رث[6].

وقد أذكر من أي أنواع المراكب امتطت في رحلتها، فأقول: إنها اتخذت حماراً، أو أتانا، أو ما سوى ذلك مما هو في مبلغ علم الناس من المراكب الأرضية في ذلك الزمان، فيسيل المداد في وصف تلك الدابة، وما يمكن أن تكون فعلته بطلةُ القصة، أو أحدٌ من أولادها، أو أحفادها، أو أقربائها من تهيئتها بالسرج، والبرذعة، والمخلاة، وما تحويه من عُلْقة للدابة، وبالشَّنَّة وما تحمله من ماء الشرب، ثم أذهب إلى أن زوجها كان ميتاً، أو مريضاً، أو مسافراً، أو مشغولاً، أو أنها من المطلقات، وأن أولادها في شغلٍ بأنعامهم يسرحون، أو أنهم في حائشهم[7] يكدحون، مما جعلها تستصحبُ حفيدها الصغير، وتردفه من خلفها، وتضع له وقاية، أو تقاسمه البرذعة، لئلا يتأذى من ظهرٍ عَرِيٍّ، ثم أُمعنُ في التحزين، أو التشويق بذكر السبب الذي دعاها للسير إلى عشيرتها؛ استمالةً لألباب القراء. ولن يفوتني أن أذكر أين صلَّت تلك المرأةُ صلاتَيِ الظهر والعصر؟ ثم هل بدأت سيرها بعد الظهر أم قبله؟

ثم أميل لذكر ما تتصف به تلك الدابة من جد في السير، فأذكر أنها كادت تباري الرياح المرسلة، أو أنها تمشي الْهُوَيْنا من ضعفٍ أو هزالٍ أو عيبٍ فيها، وما يتخلل سيرَها من محاولاتها لالتهام ما نبت على وجه الأرض من النجم الساجد، أو من أغصان الشجر الهاجد، وما تفعله معها البطلة عندئذ؟
وبعد ذلك أعرِّج على التفَكُّر في فقه تلك المرأة والتزامها بالأوامر الشرعية، فأذهب إلى أنها جمعت بين المغرب والعشاء، وربما أذهب إلى أنها قد استعاذت بالله وكلماته التامات من كل شيطانٍ وهامة، ومن كل عين لامَّة، عندما آذن النهار بالإدبار، وأقبل الليل يُرخي سُدولَه على الرُّبا، فكان سبباً قوياً في تحصينها من الجن.

وقد يسرح قلمي في ذكر تلك الليلة ووصفها، فأذكر أين كان منزل القمر فيها؟ فهل هو بدرُ تمٍّ خَبَتْ في ضيائه أنجمُ الدُّجى، أو أنه عاد كالعرجون القديم، ففرحت بانزوائه زُهرُ النجوم؟ أو أن ضياءه قد حجبته جبالُ البَرَد المتراكبة، التي أَنَّتْ من حِملٍ ثقيلٍ غالبته الرياحُ، فساقته - بأمر ربها - إلى تلك الأصقاع لتحييها بعد موتها، فغازلت في ثِقَلِها يباباً عذراء، فهشت وبشت وضحكت من حبات المطر، وظنت أن السماء قد بكت شوقاً إليها، وحنيناً لأيامٍ كانتا فيها رتقاً قبل أن يفتقهما الله عز وجل، فاهتزت تلك البكر، ورَبَتْ، وتزينت، وتعطرت برائحة الأراك الذاكية، فرحاً وحبوراً بوصل وابلٍ صيبٍ، جعله اللهُ من أقوى أسباب الحياة؟ فلعل بنت قسيوي كانت قد احتاطت لذلك، فأحضرت معها فروةً تقيها البلل والبَرْد، وتزودت طعاما لاحتمال البَيَات في القَوَى[8]، أو أنها لم تحتط لذلك، ليقينها بمعرفة الدروب، فنامت على الطَوَى، وعانت من الشدة بأساً.

