الإعلام اليهودي وقيادة أمريكا!!



لا شيء أقوى أثرًا في تحريك الشعوب وتوجيه السياسات من تغيير الفكر! والإنسان قد يتحول من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال لمعلومة يعرفها، أو لكلمات يقرؤها، أو لخطبة يسمعها، وهذا التحول قد يكون إيجابيًّا، وقد يكون سلبيًّا؛ تبعًا للكلمات التي يتلقاها. ولقد تحوَّل العرب الجفاة الغلاظ إلى بناة حضارة، وقادة إنسانية عندما سمعوا كلمات القرآن الكريم، وعلى النقيض من ذلك، فإن قوم فرعون ليتبعونه في جهنم لأنهم سمعوا لكلماته، ولم يلتفتوا إلى كلام النبي الكريم موسى عليه السلام.
ولقد أدرك اليهود قيمة التغيير الفكري في تحريك الشعوب، فعملوا على استعمال هذه السياسة في كل تاريخهم، وما أكثر الشائعات الباطلة، والتعليقات المزوَّرة التي حاربوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته منذ الأيام الأولى لدعوة الإسلام! وما زال اليهود إلى زماننا الآن يستخدمون نفس السياسة، وإن كان خطرهم قد أصبح أشدَّ، وأثرهم صار أعمق؛ وذلك لقوة الآلة الإعلامية في زماننا من ناحية، ومن ناحية أخرى لغياب الإعلام المضاد الذي يصحِّح المفاهيم، ويردُّ على الإشاعات والأباطيل.
ولقد بدا أثر الإعلام اليهودي واضحًا جدًّا في الضغط على أمريكا لتغيِّر من سياساتها، وتحوِّل من مسارها تبعًا لرغبات اليهود، حتى لو كان هذا التحوُّل في كثير من الأحايين ضد المصلحة الأمريكية ذاتها!
والذي يُراجع تاريخ اليهود في أمريكا يجد أن اهتمامهم بالإعلام كان كبيرًا جدًّا، وذلك منذ الأيام الأولى لهم في هذا البلد الجديد؛ فقد هاجر اليهود إلى أمريكا للمرة الأولى في أعداد قليلة من إسبانيا والبرتغال، وذلك بعد اكتشاف أمريكا وتعرض اليهود للاضطهاد فيهما بعد سقوط الأندلس الإسلامية! فقد كان الصليبيون الأسبان والبرتغال يضطهدون كل المخالفين لهم في العقيدة، سواء كان من المسلمين أو اليهود. ثم كانت الهجرة الثانية من ألمانيا بعد عام 1840م، وأخيرًا كانت الهجرة الرئيسية لهم من أوربا الشرقية بعد عام 1880م، وهذه الهجرة الأخيرة هي الهجرة التي خططت للسيطرة على الأمور في أمريكا، وكانت هذه السيطرة عن طريق عدة أمور، يأتي في مقدمتها الإعلام ثم المال ثم الدين.
لقد هاجر اليهود إلى أمريكا ومعهم أموال ضخمة لكونهم يعشقون التجارة ويهتمون بالكنز، ولكنهم لم يركزوا اهتمامهم على المشاريع التجارية فقط، إنما اهتموا اهتمامًا كبيرًا بالإعلام.
لم ينظر اليهود إلى صحيفة صغيرة ينشئونها أو وسيلة بدائية من وسائل الإعلام، بل توجهوا إلى أوسع الجرائد الأمريكية انتشارًا، وهي جريدة النيويورك تايمز، التي بدأت عملها في سنة 1851م، ولكنها كانت تعاني من بعض المشاكل المالية في أواخر القرن التاسع عشر، فعرض اليهوديُّ النشط أدولف أوكس (Adolf Ochs) شراء الصحيفة الشهيرة، وتم له ذلك بالفعل، وصارت جريدة النيويورك تايمز من هذه اللحظة وإلى الآن جريدة يهودية صِرفة! أما صحيفة الواشنطن بوست فهي الجريدة التي تؤثر تأثيرًا مباشرًا في السياسة الأمريكية، وهي التي يحرص على قراءتها يوميًّا كبار الموظفين في الحكومة الأمريكية، وهي صاحبة التأثير المباشر في الانتخابات الأمريكية، سواء الخاصة بالرئاسة أو بالكونجرس أو بالمحليات.
