بروك البعير كيف يكون؟
ثبت عن النبي ^ أنه نهى أن يسجد المصلي كما يبرك البعير، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً. صحح ذلك جمع من العلماء، منهم العلامة الألباني، والحويني، وغيرهما.
وصحح الشيخ عبد الله السعد منه ما ثبت عن أبي هريرة موقوفاً: «لا يبركنّ أحدكم بُروك الجمل الشارد».
فنظرنا كيف يكون بروك البعير، فجمعنا لأخواننا هذه الثلة من أقوال الأئمة وأهل العلم في كيفية بروك الجمل ، نسأل الله تعالى أن ينفع بها.
أخرج الطحاوي في «شرح معاني الآثار» 1/256 : عن عَلْقَمَةَ والأَسْوَدِ قَالا: حَفِظْنَا عن عُمَرَ في صلاته أنّه خَرَّ بَعْدَ رُكُوعِهِ على رُكْبَتَيْهِ كما يَخِرُّ الْبَعِيرُ، وَوَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قبل يَدَيْهِ ».
ـ وقال السرقسطي في الدلائل 3/992 : « هذا في السجود، يقول : لا يرمِ بنفسه معاً كما يفعل البعير الشارد غير المطمئن المواتر ولكن لينحطَّ مطمئناً يضع يديه ثم ركبتيه ».
ـ وقال ابن حزم في «المحلى» ( 4 / 129 ) : «وركبتا البعير هي في ذراعيه» .
ـ وقال الإمام الطحاوي في «مشكل الآثار» 1/169: « فقال قائل : هذا كلام مستحيل، لأنه نهاه إذا سجد أن يبرك كما يبرك البعير . والبعير ينزل على يديه ، ثم أتبع ذلك بأن قال : «ولكن ليضع يديه قبل ركبتيه» ، فكان ما في هذا الحديث مما نهاه عنه في أوله ، قد أمره به في آخره.
فتأملنا ما قال مِن ذلك ، فوجدناه محالاً ، ووجدنا ما رُويَ عن رسول الله ^ في هذا الحديث مستقيماً لا إحالة فيه. وذلك أن البعير ركبتاه في يديه ، وكذلك كل ذي أربع من الحيوان، وبنو آدم بخلاف ذلك، لأن رُكَبَهم في أرجلهم، لا في أيديهم. فنهى رسول الله ^ في هذا الحديث ـ المصليَ أن يَخرَّ على ركبتيه اللتين في رجليه، كما يخر البعير على ركبتيه اللتين في يديه، ولكن يَخرُّ لسجوده على خلاف ذلك، فيخر على يديه اللتين ليس فيهما ركبتاه بخلاف ما يخر البعير على يديه اللتين فيهما ركبتاه .
فبان بحمد لله ونعمته أنَّ الذي في هذا الحديث عن رسول الله ^ كلام صحيح لا تضاد فيه ولا استحالة فيه. والله نسأله التوفيق» اهـ .
ـ وقال الأزهري في «تهذيب اللغة» ( 10 / 216 ) : «وركبة البعير في يده . وركبتا البعير المفصلان اللذان يليان البطن إذا برك ، وأما المفصلان الناتئان من خلف فهما العرقوبان».
ـ وقال ابن سيدة في «المحكم والمحيط الأعظم» ( 7 / 16 ) : «وكل ذي أربع ركبتاه في يديه ، وعرقوباه في رجليه».
ـ قال ابن منظور في «لسان العرب» (مج3/ج19 /1714 ـ 1715) : «وركبة البعير في يده. وقد يقال لذوات الأربع كلها من الدواب: ركب. و ركبتا يدي البعير: المفصلان اللذان يليان البطن إذا برك، وأما المفصلان الناتئان من خلف فهما العرقوبان. وكل ذي أربع ركبتاه في يديه وعرقوباه في رجليه».
وبمثله في «تاج العروس» 2/527 ـ الكويت.
ـ وفي «المشارق» للقاضي عياض 1/85 : «وقوله: (فبَرَك عمر) بتخفيف الراء: من برك (على ركبتيه) هنا من البروك: أي جثى على ركبتيه كبروك البعير».
ـ قال العلامة الدميري في «الحيوان» ج2/ص355 : «وكلُّ شيء من ذوات الأربع فركبتاه في يديه، وركبتا الإنسانِ في رجليه».
وقال في موضع آخر: ج7/ص242: «والزّرافة طويلةُ الرِّجْلين منحنية إلى مآخيرها، وليس لرجلَيْها ركبتان وإنما الرُّكبتانِ ليديها، وكذلك البهائم كلُّها، وعَسَاهُ إنما أرادَ الثفِنات، والإنسانُ ركْبتاه في رجليه».
ـ وقال التُّورِبِشْتِي ُّ: كَيْفَ نهى عن بُرُوكِ الْبَعِيرِ ثُمَّ أَمَرَ بِوَضْعِ الْيَدَيْنِ قبل الرُّكْبَتَيْنِ وَالْبَعِيرُ يَضَعُ الْيَدَيْنِ قبل الرِّجْلَيْنِ وَالْجَوَابُ: أَنَّ الرُّكْبَةَ مِنَ الانسان في الرِّجْلَيْنِ وَمِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ في الْيَدَيْنِ.
نقله القاري في «المرقاة» 2/570 ، وعنه: المباركفوري في «تحفة الأحوذي» ج2/ص119.
ـ قال في «عون المعبود» 3/70 : القول بأن الركبة من ذوات الأربع في اليدين يدل على صحته قول سراقة: ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين... في حديث هجرة النبي ^ . رواه البخاري.
ومن ههنا ظهر أن القول بأن الركبة في ذوات الأربع في اليدين ليس كلاماً لا يعقل ولا يعرفه أهل اللغة كما قال العلامة ابن القيم في زاد المعاد. اهـ
قلت:
ـ وقد ذهب الإمام ابن القيم رحمه الله في «الزاد» 1/224 ـ 226 ، وفي حاشيته على سنن أبي داود 3/74 ـ 75 ، إلى نفي أن تكون ركبتا البعير في يديه، فهو نافٍ، وقد أثبتنا أن العرب تجعل ركبتي البعير في يديه لا في رجليه، والمثبت معه مزيد علم على النافي، فلا حاجة إلى إصرار بعض الأفاضل على الاستدلال بكلام الإمام ابن القيم مع وجود ما يثبت خلاف كلامه.
نعم، ابن القيم حبيبنا، والحقُّ أحبّ إلينا منه، ومنه ومن أمثاله استفدنا الإنصاف، رحمه الله تعالى.