ولن يفوتني كذلك أن أذكر من أي قرية بدأت سيرها، وأيَّ قرية تريدُ، فأجتهد في تخمين اسم القريتين، وتقدير المسافة بينهما، وذكر ما بينهما من قرى وادعة وبنيان مشيد، وهل بلغت حد الرخصة بقصر الصلاة، فيلزم عند ذلك القولُ بأنها قد خالفت أوامرَ الشرع بسبب سفرها من غير محرم، أو أن المسافة مع طولها لم تبلغ الحد الذي يلزم معه استصحابُ محرم يلازمها في سفرها ذلك.
ولن يضيق الخيالُ عن القول بأنها ترجَّلت عن دابتها وصَعِدت قوزاً[9] كان بجانب الدرب، عسى أن تأنس على البعد ناراً، أو وبيصاً من كوةٍ أو بابٍ، أو جذوةً تبادلها الجيرانُ والأصحاب، أو تسمع أصواتَ الكلاب، فتهتدي إلى حيث تريد، فلما لم تر ولم تسمع من ذلك شيئاً - برغم إمعانِها النظرَ، وإرعائِها السمعَ - يئست من بلاغ منشود، واتخذت في رَهْوٍ بين أشجار الأراك نُزُلا، فناشدتها الجنيةُ أن تتحرك لكونها قد جلست عليها وهي حامل في الشهر التاسع، وقد ربَطت على بطنها الحزامَ عوناً على حملها الثقيل، وتقول الجنية كل ذلك زُوراً وتلفيقاً من أجل ترويع بنت قسيوي التي استعاذت بالله العلي العظيم، ولم تستعذ بسيد الجن في ذلك الوادي كما كان يفعلُ أهلُ الجاهلية، ولعل الفكر يذهب إلى أن المتحدث كان من ذكور الجن، فقَلَّد صوت حبلى قاربت المخاض.

ولن يفوتني أن أقف عند قسمها بلعنة أبيها إن هي استجابت لطلب الجنِّيَّة في المرة الثالثة، لأستكشف مبلغ علمها بحدود الشرع، ومدى إدراكها لما وقعت فيه من مخالفة تحاسب عليها يوم تفرُ من أخيها وأمها وأبيها؟ أم إنها تتكئ على دليلٍ تعسَّف المحتجُّ به فلواه عن مقصده؛ لأنه لا يصلح للاحتجاج، ولا تقوم به حجة على جواز القسم بغير الله، أم إنها لا شأن لها بكل ذلك، وأن قولها هذا تقليدٌ لما اعتاده الناس، ولم ينكره أهل العلم فيهم؟

كما سأعرض لصلاة الصبح، وهل أدتها بوضوء، أو أنها تيممت صعيداً طيباً؟ أو أنها لم تأبه بهذه الصلاة العظيمة، وما فيها من الفوائد الجسيمة، إذ لا علم لها بأحكام الصلاة، والسفر، ولا بالاستعاذة، والقسم، وهل يصلح أن أتبين - بكونها على أي من تلك الأحوال - الواقعَ التعليمي في مجتمعات المسلمين في الماضي القريب، وما سبقه من قرونٍ خلت، وما عَلاقة ذلك كله بما نعانيه في عهدنا الحاضر، الذي ورث أهلُ العلمِ فيه عبئاً ثقيلاً، وكثيباً مَهِيلاً من التراكمات المظلمة، فامتد هذا الضعفُ فينا ليكون أحد أهم أسباب ما تعانيه الأمةُ اليوم من وهْنٍ وبُعد عن الصراطِ المستقيم، وهل إلى نهوضٍ من سبيل؟ أم أننا أصبحنا في عهد يقول العاقل فيه: علَيَّ بخاصة نفسي، فقد رأيتُهم يتبعون الأهواء، ويطيعون الشُّح، ويعجبون بآرائهم، فما لي عليهم من سلطان، وما دَرَى هذا القائلُ أن مثله مثل راكبِ سفينةٍ جمعت بين عقلاءَ في أعلاها، وسفهاءَ في أسفلها، فلو سكت العقلاءُ عن جهل السفهاءِ وعن قولهم: ((لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا)) لهلكوا جميعاً، ولو أخذوا بأيديهم فأرشدوهم للصواب لنجوا، ونجوا جميعاً.