وكانت هذه الجريدة تُدار من خلال أسرة ماكلين mclean المحافظة، والتي لم تكن تسير بشكل واضح مع قضايا اليهود؛ مما دفع المعلنين اليهود إلى سحب إعلاناتهم من الواشنطن بوست وتوجيهها إلى صحف واشنطن الأخرى، وهذا أدى -مع مرور الوقت- إلى إفلاس الواشنطن بوست نتيجة منافسة الصحف الأخرى، وكان ذلك سنة 1954م، فتقدم اليهودي يوجين ماير (Eugene Meyer) لشراء الصحيفة بمبلغ زهيد نسبيًّا، وتم له ما أراد، وعادت الإعلانات اليهودية إلى الصحيفة الشهيرة، وصارت بذلك أقوى الصحف السياسية في أمريكا صحيفة يهودية.
وما ذكرناه عن صحيفتي نيويورك تايمز والواشنطن بوست ينطبق على صحيفة وول ستريت (Wall Street Journal)، التي تعدّ أكثر صحيفة يومية تجارية توزيعًا في أمريكا، حيث تُوزَّع أكثر من مليوني نسخة يوميًّا، وهي مملوكة لليهودي بيتر كان (Peter Kann).
أما أكثر المجلات الأمريكية توزيعًا فهي مجلات التايم والنيوزويك والنيوز آند وورلد ريبورت، وكلها مجلات يهودية.
وليس الاهتمام اليهودي بالإعلام عن طريقة الصحافة فقط، ولكنهم أيضًا يهتمون بكل وسائل الإعلام الأخرى، فهم يسيطرون بشكل كامل على ثلاث شبكات تليفزيونية تنتج الأكثرية الساحقة من مواد التسلية الأمريكية، وتمثل المصدر الرئيسي للأنباء للأمريكيين، وهذه الشبكات هي NBC وCBC وABC. ولا يخفى على أي متابع لهذه القنوات الصبغة اليهودية الواضحة.
أما في مجال نشر الكتب فاليهود يملكون الشركة الثانية على مستوى أمريكا، وهي شركة سيمون وشاستر (simon & schuster)، ويملكون كذلك الشركة الثالثة، واسمها تايم وارنر تريد جروب (Time warner tread group). كما أنهم يسيطرون على عدة مواقع مهمة في الشركة الأولى على مستوى أمريكا، وهي شركة راندوم هاوس (Random House).
أما مجال إنتاج الأفلام فيقع تحت سيطرة يهودية شبه تامة، وليس عجيبًا أن تجد معظم أسماء الشركات الشهيرة في هذا المجال شركات يهودية صِرفة. ويكفي أن نعلم أن أكبر تجمُّع في العالم الآن هو شركة (والت ديزني) التي تملك تليفزيون والت ديزني، وتليفزيون تاتش ستون، وكذلك تليفزيون بوينا فيستا، إضافة إلى شبكة الكوابل الخاصة بها التي يشترك بها أكثر من 20 مليون مشترك.. وهذه الشركة (والت ديزني) يرأس مجلسها التنفيذي اليهودي ميشيل إيزنر (Michael Eisner).
أما ثاني أكبر تجمع إعلامي فهو تجمع تايم وارنر، والتي يعدّ فرعها الشهير Hbo هو أكبر شركة تليفزيونية على مستوى أمريكا والعالم، وهذا التجمع يُدار بمجلس إدارة يجلس على قمته اليهودي جيرالد ليفين (Gerard Levin).
وتعتبر هوليوود -وهي مدينة السينما الأولى في العالم- مدينة يهودية خالصة، والجميع يعلم ذلك، ولقد قال قبل ذلك الممثل الأمريكي العالمي مارلون براندو سنة 1996م: "إن هوليوود يديرها اليهود، ويملكها اليهود، يظهرون دائمًا مرحين لطفاء محبين كرماء، في الوقت الذي يفضحون فيه أية مجموعة عرقية أخرى". ولقد دفع مارلون براندو ثمن هذه الجرأة، حيث شنت المجموعات اليهودية عليه حربًا شديدة، بل قالوا في تصريح صحفي مباشر أنهم لن يسمحوا له بالعمل في السينما مرة ثانية! وكاد مارلون براندو أن يهلك لولا أنه ركع أمام إمبراطور السينما اليهودي ويسينتال (Wiesenthal) الذي قَبِل منه اعتذاره، على ألاّ يفعل هذا الجرم ثانية!!