ولعلي أسبح في بحر الخيال لأذهب إلى أن بنت قسيوي قد عانت الأمرَّين من الأرق في تلك الليلة، فاجترَّت من الذكريات أتراحاً وأفراحاً، فظلت حزينةً تارةً، ومسرورةً تارةً أخرى، فتمثلت لها الدنيا بأسرها في تلك الليلة، وذلك في الجمع بين النقيضين - لو أنها كانت في العَالِمِين - وقد أتخيلُها باتت في سُباتٍ عميق تخطت به عالم الرؤى والأحلام؛ في برزخٍ بين الحركة والسكون، في ذلك المكان الموحش، حتى تبين لها الخيط الأبيضُ من الخيط الأسود من الفجر، ثم لبثت في مكانها حتى أسفر صبحُها، ولاح لناظريها قُرصُ الشمس، فرأت ديار الأهل والعشيرة في الأفق البعيد، كأنياب الكلاب.

وقد أنساقُ مع الخيال لعقد موازنة بين ذلك الواقع، وبين واقعنا الحالي الذي أمكن أن تُقطع فيه الفيافي، وتعبر فيه البحار في سُوَيْعات، وأن تنجز فيه عظائم الأمور بالكلام عبر أجهزة الاتصال الأثيري التي تجاوزت توقعات الشيخ فرح ولد تكتوك البَطْحاني[10] الذي قال، أو تُقُوِّل عليه: ((سيكون السفرُ في آخر الزمان بالبيوت، والكلامُ بالخيوط)) في إشارة إلى السيارات، والقطارات، وإلى مراكب جو السماء المروحية، والنفاثة، وذات المحركات المتعددة، التي يرخي راكبها جفونه من عل ليرى السحاب من تحته، كما أن الخيوط تشير إلى الاتصال عبر الهاتف السلكي، إلا أن واقع التطور المادي في عصرنا الحاضر قد تخطى الكلام المنسوب إلى الشيح فرح بلا شك، فقد ظهرت الهواتف اللاسلكية التي أتت بعد طَفَرات متتالية في عالم الاتصال الذي ارتقى من الارتباط السلكي إلى النُّقلة المدهشة عبر الوسائط الضوئية، بحكم التطور العجيب في عالم الإلكترون، الذي صار لا يخطو اليوم خطوة في رحاب الكشف التقني إلا ويخطو في قابلٍ قريبٍ عشرَ خطواتٍ مثلها أو أكثر، وما على بنت قسيوي إن كانت حاضرة في زماننا هذا إلا أن تضرب على مفاتيح أرقام الهاتف المحمول - الذي انفك ارتباطه بالأسلاك - ليعلم أهلُها بما هي فيه، ولعلها تشك - لو عاشت في زماننا هذا - في صحة نسبة القول المتقدم آنفاً إلى الشيخ فرح، وتدرك أن كثيراً مما نُسب إليه من أقوال لا تصح عنه، ولعلها تصل بهذا المستوى من الإدراك لمرحلة الوعي والنقد، وتتوصل بذلك إلى سلامة في التوجه والاتباع، وقوة في الدين واليقين، وتدرك أن العمل على تمييز الكذب من الصدق في الرواية والقصة والأقوال كافة مطلبٌ مهمٌ جداً.

وقد يجمح بي الخيالُ لوصف قرية العشيرة، وروعة جمالها بتناغم تلك الأصوات العذبة التي تصدر عن تمازج أصوات الطُّلى، والسُّخْلان، وصغار العجول، وتجاوب أمهاتها عند فصلها والتفريق بينها وبين صغارها في الغدو والآصال، من يُعارٍ، وثُغاءٍ، وخُوارٍ، وذكر ما يجده الناس في ذلك الجمال حين يريحون وحين يسرحون، فيحملني ذلك على التجاوب مع أبياتٍ من الشعر الرصين قالها الشاعر السوداني عبد الله محمد عمر البنا - رحمه الله - في وصف البادية:
رعى الرحمنُ أهلَكِ ما أقاموا وما رَحَلوا وحيَّاكِ الغمامُ
ولا زالت عِهادُ المُزْنِ تهْمِي عليكِ وحولُها هَطِلٌ سِجَامُ
رياضُ اللهِ بسّطَها فكانتْ دليلَ وجودِه وله الدَّوامُ
تأنَّقَ زهرُها فيها نِثاراً تألفَ من جواهِرِه نِظامُ
تناثرتِ الظباءُ على ثراها وراتِعُها مع الإنسِ السَّوامُ
إذا ضجَّ البِهامُ بها عشاءً أجابَ من الطُّلى فيها بُغامُ
وإن غنتْ جواريها ابتهاجاً شدا بجوانبِ الأيكِ الحمامُ
وكلُ خريدةٍ في الحي ليلى لها قيسٌ يؤرقُه الْهُيامُ
حلالٌ وصلُه عفٌّ هواه حرامٌ أنْ يدنِّسُه حرامُ
رفاقُ الضّيفِ أنى حلَّ هبوا لهم للضَّيفِ ضَمٌّ والتزامُ
إذا نحروا العِشَارَ مُعطَّلاتٍ فلا مَنٌّ بذاكَ ولا كلامُ


ومن يذُقْ هذا الجمال فلا بد أن يسخر مما نشاهده اليوم من تطور حضاري مزعوم؛ يراد به اغتيالُ الفضيلة، وإشاعةُ الرذيلة في فلذات أكبادنا عبر تجاوبهم مع أنغامٍ خليعةٍ، وصورٍ فاضحةٍ، يكاد يدهش من خلاعتها لاَقِيسُ بنُ إبليس، فيذاكر مع أبيه سير الخطة القَرْنِية لإغواء بني آدم، وما وصل إليه الناسُ من فسادٍ في هذا الزمن، فيبادلُه أبوه الدهشةَ والعجب، حتى يخيل إليهما من ذلك العُهر الذي بلغ الدرَْك الأسفل من الخلاعة والفساد، أنه فوق ما كانا يطمحان إليه، مهما أجلبا على الناس بالخيل والرَّجِل، ومهما توثقت المشاركة لهم في الأموال والأولاد، فأضحى إبليسُ مسروراً من نباهة جنوده، وأعوانه؛ من الإنس الذين بزوا رفاقهم من الجِنَّة أجمعين، وتقَرُّ عينُه فرحاً بما حصل، فيعمل على تثبيت هذه الغواية وإحكامها حتى لا ينفلت من وقع منهم في الشباك، ثم بعد الاطمئنان على التثبيت يصدر أوامره بتنفيذ الخطة القرنية القادمة لعصر ما بعد العولمة.

ولن يفوتني أن أرسُم مشهد استقبال بنت قسيوي في ديار العشيرة، وما وجدته من حفاوة وتَرْحاب، فأصورها وقد أرخت الثوب على جبهتها، واتخذت منه بُلاًّمة[11] أسفل عيونها حتى لا يُرى من وجهها سوى العينين، وهو ما كانت تفعله أمهاتُنا وجداتُنا في حال خروجهن، وتمسكت به الفضليات من نساء هذا العصر، أم إنها سفرت عن وجهها كما تفعل كثيرٌ من نساء هذا الزمان، اللائي يجهل أغلبهن كيف تُتخذ البُلَّامة، ولا يعرفها منهن إلا القليل القليل. وهل اكتفت بنت قسيوي بإلقاء التحية والسلام عن بعد على غير محارمها، بعد أن صافحت من صافحت، والتزمت من المحارم من تشاء، أم إنها لم تفرق بين محرم وغيره فيما فعلت من مصافحة والتزام، وتعبير عن شوق وحنان بريء لا يخالطه سوء قصد، بحكم ما اعتاده الناس في لقاءاتهم الأُسرية ببراءة لا تخفى على ذي لبٍّ، وهل تكون هذه البراءة معبراً للظن بتسامح الشرع في ذلك، أو أن الشرع يطلب من الناس خلافَ ذلك. وما أدري إن كانت بنت قسيوي ممن يعلم ذلك، أو أنها كانت تتعامل بتلك العفوية التي رسَخت في أذهان الناس - من العامة وكثير من العلماء على حد سواء - حتى أضحى كثيرٌ من العقلاء يظن أن الشرع لم يضيق على الناس في أمر المصافحة بين الرجال والنساء، وأن من يأمرون بالتخلي عنها، والقول بحرمتها إنما يفعلون ذلك من دافع الغُلُو والتشَدُّد.