إن ما ذكرناه من أمثلة لا يمثل إلا قليل القليل من معلومات هائلة كثيرة، وهذه الوسائل الإعلامية المؤثرة تغيِّر تمامًا من الرأي العام الأمريكي، وتبرز اليهود دائمًا في صورة طيبة جميلة، وتبرز أعداءهم في صورة إرهابية مقيتة. كما أن هذه الوسائل الإعلامية تؤثر بشكل مباشر على انتخابات الرئاسة وغيرها من الانتخابات، ولقد دفع الرئيس الأمريكي السابق نيكسون كرسيه ثمنًا لهجمة صحفية شرسة من جريدة الواشنطن بوست اليهودية الأمريكية.
والسؤال الذي يجب أن نجيب عليه بصراحة: إذا كان هذا هو جهد اليهود، فأين المسلمون؟!
هل يمكن أن يقول أحد: إن اليهود يملكون المال؛ ولذلك فعلوا كل ذلك؟ إن الرد على مثل هذا التحليل الساذج، أن نقول: وهل لا يمتلك المسلمون المال؟ إن الأموال العربية والإسلامية أكثر من أن تُحصى، ولقد شاهدنا جميعًا رئيس الوزراء البريطاني منذ أسابيع وهو يدور على الدول الخليجية يطلب منها المعونة لإنقاذ العالم من الأزمة المالية الطاحنة!!
إن القضية ليست قضية مال..
إنما القضية في الحقيقة هي قضية فكر!!
إننا كثيرًا ما نصرخ بأعلى أصواتنا، ولكن داخل غرفة مغلقة!!
وبينما يتحدث اليهود في وسائل إعلام تخاطب البلايين، وتصل إلى كل مكان في العالم من أقصاه إلى أقصاه، نجد أن المسلمين لا يخاطبون إلا أنفسهم، ولا يشرحون قضاياهم إلا لأبنائهم!!
أيها الأمة العظيمة أمة الإسلام، أليس من أدوار العلماء والدعاة أن يلفتوا أنظار الأمة إلى أهمية هذا المجال الخطير؟ وإلى مدى تأثيره؟!
أليس من مهمة الساسة المسلمين أن يوجِّهوا طاقات دولهم إلى إنشاء إعلام منافس يردُّ على أباطيل اليهود وأكاذيبهم؟!
أليس من اهتمامات الاقتصاديين الإسلاميين أن يُنشِئوا القنوات الفضائية، والمجلات الاحترافية، ومواقع الإنترنت المتمكِّنة التي تحمل أخبارنا بألسنتنا إلى العالم أجمع؟!
أليس من مهمة المسلمين الذين يتقنون اللغات الأجنبية أن يحوِّلوا كل حقائقنا إلى لغات العالم حتى يفهم الجميع قضيتنا بدلاً من التنافس غير المفهوم بين قنوات وجرائد كلها يتكلم اللغة العربية فقط؟!
أليس من مهمة الجاليات المسلمة في البلاد الغربية أن يردوا على هذا الإعلام اليهودي الجبّار بإعلام إسلامي مضاد، وأن يُدخِلوا الإعلام في بؤرة اهتمامهم بدلاً من هذا الإهمال غير المقبول؟!
إنني أعلم أن القضية ليست سهلة، وأن الطريق صعب وطويل، ولكني في ذات الوقت على يقين أنه إذا كان اليهود قد نجحوا فيه، فالمسلمون على النجاح أقدر، ولكن لا بد من بداية جادَّة.
يوم نستطيع أن نجيب على الأسئلة السابقة، سوف يتغير حالنا تغيرًا جذريًّا بإذن الله. وليس من الحكمة ولا الصواب أن نكتفي بلوم اليهود على كذبهم وتزويرهم، بينما يحترف أصحاب الحق السكوت!!
ونسأل الله أن يعز الإسلام والمسلمين!

ديفيد ديوك: الصحوة.. النفوذ اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية، ترجمة د. إبراهيم الشهابي، دار الفكر- دمشق، الطبعة الأولى 2002م، ص179.

المصدر السابق نفسه، ص200.