وما أدري إن كان يعلم الحذاق من طلبة العلم - في ديارنا - أن ابن أبي زيد القيرواني - في كتاب الرسالة[12]، وأبا عمر ابن عبد البر - في التمهيد[13]، وفي الاستذكار[14]، وأبا بكر ابن العربي - في أحكام القرآن[15]، والشيخ عليش - في منح الجليل في شرح مختصر خليل[16]؛ وجميعهم من كبار علماء مذهب الإمام مالك - قرروا حرمة المصافحة بين الرجال والنساء، بعد أن تعبوا - رحمة الله عليهم - في الغوص في معاني التوجيه الشرعي في هذا الصدد، وقد علمت في أهلي تمسكهم بمذهب الإمام مالك بن أنس - رضي الله عنه - ، فإن كانوا معذورين بعدم مدارسة كتابي الحافظ ابن عبد البر، وكتاب الإمام أبي بكر ابن العربي، بحكم أنها من الكتب قليلة التداول، فلن يُعذروا بعدم معرفة رسالة القيرواني، وما جرى عليها من شروح كثيرة، ولن يعذروا كذلك بعدم معرفة مختصر خليل وشروحه المتعددة، والتي من أميزها عندهم شرح الشيخ عليش المصري؛ لأنهم كانوا لا يعترفون بأن العالم قد جمع، وجود، وحذق، إلا بعد أن يختم رسالة ابن أبي زيد القيرواني، ومختصر خليل على شيخ ماهر مجود، وما أدري ما السبب في تساهلهم في كثير من المسائل، إذ لا أجد مسوغاً لما هم فيه إلا أنهم أصبحوا يتعاملون مع أمور دينهم بحكم العادة السائرة، والعاطفة البريئة، التي لا ترفع الأحكام الشرعية كما هو معلوم؟ بل فوق كل ذلك أصبحوا يرمون بالغُلُو والتشَدُّد كلَّ من يأمرهم بالصرامة والحزم في التزام أوامر الشرع، وإن كان الآمِرُ ممن تابَعَ الإمام مالكَ بنَ أنس رحمه الله.

وأعجب من بعض من اتصف بحمل العلم الشرعي في عصرنا هذا ممن يهاجم المتمسك بالقول بعدم جواز مصافحة النساء، فيتهمه بعدم الانضباط، ويهزأ بمثل هذا التمسك بحجة أن من يجد لذة في المصافحة إنما هو من محترفي الرذيلة، وما أظن الحيف يلزمني إن قلتُ: إننا في عهد أصبحت فيه أرفف الكتب من متاع البيوت وزينتها!

وإن أعجب من المعاصرين فلن ينقضي عجبي من السابقين حينما أطالع سيرة الشيخ حمد بن محمد بن علي المشيخي - المشهور بحمد ولد أم مريوم، في طبقات ود ضيف الله - الذي أطلق عليه أهل عصره: ((حمد المشاقق))[17]، لا لشيء إلا لأنه أقنع شيخه ((الشيخ محمد أرباب العقائد[18])) بأن ينقل هذا العلم من دوائر الحلقات العلمية، إلى واقع الناس الْمُعاش، في أمورٍ كثيرة يفعلها الناس على خلاف توجيهات الشرع، منها المصافحة بين الرجال والنساء، والصلاة على جنائز الفسقة، والمجاهرين بالمعاصي، فأخذ الشيخ ((أرباب العقائد)) بنصيحة تلميذه الشيخ حمد، ورأى الناسُ في ذلك خروجاً على المألوف، فناشدوا الشيخ ترك العمل بما أمره به تلميذه ((حمد المشاقق))!!! هكذا نعته أهلُ زمانه في أواخر القرن الحادي عشر الهجري، أو بداية الثاني عشر.

وفوق ذلك فإن الشيخ حمد كان قد درس على الشيخ محمد أرباب العقائد؛ وهو شيخ أتقن علم الكلام، وبرع فيه حتى لقبوه ((أرباب العقائد))، فماذا يمكن أن يحدث مع الشيخ حمد لو طالَب شيخه بالنزوع عن التوسع في علم الكلام، والتزام منهج الإمام مالك بن أنس في مسائل العقائد؛ ليوافق حال أبي يزيد البسطامي[19] عندما قال: ((عملتُ في المجاهدة ثلاثين سنة، فما وجدت شيئاً أشدَّ علي من العلم ومتابعته، ولولا اختلاف العلماء لتعبتُ، واختلاف العلماء رحمة، إلا في تجريد التوحيد[20]))، لا شك أن أبا يزيد - وإن لم يُعرف عنه الالتزام بمذهب مالك - كان أكثرَ متابعة للإمام مالك بن أنس، وسلفِ الأمة الصالح في منهج العقيدة، من كثير من المنتسبين لمذهب إمام دار الهجرة النبوية، وهو منهج أوصد البابَ أمام المتوسعين في علم الكلام، وما أدري إن كان الشيخ محمد أرباب العقائد سيوافق تلميذَه على التوقف عن تدريس علم الكلام الذي اشتهر به وبز به أقرانه، ويعتمد في منهجه تدريسَ الفقه، وتقريره، على ضوء نصوصِ القرآن الكريم، والحديث الصحيح، متخلياً عما اشتهر به من رياسة في العقائد، أو أنه كان يقر العامة على إطلاق ذلك اللقب على العلامة البارع الشيخ حمد ولد أم مريوم رحمة الله على الجميع؟

وماذا يا تُرى كانت ستفعل بنت قسيوي لو أنها عاشت في هذا الزمان، وأبصرت مكتبةً حافلةً، على أرففٍ من الخشب النادر الثمين، في بيت أحد طلاب العلم، من تلك المكتبات الفخمة الضخمة، فلعلها تحذو حذو الشيخ حمد ولد أم مريوم، فتطالب باقتضاء العلم العمل.

ويا ليت شعري ماذا يقول سلمان الفارسي - رضي الله عنه - لو عاش في هذا الزمان، ورأى الحيطان محجوبة بالأرفف الأنيقة المليئة بأضابير الكتب المرصوصة، بعد أن كان قد رفض دخول بيت عروسه الكِنْدية، في ليلة الزفاف، لما رأى الستور على الحيطان، فقال قوله المشهور: ((ما أدري أمحموم بيتكم؟ أم تحولت الكعبة في كِنْدة؟ والله لا أدخله حتى تُهتك أستاره، فلما هتكوها فلم يبق منها شيء دخل رضي الله عنه))[21].

ولن يقدِر طلبةُ العلم على سلوك هذا الدرب الوعر، الذي لم يقدر على السير فيه إلا أصحابُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا على العيش الخشن الذي لم يحتمله إلا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، مهما بلغ بهم من زهد تنادوا إلى تعلمه وتطبيقه، ولكن بوسعهم أن يقرؤوا هذه الكتب ليقفوا على ما تداوله العلماء من شرح لتوجيهات قدوتنا - صلى الله عليه وسلم - ، وما انتهجه الصحابةُ في متابعته –عليه الصلاة والسلام - ، من مناهجَ أضحت في زماننا هذا كأساطير الأولين، بدلاً من جعل هذه الكتب زينة على حيطان المنازل، ويسعُنا وإياهم جميعا من الأمر ما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم، فإنما أهلَكَ الذين من قبلكم كثرةُ مسائلهم، واختلافُهم على أنبيائهم))[22]. فرضي الله عنك يا سلمان، لقد أتعبت من جاء بعدك، حتى عجَز أركان الزهد في العهود الأولى عن مجاراتك، مع ما لهم من صرامة في الأخذ بالزهد؛ لأنك كنت تسمع خطاب الحبيب - صلى الله عليه وسلم - فتلتزم أمرَه، وتقف عند نهيه تماما لا تزيد ولا تنقص، وفي ذلك راجعتَ أخاك أبا الدرداء لما أتعب نفسه، فأهمل حقها، ونسي حق أهله في سبيل الاجتهاد في طاعة الله عز وجل، فعاد - بعد نصحك - ليعطي كل ذي حق حقه[23].

بعض ذلك قد يختاره القلم بهذا الأسلوب، أو بأسلوب أرقى منه وأحلى، لتخرج القصة عذبة المعنى، متماسكة المبنى، بحجة رفع مدارك النشء للمستوى المتقدم من فهم اللغة، وتذوق حلاوتها. وبحجة ربط السياق القصصي بتنمية معارف القراء بالأحكام والآداب الشرعية، وكذلك بحجة أن تكون الرواية بالقدر المناسب في المضمون والهدف، وتلك هي حجج يتشبث بها أرباب البيان والفصاحة من الإسلاميين. ولا شك أنهم يدركون أن من أهم الأهداف التربوية عند المسلمين؛ التناسب بين الغاية - وهي: الوصول إلى الفهم السليم للنصوص الشرعية، من القرآن الكريم، والسنة الصحيحة المطهرة، وما فيهما من أوامر، ونواهٍ، وأحكام، وآداب، وقصص؛ مما تحيا به القلوبُ والألباب، فترتفع لإدراك الحكم والغايات من مقاصد الشرع الكبرى - ، وبين وسائل تحقيق هذه الغاية، وهي: المناهج المنضبطة، التي لا ينخرم فيها الحق بالمرة، فهل يأخذ بذلك ملاك البيان؟! يا ليتهم يفعلون.

والله الموفـق...
ـــــــــــــــ ـــــــــــ
[1] النسعة بكسر النون، وسكون السين المهملة، وبعدها عين مهملة، وهي سير ينسج عريضا يشد به صدر الدابة، لسان العرب (8/352 - نسع). وكربُ النسعة تضييقها، وانظر لسان العرب (1/713 – كرب)، وفي ذلك كناية عن الاستعانة بها على ثقل الحمل.
[2] تقع في الشمال من ولاية النيل الأبيض، وفي الشمال الغربي لولاية الجزيرة، وفي الجنوب من ولاية الخرطوم، في جمهورية السودان.
[3] من كتاب ((الذكريات)) الجزء الثالث صفحة 314 - 315، للشيخ علي الطنطاوي، دارة المنارة للنشر والتوزيع، جدة، الطبعة الثانية 1409هـ/1989م.
[4] البرزة المتجالة: هي المرأة الكبيرة المسنة التي تجلس للقوم فتحدثهم ويتحدثون عنها، لسان العرب (5/310 - برز، و11/116 – جلل).
[5] القرقاب: ثوب داخلي تتزر به المرأة، من فوق سرتها إلى كعبيها ثم تضيف إليه ثوبا فضفاضا من رأسها إلى كعبيها أيضا، وقد كانت جداتنا يلبسنه، وهو معروف حتى عهد أمهاتنا، والذي ينظر في المعاجم في مادة قرقب يجد ما يدل على أنه من غريب الفصيح، ولكن مع ذلك لم يذكر بهذا اللفظ، وإنما ذكر الثوب القرقبي.
[6] المِبْذل: بكسر الميم وسكون الموحدة، هو الثوب الذي ترتديه المرأة، ولا تهتم به، ولا تصونه، لسان العرب (11/50 - بذل).
[7] الحائش: مجتمع الشجر (لسان العرب 6/291 – حوش)، ومنه اشتق أهلنا لفظ الحَوَّاشة بفتح الحاء المهملة، وتشديد الواو، وهي المزرعة.
[8] القوى: بفتح القاف والواو معا، وبالقصر، ويمد أيضا، وهو المكان القفر، والْمُقْوِي: الذي لا زاد معه، ومن ذلك يفهم قول الله تعالى: {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِّلْمُقْوِينَ} [الواقعة: 73] (لسان العرب 15/210 - 211 / قوي)، وحينما يقول أهلنا: بات فلان القوى، إنما يعنون بذلك أنه نام من غير عشاء، وقد أطلقوا هذا اللفظ على قرية من قرانا قبل أن تستعمر تلك المنطقة، وتصبح مأهولة، وتصبح ضمن مشروع الجزيرة الزراعي، وهي الآن في القسم الشمالي الغربي من المشروع.
[9] القوز: هو العالي من الرمل، النهاية لابن الأثير (4/121 - قوز).
[10] أحد من عرفوا بالزهد والحكمة والنصح، عاش في القرنين الحادي عشر والثاني عشر، وتلقى العلم على الشيخ محمد (أرباب العقائد)، وكانت له معرفة جيدة باللغة العربية، ونسبت إليه أقوال وحكم كثيرة، الله أعلم بصحة نسبة بعضها إليه، وانظر (طبقات ود ضيف الله ص 146).
[11] البُلاَّمة: بضم الموحدة، وتشديد اللام، هي طرف من ثوب المرأة السودانية تغطي به أنفها، وشفتيها، وينزل ليصل إلى سترة الصدر، وهي تدني بعض ثوبها من على رأسها، فينزل حتى حاجبيها، وبذلك لا يرى منها سوى العينين. وهذه الكلمة ندَّت عن المعاجم، والذي يطالع في مادة (بلم) في المعاجم لا يصعب عليه أن يجزم بأن البلامة عربية فصيحة عزبت عن علم أهل المعاجم.
[12] انظر كفاية الطالب لأبي الحسن، وحاشية العدوي عليها، في شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني (2/619).
[13] انظر التمهيد لأبي عمر يوسف ابن عبد البر القرطبي (12/243 - 245).
[14] انظر الاستذكار لأبي عمر يوسف ابن عبد البر القرطبي (8/545، و547).
[15] انظر أحكام القرآن، لأبي بكر محمد بن عبد الله ابن العربي المالكي (4/234).
[16] انظر منح الجليل على مختصر خليل للشيخ محمد عليش المالكي (1/222 - 223).
[17] هو: الشيخ حمد بن محمد بن علي المشيخي، المشهور بحمد ولد أم مريوم من قبيلة المسلمية، التي ينتهي نسبها إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وقد اشتهر بنسبته إلى أمه: أم مريوم، وهي محسية مشرفية من جزيرة توتي في ملتقى النيلين الأبيض والأزرق، وأغلب ساكنيها من قبيلة المحس، ولنزوح أبيه من مضارب قبيلة المسلمية إلى جزيرة توتي، اشتهر بهذه النسبة، كما هي عادة أهل الأم في الغالب الأعم، أن يعبروا عن الحنان والمحبة لابن البنت، ولد الشيخ حمد في عام خمسة وخمسين بعد المائة العاشرة، وتوفي في سنة اثنتين وأربعين بعد المائة الحادية عشرة من الهجرة، وانظر طبقات ود ضيف (ص65 - 69).
[18] هو الشيخ محمد بن علي الملقب بأرباب العقائد، لبراعته في علم العقائد، وأرباب جمع رب، وله لقب آخر، هو: الخشن، وقد حدثت له الخشونة بسبب كثرة الوضوء، وتوفي في سنة اثنتين بعد المائة الحادية عشرة من الهجرة. (طبقات ود ضيف الله ص31).
[19] أبو يزيد البسطامي: هو طيفور بن عيسي الزاهد المعروف، (ت261هـ)، ميزان الاعتدال للذهبي (4380)، وهذا الكلام من روائع أقواله، وقد نسبت إليه أقوال كثيرة، منها ما لا يصح عنه، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وقد جمع أبو الفضل الفلكي كتابا من كلام أبي يزيد البسطامي، سماه: (النور من كلام طيفور)، فيه شيء كثير لا ريب أنه كذب على أبي يزيد البسطامي، وفيه أشياء من غلط أبي يزيد رحمة الله عليه، وفيه أشياء حسنة من كلام أبى يزيد، وكل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - )) (مجموع الفتاوى 13/257).
[20] حلية الأولياء لأبي نعيم الحافظ (10/36).
[21] أخرجه عبد الرزاق في المصنف (6/192 رقم 10463)، بإسناد غير متصل.
[22] متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ أخرجه البخاري (7288)، ومسلم (1337)، واللفظ له.
[23] انظر قصة الصحابيين الأخوين في صحيح البخاري (6139).

------------------------------------------------------------------------------
الكاتب
د- حيدر عيدروس علي
من كتاب موقع الألوكة
http://www.alukah.net/Articles/Artic...D=947#_ftnref4